وجها آية النبأ

لهذه الآية الكريمة وجهان (المنطوق) و (المفهوم).

ونقصد بالمنطوق: المدلول اللفظي للآية، وهو وجوب الحذر والتبين من خبر الفاسق، ونقصد بالمفهوم: المدلول العقلي لهذه الآية، وهو اعتماد خبر الثقة، وعليه فان الآية الكريمة تعتمد قاعدتين مهمتين في حياة الناس: قاعدة التبين، والتثبت، والحذر في الأخبار، وقاعدة الثقة والاعتماد.

وفيما يلي نتحدث ان شاء الله عن وجهي هذه الآية الكريمة: (المفهوم) و (المنطوق)، كل منهما بصورة مستقله بايجاز واختصار.

الوجه الأول لآية النبأ (المنطوق)

وهو المدلول اللفظي للآية (المنطوق)، وهو التحذير من الأخذ بخبر الفاسق، ووجوب التثبت والتبين والتحقق من صحة الخبر قبل الأخذ بالخبر والعمل به.

القيمة السياسية للخبر

للخبر قيمة سياسية واجتماعية كبيرة، وتزداد اليوم قيمة الخبر بعد التطور الكبير الذي حصل في أجهزة إذاعة ونشر الأخبار. فالخبر يُنعش الرأي العام، ويبَعث في نفوس الناس الأمل، وينشّط الناس للعمل، ويبعث اليأس والخوف والرعب في القلوب، ويُثبّط عن العمل. وقد يكون الخبر سبباً في الهزيمة النفسية والاحباط النفسي للناس، وقد يكون سبباً في تشجيع الناس ورفع معنوياتهم.

صناعة الخبر وتصدير الخبر

ولذلك كله فان صناعة الخبر ونشر الخبر واذاعته تحتل اليوم موقعاً خطيراً في حياتنا المعاصرة. وهناك دراسات ومؤسسات كبيرة ومعاهد لصناعة الخبر ونشره واذاعته.

وكما تصدّر الدول الكبرى الينا اليوم صناعاتها الخفيفة والثقيلة كذلك تصدر الينا الخبر. ولتصدير الخبر أجهزة، ومعدات، ومؤسسّات، وصحف، ووكالات، ومحطات بث اذاعية، وقنوات فضائية، وشبكات، وخطوط، وتصرف الدول الكبرى في هذه المؤسسات والأجهزة والقنوات اموالاً طائلة وبكميات ضخمة.

﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين﴾ هذه الآية الكريمة تحذّر من اعتماد أخبار الفساق وتأمر بالتحقيق والتثبت والتأكد من صحة الأخبار التي يأتون بها قبل العمل.

قصة نزول الآية

وقصة نزول هذه الآية كما يقول ابن كثير الدمشقي في تفسيره: قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن أبي سابق حدثنا عيسى بن دينار حدثني أنه سمع الحارث ابن ضرار الخزاعي - رضي الله عنه - يقول: قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وآله - فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت يارسول الله: أرجع إليهم فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي دفعت زكاته، وترسل إليّ يارسول الله رسولا إبان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة؟ فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله - صلى الله عليه وآله - أن يبعث إليه احتبس عليه الرسول ولم يأته وظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله تعالى ورسوله فدعا بسروات قومه فقال لهم: إن رسول الله - صلى الله عليه وآله - كان وقت لي وقتاً يرسل إلي رسوله ليقبض ماكان عندي من الزكاة وليس من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم الخلف ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة فانطلقوا بنا نأتي رسول الله - صلى الله عليه وآله -وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوليد ابن عقبة إلى الحارث ليقبض ماكان عنده مما جمع من الزكاة فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق أي خاف فرجع حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وآله - فقال: يارسول الله إن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي فغضب رسول الله - صلى الله عليه وآله - وبعث البعث إلى الحارث - رضي الله عنه - وأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث فقالوا هذا الحارث فلما غشيهم قال له: إلي من بعثتم؟ قالوا: إليك، قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله - صلى الله عليه وآله - بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله، قال - رضي الله عنه -: لا والذي بعث محمداً - صلى الله عليه وآله - بالحق مارأيته بتة ولا أتاني فلما دخل الحارث على رسول الله - صلى الله عليه وآله - قال: (منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟) قال: لا والذي بعثك بالحق مارأيته ولا أتاني وما أقبلت إلاّ حين احتبس عليّ رسول الله - صلى الله عليه وآله -خشيت أن يكون كانت سخطة من الله تعالى ورسوله قال فنزلت الحجرات ﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ﴾.