الآيات 105-110

قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ يقول الله تعالى مخبرا عن قوم نوح أنهم كذبوا الذين أرسلهم الله بالنبوة. وإنما كذبوهم جميعهم، لأنهم كذبوا كل من دعا إلى توحيد الله، وخلع عبادة الأصنام ممن مضى من الرسل، وغيرهم ممن يأتي. وقال الحسن: لأنهم بتكذيبهم نوحا مكذبون من جاء بعده من المرسلين. ولو لم يكن قبله نبي مرسل. وقال الجبائي: كذبوا من أرسل قبله. وإنما قال " كذبت " بالتأنيث، والقوم مذكر لأنه بمعنى جماعة قوم نوح. ثم بين انهم إنما كذبوه حين " قال لهم اني رسول " من قبل الله تعالى " أمين " على رسالته، والأمين الذي يؤدي الأمانة وضده الخائن، وقد أدى نوح الأمانة في أداء الرسالة، والنصيحة لهم، فلذلك وصفه الله بأنه (أمين). وإنما سماه بأنه (أخوهم) لأنه كان منهم في النسب، وذكر ذلك، لأنهم به آنس وإلى إجابته أقرب فيما ينبغي أن يكونوا عليه، وهم قد صدفوا عنه " ألا تتقون " الله باجتناب معاصيه منكرا بهذا القول عليهم، وإنما جاء الانكار بحرف الاستفهام لأنهم لا جواب لهم عن ذلك إلا بما فيه فضيحتهم، لأنهم: ان قالوا لا نتقي ما يؤدينا إلى الهلاك هتكوا نفوسهم وخرجوا عن عداد العقلاء. وان قالوا: بل نتقيه لزمهم ترك عبادة الأصنام. ثم قال لهم " فاتقوا الله " واجتنبوا معاصيه وافعلوا طاعاته " وأطيعون " فيما أمركم به، وأدعوكم إليه. ثم قال لهم ﴿ وما أسألكم عليه ﴾ على ما أدعوكم إليه. ﴿ من أجر ﴾ فيصرفكم ذلك عن الايمان، لأنه ليس أجري، وثوابي ﴿ الا على رب العالمين ﴾ الذي خلق جميع الخلائق، ثم كرر عليهم قوله ﴿ فاتقوا الله وأطيعون ﴾ لاختلاف المعنى فيه، لان التقدير، فاتقوا الله وأطيعوني لأني رسول أمين، واتقوا الله وأطيعوني لأني لا أسألكم أجرا عليه فتخافون ثلم أموالكم. والطاعة إجابة الداعي بموافقة ارادته مع كون الداعي فوقه، فالرتبة معتبرة.