قصة موسى والعبد العالم عليهما السلام

وأعتقد أن قصة نبي الله موسى - عليه السلام - ولقائه بالعبد العالم الذي يحكيه الله تعالى لنا في القرآن من هذا الباب.

فقد أراد الله تعالى لنبيه وكليمه موسى بن عمران - عليه السلام - أن يعلّمه الوثوق فامتحنه باللقاء بالعبد العالم الذي نقرأ قصته - عليه السلام - في سورة الكهف.

قلت: اثنين؟

قال: عشرون.

قلت قطع ثلاثاً؟

قال: ثلاثون.

قلت قطع اربعاً؟

قال: عشرون.

قلت سبحان الله يقطع ثلاثاً، فيكون عليه ثلاثون ويقطع اربعاً فيكون عليه عشرون. إن هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق، فنبرأ ممن قال، ونقول: أن الذي قاله الشيطان.

فقال - عليه السلام -: مهلاً ياأبان. ان هذا حكم رسول الله - صلى الله عليه وآله - ان المرأة تعادلُ الرجل إلى ثلث الدية، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف.

تبادل الوثوق بين (الحقّ) و (أهل الحقّ) لدينا قاعدتان كل منهما صحيح. القاعدة الاُولى: أن نثق بالقائل من خلال أختبار ما يقول. والقاعدة الثانية أن نثق بما يقول من خلال الثقة بالقائل. وهذان أصلان، وكل منهما صحيح، ولكل موضعه من المعرفة والحياة.

والخلط والاشتباه بينهما من أفدح الاخطاء. فقد يكون سبيل الإنسان إلى الثقة بالآخرين إختبار ما يقولون: فنحن نعرف العالم بعلمه، ولا نثق به إلاّ بعد اختبار علمه ومعرفته. وهذا باب من العرفة نعرف القائل بما يقول.

جاء رجل في معركة (الجمل) إلى أمير المؤمنين - عليه السلام - وقد هزَّه مارآه من الموقف من طلحة والزبير، وهما صحابيان، طالما دفعا عن وجه رسول الله - صلى الله عليه وآله - الكرب، ووقفا إلى جنب رسول الله - صلى الله عليه وآله - في البأساء والضراء فتهيب من ان يشهر السيف بوجههما، ويقاتلهما، ومعهما اُم المؤمنين عائشة زوجة رسول الله - صلى الله عليه وآله -... فجاء إلى أمير المؤمنين - صلى الله عليه وآله - يبث إليه مافي نفسه.

فقال له الإمام - عليه السلام -: ويحك، انك لملبوس عليك، أعِرفِ الحق تعرف أهله.

وهذا باب للمعرفة أن يعرف الإنسان أهل الحق بالحق.

والباب الآخر للمعرفة: أن يعرف الإنسان أهل الحق، بالحق، ويعرف استقامة القول من خلال الثقة بالقائل كما نعرف الغيب من خلال الأنبياء، ونعرف بهم الحق، ونميز بهم الهدى عن الضلال، وهذا باب آخر من المعرفة، أوسع من الباب الأول، وهذه القاعدة لاتنسخ تلك، ولا تلك تنسخ هذه القاعدة، ولكل منهما مساحته ومجاله الخاص. وليس هذا من باب الدور المستحيل في معرفة أهل

﴿الم، ذلك الكتاب، لا ريب فيه هدى المتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون). والايمان بالغيب هو الايمان بالله والملائكة والمعاد وشؤون المعاد من الحساب الميزان والصراط وتطاير الكتاب وعقبات القيامة.

يقول تعالى ﴿آمن الرسول بما انزل إليه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله﴾. والايمان بالله والملائكة من الغيب الذي لايناله الانسان بالحسّ.

ان المصدر الوحيد للغيب هو الوحي، ولا سبيل لنا إلى الوحي إلاّ عن طريق الأنبياء. والايمان بالانبياء وصدقهم فيما يقولون لايتم إلاّ بالثقة.

ولو أن الإنسان لم يأخذ بأصل (الثقة) وأراد أن يكتشف بنفسه صحة مايقوله الأنبياء أستحال عليه الايمان بالغيب، وحجب نفسه عن أوسع مساحات المعرفة، وحَرَمَ نفسه من أكبر كنوز المعرفة، وهو معرفة الغيب.

النظرة التجريبية المادية إلى الدين

ومن الخطأ الفادح أن يطلب الإنسان فهم الدين في أحكامه وتشريعاته التفصيلية فهماً تحليلياً تجريبياً كما نفهم نحن قوانين الفيزياء والكيمياء.

اننا لانشك إن لاحكام الله عللاً وحكماً. ومن وراء كل فرض وواجب مصلحة، ومن وراء كل حرام مفسدة.

ولانشك أن بامكاننا أن نفهم على نحو الاجمال حكم وعلل اُمهات الأحكام كالصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، والخمس، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وقد نجد الإشارة إليها في نصوص القرآن نفسه نحو قوله تعالى: ﴿ولكم في القصاص حياة يا أُولي الألباب﴾ ولكن مانشك فيه كل الشك أن يكون في وسع الإنسان أن يفهم علل واسباب تفاصيل الأحكام وجزئياته كما نفهم تفاصيل القضايا في الميكانيك والفيزياء مثلاً فليس في وسع الإنسان أن يعرف لماذا أمر الله تعالى مسح الرأس قبل مسح القدم في الوضوء، ولا أن نعرف لماذا جعل الله فريضة الصبح جهراً وفريضة الظهر إخفاتاً، ولا في وسع الإنسان أن يعرف لماذا جعل الله فريضة العشاء اربعاً... وامثال ذلك.

يقول أبان بن تغلب: قلت لأبي عبدالله - عليه السلام -: ماتقول في رجل قَطَعَ إصبعاً من اصابع إمرأة كم فيها؟

قال: عشرة من الابل.