رأي العلاّمة الطباطبائي (قدس سره)

رأي العلاّمة الطباطبائي (قدس سره)

يمكن تلخيص رأي المرحوم الاُستاذ العلاّمة الطباطبائي في عدّة نقاط:

1 - أنّ هذه المناظرة كانت محصورة بين اليهود والنصارى فقط.

2 - أنّ اليهود والنصارى احتجّوا بنوعين من المحاجّة والمناظرة:

ألف - استدلال علمي ومنطقي؛ حيث إنّ القرآن الكريم يقول بصحّة مثل هذه المحاجّة والاستدلال.

ب - احتجاجٌ غير عقلائي واستدلالٌ غير منطقي.

اُسلوب الاحتجاج العلمي لليهود والنصارى

كان النصارى يقولون لليهود الذين يدّعون أنّ دينهم وكتابهم أبدي ولا سبيل إلى نسخِهِ: لقد نُسِخَتِ التوراة بنزول الإنجيل الذي يبيّن شريعة عيسى عليه السلام، ويجب على أتباع الدين السابق الايمان بالدين اللاحق، ويعدوه دينهم الحقّ هذا أوّلاً، وثانياً: أنّ عيسى النبيّ كان طاهراً، وأنْ مريم - عليها السلام - سيدة طاهرة وعفيفة. وبالمقابل فإنّ اليهود خاطبوا النصارى بقولهم: أنتم على باطل؛ لاعتقادكم بالتثليث، وقولكم المسيح ابن الله.

الاحتجاج غير العقلائي والاستدلال غير المنطقي

أنّ المناظرة غير العقلائيّة لكلّ منهم تتمثّل بقولهم: أنّ إبراهيم الخليل - عليه السلام - منّا؛ ولذا من البديهي أنْ يكون ذم القرآن وتوبيخه لهم في هذا المحور فقط؛ لأنّ مثل هذه المناظرة لا تستند إلى برهان عقلي، ولا يوجد أيضاً في كتابهم السماوي حديث بهذا الخصوص، لكي تستند مناظراتهم إلى الوحي، يقول القرآن الكريم بهذا الخصوص: ﴿إئتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾(1).

أمّا كون المسلمين يعدّون النبيّ إبراهيم الخليل - عليه السلام - منهم، فلأنّهم يستندون في ذلك على القرآن الكريم الذي بيّن قصّته - عليه السلام - وقصّة أتباعه.

وبناءً على ذلك، فلِمَ تحاجّون وتناقشون فيما ليس لكم به علم واطّلاع، وهذه كتبكم لا تحتوي على مطلبٍ حول النبيّ إبراهيم الخليل - عليه السلام - يدلّ على ارتباطه بكم؟!(2)

تحليل مقولة الميزان

إن حديث المرحوم الاُستاذ العلاّمة الطباطبائي مقابل غيره من المفسّرين وإن كان عميقاً وقابلاً للمناقشة والتأمّل، ولكن من الصعب أوّلاً: إثبات أنّ احتجاجهم كان محصوراً بينهم، وأنّ ذلك يستفاد من ظاهر الآية. وثانياً: أن قوله: (إنّ اليهوديّة أقامت الحجّة العلميّة على المسيحيّة)، يمكن أنْ يكون تامّاً ومحلّ ثناء وتقدير لو كانت الحجّة في غير محور الثقلين، ونبوّة السيّد المسيح عليه السلام؛ لأنّه بامكان المسيحيّة أيضاً إقامة الحجّة على اليهود حول قولهم: إنّ عزيز ابن الله ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْزٌ ابْنُ اللهِ﴾(3)، وبناءً على ذلك فإنّ الطائفة المبتلاة بالشرك لا يمكنها محاججة الطرف المقابل في موضوع الشرك.

ولكن احتجاج المسيحيّة على اليهود المستند إلى نسخ الكتاب السابق بواسطة الكتاب اللاحق احتجاج حقّ وصحيح.

1- الأحقاف: 4.

2- الميزان 3: 276.

3- التوبة: 30.