الفصل الخامس والعشرون.

الفصل الخامس والعشرون.

قوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾.

(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ):

قلنا فيما تقدم: إن الله تعالى قدَّم ما يُفيد في إعطاء الوضوح، واليقين، والثبات، الذي هيَّأ له التذكير بأن هذا القرآن الذي يتنزّل تدريجاً، يحمل معه ما يدلُّ على صدقه، وظهور حقائقه في الوقائع المتتالية، بسبب انطباق الآيات عليها، مع أنها قد نزلت قبلها بزمان.

وقد جعل سبحانه هذا دليلاً على لزوم الصبر لحكمه تعالى، وها هو الآن بعد هذا وذاك، قد عقب ذلك بالطلب من نبيِّه الكريم: أن يذكر اسم ربِّه بُكرةً وأصيلاً..ولتوضيح أجواء هذا الأمر الإلهي نقول: قد تحدَّثت هذه السورة المباركة عن الإنسان حتى قبل نشوئه، ثم تابعته في مسيره إلى مصيره، وبينت حاجته إلى الهداية، والرعاية الإلهية، فأصبح واضحاً: أن النبيّ صلى الله عليه وآله هو الذي يتحمَّل مسؤولية هدايته ورعايته وإعداده، وإزالة الموانع من طريقه في كلِّ هذا المسير الطويل، ولذلك خلق الله سبحانه نبيه الكريم صلى الله عليه وآله قبل خلق الخلق، لكي يرافق هذا الخلق بروحه الطاهرة، ثمَّ في نشأته البشرية إلى أن قبض الله روحه، ولكنه أيضاً لم ينقطع بالموت عن مواصلة رعاية البشرية، بل هو لا يزال مرافقاً لها، وسيبقى معها، حتى حينما تنتهي إلى مصيرها النهائي في الآخرة..إن مهمَّة النبيّ صلى الله عليه وآله لا تنتهي بموته في الدنيا.. بل هو الشاهد على هذه الأمَّة، والمراقب لأعمالها، والراعي لها حتى في النشأة الأخرى، وهو الذي يتَّخذه المؤمنون وسيلةً لهم إلى الله تعالى، ليقضي حاجاتهم في الدنيا، وليشفع لهم في الآخرة، وهو الذي ينجدهم في الشدائد، بل ويحضرهم عند الموت، وهو صاحب الحوض في الآخرة، يسقيهم وصيُّه منه، أو يمنعهم عنه.

فإذا كانت للنبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله هذه المهمة الخطيرة، فهو يحتاج إلى التثبيت، وإلى الصبر الذي لا ينتهي عند حدٍّ، - إذ إن القضيَّة ليست مجرَّد حدَث صعب يمرُّ في تاريخ حياته وينتهي.. بل هو حدَثٌ مستمر، دائم التحدّي، لحظةً فلحظةً، وإلى أن تقوم الساعة - لأنه يتصدى للطواغيت، وللأهواء، وللغرائز. والعدوُّ الذي يقاومه ويريد تحصين نفسه منه، دائم الحضور معهم، بالغ التأثير عليهم، وهو عدو لا يكلُّ ولا يملُّ، له حالات ومحاولات، وقوّة وضعف، مما يعني أنه سيبقى دائماً في موقع التمرّد، والطغيان، والإغراء.

فلا بدّ من التدرّع بالصبر، ولبس لبوسه، دون كلل أو ملل.. ولا بدّ من وسيلة تُنتج هذا الصبر، وتحافظ على قوته، وتضاعفها باستمرار.

وإذا كانت مهمة الرسول ومسؤوليته لا تنحصر بزمان، فكيف يمكن إنتاج هذا الصبر الدائم والمستمر، ليمكن القيام بأعباء هذه المسؤولية، ومواجهة المغريات والتحديات؟!..

إن هذا هو ما تكفلت هذه الآية المباركة ببيانه.. فهي تقول: إن على هذا الرسول - كما هو على كل البشر - واجبات لا بدّ لهم من القيام بها.

وإن صبره صلى الله عليه وآله، وصبرهم إنما هو بالله سبحانه. وقوته صلى الله عليه وآله، وقوتهم إنما هي به ومنه تعالى. ولذلك قال عزوجل سبحانه لنبيِّه هنا:

(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ):

إن الملاحظ هو أنه سبحانه قال: ﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ﴾.

ولم يقل: (اذكر ربّك)، ربما لأن كلمة (اذكر) قد يراد بها التذكّر في مقابل النسيان، كما قال سبحانه: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾(1)، فيكون المطلوب هو إعادة التوجّه إليه بعد الغفلة عنه.. وهذا المعنى غير مراد هنا، فإن الغفلة عن الله تعالى مما لا يُتوهَّم في حق رسول الله صلى الله عليه وآله.. إلا إذا كان الله سبحانه يريد بخطابه هذا، تعليم الآخرين، وتنبيههم من غفلتهم..

وأما القول بأنه تعالى: يريد بذلك مواجهة نبيه الأكرم صلى الله عليه وآله بالوقائع بطريقة حاسمة، ومن موقع ألوهيته تعالى، تماماً كقوله تعالى: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾(2) وقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ / لاَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ / ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾(3).

فهو غير مقبول، لأن المراد هنا - كما يشير إليه سياق الآيات - هو إظهار التحنّن على الرسول، واللطف والرفق به.. وطمأنته إلى المعونة الإلهية والرعاية الربانية..

لماذا اسم الله؟!:

وأما السبب في أنه تعالى، قد أجرى الكلام عن ذكر اسم الله، فهو أن المقام مقام الذكر المستبطن لمعنى المعرفة، ومن البديهي: أنه لا يمكن معرفة كُنه الله، وحقيقة ذاته تعالى. بل هو جلَّ وعلا يُعرَف بأسمائه وتجلياتها، ومنها صفات فعله التي هي بالنسبة لنا أدلّ شيء عليه، إذ إننا نشعر بالحاجة إلى الرزق فيرزقنا الله، فنسمّيه بالرزّاق، ونحتاج إلى الشفاء، فيشفينا، فنسمّيه بالشافي، ونحتاج إلى الرحمة فيرحمنا فنسمّيه بالرحمن، وبالرحيم.. وكذا الحال بالنسبة للخالق، والودود، والمعزّ، والمذلّ، والمنتقم، والكريم، وغير ذلك..

إذن، فنحن نستحضر مفهوم هذه الصفة أو تلك له تعالى في أذهاننا لتكون هي المشيرة إليه، والدالة عليه سبحانه.

ولكن معرفة الأنبياء والأوصياء له تعالى، أعمق وأدق من معرفتنا هذه، فإنهم يعرفونه سبحانه باسمه الألوهي، وبما يريهم إيّاه من أسرار خلقه، وملكه، وملكوته، وعجائب صنعه، وآياته. فإن الله سبحانه قد أرى نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله من آياته حين الإسراء والمعراج، إلى البيت المعمور حيث المسجد الأقصى، وأراه من آياته الكبرى في معراج آخر إلى سدرة المنتهى، كما في سورة النجم.. وأرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض.

وقد يُعرف الله سبحانه باسمه العظيم، وباسمه الأعظم.. ولعلَّ هذا هو ما تريد الآية أن تلمح إليه، حيث قالت: ﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ﴾. ولم تقل: أسماء ربِّك.. لكي لا يقال: إن المراد هو الأسماء الحسنى.. كما أنها لم تقل اذكر الله..وعلى كل حال، فإن ذكر النبيّ صلى الله عليه وآله لاسم ربِّه، ليس لأنه يغفل عنه، بل لأنه يريد تعميق معرفته في أعماق وجوده.

(رَبِّكَ):

ولا حاجة بنا إلى معاودة التذكير بأن التعبير بكلمة (رب) دون كلمة الإله، أو الله، قد جاء ليشير إلى التربية والرعاية الإلهية، من موقع الحكمة، والمحبة، وأنه يبقى موضع العناية والاهتمام الربوبي.

وقد أضاف كلمة (الربّ) إلى كاف الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله، ليشير إلى أنه صلى الله عليه وآله، هو نفسه - وبما هو شخص له خصوصياته التي تميِّزه عن الآخرين - مورد العناية، ومحل اللطف الربوبي، وليس اللطف عامّاً، ويكون هو من الأفراد الذين يشملهم ذلك العام.

(بُكْرَةً وَأَصِيلاً):

ثم إن ثمة أكثر من نقطة ترتبط بالبكرة والأصيل، اللذين ذُكِرا في الآية المباركة، وفيما يلي تذكير بما تيسر منها:

1. الوقت ليس مجرّد وعاء: قد دلَّت الآيات الشريفة، والتشريعات المختلفة، على أن للوقت وللمكان قيمة واقعيّة، ونصيباً حقيقياً، في تحقيق الغايات من التشريع، فللصلاة أوقاتها، كما للحج، وللصوم، وغير ذلك، بحيث لو أن الصائم أفطر قبل الغروب بدقيقة واحدة بطل صومه، وكذا لو صلّى قبل الظهر بدقيقة واحدة، بل لا بدّ من إعادة هذه وذاك. مع أن الأفعال المشترطة بالوقت لا تتفاوت فيما بينها.

فدعوى أن الوقت كالمكان مجرَّد ظرف لوقوع الفعل، وليس له أي تأثير في الأمر العبادي، غير صحيحة..وكما أن للمكان والزمان تأثيرهما في الغايات من التشريع، فإن لهما قداستهما أيضاً، فالكعبة مقدَّسة ومباركة، والحجر الأسود مقدَّس ومبارَك، وللمسجد حرمته.

وقد جعل للصلاة في المسجد قيمة، وللصلاة في المسجد الحرام، عند الكعبة قيمة، وحدد للطواف مكاناً لا يصحّ في غيره، وحدد أيضاً للسعي والرجم، والوقوف أماكن خاصة بهم، بل هو قد تدخَّل في عدد الحصيَّات التي تُرمى بها الجمار، وطلب أيضاً.. أن تُؤخَذ من مكان بعينه.

2. ما المراد بالبكرة والأصيل؟: قد يقال: إن الهدف من ذكر البكرة والأصيل في هذه الآية المباركة هو الحثّ على الصلاة في الأوقات الخمس، لوقوعها جميعاً في وقتي: البكرة والأصيل..ونقول:

أولاً: إنهم يقولون: إن المقصود بالأصيل العصر، أو ما بعد العصر، وبالبكور الصباح..وهذا معناه: أن أوقات الصلوات الخمس لا يصحّ إرادتها هنا، لأن الظهر ليس من الصباح، ولا من العصر، كما أن العشاء الآخرة ليست منهما، بل وكذلك صلاة المغرب، لأن الأصيل هو حيث تميل الشمس مَيلاً ظاهراً إلى جهة الغرب، فلا بدّ فيه من وجود الشمس ظاهرةً في الأفق، وصلاة المغرب إنما تكون بعد غيابها.

إلا أن يُقال: إن المغرب والعشاء قد أُشير إليهما في الآية التالية، وهي قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ﴾.

فلو سلمنا ذلك، ولم نقل: إن المراد هو صلاة الليل، فإننا نقول: يبقى الإشكال في صلاة الظهر، فإنها ليست بكرةً، وليست أصيلاً، كما هو ظاهر..

ثانياً: إن الآية لم تذكر الصلاة أصلاً.. فلماذا الإصرار على إضافة هذه الخصوصيّة إلى مضمونها؟!

3. التَّنصيص على البكرة والأصيل: ويبقى سؤال هو: لماذا اختار الله سبحانه التَّنصيص على هذين الوقتين: البكرة والأصيل، دون سواهما؟

ويمكن أن يُجاب:

أولاً: إن لكلّ وقت إغراءاته، وصوارفه، وشياطينه الخاصة به، التي تزيِّن للناس المعاصي المناسبة لتلك الأوقات، ففي النهار مثلاً يواجه الإنسان الناس، ويتعامل معهم، ويبيع ويشتري، و.. و.. فيأتي الشيطان، ويقول للإنسان: انظر للأجنبية بشهوة، اكذب على الناس، تعامل مع الناس بالرِّبا، غشّ الناس، استهزئ بهم، أخْسِِِر المكيال والميزان، الخ..وفي الليل أيضاً هناك شياطين تغري بالمعاصي التي تناسب الليل، فتقول للإنسان: تجسس، واسرق، انظر إلى داخل البيوت، اذهب إلى سهرات الغيبة، إزنِ.. الخ..فجاء الأمر بذكر الله في هذين الوقتين، لإبعاد جميع أنواع الوسوسات الشيطانية عن الذاكر لربه.. ليستقبل يومه وليله بروح صافية، وبعزيمة قوية، وراسخة، وقادرة على مقاومة كل الإغراءات.

وفي هذا من التعليم والإرشاد للناس، ما لا يحتاج إلى مزيد بيان.

ثانياً: هناك أوقات يرغب الإنسان بأن يُبعد فيها عن نفسه همومه وأفكاره، ويخلد للراحة، إمّا بالنوم، أو بالانشغال بما يروِّح به عن نفسه، أي أنه يطلب الاستغراق في الغفلة عن واقعه، أو الخروج منه.

ومن هذه الأوقات وقت صلاة الصبح، ووقت العودة من العمل المرهق طيلة النهار.

فذكر الله سبحانه في خصوص هذين الوقتين يُخرج الإنسان عن حالة الغفلة التامَّة، ويحصرها في خصوص الغفلة عن أمر الدنيا، ويجعله واعياً متيقِّظاً لأمر الآخرة.

ثالثاً: إن هذين الوقتين، وإن كانا من أوقات الغفلة عادةً، ولكنهما في الحقيقة هما الوقتان اللذان تكون النفس فيهما في أشد حالات الاسترخاء، والصَّفاء والاستعداد لتقبّل أيِّ وافد جديد عليها.

فإن الإنسان بدءاً من وقت الأصيل يتهيَّأ للاختلاء بنفسه، وللعودة بأفكاره الشوارد إلى دائرته ومحيطه الحقيقي. ويكون مستعدّاً للتأمّل، واللقاء مع الله سبحانه، والاتِّصال به مباشرةً بصورة أعمق، وبسهولة ويُسر، ووضوح وصراحة، لا تقاس بالصراحة والوضوح فيما لو حاول اللقاء بالله، وهو في متجره، أو في دائرته، أو نحو ذلك. فثمَّة صوارف ومعوقات في مواضع العمل، وقد زالت الآن، ولأجل هذه الميزات بالذات كانت صلاة الليل من أهم الأعمال العبادية.

إن الله يريد أن يكون الوقت الذي تطلع فيه الشمس بين قرني شيطان, والوقت الذي تغرب فيه بين قرني شيطان، وقت خلوة بالله، وانقطاع إليه، وتهجّد وعبادة له، ليرغم بذلك كل مردة الشياطين من الجن والإنس أجمعين..والخلاصة: أن الاتصال مع الله ليس جوارحياً بل هو قلبي جوانحي، وفي العمل الجوانحي تطلب الأوقات التي تناسب هذا الاتصال، وتزيد من القدرة على تحقيق غاياته. وذلك إنما هو حيث لا يكون القلب منشغلاً بأعباء الجوارح، ومنهمكاً في ترتيب، وبرمجة، ومراقبة نشاطاتها..وإنَّ الليل بل وابتداءً من الأصيل وإلى حين البكور، يكون هو الوقت المناسب للقاء القلوب بالله سبحانه، والتفاعل معه، والانجذاب إليه. حيث تكون الجوارح قد سكنت أو كادت، ولقاء القلوب مع الله سبحانه لقاء واقعي، وهو لقاء رضي وحميم.

استغراق الوقت في العبادة:

ولا حاجة إلى التذكير بأنَّ الله سبحانه لا يريد لهذا الإنسان أن يعيش الغفلة عن الله سبحانه، بل يريد له أن يكون معه في كل لحظات حياته، حتى في أكله وشربه، وعمله، وفراغه، ونومه ويقظته، ولذلك جعل له النوم في شهر رمضان عبادة، والأنفاس فيه تسبيح، فالنوم إذا كان في طاعة الله، فإن الله لا يعده من موارد الغفلة.

وقد نام علي عليه السلام على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة الهجرة، وكان ينام في أيام الحصار في شعب أبي طالب في فراش الرسول، حتى إذا كان هناك تدبير يستهدف حياة الرسول صلى الله عليه وآله من قبل المشركين، فإنه سوف يصيب الإمام علياً عليه السلام، ويسلم رسول الله صلى الله عليه وآله..فنوم علي عليه السلام هذا.. ليس نوم الغافلين، بل هو ذكر، وعبادة، وفداء، وجهاد، وحضور حقيقيّ بين يَدَي الله جل وعلا.

فالله سبحانه من خلال هذا التوجيه الذي وجهه لرسوله يريد منا ومن كل مؤمن أن لا تكون في حياته غفلة ولو للحظة واحدة..وبذلك يكون ما ورد في هذه الآية والتي بعدها كناية عن لزوم ذكر اسم الله مستغرقاً لجميع الأوقات في النهار، ثم يكون السجود والتسبيح مستغرقاً أيضاً لليل الإنسان كله، وبذلك يكون دائم الحضور بين يدي الله، في ساعات العمل، وفي ساعات الفراغ، وحين ينام، وحين يستيقظ، وفي كل حالاته وشؤونه..فلا معنى للتعبير الدارج بين الناس: (ساعةٌ لك، وساعةٌ لربِّك). والتي تعني أنَّ الإنسان في الساعة التي له، يمكنه أن يلهو، وأن يفعل ما يشاء..نعم لا معنى لهذا التعبير، بل على الإنسان أن يجعل كلَّ حياته لله سبحانه، ذاكراً له، وحاضراً بين يديه..وأما التأكيد على الناس الوارد عن الأئمة عليهم السلام بأن يذكروا الله تعالى، في ثلاثة أوقات، هي: الوقت ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، وساعة ما قبل الغروب، والثلث الأخير من الليل.. فإن المراد هو التنصيص على خصوص هذه الأوقات، لأنها من ساعات الغفلة عند الناس عادة.. فكأنه يقول: اذكروا الله في جميع أوقاتكم وخصوصاً في هذه الأوقات الثلاثة.. أما الأبرار فلهم شأن وحديث آخر، إذ إنهم دائماً في حالة ذكر لله، وحضور مستمر بين يديه تبارك وتعالى..ولعلَّ مما يؤيِّد: أنّ المراد هو استغراق الوقت كله في ذكر اسم الله تعالى.. أنه تعالى قد وصل ذلك بقوله: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً﴾..


1- سورة الكهف الآية24.

2- سورة الزمر الآية65.

3- سورة الحاقة الآيات44/46.