مسلك الاخباريون في نقل الحديث

الهجري ـ رأيهم في التحريف. رغم أن بعضهم ممن عاشوا بعد القرن الرابع والخامس كالصدوق والطوسي والطبرسي قد نفوه. ثم جاء بأسماء أربعة من العلماء وأضاف خامسا(1) كلهم عاشوا بعد القرن العاشر, ونسب إلهيم القول بالتحريف، شاهدا على دعواه.

ولتبيين قيمة هذه النسبة الشوهاء نلفت النظر إلى التوضيح التالي:

كان علماؤنا الأعلام منذ زمن حضور الحجة (ع) وفي زمن الغيبة، على طريقتين في الاتجاه الأصولي وفي استنباط مباني شريعة الإسلام: أهل نظر وتحقيق، وهم المجتهدون. وأهل نقل وتحديث، وهم المحدّثون. يختلف المحدثون عن المجتهدين بالاعتماد على النقل أكثر من العقل، ولا سيما في مسائل الأصول، حيث لا حجية لأخبار الآحاد هناك عند المجتهدين.

وقد كان لأهل الحديث أساليب معروفة بالإتقان والإحكام في الأخذ والتلقّي والتحديث في أسانيد الروايات وفي متونها، عرضا ومقابلة مع الأصول المعتمدة. وعلى هذا الأسلوب الروائي المُتقن دوّنت الأصول الأربعة(2) الجامعة لأحاديث أهل البيت (ع) مأخوذة من مشايخ أجلاّء وعن كتب ذوات اعتبار. وقد سادت طريقة الاتقان في النقل والتحديثُ حقبا من الزمان، وانتهت بدور العلمين خاتمي المُحدّثين: الشيخ الحرّ العاملي (1033 ـ 1104)(3). والمولى محسن الفيض الكاشاني (1007 ـ 1082)(4).

أما بعد هذا الدور فيأتي دور الانحطاط والاسترسال في نقل الحديث وفي رواية الأخبار، وأصبح أهل الحديث منذ ((القرن الحادي عشر)) مجرد نقلة الآثار وحفظة الأخبار، من غير اكتراث لا بالأسانيد ولا بصحّة المتون.

فقد زالت الثقة بأحاديث ينقلها هؤلاء (الأخباريون) المسترسلون، بعد انتهاء دور (المحدثين) المتقنين:

إنهم اهتموا بضخامة الحجم أكثر من الدقة في النقل، ومن ثم لم يأبهوا ممن يأخذون وعلى أي مصدر يعتمدون. إنما المهم عندهم حشد الحقائب وملء الدفاتر بنقول وحكايات هي أشبه بقصص القصاصين وأساطير بني إسرائيل. ومن ثم واكبوا إخوانهم الحشوية الذين سبقوهم في هذا المضمار، وساروا على منهجهم في الابتذال والاسترسال. فإن كانت محنة أهل السنة قد جاءتهم من قبل أهل الحشو في الحديث، فكذلك جاءتنا البلية من قبل هؤلاء (الإخباريين) المسترسلين.

وأول من طرح مسألة التحريف على منصّة البحث والتدليل عليه، هو عَلَمُ هذه الفئة المتطرفة وشاخصهم اللائح السيد نعمة الله الجزائري (1112) في كتابه ((منبع الحياة)) الذي وضعه لتقويض دعائم اصول التحقيق في مباني الشريعة الغرّاء. وانطلقت وراءه مجموعات غير عميقة الرأي، وأخيرا رائدهم النوري (1320) في كتابه ((فصل الخطاب)) الذي وضعه نقضا لدلائل الكتاب ونفي حجّيته القاطعة الثابتة عند أهل الصواب.


1- هم: الكازراني والكاشاني والعلوي والخراساني والخامس هو النوري. وسنذكر أن لا مستند في ذلك.

2- هي: الكافي للكليني (329). من لا يحضره الفقيه للصدوق (280). التهذيب والاستبصار، كلاهما للطوسي (460). وهي الكتب الأربعة للمحمدين الثلاثة وقد اعتمدتها الطائفة.

3- صاحب الموسوعة الحديثية الكبرى ((وسائل الشيعة)) التي جاء فيها ما يسد حاجة الفقيه في استنباط أحكام الشريعة من الفروع.

4- صاحب التأليفات القيمة التي منها: ((الوافي)) الجامع لأحاديث الكتب الأربعة في نظم بديع.