الآيات 71-80

قوله تعالى: ﴿قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ، قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ، أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ، قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ، قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ، أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾

حكى الله تعالى ما أجاب به قوم إبراهيم حين قال لهم إبراهيم " ما تعبدون "؟فإنهم " قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين " أي مقيمين مداومين على عبادتنا يقال: عكف عكوفا، فهو عاكف، واعتكف اعتكافا. قال ابن عباس: معناه فنظل لها مصلين. وقيل: في وجه دخول الشبهة عليهم في عبادة الأصنام أشياء:

أحدها: انهم اعتقدوا أنها تقربهم إلى الله زلفى كما يتقرب بتقبيل بساط الملك إليه.

ومنها: أنهم اتخذوا هياكل النجوم ليحظوا بتوجه العبادة إلى هياكلها، كما يفعل بالهند.

ومنها: ارتباط عبادة الله بصورة يرى منها.

ومنها: انهم توهموا خاصية في عبادة الصنم يحظى بها، كالخاصية في حجر المغناطيس. والشبهة الكبرى العامة في ذلك تقليد الذين دخلت عليهم الشبهة، ولذلك " قالوا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون " ولم يحتجوا بشئ سوى التقليد، الذي هو قبيح في العقول. والعبادة خضوع بالقلب في أعلى مراتب الخضوع، فلا تستحق إلا بأصول النعم وبما كان في أعلى المراتب من الانسان، فكل من عبد غير الله، فهو جاهل بموجب العبادة، كافر لنعم الله، لان من حقه إخلاص العبادة له. فقال لهم إبراهيم (ع) " هل يسمعونكم " هذه الأصنام التي تعبدونها إذا دعوتموها! أي هل يسمعون أصواتكم، لان أجسامهم لا تسمع " أو ينفعونكم " بشئ من المنافع " أو يضرون " بشئ من المضار!. وإنما قال ذلك، لان من لا يملك النفع والضر، لا تحسن عبادته، لأنها ضرب من الشكر، ولا يستحق الشكر إلا بالنعم، فمن لا يصح منه الانعام يقبح شكره، ومن قبح شكره قبحت عبادته. فقالوا عند ذلك " وجدنا آباءنا كذلك يفعلون " أحالوا على مجرد التقليد. فقال لهم إبراهيم منكرا عليهم التقليد " أفرأيتم ما كنتم تعبدون " من الأصنام " أنتم " الآن " وآباؤكم الأقدمون " المتقدمون، فالأقدم الموجود قبل غيره، ومثله الأول والأسبق. والقدم وجود الشئ لا إلى أول ثم قال إبراهيم " فإنهم " عدو لي يعني الأصنام جمعها جمع العقلاء، لما وصفها بالعداوة التي تكون من العقلاء، لان الأصنام كالعدو في الصورة بعبادتها، ويجوز أن يكون، لأنه كان منهم من لا يعبد إلا الله مع عبادة الأصنام فغلب ما يعقل ولذلك استثناه، فقال " إلا رب العالمين " لأنه استثناء من جميع المعبودين، وعلى الوجه الأول يكون الاستثناء منقطعا وتكون (إلا) بمعنى لكن ثم وصف رب العالمين فقال: هو " الذي خلقني " وأخرجني من العدم إلى الوجود " فهو يهدين " لان هداية الخلق إلى الرشاد أمر يجل، فلا يكون إلا ممن خلق الخلق كأنه قيل من يهديك؟ومن يسد خلتك بما يطعمك ويسقيك؟ومن إذا مرضت يشفيك؟فقال - دالا بالمعلوم على المجهول " الذي خلقني، فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين " بمعنى أنه يرزقني ما يوصلني إلى ما فيه صلاحي " وإذا مرضت فهو يشفين " بان يفعل ما يحفظ بدني ويصح جسمي ويرزقني ما يوصلني إليه.