آراء جماعة العلماء
وإذ قد وقفت على هذا التفصيل من جماعة علماء الشيعة، فاعلم أنهم ـ بأسرهم سواء المحققون أو المحدثون ـ أجمعوا على رفض احتمال التحريف في كتاب الله الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد)(1).
وإليك سرد أسماء من صرح بنفي التحريف وكان من أعلام الطائفة بالذات:
1- شيخ المحدثين أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين الصدوق (381هـ). فقد عد رفض التحريف من ضرورات المذهب الاعتقادية للشيعة(2).
2- عميد الطائفة: محمد بن ممد بن النعمان المفيد (413هـ). صرح بذلك في كتابه ((أوائل المقالات)). وبينه بتفصيل في أجوبة المسائل السرورية(3).
3- الشريف المرتضى علم الهدى علي بن الحسين (436هـ). أكد القول في ذلك وشنع على القائلين بالتحريف من الحشوية والأخبارية، في أجوبة المسائل الطرابلسيات(4).
4- شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (460هـ). عد احتمال شبهة التحريف واهيا مجمعا على بطلانه(5).
5- أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (548 هـ). قال: أما الزيادة فمجمع على بطلانها. وأما القول بالنقيصة فالصحيح من مذهب أصحابنا الإمامية خلافه(6).
6- جمال الدين ابو منصور الحسن بن يوسف، ابن المطهّر الحلّي (726هـ). جعل القول بالتحريف متنافيا مع ضرورة تواتر القرآن بين المسلمين(7).
7- المولى المحقق احمد الأردبيلي (993 هـ). جعل العلم بنفي التحريف ضروريا من المذهب(8).
8- شيخ الفقهاء الشيخ جعفر الكبير كاشف الغطاء (1228هـ). كذلك جعله من ضرورة المذهب بل الدين وإجماع المسلمين وأخبار النبي والأئمة الطاهرين(9).
9- الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء (1373هـ). جعل رفض احتمال التحريف أصلا من أصول الشيعة(10).
10- شيخ الإسلام، بهاء الملة والدين، محمد الحسين الحارثي العاملي (1031هـ).
11- المولى المحدث العارف المحقق محمد بن المحسن الفيض الكاشاني (1090هـ) فصّل البيان في رد مزعومة التحريف تفصيلا شافيا، في مقدمة تفسيره الصافي (م6 ج1 ص33 ـ 34). وفي كتابه الوافي (ج2 ص273 ـ 274 ط1). وأكمل الاستدلال عليه في كتابه الذي وضعه لبيان اصول الدين والكلام عن إعجاز القرآن الكريم(11).
12- محمد بن الحسن الحر العالمي (1104هـ) في رسالة كتبها ردا على سفاسف معاصريه(12).
13- المولى المحقق التبريزي (1307هـ) في تعليقته التفصيلية على رسائل الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري في الأصول، مما يُنبئك عن رأي شيخه المحقق بلا ريب(13).
14- الشيخ محمد الجواد الحجة البلاغي (1352هـ) الاستاذ المحقق المفسر، شيخ اهل التفسير والتحقيق في العصر الأخير. والذي برّأ ساحة الشيعة الإمامية من هذه التهمة بكل جد وصرامة تحقيق(14).
15- المحقق البغدادي السيد محسن الأعرجي (1227هـ) له في شرح الوافية كلام وافٍ بإثبات صيانة القرآن الكريم من التحريف(15).
16- قاضي القضاة المحقق الكريم الشيخ عبد العالي (940هـ). له رسالة في نفي التحريف(16).
17- الإمام السيد شرف الدين العاملي (1381هـ). استوعب البحث عن ذلك(17).
18- السيد محسن الأمين العاملي (1371هـ). له رد لطيف على نسبة القول بالتحريف إلى الشيعة الإمامية الأبرياء(18).
19- العلامة الأميني صاحب كتاب ((الغدير)). ردا على افتراءات ابن حزم وأذنابه(19).
20- السيد العلامة الطباطبائي صاحب تفسير ((الميزان)) (1402 هـ). له بحث واف في إثبات صيانة القرآن الكريم من التحريف(20).
21- سيدنا الاستاذ الإمام الراحل الخميني صاحب النهضة الإسلامية المباركة (1320 ـ 1409هـ) في تقريراته الأصولية(21).
22- سيدنا الاستاذ الإمام الخوئي (1413هـ) الذي استوفى البحث عن ذلك وكان رصيدنا الوافي في كل ما كتبناه بهذا الشأن(22).
هؤلاء هم أعلام الأمة وأعضاد الملة، ممن دارت بهم رحى الشريعة، وقويت أركان الدين الحنيف. وقد عرفت إطباقهم، من مجتهدين ومُحدّثين، على رفض شبهة التحريف عن كتاب الله العزيز الحميد. لا الشرذمة القليلة من الأخبارية المتطرفة. أذناب الحشوية البائدة التي نبعت في عهد متأخر، لا سابقة لهم في تحقيق ولا عمق لهم في تفكير، سوى تشويه سمعة الدين، والحط من كرامة كتاب الله المجيد، وقد خاب ظنهم ﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾.
ومن ثم فإنا نربأ بأمثال كاتبنا المعاصر ((الدكتور يلماز)) أن يأخذ من ترّهات هؤلاء الأذناب، دليلا على عقائد ونظرات الأطياب. أما الذين سماهم ـ على حساب علماء الشيعة ما بين القرن الرابع والقرن الرابع عشر ـ فلا مستند فيهم بالذات! ومن المؤسف أنه لم يراجع كتبهم، وإنما وسمهم بذلك عفوا، تقليدا لما زعمه الاستاذ محمد حسين الذهبي صاحب كتاب ((التفسير والمفسرون))، وكانت له نظرة سيئة بالنسبة إلى الشيعة الإمامية، ساعيا في امتهان موضعهم بالذات من القرآن والتفسير، مما يجعل موقف الرجل معاديا للشيعة في ظاهر الحال، فلا ينبغي الركون إليه في معرفة مواضع الشيعة في أي جهة كان. الأمر الذي تغافل عنه أمثال كاتبنا ((يلماز))!
وإليك بعض التعرفة بشأن من سماهم:
1- المولى عبد اللطيف الكازراني، صاحب تفسير ((مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار)). هكذا عبّر الاستاذ ((يلماز)) تقليدا وتبعا للأستاذ محمد حسين الذهبي(23). ونسب إليه عفوا من غير تحقيق أنه جزم بأن القرآن الذي جمعه علي (ع) وتوارثه الأئمة بعده هو القرآن الصحيح، وما عداه وقع فيه التغيير والتبديل(24).
وهذا المعنى هو من استنباط الأستاذ الذهبي، استنبطه من المقدمة الثانية التي جاءت في التفسير المزبور(25) حسبما زعم. أما من هو المولى عبد اللطيف الكازراني؟ فقد ذكر آغا بزرك الطهراني: أنّه من اشتباه مباشر الطبع(26)، حيث عدم اطلاعه على اسم المؤلف، فنسب المقدمة إليه عفوا من غير دراية. وقد نسبها الطهراني إلى المولى الشريف أبي الحسن الفّتوني النباطي، المتوفى حوالي (1140هـ)(27). ومن غريب الأمر أن النسبة الأولى ـ حسبما ذكره المولى حسين النوري ـ جاءت من قبل كلام المؤلف في خطبة الكتاب: ((يقول العبد الضعيف الراجي لطف ربه اللطيف..)) فحسب مباشرة الطبع أنه إشارة إلى اسم المؤلف، المجهول..(28) ولكن من أين جاءت النسبة إلى ((كازران))؟ الأمر الذي بقي مجهولا كسائر الجهالات بأصل الكتاب ومؤلفه.!
وعلى أي تقدير، فإن هذا الكتاب نموذج آخر من كتب الأخباريين المسترسلين غير المعروفين، أمثال كتب الجزائري والنوري من المتأخرين غير الملتزمين بطريقة الشيعة الإمامية المجتهدين والمحدّثين منهم سواء، فلا يجوز أن تقع موضع دراسة لفهم آراء الشيعة بالذات فضلا عن العلماء الأعلام.
2- المولى محسن الفيض الكاشاني (توفى سنة 1090هـ). نسب إليه الكاتب ـ تبعا للأستاذ الذهبي ـ أنه يصرح بأن القرآن الذي جمعه علي (ع) هو القرآن الكامل الذي لم يتطرق إليه تحريف ولا تبديل. وهذا أيضا استنباط استنبطه الأستاذ الذهبي، بحجة أنه ساق أحاديث تنمّ عن التحريف(29). لكن المولى الفيض شكك أولا في صحة أسناد تلك الروايات، ثم على فرض صحتها ـ فرضا غير واقع في أكثرها ـ فهي صالحة للتأويل بأن التحريف إنما وقع في المعنى. يقول (ره): ((فيكون التبديل من حيث المعنى، أي حرفوه وغيروه في تفسيره وتأويله، بان حملوه على خلاف ما يراد منه...))(30).
وقد نوهنا عن رأي هذا المحقق المضطلع بأحاديث أهل البيت، الذي كان في الصف المقدم في الدفاع عن قدسية القرآن الكريم، وأنه محفوظ عن التغيير والتبديل أبدا. أثبت ذلك بدلائل واضحة وشواهد لائحة، في أمهات كتبه التحقيقية أمثال ((علم اليقين)) و((الوافي)) و((الصافي)) وغيرها(31).
3- وأما السيد عبد الله شبر، فهو من أعلام المحدثين في القرن الثالث عشر (توفي سنة 1242 هـ) كان يرى راي أصحابه الأخباريين، وكانت عبارته في التفسير(32) واردة وفق المأثور عندهم(33). الأمر الذي لا يأخذ به سائر أعلام الإمامية ولا سيما القدامى منهم والمحققين المجتهدين إطلاقا.
4- وأما السلطان محمد الخراساني، صاحب كتاب ((بيان السعادة في مقامات العبادة)) (1311هـ)..فقد عرفت أنه القطب الصوفي زعيم الفرقة ((النعمة اللهية)) الملقب في الطريقة بـ ((سلطان علي شاه)). ومن عبث حاول أهل الشغب في الرأي نسبة إلى الشيعة الإمامية المتبرئين من مسالك الدراويش المبتدعين.
5- وهكذا الحاجي حسين النوري ـ حسب تعبيرهم ـ صاحب كتاب ((فصل الخطاب)) (1320هـ) الذي حاول فيه إثبات تحريف الكتاب، على غرار أخيه السلفي الحشوي ابن الخطيب في كتابه ((الفرقان)).
إن أمثال هؤلاء الشواذ لا يؤخذ بشيء من أقوالهم وأقلامهم ما دامت حائدة عن طريقة العقل الرشيد، وقد نبذت آراءهم الأمة في أي صقع من الأصقاع كانوا وفي أي حقب من حقب التاريخ عاشوا.
1- فصلت: 42.
2- في رسالته التي وضعها لبيان معتقدات الإمامية. راجع المطبوعة مع شرح الباب الحادي عشر: 93 ـ 94.
3- أوائل المقالات: 54 ـ 56 والرسالة مطبوعة ضمن رسائل نشرتها مكتبة المفيد: 226.
4- راجع: مجمع البيان1: 15.
5- في مقدمة تفسيره الأثري ((التبيان)) 1: 3.
6- مجمع البيان1: 15.
7- في أجوبة المسائل المهناوية م13: 121. طبعت بقم سنة 1401هـ.
8- في موسوعته الفقهية الكبرى ((مجمع الفائدة)) 2: 218.
9- في كتابه ((كشف الغطاء)) كتاب القرآن من الصلاة: 298 ـ 299. وراجع كتابه ((الحق المبين)) في أبطال مزعومة الأخباريين: 11.
10- أصل الشيعة وأصولها: 133.
11- وهو: كتاب علم اليقين1: 565.
12- راجع الفصول المهمة في تأليف الأمة للإمام شرف الدين العاملي: 166.
13- أوثق الوسائل بشرح الرسائل: 91.
14- راجع مقدمة تفسيره آلاء الرحمن الأمر الخامس1: 25 ـ 27.
15- باب حجية ظواهر الكتاب، مخطوط.
16- ذكره السيد شارح الوافية.
17- في الفصول المهمة: 163. وكذا في أجوبته لمسائل موسى جار الله البغدادي: 28.
18- أعيان الشيعة1: 41.
19- الغدير3: 101.
20- تفسير الميزان 12: 106 ـ 137.
21- في تهذيب الأصول2: 165 وتعليقته على كفاية الأصول.
22- راجع البيان: 215 ـ 254.
23- راجع: التفسير والمفسرون2: 46.
24- المصدر: 77.
25- راجع: مرآة الأنوار ـ المقدمة الثانية: 36.
26- النسخة المطبوعة بطهران سنة 1303 هـ. وصححت على النسبة الجديدة في الطبعة سنة 1374هـ.
27- راجع: الذريعة 20: 264 رقم 2893.
28- راجع: تعليقة النوري في هامش مستدركه ط ق3: 385.
29- راجع: التفسير والمفسرون2: 156 ـ 159.
30- راجع المصدر: 158 ـ 159. والمقدمة السادسة من تفسير الصافي1: 34.
31- راجع: علم اليقين1: 565. والوافي2: 273. والصافي1: 33.
32- راجع: تفسيره المختصر: 266 عند تفسير الآية رقم 9 من سورة الحجر: ((وإنا له لحافظون، عند أهل الذكر.. أو في اللوح.. وقيل: الضمير للنبي)).
33- كما كان الحال عند المحدث النوري في كتابه المعروف ((فصل الخطاب)): 360. وهو من نفس الطبقة.