الأنعام

سورة الأنعام

مكية

وهي مأة وخمس وستون آية (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) فإنه حدثني أبي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال نزلت الانعام جملة واحدة ويشيعها سبعون الف ملك لهم زجل (1) بالتسبيح والتهليل والتكبير فمن قرأها سبحوا له إلي يوم القيامة، واما قوله (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى اجلا واجل مسمى عنده) فإنه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن الحلبي عن عبد الله عن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال الأجل المقضي هو المحتوم الذي قضاه الله وحتمه والمسمى هو الذي فيه البداء (2) يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء، والمحتوم ليس فيه تقديم ولا تأخير، وحدثني ياسر عن الرضا عليه السلام قال ما بعث الله نبيا إلا بتحريم الخمر وان يقر له بالبداء ان يفعل الله ما يشاء وأن يكون في تراثه الكندر وقوله (وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) قال السر ما أسر في نفسه والجهر ما أظهره والكتمان ما عرض بقلبه ثم نسيه وقوله (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين - إلى قوله - وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا ان هذا إلا سحر مبين) فإنه محكم ثم قال حكاية عن قريش (وقالوا لولا انزل عليه ملك) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله (ولو أنزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون) فأخبر عز وجل ان الآية إذا جاءت والملك إذا نزل ولم يؤمنوا هلكوا، فاستعفي النبي صلى الله عليه وآله من الآيات رأفة ورحمة على أمته وأعطاه الله الشفاعة ثم قال الله (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وألبسنا عليهم ما يلبسون ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤن) أي نزل بهم العذاب ثم قال لهم قل لهم يا محمد (سيروا في الأرض ثم انظروا) أي انظروا في القرآن واخبار الأنبياء فانظروا (كيف كان عاقبة المكذبين) ثم قال قل لهم (لمن ما في السماوات والأرض) ثم رد عليهم فقال قل لهم (لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة) يعني أوجب الرحمة على نفسه وقوله (وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم) يعني ما خلق بالليل والنهار هو كله لله، ثم احتج عز وجل عليهم فقال قال لهم (أغير الله اتخذ وليا فاطر السماوات والأرض) اي مخترعها وقوله (وهو يطعم ولا يطعم - إلى قوله - وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير) فإنه محكم، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (قل اي شئ أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم) وذلك أن مشركي أهل مكة قالوا يا محمد ما وجد الله رسولا يرسله غيرك، ما نرى أحدا يصدقك بالذي تقول، وذلك في أول ما دعاهم وهو يومئذ بمكة، قالوا ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى وزعموا أنه ليس لك ذكر عندهم فتأتينا من يشهد انك رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله " الله شهيد بيني وبينكم الآية " قال إنكم لتشهدون ان مع الله آلهة أخرى، يقول الله لحمد فان شهدوا فلا تشهد معهم، قال (لا اشهد قل إنما هو إله واحد وانني برئ مما تشركون) واما قوله (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الآية) فان عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام هل تعرفون محمدا في كتابكم؟

قال نعم والله نعرفه بالنعت الذي نعت الله لنا إذا رأيناه فيكم كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه مع الغلمان والذي يحلف به ابن سلام لأنا بمحمد هذا أشد معرفة مني بابني، قال الله (الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون) وقال علي بن إبراهيم ثم قال قل لهم يا محمد " أي شئ أكبر شهادة " يعني أي شئ أصدق قولا ثم قال " قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحى إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ " قال من بلغ هو الإمام قال محمد ينذر وانا نقول كما أنذر به النبي صلى الله عليه وآله وقوله (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته انه لا يفلح الظالمون) فإنه محكم، وقوله (ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم) أي كذبهم (إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) والدليل على أن الفتنة ههنا الكذب قوله (انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون) أي ضل عنهم كذبهم ثم ذكر قريشا فقال (ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة ان يفقهوه) يعني غطاء (وفي آذانهم وقرا) اي صمما (3) (وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاؤوك يجادلونك) أي يخصمونك (يقول الذين كفروا ان هذا إلا أساطير الأولين) أي أكاذيب الأولين، وقوله (وهم ينهون عنه وينؤن عنه) قال بنو هاشم كانوا ينصرون رسول الله صلى الله عليه وآله ويمنعون قريشا عنه وينأون عنه اي يباعدون عنه ويساعدونه ولا يؤمنون، وقوله (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) قال نزلت في بني أمية ثم قال:

(بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل) قال من عداوة أمير المؤمنين عليه السلام (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون) ثم حكى عز وجل قول الدهرية فقال (وقالوا ان هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين) فقال الله (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم) قال قال حكاية عن قول من انكر قيام الساعة فقال:

(قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون) يعني آثامهم وقوله (وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون) محكم.

وقوله (قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) فإنها قرئت على أبي عبد الله عليه السلام فقال بلى والله لقد كذبوه أشد التكذيب وإنما نزل " لا يأتونك " أي لا يأتون بحق يبطلون حقك، حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث (البختري ط) قال قال أبو عبد الله عليه السلام يا حفص ان من صبر صبر قليلا وان من جزع جزع قليلا ثم قال عليك بالصبر في جميع أمورك فان الله بعث محمدا وأمره بالصبر والرفق فقال " واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا " (4) فقال " ادفع بالتي هي أحسن السيئة فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " (5) فصبر رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قابلوه بالعظائم ورموه بها فضاق صدره، فأنزل الله " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون " (6) ثم كذبوه ورموه فحزن لذلك فأنزل الله تعالى (قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا) فألزم نفسه الصبر صلى الله عليه وآله فقعدوا وذكروا الله تبارك وتعالى بالسوء وكذبوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكرهم إلهي فأنزل الله " ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون " (7) فصبر رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع أحواله، ثم بشر في الأئمة من عترته ووصفوا بالصبر " وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون " (8) فعند ذلك قال عليه السلام الصبر من الايمان كالرأس من البدن فشكر الله له ذلك فأنزل الله عليه " وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون " (9) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله آية بشرى وانتقام، فأباح الله قتل المشركين حيث وجدوا فقتلهم على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وأحبائه وعجل الله له ثواب صبره مع ما ادخر له في الآخرة.

وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (وإن كان كبر عليك اعراضهم (قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب اسلام الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف دعاه رسول الله صلى الله عليه وآله ان يسلم فغلب عليه الشقاء فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله (وإن كان كبر عليك اعراضهم - إلى قوله - نفقا في الأرض) يقول سربا، فقال علي بن إبراهيم في قوله (نفقا في الأرض أو سلما في السماء) قال إن قدرت ان تحفر الأرض وتصعد السماء أي لا تقدر على ذلك، ثم قال:

(ولو شاء الله لجمعهم على الهدى) اي جعلهم كلهم مؤمنين وقوله (فلا تكونن من الجاهلين) مخاطبة للنبي والمعنى للناس ثم قال (إنما يستجيب الذين يسمعون) يعني يعقلون ويصدقون (والموتى يبعثهم) الله اي يصدقون بان الموتى يبعثهم الله (وقالوا لولا نزل عليه آية) اي هلا انزل عليه آية، قال (ان الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون) قال لا يعلمون ان الآية إذا جاءت ولم يؤمنوا بها ليهلكوا وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " ان الله قادر على أن ينزل آية " وسيريكم في آخر الزمان آيات، منها دابة في الأرض، والدجال، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام وطلوع الشمس من مغربها، وقوله (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) يعني خلق مثلكم، وقال كل شئ مما خلق خلق مثلكم (ما فرطنا في الكتاب من شئ) اي ما تركنا (ثم إلى ربهم يحشرون) وقوله (والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات) يعني قد خفي عليهم ما تقوله (من يشاء الله يظله) اي يعذبه (ومن يشاء يجعله على صراط مستقيم) يعني يبين له ويوفقه حتى يهتدي إلى الطريق.

حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا جعفر بن عبد الله قال حدثنا كثير بن عياش عن أبي الجارود عن أبي جعفر صلوات الله عليه في قوله " الذين كذبوا بآياتنا صم بكم " يقول صم عن الهدى وبكم لا يتكلمون بخير " في الظلمات " يعني ظلمات الكفر " من يشاء الله يظلله ومن يشاء يجعله على صراط مستقيم " وهو رد على قدرية هذه الأمة، يحشرهم الله يوم القيامة مع الصابئين والنصارى والمجوس، فيقولون " والله ربنا ما كنا مشركين " يقول الله " انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون " (10) قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أن لكل أمة مجوس، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر ويزعمون ان المشية والقدرة إليهم ولهم أخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن علي بن أسباط عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله " والله ربنا ما كنا مشركين " بولاية علي عليه السلام، حدثنا جعفر بن أحمد قال حدثنا عبد الكريم قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل " الذين كذبوا بآياتنا صم بكم في الظلمات من يشاء الله يضلله ومن يشاء يجعله على صراط مستقيم " فقال أبو جعفر نزلت في الذين كذبوا بأوصيائهم، صم بكم، كما قال الله في الظلمات، من كان من ولد إبليس فإنه لا يصدق بالأوصياء ولا يؤمن بهم ابدا وهم الذين أضلهم الله، ومن كان من ولد آدم آمن بالأوصياء فهم على صراط مستقيم، قال وسمعته يقول كذبوا بآياتنا كلها في بطن القرآن ان كذبوا بالأوصياء كلهم، ثم قال قل لهم يا محمد (أرأيتكم ان اتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون ان كنتم صادقين) ثم رد عليهم فقال:

(بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه ان شاء وتنسون ما تشركون) قال تدعون الله إذا أصابكم ضر ثم إذا كشف عنكم ذلك تنسون ما تشركون، أي تتركون الأصنام، وقوله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلم يتضرعون) يعني كي يتضرعوا ثم قال (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) فلما لم يتضرعوا فتح الله عليهم الدنيا وأغناهم عقوبة لفعلهم الردي فلما (فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) اي آيسون وذلك قول الله تبارك وتعالى في مناجاته لموسى عليه السلام، حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال كانت مناجاة الله لموسى عليه السلام يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين، وإذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته، فما فتح الله على أحد هذه الدنيا إلا بذنب لينسيه ذلك فلا يتوب فيكون اقبال الدنيا عليه عقوبة لذنوبه.

حدثنا جعفر بن أحمد قال حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله عز وجل (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ) قال اما قوله " فلما نسوا ما ذكروا به " يعني فلما تركوا ولاية علي أمير المؤمنين عليه السلام وقد أمروا به " فتحنا عليهم أبواب كل شئ " يعني دولتهم في الدنيا وما بسط لهم فيها واما قوله " حتى إذا فرحوا بما أوتوا اخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون " يعني بذلك قيام القائم حتى كأنهم لم يكن لهم سلطان قط، فذلك قوله بغتة فنزلت بخبره هذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله وقوله (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) فإنه حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن فضيل بن عياض عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الورع فقال الذي يتورع عن محارم الله ويجتنب الشبهات وإذا لم يتق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه وإذا رأى المنكر ولم ينكره وهو يقدر عليه فقد أحب ان يعصى الله اختيارا ومن أحب ان يعصي الله فقد بارز الله بالعداوة ومن أحب بقاء الظالمين فقد أحب ان يعصي الله ان الله تبارك وتعالى حمد نفسه على هلاك الظالمين قال " فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " وقوله (قل أرأيتم ان اخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون) قال قل لقريش ان اخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من يرد ذلكم عليكم إلا الله) وقوله " ثم هم يصدفون " اي يكذبون، وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم " يقول إن اخذ الله منكم الهدى من آله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون يقول يعترضون، واما قوله (قل أرأيتكم ان اتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون) فإنها نزلت لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وأصاب أصحابه الجهد والعلل والمرض فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله عز وجل قل لهم يا محمد أرأيتم ان اتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون، أي انهم لا يصيبهم إلا الجهد والضرر في الدنيا، فاما العذاب الأليم الذي فيه الهلاك فلا يصيب إلا القوم الظالمين.

وقوله (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون - ثم قال قل لهم يا محمد - لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا أقول لكم انى ملك ان اتبع إلا ما يوحى إلي) قال ما أملك لكم خزائن الله ولا أعلم الغيب واما قوله (انها من عند الله - ثم قال - هل يستوي الأعمى والبصير) اي من يعلم ومن لا يعلم (أفلا تتفكرون) ثم قال (وانذر به) يعني بالقران (الذين يخافون) اي يرجون (ان يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون).

واما قوله (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين) فإنه كان سبب نزولها انه كان بالمدينة قوم فقراء مؤمنون يسمون أصحاب الصفة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله أمرهم ان يكونوا في الصفة يأوون إليها، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتعاهدهم بنفسه وربما حمل إليهم ما يأكلون، وكانوا يختلفون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فيقربهم ويقعد معهم ويؤنسهم وكان إذا جاء الأغنياء والمترفون من أصحابه أنكروا عليه ذلك ويقولون له اطردهم عنك فجاء يوما رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده رجل من أصحاب الصفة قد لزق برسول الله صلى الله عليه وآله ورسول الله صلى الله عليه وآله يحدثه، فقعد الأنصاري بالبعد منهما، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله تقدم فلم يفعل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله لعلك خفت ان يلزق فقره بك فقال الأنصاري اطرد هؤلاء عنك، فأنزل الله " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه..

الخ) ثم قال:

(وكذلك فتنا بعضهم ببعض) اي اختبرنا الأغنياء بالغناء لننظر كيف مواساتهم للفقراء وكيف يخرجون ما فرض الله عليهم في أموالهم، فاختبرنا الفقراء لننظر كيف صبرهم على الفقر وعما في أيدي الأغنياء (وليقولوا) اي الفقراء (أهؤلاء) الأغنياء (من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين) ثم فرض الله على رسوله صلى الله عليه وآله ان يسلم على التوابين والذين عملوا السيئات ثم تابوا فقال (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة) يعني أوجب الرحمة لمن تاب والدليل على ذلك قوله (انه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم) وقوله (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين) يعني مذهبهم وطريقتهم تستبين إذا وصفناهم، ثم قال (قل اني نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما انا من المهتدين، قل انى على بينة من ربي وكذبتم به) (11) اي بالبينة التي انا عليها (ما عندي ما تستعجلون به) يعني الآيات التي سألوها (ان الحكم إلا الله يقص الحق وهو خير الفاصلين) اي يفصل بين الحق والباطل ثم قال (قل لهم لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الامر بيني وبينكم) يعني إذا جاءت الآية هلكتم وانقضى ما بيني وبينكم وقوله (وعنده مفاتح الغيب) يعني عالم الغيب (لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) قال الورقة السقط، والحبة الولد، وظلمات الأرض الأرحام، والرطب ما يبقى ويحيى، واليابس ما تغيض الأرحام، وكل ذلك في كتاب مبين وقوله (وهو الذي يتوفاكم بالليل) يعني بالنوم (ويعلم ما جرحتم بالنهار) يعني ما عملتم بالنهار وقوله (ثم يبعثكم فيه) يعنى ما عملتم من الخير والشر وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (ليقضى اجل مسمى) قال هو الموت (ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون) واما قوله (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة) يعني الملائكة الذين يحفظونكم ويحفظون اعمالكم (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا) وهم الملائكة (وهم لا يفرطون) اي لا يقصرون (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو اسرع الحاسبين) وقوله (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية إلى قوله (ثم أنتم تشركون) فإنه محكم وقوله (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض) فقوله " يبعث عليكم عذابا من فوقكم " قال السلطان الجائر (أو من تحت أرجلكم) قال السفلة ومن لا خير فيه (أو يلبسكم شيعا) قال العصبية (ويذيق بعضكم بأس بعض) قال سوء الجوار، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " وهو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم " هو الدخان والصيحة " أو من تحت أرجلكم " وهو الخسف " أو يلبسكم شيعا " وهو اختلاف في الدين وطعن بعضكم على بعض " ويذيق بعضكم بأس بعض " وهو ان يقتل بعضكم بعضا: وكل هذا في أهل القبلة كذا يقول الله (انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون وكذب به قومك) وهم قريش وقوله (لكل نبأ مستقر) يقول لكل نبأ حقيقة (وسوف تعلمون) وأيضا قال (انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون) يعني كي يفقهوا وقوله (وكذب به قومك وهو الحق) يعني القرآن كذبت به قريش (قل لست عليكم بوكيل لكل نبأ مستقر) اي لكل خبر وقت وسوف تعلمون.

وقوله (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) يعني الذين يكذبون بالقرآن ويستهزؤن، ثم قال فان أنساك الشيطان في ذلك الوقت عما أمرتك به (فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن سيف بن عميرة عن عبد الأعلى بن أعين قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس في مجلس يسب فيه امام أو يغتاب فيه مسلم ان الله يقول في كتابه " فإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا..

الخ " وقوله (وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ) أي ليس يؤخذ المتقون بحساب الذين لا يتقون (ولكن ذكرى) اي اذكر (لعلهم يتقون) كي يتقوا ثم قال (وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا) يعني الملاهي (وذكر به ان تبسل نفس) أي تسلم (ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وان تعدل كل عدل لا يؤخذ منها) يعني يوم القيامة لا يقبل منها فداء ولا صرف (أولئك الذين ابسلوا بما كسبوا) أي اسلموا باعمالهم (12) (لهم شراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون) وقوله احتجاجا على عبدة الأوثان (قل - لهم - أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله) وقوله (كالذي استهوته الشياطين) أي خدعتهم في الأرض فهو (حيران).

وقوله (له أصحاب يدعونه إلى الهدى إئتنا) يعنيي ارجع الينا وهو كناية عن إبليس فرد الله عليهم فقال قل لهم يا محمد (ان هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين) وقوله (وأقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير) فإنه محكم.

ثم حكى عز وجل قول إبراهيم عليه السلام (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة انى أريك وقومك في ضلال مبين) فإنه محكم واما قوله (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقتين) فإنه حدثني أبي عن إسماعيل بن ضرار (مرار ط) عن يونس بن عبد الرحمان عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال كشط له عن الأرض ومن عليها وعن السماء ومن فيها والملك الذي يحملها والعرش ومن عليه، وفعل ذلك برسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام، وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب الخزاز عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض التفت فرأى رجلا يزني فدعا عليه فمات، ثم رأى آخر فدعا عليه فمات ثم رأى ثالثة فدعا عليهم فماتوا، فأوحى الله يا إبراهيم ان دعوتك مستجابة فلا تدع على عبادي فاني لو شئت لم أخلقهم، انى خلقت خلقي على ثلاثة أصناف، صنف يعبدني ولا يشركون بي شيئا فأثيبه، وصنف يعبدون غيري فليس يفوتني، وصنف يعبدون غيري فأخرج من صلبه من يعبدني، واما قوله (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربى فلما أفل) اي غاب (قال لا أحب الآفلين) فإنه حدثني أبي عن صفوان عن ابن مسكان قال قال أبو عبد الله عليه السلام ان آزر (13) أبا إبراهيم كان منجما لنمرود بن كنعان فقال له انى أرى في حساب النجوم ان هذا الزمان يحدث رجلا فينسخ هذا الدين ويدعو إلى دين آخر، فقال نمرود في أي بلاد يكون؟

قال في هذه البلاد، وكان منزل نمرود بكونى ربا (كوثي ريا خ ل) فقال له نمرود قد خرج إلى الدنيا؟

قال آزر لا، قال فينبغي ان يفرق بين الرجال والنساء، ففرق بين الرجال والنساء، وحملت أم إبراهيم عليه السلام ولم تبين حملها، فلما حان ولادتها قالت يا آزر انى قد اعتللت وأريد ان اعتزل عنك، وكان في ذلك الزمان المرأة إذا اعتلت اعتزلت عن زوجها، فخرجت واعتزلت عن زوجها واعتزلت في غار، ووضعت بإبراهيم عليه السلام فهيئته وقمطته، ورجعت إلى منزلها وسدت باب الغار بالحجارة، فاجرى الله لإبراهيم عليه السلام لبنا من ابهامه، وكانت أمه تأتيه ووكل نمرود بكل امرأة حامل فكان يذبح كل ولد ذكر، فهربت أم إبراهيم بإبراهيم من الذبح، وكان يشب إبراهيم في الغار يوما كما يشب غيره في الشهر، حتى اتى له في الغار ثلاثة عشر سنة فلما كان بعد ذلك زارته أمه، فلما أرادت ان تفارقه تشبث بها، فقال يا أمي أخرجيني، فقالت له يا بني ان الملك ان علم انك ولدت في هذا الزمان قتلك، فلما خرجت أمه وخرج من الغار وقد غابت الشمس نظر إلى الزهرة في السماء، فقال هذا ربي فلما أفلت قال لو كان هذا ربي ما تحرك ولا برح ثم قال لا أحب الآفلين الآفل الغائب، فلما نظر إلى المشرق رأى وقد طلع القمر، قال هذا ربي هذا أكبر وأحسن فلما تحرك وزال قال:

(لان لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين) فلما أصبح وطلعت الشمس ورأي ضوءها وقد أضاءت الدنيا لطلوعها قال هذا ربي هذا أكبر وأحسن فلما تحركت وزالت كشف الله له عن السماوات حتى رأي العرش ومن عليه واراه الله ملكوت السماوات والأرض فعند ذلك قال (يا قوم اني برئ مما تشركون اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما انا من المشركين) فجاء إلى أمه وأدخلته دارها وجعلته بين أولادها.

وسئل أبو عبد الله عليه السلام عن قول إبراهيم هذا ربي أشرك في قوله هذا ربي؟

فقال لا من قال هذا اليوم فهو مشرك، ولم يكن من إبراهيم شرك وإنما كان في طلب ربه وهو من غيره شرك، فلما دخلت أم إبراهيم بإبراهيم دارها نظر إليه آزر فقال من هذا الذي قد بقي في سلطان الملك والملك يقتل أولاد الناس فقالت هذا ابنك ولدته في وقت كذا وكذا حين اعتزلت عنك، فقال ويحك ان علم الملك بهذا زالت منزلتنا عنده وكان آزر صاحب أمر نمرود ووزيره وكان يتخذ الأصنام له وللناس ويدفعها إلى ولده ويبيعونها، فقالت أم إبراهيم لآزر لا عليك ان لم يشعر الملك به، بقي لنا ولدنا وان شعر به كفيتك الاحتجاج عنه وكان آزر كلما نظر إلى إبراهيم أحبه حبا شديدا وكان يدفع إليه الأصنام ليبيعها كما يبيع اخوته، فكان بعلق في أعناقها الخيوط ويجرها على الأرض ويقول من يشتري ما (لا ط) يضره ولا ينفعه ويغرقها في الماء والحماة، ويقول لها كلي واشربي وتكلمي، فذكر اخوته ذلك لأبيه فنهاه فلم ينته فحبسه في منزله ولم يدعه يخرج، وحاجه قومه فقال إبراهيم (أتحاجوني في الله وقد هدان) اي؟

بين؟

لي (ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شئ علما أفلا تتذكرون) ثم قال لهم (وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون انكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن ان كنتم تعلمون) اي انا أحق بالأمن حيث اعبد الله أو أنتم الذين تعبدون الأصنام.

واما قوله (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) أي صدقوا ولم ينكثوا ولم يدخلوا في المعاصي فيبطل ايمانهم ثم قال (أولئك لهم الامن وهم مهتدون وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ان ربك حكيم عليم) يعني ما قد احتج إبراهيم على أبيه وعليهم.

وقوله (ووهبنا له اسحق ويعقوب) يعني لإبراهيم (كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزى المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم) أي اختبرناهم (وهديناهم إلى صراط مستقيم) فإنه محكم وحدثني أبي عن ظريف بن ناصح عن عبد الصمد بن بشير عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال قال لي أبو جعفر عليه السلام يا أبا الجارود ما يقولون في الحسن والحسين؟

قلت ينكرون علينا انهما ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله قال فبأي شئ احتججتم عليهم؟

قلت يقول الله عز وجل في عيسى بن مريم " ومن ذريته داود وسليمان إلى قوله وكذلك نجزي المحسنين " فجعل عيسى بن مريم من ذرية إبراهيم، قال فبأي شئ قالوا لكم؟

قلت قالوا قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب، قال فبأي شئ احتججتم عليهم؟

قال قلت احتججنا عليهم بقول الله " قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم " قال فأي شئ قالوا لكم؟

قلت قالوا قد يكون في كلام العرب أبناء رجل والاخر يقول أبناؤنا قال فقال أبو جعفر عليه السلام والله يا أبا الجارود لأعطينك من كتاب الله انهما من صلب رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يردها إلا كافر، قال قلت جعلت فداك وأين؟

قال من حيث قال الله " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم الآية " إلى أن ينتهي إلى قوله " وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم " فسلهم يا أبا الجارود هل حل لرسول الله صلى الله عليه وآله نكاح حليلتيهما؟

فان قالوا نعم فكذبوا والله وفجروا وان قالوا لا فهما والله أبناؤه لصلبه وما حرمتا عليه إلا للصلب.

ثم قال عز وجل (ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا) يعني الأنبياء الذين قد تقدم ذكرهم (لحبط عنهم ما كانوا يعملون) ثم قال (أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فان يكفر بها هؤلاء) يعني أصحابه وقريش ومن أنكروا بيعة أمير المؤمنين عليه السلام (فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) يعني شيعة أمير المؤمنين عليه السلام ثم قال تأديبا لرسول الله صلى الله عليه وآله (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) يا محمد ثم قال قل لقومك (لا أسئلكم عليه اجرا) يعني على النبوة والقرآن اجرا (ان هو إلا ذكرى للعالمين) وقوله (وما قدروا الله حق قدره) قال لم يبلغوا من عظمة الله ان يصفوه بصفاته (إذ قالوا ما انزل الله على بشر من شئ) وهم قريش واليهود فرد الله عليهم واحتج وقال قل لهم يا محمد (من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها) يعني تقرؤن ببعضها (وتخفون كثيرا) يعني من اخبار رسول الله صلى الله عليه وآله (وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون) يعني فيما خاضوا فيه من التكذيب ثم قال (وهذا كتاب) يعني القرآن (أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه يعني التوراة والإنجيل والزبور (ولتنذر أم القرى ومن حولها) يعني مكة وإنما سميت أم القرى لأنها أول بقعة خلقت (والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به) اي بالنبي والقرآن (وهم على صلاتهم يحافظون).

قوله (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شئ ومن قال سأنزل مثل ما انزل الله) فإنها نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح وكان أخا عثمان من الرضاعة، حدثني أبي عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخا عثمان بن عفان من الرضاعة قدم المدينة واسلم وكان له خط حسن وكان إذا نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله دعاه فكتب ما يمليه عليه رسول الله صلى الله عليه وآله من الوحي وكان إذا قال له رسول الله صلى الله عليه وآله سميع بصير يكتب سميع عليم وإذا قال والله بما تعملون خبير يكتب بصير، ويفرق بين التاء والياء وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول هو واحد، فارتد كافرا ورجع إلى مكة وقال لقريش والله ما يدري محمد ما يقول انا أقول مثل ما يقول فلا ينكر علي ذلك فانا انزل مثل ما انزل الله فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وآله في ذلك " ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا..

الخ " فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله مكة امر رسول الله صلى الله عليه وآله بقتله، فجاء به عثمان قد اخذ بيده ورسول الله صلى الله عليه وآله في المسجد فقال يا رسول الله اعف عنه فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله ثم أعاد فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله ثم أعاد فقال هو لك، فلما مر قال رسول الله لأصحابه ألم أقل من رآه فليقتله، فقال رجل كانت عيني إليك يا رسول الله ان تشير إلي فاقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ان الأنبياء لا يقتلون بالإشارة، فكان من الطلقاء ثم حكى عز وجل ما يلقى أعداء آل محمد عليه وآله السلام عند الموت فقال:

(ولو ترى إذ الظالمون - آل محمد حقهم - في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم اخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون) قال العطش (بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون) قال ما انزل الله في آل محمد تجحدون به ثم قال (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء) والشركاء أئمتهم (لقد تقطع بينكم) يعني المودة (وضل عنكم) اي بطل (ما كنتم تزعمون) حدثني أبي عن أبيه عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال نزلت هذه الآية في معاوية وبني أمية وشركائهم وأئمتهم وقوله (ان الله فالق الحب والنوى) قال الحب ما أحبه والنوى ما ناء عن الحق وقال أيضا الحب ان يفلق العلم من الأئمة والنوى ما بعد عنه (يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي) قال المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن (ذلكم الله فانى تؤفكون) اي تكذبون وقوله (فالق الاصباح وجعل الليل سكنا) فقوله فالق الاصباح يعني مجئ النهار والضوء بعد الظلمة وقوله (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) قال النجوم آل محمد عليهم السلام وقوله (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة) قال من آدم (فمستقر ومستودع) قال المستقر الايمان الذي يثبت في قلب الرجل إلى أن يموت والمستودع هو المسلوب منه الايمان وقوله (وهو الذي انزل من السماء ماءا فأخرجنا به نبات كل شئ فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا) يعني بعضه على بعض (ومن النخل من طلعها قنوان دانية) وهو العنقود (وجنات من أعناب) يعني البساتين وقوله (انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه) اي بلوغه (ان في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون وجعلوا لله شركاء الجن) قال وكانوا يعبدون الجن (وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم) اي موهوا وحرفوا فقال الله عز وجل ردا عليهم (بديع السماوات والأرض انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شئ وهو بكل شئ عليم) وقوله (لا تدركه الابصار) اي لا تحيط به (وهو يدرك الابصار) اي يحيط بها وخلق كل شئ (وهو اللطيف الخبير) وقوله (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها) يعني على النفس وذلك لاكتسابها المعاصي وهو رد على المجبرة الذين يزعمون أنه ليس لهم فعل ولا اكتساب وقوله (وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون) قال كانت قريش تقول لرسول الله صلى الله عليه وآله ان الذي تخبرنا به من الاخبار تتعلمه من علماء اليهود وتدرسه وقوله (اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو واعرض عن المشركين) منسوخ بقوله " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وقوله (ولو شاء الله ما أشركوا) فهو الذي يحتج به المجبرة انا بمشيئة الله نفعل كل الافعال وليس لنا فيها صنع، فإنما معنى ذلك أنه لو شاء الله ان يجعل الناس كلهم معصومين حتى كان لا يعصيه أحد لفعل ذلك ولكن أمرهم ونهاهم وامتحنهم وأعطاهم ما أزال علتهم وهي الحجة عليهم من الله يعني الاستطاعة ليستحقوا الثواب والعقاب وليصدقوا ما قال الله من التفضل والمغفرة والرحمة والعفو والصفح وقوله (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) فإنه حدثني أبي عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إنه سئل عن قول النبي صلى الله عليه وآله ان الشرك اخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ليلة ظلماء، فقال كان المؤمنون يسبون ما يعبد المشركون من دون الله وكان المشركون يسبون ما يعبد المؤمنون فنهى الله المؤمنين عن سب آلهتم لكيلا يسب الكفار إله المؤمنين فيكونوا المؤمنون قد أشركوا بالله من حيث لا يعلمون فقال: " ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم " وقوله (كذلك زينا لكل أمة عملهم) يعني بعد اختبارهم ودخولهم فيه فنسبه الله إلى نفسه والدليل علي ان ذلك لفعلهم المتقدم قوله (ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون).

ثم حكى قولهم وهم قريش فقال (وأقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها) فقال الله عز وجل (قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم انها إذا جاءت لا يؤمنون) يعني قريشا وقوله (ونقلب أفئدتهم وابصارهم) وفي رواية أبى الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " ونقلب أفئدتهم وابصارهم " يقول ننكس قلوبهم فيكون أسفل قلوبهم أعلاها ونعمي أبصارهم فلا يبصرون بالهدى، وقال علي بن أبي طالب عليه السلام ان أول ما يغلبون (يقلبون خ ل) عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم ثم الجهاد بألسنتكم ثم الجهاد بقلوبكم فمن لم يعرف قلبه معروفا ولم ينكر منكرا نكس قلبه فجعل أسفله أعلاه فلا يقبل خيرا ابدا (كما لم يؤمنوا به أول مرة) يعني في الذر والميثاق (ونذرهم في طغيانهم يعمهون) اي يضلون ثم عرف الله نبيه صلى الله عليه وآله ما في ضمائرهم وانهم منافقون (ولو اننا نزلنا إليهم الملائكة الجزء (8) وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا) اي عيانا (ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله) وهذا أيضا ما يحتجون به المجبرة ومعنى قوله إلا أن يشاء الله إلا أن يجبرهم على الايمان.

وقوله (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) يعني ما بعث الله نبيا إلا وفي أمته شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض اي يقول بعضهم لبعض لا تؤمنوا بزخرف القول غرورا (14) فهذا وحي كذب، وحدثني أبي عن الحسين بن سعيد عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام قال ما بعث الله نبيا إلا وفي أمته شيطانان يؤذيانه ويضلان الناس بعده فاما صاحبا نوح فقنطيفوص (فغنطيغوص خ ل) وخرام، واما صاحبا إبراهيم فمكثل (مكيل خ ل) ورزام، واما صاحبا موسى فالسامري ومر عقيبا (مر عتيبا خ ل) واما صاحبا عيسى فبولس (يرليس يرليش خ ل) ومريتون (مريبون خ ل) واما صاحبا محمد صلى الله عليه وآله فحبتر (جبتر خ ل) وزريق (زلام خ ل) وقوله (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة) تصغي إليه اي يستمع لقوله المنافقون ويرضونه بألسنتهم ولا يؤمنون بقلوبهم (وليقترفوا) اي ينتظروا (ما هم مقترفون) ثم قال قل لهم يا محمد (أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي انزل إليكم الكتاب مفصلا) يعني يفصل بين الحق والباطل وقوله (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم) فحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا خلق الله الامام في بطن أمه يكتب على عضده الأيمن (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم) وحدثني أبي عن حميد بن شعيب عن الحسن بن راشد قال قال أبو عبد الله عليه السلام ان الله إذا أحب ان يخلق الامام اخذ شربة من تحت العرش من ماء المزن أعطاها ملكا فسقاها أباه فمن ذلك يخلق الامام، فإذا ولد بعث الله ذلك الملك إلى الامام ان يكتب بين عينيه " وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم " فإذا مضى ذلك الامام الذي قبله رفع له منارا يبصر به اعمال العباد، فلذلك يحتج به على خلقه.

ثم قال عز وجل لنبيه عليه السلام (وان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) يعني يحيروك عن الامام فإنهم مختلفون فيه (ان يتبعون إلا الظن وان هم إلا يخرصون) اي يقولون بلا علم بالتخمين والتقريب (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) قال من الذبائح ثم قال (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم) يعني بين لكم (إلا ما اضطررتم إليه وان كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم أن ربك هو اعلم بالمعتدين) وقوله (وذروا ظاهر الاثم وباطنه ان الذين يكفرون؟

الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون) قال الظاهر من الاثم المعاصي والباطن الشرك والشك في القلب وقوله " بما كانوا يقترفون " اي يعلمون وقوله (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) قال من ذبائح اليهود والنصارى وما يذبح على غير الاسلام ثم قال (وانه لفسق وان الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) يعني وحي كذب وفسوق وفجور إلى أوليائهم من الانس ومن يطيعهم (ليجادلوكم) اي ليخاصموكم (وان أطعتموهم انكم لمشركون) وقوله (أو من كان ميتا فأحييناه) قال جاهلا عن الحق والولاية فهديناه إليها (وجعلنا له نورا يمشي به في الناس) قال النور الولاية (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها يعني في ولاية غير الأئمة عليهم السلام (كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون) وقوله (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها) يعني رؤساء (ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون) اي يمكرون بأنفسهم لان الله يعذبهم عليه (فإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتي مثل ما أوتي رسل الله) قال قالت الأكابر لن نؤمن حتى نؤتي مثل ما اوتى الرسل من الوحي والتنزيل فقال الله تبارك وتعالى (الله اعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون) اي يعصون الله في السر وقوله (فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا) فالحرج (15) الذي لا مدخل له فيه والضيق ما يكون له المدخل الضيق (كأنما يصعد في السماء) قال يكون مثل شجرة حولها أشجار كثيرة فلا تقدر ان تلقي أغصانها يمنة ويسرة فتمر في السماء وتسمى حرجة، فضرب بها مثلا ثم قال (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) وقوله (هذا صراط ربك مستقيما) يعني الطريق الواضح (قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون) وقوله (لهم دار السلام عند ربهم) يعني في الجنة والسلام الأمان والعافية والسرور ثم قال (وهو وليهم اليوم بما كانوا يعملون) يعني الله عز وجل وليهم أي أولى بهم وقوله (ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس وقال أولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض) قال كل من والى قوما فهو منهم وان لم يكن من جنسهم (ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا) يعني القيامة وقوله (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) قال نولي كل من تولى أولياءهم فيكونون معهم يوم القيامة، ثم ذكر عز وجل احتجاجا على الجن والإنس يوم القيامة فقال:

(يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم انهم كانوا كافرين) وقوله (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون) يعني لا يظلم أحدا حتى يبين لهم ما يرسل إليهم فإذا لم يؤمنوا هلكوا (ولكل درجات مما عملوا يعني لهم درجات على قدر اعمالهم (وما ربك بغافل عما يعملون) ثم قال (وربك الغني ذو الرحمة ان يشاء يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين) وقوله (ان ما توعدون لآت) يعني من القيامة والثواب والعقاب (وما أنتم بمعجزين) وقوله (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون) فان العرب إذا زرعوا زرعا قالوا هذا لله وهذا لآلهتنا وكانوا إذا سقوها فحرف (16) الماء من الذي لله في الذي للأصنام لم يسدوه وقالوا الله اغنى، وإذا حرف من الذي للأصنام في الذي لله سدوه وقالوا الله أغني، وإذا وقع شئ من الذي لله في الذي للأصنام لم يردوه وقالوا الله اغنى، وإذا وقع شئ من الذي للأصنام في الذي لله ردوه وقالوا الله اغنى، فأنزل الله في ذلك على نبيه صلى الله عليه وآله وحكى فعلهم، وقولهم فقال " وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا..

الخ " وقوله:

(وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) قال يعني اسلافهم زينوا لهم قتل أولادهم (ليردوهم وليلبسوا؟

؟

عليهم دينهم) يعني يغيروهم (ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون) وقوله (وقالوا هذه انعام وحرث حجر) قال الحجر المحرم (لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم) قال كانوا يحرمونها على قوم (وانعام حرمت ظهورها) يعني البحيرة والسائبة والوصية والحام (وانعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وان يكن ميتة فهم فيه شركاء) فكانوا يحرمون الجنين الذي يخرجوه من بطون الانعام يحرمونه على النساء فإذا كان ميتا يأكلوه الرجل والنساء، فحكى الله قولهم لرسول الله صلى الله عليه وآله فقال (وقالوا ما في بطون هذه الانعام) - إلى قوله - (سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم) ثم قال (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم) اي بغير فهم (وحرموا ما رزقهم الله) وهم قوم يقتلون أولادهم من البنات للغيرة وقوم كانوا يقتلون أولادهم من الجوع، وهذا معطوف على قوله " وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم " فقال الله " ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق نحن نرزقكم وإياهم " وقوله (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات) قال البساتين وقوله (والنخل والزرع مختلفا اكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر) وقوله (وآتوا حقه يوم حصاده) قال يوم حصاد وكذا نزلت، قال فرض الله يوم الحصاد من كل قطعة ارض قبضة للمساكين وكذا في جزاز (جذاذ خ ل) النخل وفي الثمرة وكذا عند البذر (17) أخبرنا أحمد بن إدريس قال حدثنا أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن شعيب العقرقوفي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله " وآتوا حقه يوم حصاده " قال الضغث من السنبل والكف من التمر إذا خرص، قال سألت هل يستقيم اعطاؤه إذا ادخله بيته؟

قال لا هو أسخى لنفسه قبل ان يدخله بيته، وعنه عن أحمد البرقي عن سعد بن سعد عن الرضا عليه السلام قال قلت فإن لم يحضر المساكين وهو يحصد كيف يصنع؟

قال ليس عليه شئ وقوله (ومن الانعام حمولة وفرشا) يعني الثياب من الفرش) كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين) وقوله (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آ الذكرين حرم أم الأنثيين اما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم ان كنتم صادقين، ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آ الذكرين حرم أم الأنثيين اما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) فهذه التي أحلها الله في كتابه في قوله " وانزل لكم من الانعام ثمانية أزواج " (18) ثم فسرها في هذه الآية فقال: من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين، فقال: صلى الله عليه وآله " من الضأن اثنين " عنى الأهلي والجبلي " ومن المعز اثنين " عنى الأهلي والوحشي الجبلي " ومن البقر اثنين " يعني الأهلي والوحشي الجبلي " ومن الإبل اثنين " يعني البخاتي (19) والعراب فهذه أحلها الله، وقد احتج قوم بهذه الآية (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به) فتأولوا هذه الآية انه ليس شئ محرما إلا هذا، وأحلوا كل شئ من البهائم، القردة والكلاب والسباع والذئاب والأسد والبغال والحمير والدواب، وزعموا أن ذلك كله حلال لقوله " قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه " وغلطوا في هذا غلطا بينا وإنما هذه الآية رد على ما أحلت العرب وحرمت، لان العرب كانت تحلل على نفسها أشياء وتحرم أشياء فحكى الله ذلك لنبيه صلى الله عليه وآله ما قالوا، فقال: وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا فكان إذا سقط الجنين حيا اكله الرجال وحرم على النساء، وإذا كان ميتا اكله الرجال والنساء، وقد مضى ذكره وهو قوله " وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا..

الخ.

" وقوله (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر " يعني اليهود، حرم الله عليهم لحوم الطير، وحرم عليهم الشحوم وكانوا يحبونها إلا ما كان على ظهور الغنم أو في جانبه خارجا من البطن وهو قوله (وحرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا) اي الجنبين (أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وانا لصادقون) ومعنى قوله جزيناهم ببغيهم انه كان ملوك بني إسرائيل يمنعون فقراءهم من اكل لحم الطير والشحوم فحرم الله ذلك عليهم ببغيهم على فقراءهم، ثم قال الله لنبيه صلى الله عليه وآله (فان كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين - ثم قال - سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا) قل يا محمد لهم (هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون إلا الظن وان أنتم إلا تخرصون) ثم قال قل لهم (فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم أجمعين) قال لو شاء لجعلكم كلكم على امر واحد ولكن جعلكم على اختلاف، ثم قال قل يا محمد لهم (هلم شهداءكم الذين يشهدون ان الله حرم هذا) وهو معطوف على قوله " وقالوا ما في بطون هذه الانعام " ثم قال (فان شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون) ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله قل لهم (تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا) قال الوالدين رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين صلوات الله عليه.

وقوله (ولا تقتلوا أولادكم من املاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون) فإنه محكم وقوله (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون) فهذا كله محكم وقوله (وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه) قال الصراط المستقيم الامام فاتبعوه (ولا تتبعوا السبل) يعني غير الامام (فتفرق بكم عن سبيله) يعنى لا تفرقوا ولا تختلفوا في الامام ان تختلفوا في الامام تضلوا عن سبيله، أخبرنا حسن بن علي عن أبيه عن الحسين بن سعيد عن محمد ابن سنان عن أبي خالد القماط عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " قال نحن السبيل فمن أبى فهذه السبل فقد كفر، ثم قال (ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) يعني كي تتقوا، وقوله (ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن) يعنى تم له الكتاب لما أحسن (وتفصيلا لكل شئ وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون) هو محكم وقوله (وهذا كتاب أنزلناه) يعنى القرآن (مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون) يعنى كي ترحموا، قوله (ان تقولوا إنما انزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وان كنا عن دراستهم لغافلين) يعنى اليهود والنصارى وان كنا لم ندرس كتبهم (أو تقولوا لو انا انزل علينا الكتاب لكنا اهدى منهم) يعنى قريشا، قالوا لو انزل علينا الكتاب لكنا اهدى وأطوع منهم (فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة) يعني القرآن (فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها) يعني دفع عنها (سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا) أي يدفعون ويمنعون عن آياتنا (سوء العذاب بما كانوا يصدفون) ثم قال (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك) فإنه حدثني أبي عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا) قال نزلت " أو اكتسبت في ايمانها خيرا " (قل انتظروا انا معكم منتظرون) قال إذا طلعت الشمس من مغربها فكل من آمن في ذلك اليوم لا ينفعه ايمانه، وقوله (ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ إنما امر هم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) قال فارقوا أمير المؤمنين عليه السلام وصاروا أحزابا، حدثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله " ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا " قال فارقوا القوم والله دينهم، وقوله (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها وهم لا يظلمون) فهذه ناسخة لقوله " من جاء بالحسنة فله خير منها " وقوله (قل انني هداني ربى إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) والحنيفية هي العشرة التي جاء بها إبراهيم عليه السلام (قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وانا أول المسلمين) ثم قال قل لهم يا محمد (أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شئ ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) اي لا تحمل آثمة اثم أخرى ثم (إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) وقوله (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات) قال في القدر والمال (ليبلوكم) اي يختبركم (فيما آتاكم ان ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم).


1- الصم كغنم فقدان حاسة السمع. ج - ز.

2- المزمل 10.

3- حم السجدة 34.

4- الحجر 97.

5- ق 38.

6- ألم السجدة 24.

7- الأعراف 137.

8- الانعام 24.

9- مرجع به في الآية القرآن والمراد من البينة أيضا القرآن، وتذكير الضمير بتأويل القرآن. ج. ز.

10- اسلموا مبني للمفعول، ومعنى ابسل نفسه للهلاك: أسلم نفسه للهلاك ج. ز.

11- لا يخفى انه قد اختلف العلماء في والد إبراهيم عليه السلام، قال الرازي في تفسير قوله " وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر " وظاهر هذه الآية يدل على أن اسم والد إبراهيم عليه السلام هو آزر. وقال الزجاج لا خلاف بين النسابين ان اسمه " تارخ " وعلى هذا فآزر كان عمه واطلاق لفظ الأب على العم في لغة العرب والقرآن شائع ومنه الحديث المعروف " عم الرجل صنو أبيه " وقال الله تعالى حاكيا عن أولاد يعقوب (ع) انهم قالوا: (نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) ومن المعلوم ان إسماعيل كان عما ليعقوب، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لم نزل ننتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات، وقال الله تعالى إنما المشركون نجس، فلا يكون أحد أجداد النبي ولو بعيدا نجسا وهذا هو معقد اجماع الطائفة المحقة فتحمل الروايات المخالفة له علي التقية. ج. ز.

12- لا يخفى ان كلام الشياطين وايحاء بعضهم إلى بعض هو زخرف القول لأنه مفعول " يوحي " لا أن الشياطين جعلوا كلام النبي مزخرفا كما هو الظاهر من عبارة المصنف وأظن أنه لأجل تصحيف في العبارة وكذا العبارة الآتية في شرح قوله تعالى " لتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة " لأنه لا معنى لاستماع المنافقين لقول الشياطين ثم ارضائهم بمجرد اللسان دون الجنان والحال ان المنافقين شأنهم ان يؤمنوا بوحي الشياطين قلبا لا لسانا فهو بالعكس. ج. ز.

13- الحرج بالتحريك جمع الحرجة مجتمع الشجر. ق.

14- اي مال.

15- وفي الكافي عن معاوية بن الحجاج قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في الزرع حقان حق يؤخذ به، وحق تعطيه، قلت فما الذي أؤخذ به وما الذي أعطيه؟

قال اما الذي تؤخذ به فالعشر ونصف العشر، واما الذي تعطيه فقول الله عز وجل " وآتوا حقه يوم حصاده يعني " من حصدك الشئ بعد الشئ ولا اعلمه إلا قال الضغث تعطيه الضغث حتى تفرغ، فيظهر من هذه الرواية وغيرها ان المراد من الآية في المقام الزكاة المستحبة دون الواجبة منها. ج. ز.

16- الزمر 6.

17- البخت بالضم الإبل الخراسانية والجمع بخاتى ق -.

18- اي مستترة. ج. ز.

19- قال في مجمع البحرين: القدرية وهم المنسوبون إلى القدر يزعمون أن كل عبد خالق فعله ولا يرون المعاصي والكفر بتقدير الله ومشيته وفي الحديث لا يدخل الجنة قدري وهو الذي يقول لا يكون ما شاء الله ويكون ما شاء إبليس، ويسمون " بالمفوضة " أيضا لزعمهم ان الله فوض إليهم أفعالهم. وبإزاء هذه الفرقة " المجبرة " وهم الذين قالوا ليس لنا صنع ونحن مجبورون يحدث الله لنا الفعل عند الفعل وإنما الافعال منسوبة إلى الناس مجازا ويسمون " بالمرجئة " أيضا فذاك افراط وهذا تفريط والحق الوسط ما ذهبت إليه الإمامية وهو ما افاده الإمام الصادق عليه السلام: لا جبر ولا تفويض ولكن امر بين أمرين سئل ما الامر بين الامرين؟

قال مثل ذلك رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته، ففعل تلك المعصية، فليس حيث لم يقبل منك فتركته أنت الذي امرته بالمعصية. وقال البصري لأبي عبد الله عليه السلام: الناس مجبورون؟

قال لو كانوا مجبورين لكانوا معذورين، قال ففوض إليهم؟

قال لا، قال فما هم؟

فقال علم منهم فعلا فأوجد فيهم آلة الفعل، فإذا فعلوا كانوا مع الفعل مستطيعين (مجمع البحرين مادة طوع). ج. ز.