الآيات 132-140
قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، قَالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ، إِنْ هَذَا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ، وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ، فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾
القراءة:
قرأ " خلق الأولين " - بفتح الخاء - ابن كثير وأبو عمرو والكسائي وأبو جعفر. الباقون - بضم الخاء واللام - فمن قرأ - بفتح الخاء - أراد: ليس هذا إلا اختلاق الأولين - في قول ابن مسعود - ومن ضم الخاء واللام: أراد ليس هذا الإعادة الأولين، في أنهم كانوا يحيون ويموتون. وقال بعضهم: المعني في " خلق الأولين " خلق أجسامهم، وأنكروا أن يكون المعنى إلا كذب الأولين لأنهم يقولون " ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين " (1). وليس الامر على ما ظنه لأنهم قد سمعوا بالدعاء إلى الدين، وكانوا عندهم كذا بين، فلذلك قال " كذبت عاد المرسلين " (2) وقال " إن هذا إلا أساطير الأولين " (3) وإنما قالوا " ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين " أي ما سمعنا أنهم صدقوا بشئ منه، أو ذكروا آية حق وصواب، بل قالوا باطل، وخطأ. حكى الله تعالى عن هود أنه قال لقومه واتقوا معاصي الله الذي أمدكم بالذي تعلمون من أنواع نعمه، فالامداد اتباع الثاني ما قبله شيئا بعد شئ، على انتظام فهؤلاء أمدهم الله بالمال وبالبنين، يعني الذكور من الأولاد، وبالأنعام من الإبل والبقر والغنم والبساتين التي فيها شجر تحتها عيون جارية فيها، فآتاهم رزقهم على إدرار. فالعيون ينابيع ماء تخرج من باطن الأرض، ثم تجري على ظاهرها وعين الماء مشبه بعين الحيوان في استدارته وتردد الماء إلا أنه جامد في عيون الحيوان يتردد بالشعاع. ثم قال لهم " اني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " يعني يوم القيامة، والعظيم هو الموصوف بالعظم، وفيه مبالغة مثل ما أعظمه لعظم ما فيه من الأهوال. ثم حكى ما أجابه به قومه، فإنهم قالوا له " سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين " وإنما لم يقل سواء علينا أوعظت أم لم تعظ، ليتشاكل رؤس الآي، ومعناه إنا لسنا نقبل منك ما تقوله: سواء علينا وعظك وارتفاعه والوعظ حث بما فيه تليين القلب، للانقياد إلى الحق، والوعظ زجر عما لا يجوز فعله. ومعنى " سواء " أي كل واحد من الامرين مثل الآخر، حصول الوعظ وارتفاعه. ثم قالوا: ليس هذا الذي تدعوه " إلا خلق الأولين " أي كذبهم، فيمن فتح الخاء. والإعادة الأولين وخلقهم. والخلق المصدر من قولك: خلق الله العباد خلقا. والخلق المخلوق من قولهم: يعلم هذا من خلق الناس. قال الفراء: يقولون هذه الأحاديث: خلق يعنون المختلقة. قال والقراءة بضم الخاء أحب إلي، لأنها تتضمن المعنيين. والخلق الاختلاق، وهو افتعال الكذب على التقدير الذي يوهم الحق. ثم أخبروا: إنا لسنا بمعذبين على خلاف ما تدعونا إليه، على ما تدعيه " فكذبوه " يعني هودا " فأهلكناهم إن في ذلك لآية " إلى آخر القصة. وقد فسرناه.
1- سورة 23 المؤمنون آية 24 وسورة 28 القصص آية 36.
2- آية 123 من هذه السورة.
3- سورة 6 الانعام آية 25 وسورة 8 الأنفال آية 31 وسورة 23 المؤمنون آية 84 وسورة 27 النمل آية 68.