المدثر

سورة المدثر

مكية آياتها ست وخمسون (بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر) قال: أنذر الرسول صلى الله عليه وآله، فالمدثر يعني المدثر بثوبه، " قم فأنذر " قال: هو قيامه في الرجعة ينذر فيها قوله " وثيابك فطهر " قال: تطهيرها تقصيرها وقال: شيعتنا يطهرون قوله (والرجز فاهجر) الرجز الخبيث قوله (ولا تمنن تستكثر) وفي رواية أبي الجارود يقول لا تعطي العطية تلتمس أكثر منها، وقال علي بن إبراهيم في قوله (فإذا نقر في الناقور - إلى قوله - ذرني ومن خلقت وحيدا) فإنها نزلت في الوليد بن المغيرة وكان شيخا كبيرا مجربا من دهاة العرب، وكان من المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وآله، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقعد في الحجرة ويقرأ القرآن فاجتمعت قريش إلى الوليد بن المغيرة، فقالوا: يا أبا عبد الشمس ما هذا الذي يقول محمد أشعر هو أم كهانة أم خطب ؟

!

فقال دعوني أسمع كلامه، فدنا من رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد أنشدني من شعرك، قال: ما هو شعر ولكنه كلام الله الذي ارتضاه لملائكته وأنبيائه، فقال: أتل على منه شيئا، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله حم السجدة فلما بلغ قوله فان اعرضوا - يا محمد - أعني قريشا - فقل لهم أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، قال: فاقشعر الوليد وقامت كل شعرة في رأسه ولحيته ومر إلى بيته ولم يرجع إلى قريش من ذلك، فمشوا إلى أبي جهل فقالوا: يا أبا الحكم ان أبا عبد الشمس صبا إلى دين محمد أما تراه لم يرجع الينا، فغدا أبو جهل فقال له: يا عم نكست رؤوسنا وفضحتنا وأشمت بنا عدونا وصبوت إلى دين محمد، فقال ما صبوت إلى دينه ولكني سمعت منه كلاما صعبا تقشعر منه الجلود، فقال له أبو جهل: أخطب هو؟

قال: لا ان الخطب كلام متصل وهذا كلام منثور ولا يشبه بعضه بعضا قال أفشعر هو قال لا، اما اني قد سمعت أشعار العرب بسيطها ومد يدها ورملها ورجزها وما هو بشعر، قال فما هو؟

قال دعني أفكر فيه فلما كان من الغد قالوا يا أبا عبد شمس ما تقول فيما قلناه؟

قال: قولوا هو سحر فإنه أخذ بقلوب الناس، فأنزل الله على رسوله في ذلك " ذرني ومن خلقت وحيدا " وإنما سمي وحيدا (1) لأنه قال لقريش أنا أتوحد بكسوة البيت سنة وعليكم في جماعتكم سنة، وكان له مال كثير وحدائق وكان له عشر بنين بمكة وكان له عشرة عبيد عند كل عبد ألف دينار يتجر بها وتلك القنطار في ذلك الزمان ويقال ان القنطار جلد ثور مملو ذهبا، فأنزل الله (ذرني ومن خلقت - إلى قوله - صعودا) قال: جبل يسمى صعودا (ثم نظر ثم عبس وبسر) قال عبس وجهه، وبسر قال ألقى شدقه (ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر - إلى قوله - ما سقر) واد في النار (لا تبقي ولا تذر) أي لا تبقيه ولا تذره (لواحة للبشر عليها تسعة عشر) قال تلوح عليه فتحرقه، عليها تسعة عشر قال ملائكة يعذبونهم وهو قوله (وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة) وهم ملائكة في النار يعذبون الناس (وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا) قال لكل رجل تسعة عشر من الملائكة يعذبونهم.

قال حدثنا أبو العباس قال حدثنا يحيى بن زكريا عن علي بن حسان عن عمه عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله (ذرني ومن خلقت وحيدا) قال الوحيد ولد الزنا وهو زفر (وجعلت له مالا ممدودا) قال أجلا إلى مدة (وبنين شهودا) قال أصحابه الذين شهدوا ان رسول الله لا يورث (ومهدت له تمهيدا) ملكه الذي ملكه مهده له (ثم يطمع ان أزيد كلا انه كان لآياتنا عنيدا) قال لولاية أمير المؤمنين عليه السلام جاحدا عاندا لرسول الله صلى الله عليه وآله فيها (سأرهقه صعودا انه فكر وقدر) فكر فيما امر به من الولاية وقدر إن مضى رسول الله صلى الله عليه وآله ان لا يسلم لأمير المؤمنين عليه السلام البيعة التي بايعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله (فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر) قال عذاب بعد عذاب يعذبه القائم عليه السلام ثم نظر إلى النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام ف? (عبس وبسر) مما امر به ثم (ادبر واستكبر) فقال إن هذا إلا سحر يؤثر، قال: زفر ان النبي صلى الله عليه وآله سحر الناس بعلي عليه السلام (ان هذا إلا قول البشر) أي ليس هو وحيا من الله عز وجل (سأصليه سقر) إلى آخر الآية فيه نزلت.

وقال علي بن إبراهيم في وقوله: (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين) قال اليمين أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه شيعته فيقولون لأعداء آل محمد (ما سلككم في سقر) فيقولون (لم نك من المصلين) اي لم نك من أتباع الأئمة (ولم نك نطعم المسكين) قال: حقوق آل محمد من الخمس لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وهم آل محمد عليهم السلام (وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين) اي يوم المجازاة (حتى أتانا اليقين) اي الموت وقوله (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) قال: لو أن كل ملك مقرب ونبي مرسل شفعوا في ناصب آل محمد ما قبل منهم ما شفعوا فيه ثم قال (فما لهم عن التذكرة معرضين) قال عما يذكر لهم من موالاة أمير المؤمنين عليه السلام (كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة) يعني من الأسد قوله (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) قال هو أهل ان يتقى وأهل ان يغفر.

أخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشا عن محمد ابن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (انها لاحدى الكبر نذيرا للبشر) قال يعني فاطمة عليها السلام، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (بل يريد كل امرئ منهم ان يؤتى صحفا منشرة) وذلك انهم قالوا يا محمد قد بلغنا ان الرجل من بني إسرائيل كان يذنب الذنب فيصبح وذنبه مكتوب عند رأسه وكفارته فنزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وقال يسألك قومك سنة بني إسرائيل في الذنوب فان شاؤوا فعلنا ذلك بهم وأخذناهم بما كنا نأخذ به بني إسرائيل فزعموا أن رسول الله كره ذلك لقومه.


1- كذا في ط و م وليس في تفسير البرهان لفظ " ماذنها " ويحتمل التصحيف في الشعر كما يظهر من شرح المصنف له في العبارة الآتية لأنه فيها لفظ " شطوها " ويحتمل أن يكون هكذا يكاد ماذنها يكون شطرها ج. ز.