الأخلاق والآداب

وصية من راقم هذه الحروف إلى القارئ الأخ الكريم وإلى قرة عيني العزيز: اعلم: أن الإنسان فيه قوة الخيرات والشرور، وفيه مادة الحسنات والسيئات، ولا تغلب لهذه القوة وتلك المادة إلى جانب من الجوانب وناحية من النواحي باقتضاء من ذاتها، بل هي تابعة للصور الواردة عليها، فإن خيرا فهي إلى الخير متحركة، وإن شرا فهي إليه مائلة ومجبولة. وتلك الصور الواردة ليست خارجة عن اختيار الإنسان إلا أن منها ما في تحت إرادة الآباء والأمهات، فإذا كانت الأصلاب شامخة والأمهات مطهرة، يلد الإنسان الجامع للهيئات الحسنة، القابلة للحركة نحو الخيرات المطلقة ويأتيان بالمولود المجبول على الحسنات والمشعوف بالخيرات، وإذا كانت الأصلاب والأرحام منحرفة ومظلمة، فتكون النطف محجوبة بالحجب الظلمانية، وبالقوى والطبائع المنحرفة الشيطانية، فيأتيان بالمتهودين والمتنصرين، كما ورد: أن أبويه يهودانه وينصرانه، وإلا فكل مولود يولد على الفطرة (1)، ويكون مجبولا على التوحيد والحركة نحو الكمال المطلق.

وإذا بلغ الإنسان إلى حد الاختيار والإرادة، فلابد من المحافظة على تلك الصور الواردة حتى تنحفظ القوى والطبائع الإلهية المودوعة فيه، وتسير إلى جانب الحق والحقيقة، وتسافر إلى دار الله، وهي دار الوجود والبقاء، ومن الأسباب التي يتمكن الإنسان من صيانة تلك الخمائر والسجلات في ذاته، هو تطبيق روحياته على الكتاب العزيز والقرآن الكريم والصراط المستقيم، وأنه إذا يقرأ هذه الآيات في ابتداء سورة البقرة، لا يقتنع بمجرد اللقلقة وتحسين الصوت وتجويد الحروف والكلمات، بل يكون على بصيرة من أمره مهتديا بالآيات، ومترنما ومترقيا بالحروف والكلمات، مواظبا على إيلاجها في قلبه وإرساخها في روحه ونفسه، ويستمد منها، ويتعذى بغذائها، كما يتغذى بسائر الأغذية، ويجاهد في سبيل ربه بهدى الربوبية، حتى يكون من المفلحين الفائزين الذين مدحهم إله العالمين، من غير اغترار بما في تخيلاته وتسويلاته من المفاهيم القالبية، الخالية عن المعاني والأنوار القلبية. والله ولي التوفيق.


1- راجع عوالي اللآلي 1: 35 / 18، والدر المنثور 5: 155.