الرسالة الأولى

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة علامتنا العلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.وبعد..فإن المرء قد يشعر بوجود خلل في الفقرة المعنونة بـ (أهل اللغة ماذا يقولون) في كتاب السيد جعفر حفظه الله وهداه. والخلل يكمن في أن ما قدمه السيد في هذه الفقرة ليس هو ـ حقيقة ـ ما يقوله أهل اللغة في معنى (الأهل) و (أهل البيت). وإن تعجب فعجب قوله ص149: (قد عرفنا وجود نقاش كبير في صحة إطلاق عبارة (أهل البيت) على الزوجات فقد صرح بعدم صحة ذلك بعض أئمة أهل اللغة).وقوله ص131: (إن إطلاق عبارة: (أهل البيت) على الزوجات لم يعلم صحته إلا بضرب من التجوز والمسامحة). والسيد جعفر مرتضى يعتمد في الفقرة المذكورة على ما قاله العلماء في معنى كلمة (الأهل) في نفي كون الزوجات من (أهل البيت)، ولكنه فيما بعد يقر بأن الزوجات من (أهل رسول الله) بيد أنه يقول أنهن لسن من (أهل بيت رسول الله)، ويعتمد على إحدى روايات حديث الكساء في ذلك، ويقول في ص98: (هذا بالإضافة إلى وجود فرق في الاستعمال: بين أهل الرجل، وأهل بيت الرجل، فإن إطلاق كلمة (أهله) على الزوجة، لا يلزم منه صحة إطلاق كلمة (أهل البيت) (عليهم السلام). وقد تقدم في روايات حديث الكساء، أن النبي (صلى الله عليه وآله)، قد نفى أن تكون أم سلمة من (أهل البيت)، وقرر أنها من أهله، لا من أهل بيته).ولكن أهل اللغة لهم شأن آخر مع هذه الكلمات ومعانيها، فهذا ابن منظور صاحب لسان العرب يقول: و(أهل البيت) سكانه وأهل الرجل أخص الناس به. وأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) أزواجه، وبناته، وصهره، أعني علياً (عليه السلام)، وقيل: نساء النبي (صلى الله عليه وآله). والرجال الذين هم آله. وفي التنزيل العزيز: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(1).ويقول أيضاً: (ومنزل آهل أي به أهله (ابن سيده). ومكان آهل، له أهل (سيبويه) هو على النسب) وهذا فيه إشارة ـ بالطبع ـ لأصل اشتقاق كلمتي أهل، وأهل بيت.ويقول: (وأهل الرجل وأهلته: زوجته. وأهل الرجل يأهل، ويأهل أهلاً وأهولاً، وتأهل: تزوج. وأهل فلان امرأة يأهل، إذا تزوجها، فهي مأهولة. والتأهل التزوج. وفي باب الدعاء: آهلك الله في الجنة إيهالاً، أي زوجك فيها وأدخلكها.وفي الحديث: أن النبي (صلى الله عليه وآله)، أعطى الآهل حظين، والعزب حظاً. الآهل الذي له زوجة وعيال. والعزب الذي لا زوجة له). وهذا الكلام لا ينسجم مع ما قاله السيد جعفر وأورده في فقرة (أهل اللغة ماذا يقولون)، والتي حاول فيها أن يخرج الزوجات من (الأهل)، ومن (أهل البيت).وأما العلامة المقري الفيومي صاحب (المصباح المنير) فيقول: (وأهل الرجل يأهل أهولاً، إذا تزوج، وتأهل كذلك. ويطلق الأهل على الزوجة، والأهل (أهل البيت). والأصل فيه القرابة..).وأما الزبيدي صاحب تاج العروس فيقول ـ وما بين قوسين هو كلام الفيروز آبادي صاحب (القاموس المحيط) بالطبع ـ: (.. (و) الأهل (للنبي: (صلى الله عليه وآله وسلم) أزواجه، وبناته، وصهره علي رضي الله تعالى عنه، أو نساؤه). قيل أهله: (الرجال الذي هم آله). ويدخل فيه الأحفاد والذريات. ومنه قوله تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) وقوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ)..).بل إن الزبيدي ينقل عن الراغب ما يدل على عكس ما ذهب إليه السيد مرتضى، من أن إطلاق (الأهل) على الزوجة هو المعنى أو الاستعمال الطارئ على كلمة (أهل)، فيقول الراغب: (فأهل الرجل من يجمعه وإياهم مسكن واحد، ثم تجوز به، فقيل: أهل بيته من يجمعه وإياهم نسب، أو ما ذكر وتعورف في أسرة النبي (صلى الله عليه وآله) مطلقاً).وأما ابن فارس صاحب مقاييس اللغة، فيقول: (قال الخليل: أهل الرجل زوجه، والتأهل التزوج. وأهل الرجل أخص الناس به. وأهل البيت سكانه).ويقول الجوهري في صحاحه: (الأهل: أهل الرجل، وأهل الدار.. ومنزل آهل، أي به أهله). وواضح أن هؤلاء العلماء الكبار لا يقيمون وزناً لبعض روايات (حديث الكساء).وأما في (مجمل اللغة) فيقول ابن فارس: (الأهل: أهل البيت، ومنزل آهل، به أهله. وأهل فلان يأهل أهولاً (إذا) تزوج).إذا يظهر لنا من كل ما تقدم: أن كلمة (الأهل)، وكلمة (أهل البيت) لهما نفس المعنى ولا فرق بينهما. ويظهر لنا أن جهابذة اللغة العربية يفهمون من كلمتي (الأهل) و (أهل البيت) معنى الأزواج. ولا يجدون أي حرج في إطلاق اسم (أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)) على زوجاته، بل ويقدمون زوجاته على غيرهم. هذا في المعاجم. وأما في القرآن الكريم: فكما تقدم معنا في الرسالة الماضية، إن كلمة الأهل ـ التي تساوي كلمة (أهل البيت) كما اتضح ـ تطلق بكثرة على الزوجات، وتستعمل للدلالة على الزوجات. وأما إذا أردنا أن ندرس هذا التفريق المصطنع بين مفهوم (الأهل) ومفهوم (أهل البيت) قرآنياً، فسنجد أن القرآن الكريم ينفيه ولن نجد في القرآن الكريم أي أثر لهذا التفريق.ففي حين تطلق تسمية (أهل البيت) على زوجة إبراهيم (عليه السلام)، لأنها زوجته وتسكن في بيته ـ لا لأنها ابنة عمه كما حاول البعض أن يوهمنا، وإلا لكان عقيل وجعفر والعباس رضي الله عنهم من أهل بيت رسول الله ـ (صلى الله عليه وآله) ـ فتخاطبها الملائكة في سورة هود آية 73: (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) وتطلق تسمية أهل بيت على والدة موسى (عليه السلام)، ولا نعلم أنها كانت من العصبة، فتقول أخت موسى (عليها السلام): (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ فَرَدَدْنَاهُ إلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)(2).نجد أن كلمة (أهل) تطلق على الابن، كما في قول نوح (عليه السلام): (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ)(3).وتطلق كلمة (الأهل) على الأخ كما في قول موسى (عليه السلام): (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي)(4).وتطلق على الأب والأم كما في قول يوسف (عليه السلام) لإخوته: (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ)(5).ومعلوم أن إخوته (عليه السلام)، جاؤوا بأبيه وأمه، وخروا سجداً كما هو معلوم ومعروف. هذا كله بالإضافة إلى أنها تطلق على الزوجات، كما تبين لنا في الرسالة الماضية. فالحقيقة أن السيد غير محق في هذا التقسيم والتفريق بين (الأهل) و (أهل البيت). ولكنه وقع ضحية تلك الروايات التي زعمت أن الرسول (صلى الله عليه وآله)، قال لأم سلمة (رضي الله عنها)، عندما قالت: أنا من (أهل البيت)؟ أنه (صلى الله عليه وآله) قال لها: بأنك من أهلي، وهؤلاء أهل بيتي.ولكن السيد لم يتنبّه إلى روايات أخرى مضادة ومتضاربة مع هذه الروايات، مع أنه أوردها في كتابه! ـ وقصة تضارب وتضاد روايات حديث الكساء قصة طويلة ـ فمثلاً في بعض الروايات تقول عائشة لزوجها النبي (صلى الله عليه وآله): أنا من أهلك. فيقول تنحي فإنك إلى خير.وفي رواية تقول أم سلمة للرسول (صلى الله عليه وآله): ألست من أهلك؟ فيقول: إنك إلى خير، ولكن هؤلاء أهلي وثقلي.أما في روايات أخرى فتقول أم سلمة: أنا من (أهل البيت)؟ فيقول (صلى الله عليه وآله): إنك من أهلي خير. وهؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق.وفي رواية ثانية تقول أم سلمة: أدخلني معهم. فيقول (صلى الله عليه وآله): إنك من أهلي.وفي رواية ثالثة تقول أم سلمة: ألست من أهل بيتك؟ فيقول (صلى الله عليه وآله): بلى، ويدخلها الكساء.وكما اتضح فإن المعنى اللغوي ـ وهو المطابق للمعنى القرآني ـ لكلمتي (أهل) و (أهل البيت) في واد، وهذه الروايات في واد ثان. وقد ظهر جلياً أن الآية ـ أو بالأصح ـ العبارة عبارة التطهير مرتبطة ارتباطاً عضوياً بما قبلها من الآيات. وظهر أن الأوامر الإلهية للنساء هي لتطهير النساء أنفسهن، ورفع مكانتهن. فلا معنى لأن لا تكون كلمة (أهل البيت) شاملة للنساء.وأما بالنسبة لما قاله السيد جعفر مرتضى في ص93 وص95 و69 وص171 وغيرها وأغرق في الاحتجاج به، من أن الله تعالى خاطب زوجات النبي (صلى الله عليه وآله)، بكلمة بيوتكن ولكن البيت (في آية التطهير قد جاء محلى بألف ولام العهد. فلو كان المراد به بيت سكنى الأزواج، لكان المناسب الإتيان بلفظ الجمع، كسابقه ولاحقه، لا الإفراد بلام العهد).أقول: وما المشكلة في ذلك؟ فكل زوجة من زوجات الرسول لها بيت خاص بها، وعلي وفاطمة والحسنان (عليهم السلام) لهم بيت خاص بهم، ورسول الله (صلى الله عليه وآله)، كان يقضي يوماً وليلة في بيت كل زوجة من زوجاته، ولم يكن له بيت خاص به وحده. وكل من يسكن في هذه البيوت يسمون جميعاً أهل رسول الله، أو أهل بيته (عليه وعليهم الصلاة والسلام)، وليس من الضروري أن يكونوا ساكنين في بيت واحد.ومن المعروف أن بيوت زوجات النبي هي بيوت النبي. وهو أسكن زوجاته فيها، فهي ليست بيوت النساء حقيقة، والنبي يعيش فيها معهن، ولعل قول الله تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ)(6) دليل على ذلك.وأما قول السيد جعفر مرتضى في ص9

5 ـ 96: (قد يقال: يستفاد من نسبة البيوت إلى الزوجات، لا إلى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، أن في نسبته إليه شرفاً عظيماً، ولا يريد الله أن يخص النساء بهذا الشرف).أقول: يظهر أن السيد لم ينتبه إلى أن الله تعالى شرف النساء وبيوتهن في نفس الآية بآيات الله والحكمة.وأما بالنسبة لقوله: (هذا بالإضافة إلى أنه تعالى، قد أراد أن يظهر التمايز فيما بين الزوجات، وبين (أهل البيت) النبوي الحقيقيين، وهم (أهل الكساء) (عليهم السلام)، فلا يتصور أحد أنهن وأولئك بمنزلة واحدة بالنسبة إليه (صلى الله عليه وآله)، بل أهل بيته منه وإليه. وليس كذلك زوجاته اللواتي لم يرض حتى بنسبة البيت الذي هن فيه إلى رسوله(صلى الله عليه وآله)).

أقول أولاً: لقد اتضح لنا من كل ما سبق أن نساء النبي جزء من (أهل البيت).

وثانياً: وأما قوله بأن الله لم يرض حتى بنسبة البيت الذي هن ساكنات فيه إلى رسوله فهو فاسد من وجهين:

1 ـ أن الرسول (صلى الله عليه وآله) يسكن في ذلك البيت الذي تحدث عنه السيد فهو بيت الرسول شئنا أم أبينا.

2 ـ القرآن الكريم يبطل هذا الكلام. وليت السيد يقرأ بقية سورة الأحزاب فالله تعالى، وبعد عدد من الآيات يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً)(7).

وهذه الآية الكريمة تمنح بيوت النساء الشرف كله بنسبتها إلى رسول الله، وتبين أنها بيوته صلى الله عليه واقعاً، وتسلط الضوء على حرمة هذه البيوت، وأسلوب التعامل معها. وتوضح شيئاً من موقع زوجات الرسول في الأمة، وكلمة (بعده) لا تعني بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) بالضرورة، كما قال السيد جعفر ـ والله العالم ـ بل قد تعني حتى في حال طلاقه لهن. وإن شاء الله سيكون لنا عودة إلى هذه النقطة في الرسالة القادمة عند مناقشة رأي زيد بن أرقم.وأخيراً: أسأل الله لنا جميعاً الهدى والهداية إلى الصراط المستقيم والحق المبين، إنه تعالى أهل كل خير ونور، ويغفر الله لنا أجمعين زلاتنا وأخطائنا وذنوبنا إنه سبحانه الغفور الحليم الرحيم.وسلامي لسماحتكم وتحياتي، وحفظكم الله العظيم مثالاً للعالم التقي، الصادق، العامل، الورع، ذي الصدر الرحب، والأفق الواسع. وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته إنه حميد مجيد.


1- سورة الأحزاب الآية 33.

2- سورة القصص الآية12 و13.

3- سورة هود الآية45.

4- سورة طه الآية29 و30.

5- سورة يوسف الآية 63.

6- سورة الأحزاب الآية34.

7- سورة الأحزاب الآية 53.