الآية 113

قوله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾

المعنى:

معنى الآية لولا أنه تعالى تفضل عليك يا محمد فعصمك بتوفيقه وبيانه لك أمر هذا الخائن حتى كففت عن الجدال عنه " لهمت طائفة " ومعناه لقد همت فرقة منهم، بتقدير (قد) ذكره الفراء. ويعني بالفرقة التي همت من الخائنين أنفسهم " أن يضلوك " بمعنى يزلوك عن الحق، ويخطئوك. وقيل: يهلكوك بتلبيسهم أمر الخائن عليك وشهادتهم عندك بأنه برئ مما ادعي عليه، ثم قال تعالى: " وما يضلون " هؤلاء الذين هموا باضلالك عن الواجب في أمر هذا الخائن " إلا أنفسهم ". واضلالهم أنفسهم كان بأن الله لما كان قد بين لهم ما ينبغي أن يعملوا عليه من المعاونة على البر والتقوى، والا يتعاونوا على الاثم والعدوان، فلما عدلوا عن ذلك وتعاونوا على الاثم والعدوان، فكانوا بذلك مضلين أنفسهم عن طريق الحق. وقوله: " وما يضرونك من شئ " يعني هؤلاء الذين هموا بازلالك، لا يضرونك، لان الله قد يثبتك ويسددك في أمورك، ويبين لك أمر المحق والمبطل. " وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة " معناه ومن فضل الله عليك يا محمد، ما تفضل به عليك، انزاله عليك الكتاب الذي هو القرآن، وفيه تبيان كل شئ وهدى وموعظة وانزل عليك الحكمة مضافة إلى الكتاب، وهي بيان ما ذكره في الكتاب مجملا من أحكام الكتاب: من الحلال والحرام، والأمر والنهي " وعلمك ما لم تكن تعلم " من خبر الأولين والآخرين وما كان وما هو كائن. وكل ذلك من فضل الله. وقوله: " وكان فضل الله عليك عظيما " يعني لم يزل فضل الله عليك يا محمد عظيما، فاشكره على ما أولاك من نعمه واحسانه. قال الجبائي: وفي الآية دلالة على أن التسمية بالضلال تسمى اضلالا، لأنه لو كان ذلك صحيحا، لكانوا قد أضلوا النبي صلى الله عليه وآله حيث نسبوه إلى الضلال وقد نفى الله عنه ذلك. وهذا ليس بصحيح لامرين:

أحدهما: انهم ما سموه بهذا الفعل ضالا، وإنما قصدوا التمويه، والتلبيس عليه، فلما كشف الله تعالى ذلك بطل غرضهم.

الثاني: ان من قال: إن الضلال يكون بمعنى التسمية لم يقل: إنه لا يكون الا كذلك، لان الاضلال على وجوه مختلفة: بمعنى التسمية، وغير ذلك مما بيناه فيما تقدم. والاضلال يكون بمعنى الدفن قال النابغة:

وآب مضلوه بغير جلية * وغودر بالجولان جرم ونائل (1)

يعني دافنوه.


1- انظر 1: 296.