الفصل الرابع والعشرون.

الفصل الرابع والعشرون.

قوله تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً﴾.

(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ):

والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة، هو: أنه أمره بالصبر لحكم الرب، لا على حكمه، فما هو السبب في ذلك، والجواب: أنه إذا قيل: اصبر على الأمر الفلاني، فالمعنى أن عليك أن تتحمل مشقته، ومتاعبه، ومسؤوليته، وقسوته، وشدائده. ولا يصح أن يكون هذا هو المراد في الآية هنا؛ إذ لا يمكن أن يكون في حكم الله سبحانه قسوة، أو أن يوقع في مشكلات.

فالصحيح أن يقال: اصبر لحكم ربّك.. أي: لأجل ولمصلحة هذا الحكم الربّاني.. لأن الصبر مُفيد في إنجازه، وتحقيقه، وإقامة شرائعه، والالتزام بها، وإنفاذها.

أما المتاعب فلم تنشأ من حكم الله، بل هي من صنع المعتدين، والآثمين، أو من نتاج الهوى والعصبيات، وحبّ الدنيا، والميل إلى السلامة والراحة. مع أن الخير كل الخير، والسعادة والصلاح هو في الالتزام بأحكام الله، وفي إجرائها، لا في التخلّي عنها، لأجل دواعي الهوى، أو ما شاكل.

هذا إذا كان المراد بحكم الرب هو الالتزام بشرائعه وأحكامه.

ولكن الظاهر هو أن المراد بـ (حكم ربّك) هو تكليفه لك أيّها الرسول بمهمات كبيرة وصعبة، اقتضاها تبليغك لأحكام الله.. حيث إنك ستواجه المتاعب والنوائب، وأعظم الأذى والمصائب، في سبيل إبلاغ الدعوة ونشرها.. وقد فرض الله عليك القيام بهذا الواجب، وعليك أن تصبر، لأن هذه الدعوة تَحمل معها مواجهات صعبة في كلّ اتّجاه، إذ لابدّ من مواجهة الطواغيت، ومواجهة أهواء الناس وطموحاتهم الباطلة، والوقوف في وجه انحرافاتهم، ومواجهة النفس الأمّارة، و.. و..وهذا العناء العظيم، وذلك الجهد الهائل، وتلك المصاعب والمصائب، تحتاج إلى التثبيت الإلهي، وإلى أن يشعر هذا العامل بلطف الله، ورعايته، ومحبته، وحنانه، ولأجل ذلك جاء التعبير بكلمة:

(رَبِّكَ):

فإن هذا الحكم عليك قد جاء من مقام الربوبية، ما وافق الحكمة، ومن موقع التدبير، والمحبة لك، واللطف بك، والرضا عنك، والحنو عليك، والتي تريد لك التكامل في مقامات الرضا، والانتقال من مقام إلى مقام بنفس هذا الجهد الذي تبذله، وتلك الصعوبات التي تواجهها..ولذلك كلَّمه تعالى بكاف الخطاب للمفرد، من أجل المزيد من التحديد لشخص الرسول صلى الله عليه وآله، وبما له من حدود وميّزات فردية، ليعرفه بعنايته المباشرة به.

وهذا الخطاب لا شك أنه لذيذ ومحبوب لنفس الرسول، وهو يعطيها رضاً، وبهجة، وسكوناً، وطمأنينةً، وثباتاً، وقوةً، لشعوره بأن عين الله الرؤوف به، والعطوف عليه ترعاه، وتلاحق كل حركاته، وترصد جميع حالاته.

(وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً):

وحين يكون هذا العامل في سبيل الله يواجه أشدّ حالات الحرج، ويبذل أعظم الجهد لتحقيق ما يتوخّاه، ويمتثل أمر مولاه.. فإنه يُواجه حالات أشد أذىً لروحه، وإيلاماً لقلبه، وحرجاً على نفسه، وهي نصائح أولئك الأعداء له بالتخلّي عن مسؤولياته الإلهية والإنسانية، والسعي إلى بعث اليأس في قلبه، وإضعاف عزيمته، وإصابته بالفشل وبالإحباط من جرّاء ذلك، وإقناعه بأنه لن يجني سوى المشاكل، والمصائب، والبلايا..وربّما يُواجه أساليب متنوعة في هذا الاتجاه، فيها الترغيب والإغراء تارةً، والترهيب والوعيد أخرى.

فلذلك جاء الأمر الحازم والحاسم، ليقول له: ﴿ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً﴾.

وقد يُلاحَظ: أن لحن الخطاب الإلهي مع أنبيائه وأوليائه يمتاز بالقوّة وبالحسم أحياناً، بل هو قد يوحي أو يوهم أنه يتهدَّدهم بصورة قوية وقاسية: حتى ليقول الله تعالى لنبيِّه: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾(1)..ويقول: ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ / لاَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ / ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾(2).

ويقول: ﴿ وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾(3)..كما أنه يخاطبهم في أحيان كثيرة بمنتهى اللطف والرأفة..ولكنه حين يُخاطب عباده الخطّائين فإنه يتألّفهم، ويُداريهم، ويُهوِّن عليهم الأمور، ويُخاطبهم بلين ولُطف، فيقول: ﴿ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ﴾(4)..

ثم هو يرغبهم بالتوبة، ويعدهم المغفرة ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ﴾(5).. ﴿ تُوبُوا إلى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً﴾(6).. وغير ذلك..وما ذلك إلا لأنه تعالى يخاطب أنبياءه وأولياءه من موقع الألوهية، لأنهم في معرفتهم بالله، وفي حصانتهم ضد نزعات الهوى، قد وصلوا إلى مراتب سامية من الصفاء، والنقاء، والوعي، تؤهلهم لنيل الحقائق، والتفاعل معها.. وهذا ما جعل الخطاب معهم خطاباً بالحقائق ذاتها على ما هي عليه، لأنهم أصبحوا فوق مستوى البشر العاديين الذين يحتاجون إلى الخطاب بلغة تستعير مفرداتها من مألوفاتهم في هذه الدنيا، ومفرداتها، وحالاتها.. لأنهم منغمسون فيها، فيحتاجون إلى مزيد من الرعاية لهم، وتولي تدبير أمورهم، والإشفاق عليهم، بسبب شدة بُعدهم عن الحقائق، وعدم قدرتهم على إدراكها..على أنه تعالى لا يريد أن يشير إلى أي احتمال لصدور ذلك منهم، بل هو مبالغة في زجر غيرهم، فهو تعالى يريد أن يطلق القاعدة، ويعلن شمولها وسريانها الذي لا يقبل التخصيص، وصدق الشرطية لا يتوقف على صدق طرفيها، فهو على حد قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾(7).. فإنه يستحيل أن يكون لله ولد، ولكن المقصود هو التأكيد الشديد جداً على صحة الشرطية..وكذلك الحال في قوله تعالى: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾(8).. فإنه لا يمكن أن يصدر الشرك منه صلى الله عليه وآله، ولكن المقصود هو التأكيد على القاعدة والضابطة، وسريانها، وعمومها بأوضح بيان، وأجلى برهان..ثم قال تعالى: ﴿وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً﴾: فالآثم هو ذلك الذي يمارس الإثم، وينغمس فيه مباشرة. وربما تكون دواعيه ودوافعه له شهوانية، أو بسبب فهم خاطىء قد قصر في مناشئه ومكوناته. أو لخدعة وقع فيها، أو قلة مبالاة بالرقابة الإلهية.. أو لأجل كفوريته، وتنكّره لمقام الألوهية، وطغيانه على الله، وغير ذلك..

ثم لا يقتصر على ذلك بل هو يدعو غيره ليشاركه في مآثمه.. وربما بهدف تخفيف الملامة عن نفسه، أو لأجل أن يجد العضد والمعين، أو لأجل الإمعان في الطغيان على الله، أو لغير ذلك من أسباب.

غير أن مما لا شك فيه: أن المآثم حينما تصبح واقعاً متجسداً، فإن داعويتها للآخرين إلى ممارستها تصبح آكد وأشد، من حيث إن درجةً من التخوف والرهبة تزول عنهم، ولأن ما يتخيلونهُ من لذائذ لهم فيها، قد أصبح ماثلاً أمامهم بالفعل، يثير شهيتهم، ويسيل لهُ لعابهم.. فتصير الدعوة إلى ارتكاب تلك المآثم، والتشجيع عليها أكثر فعاليةً، وأعظم أثراً.

وقد نهى تعالى عن إطاعة الكفور، وهو المكثر من الكفر، أو الشديد فيه، من حيث إنه يبذل جهداً قوياً لتجاهل وطمس معالم نعم الله الظاهرة عليه، كما أنه يقاوم بشدة دواعي الهداية الفطرية، والعقلية، والشرعية من أن تؤثر في ضبط حركته، والتخفيف من غلوائه وطغيانه. فهو كفور بلحاظ درجات المقاومة ومراتبها، فكأنَّ هذه المراتب تتضاعف: حتى ليصحّ أن يقال لفاعلها: إنه كفور.

كما أنهُ يُكثر من هذا الكفران، بسبب كثرة تلك النعم، وكثرة تلك الدواعي التي هيأها الله لهُ، رحمةً به، وحدباً عليه. فهو كفور من حيث كثرة صدور مظاهر التجاهل لألطاف ونعم الله منه، وظهورها على جوارحه.

ولكنهُ.. يسعى دائماً للتمرد على ربِّه، والخروج عن زيّ العبودية، ويبذل جهداً، ويكرر المحاولة في هذا السبيل.

فإذا اقترنت هذه الشدّة، وتلك الكثرة، بصيرورة هذا الكفور داعيةً إلى التمرد وإلى الطغيان، وإلى ستر وتجاهل نعم الله، والتنكر لألطافه، ورفض كل هداياته.. فإنه يصبح أشدّ كفوريةً، ويكون عمله هذا أعظم درجةً في القبح والسوء، لأنَّه يجعل نفسه في موقع المواجهة مع فطرته، وعقله، ووجدانه.. الذي لا يرضى منهُ إلا أن يكون شاكراً للمنعم عليه، مؤدياً فروض العبودية لسيده، وخالقه، ومالك رقِّه.

ومهما يكن من أمر، فإن قوله تعالى: ﴿ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً﴾.. يدل على أن حاملِ همِّ الدعوة إلى الله، الذي يعيش حالة الانضباط التام، والانسجام مع الفطرة، ومع نواميس الحياة، ويلتزم بهدى العقل والشرع.. يواجه دعوات قوية إلى أن يتخلى عن ذلك كله، وليستبدل الممارسة السليمة، بارتكاب الآثام. ولينقض بذلك ضوابط الفطرة، والشرع، والعقل، والوجدان، والفكر.

ومن الواضح: أن هذا الخطاب الإلهي للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله، لا يعني: أن ثمة أية إمكانية لأن يطيع هذا النبيُّ الكريمُ، الآثمَ أو الكفورَ..وذلك لأن الخطابات القرآنية للأنبياء تأتي قوية وحاسمة، لأنها من موقع ألوهيته تعالى، وبما هو خالق بارئ مصور، عزيز، جبار، متكبر، الخ..فلا غرو أن نجده سبحانه يدفع بالأمور مع أنبيائه إلى أقصى الحالات، ومن دون أيِّ هوادة أو تخفيف..كما أن الله سبحانَه يريد أن يعرّفنا حقيقة المعاناة والآلام التي يتعرض لها هؤلاء الدعاة إليه تعالى، ولعل أشدها عليهم محاولات الآثم والكفور، جرَّ أتباعهم، ولا سيما المستضعفين منهم، إلى الإثم وإلى الكفر..

ثم إن في هذا الخطاب الإلهي إشارة عملية إلى أن المعاملة الإلهية للبشر، لا تمييز فيها، فهو لا يغضُّ الطرفَ عن رُسله وأنبيائه، لمجرد أنَّ لهم منزلةً عندهُ، فإنَّ منزلتهم إنّما نالوها عن جدارة واستحقاق، تجلّيا في التزامهم بأوامره ونواهيه التي قد تزيد صعوبتها بالنسبة إليهم عنها بالنسبة لغيرهم..

وهذا يُخالف تماماً ما عليه البشر في تعاملهم مع القريبين منهم، فإنه يختلف عن تعاملهم مع غيرهم.

يُضاف إلى ذلك كله: أن الله سبحانه إنّما يُخاطب الرسول بما أنه قادر على فعل الشيء، لا بما أنه معصوم.

وهذا نظير قوله تعالى: ﴿ وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾(9)، فإنه يستحيل صدور الظلم من الله سبحانه؛ لمنافاته مقام ألوهيته.. ولكن ذلك لا يعني محدودية قدرته سبحانه، وصيرورته عاجزاً على الحقيقة. بل إن الله سبحانه قادر على كل شيء في جميع الأحوال..وهذا نظير قولنا: إن الأم يستحيل أن تقتل ولدها تشهّياً منها، ما دامت تملك العقل، والتوازن، وعاطفة الأمومة، كما أن الإنسان لا يُقدم على شرب السم، والمؤمن الواعي لا يُقدم على أكل الميتة، ولحم الخنزير. ولكن ذلك لا يعني العجز التكويني لهؤلاء عن ذلك كلّه..

وهذا بالذات هو حال الأنبياء أيضاً، فإنهم لا يعصون الله، ولا يطيعون الآثم والكفور، لوجود المنافرة الحقيقية، والبغض الحقيقي في نفوسهم لمثل هذه الأمور.. دون أن يكون ثمَّة عجز تكويني عن ذلك.

فقول الله سبحانه لنبيِّه: ﴿ وَلاَ تُطعْ منْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً﴾، قد جاء خطاباً إلهياً متوافقاً مع مقتضيات الأحكام الظاهرية للبشر، لأنهم مخاطبون بما يخاطب الله به غيرهم..ومكلفون به ما دام أنه يقع في دائرة ما تقتضيه قدراتهم البشرية، بغض النظر عن عصمتهم، ومع ملاحظة أن عصمتهم إنما هي اختيارية لهم.

والخلاصة: أن الأنبياء مكلفون - كغيرهم - بالاجتناب عن جميع المعاصي، وامتثال جميع الأوامر، ولكن ذلك لا يعني: أن يكون الأنبياء - بملاحظة ملكة العصمة فيهم - مظنة صدور ذلك منهم.. بل هو يعني: أن هذه الأمور تقع في دائرة اختيارهم، في نطاق قدراتهم البشريّة.

صبر الرسول..

ونعيم الأبرار في الجنة:

ولعلّك تقول: ما المناسبة بين حالات الأبرار في الجنة، وبين تنزيل القرآن تدريجاً، لتحقيق التثبيت لفؤاد الرسول صلى الله عليه وآله؟.. مع أننا قد نتوهم أن الأنسب هو ربط ذلك بيقين الناس، ليكون ذلك مدخلاً لطلب المزيد من الصبر منهم، والثبات والسعي لنيل درجات الأبرار في الجنة.

ونقول في الجواب: إن القرآن أراد أن يفهمنا أن المسؤولية التي يتحملها رسول الله صلى الله عليه وآله في تهيئة النفوس، وصناعة الشخصية الإنسانية، وفق المواصفات، وبالمستوى الذي يفيد في نيل تلك المراتب السامية - إن هذه المسؤولية - هي الأصعب، والأشد خطورة، والأعظم أهمية..وتوجيه الخطاب الإلهي للنبيّ لا يعني أنه خاص به، بل هو يتوجَّه للناس أيضاً، على طريقة: إيّاك أعني، واسمعي يا جارة.

كلمة: (مِنْهُمْ) لماذا؟!:

وأما لماذا قال سبحانه: ﴿ لاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً﴾، وقد كان يكفي أن يقول: (لا تطع آثماً)..فربما يكون ذلك لأجل أن مسار الكلام قد جاء على سبيل التعميم للناس كلهم، من أجل الإلماح إلى أن النبي صلى الله عليه وآله، لا يمكن أن يتوهم في حقه أن يلبي المطالب إذا كانت تدخل في دائرة الباطل، ويكون فيها الإثم، والعدوان، والفساد، من أي جهة جاءته هذه المطالب، وفي أي ظرف..ولكن بما أن من الناس من يطلب منه أموراً تدخل في دائرة الصلاح والخير، وليست من الباطل في شيء، فإن كونها كذلك، لا يوجب المبادرة أيضاً إلى تلبيتها، إذا كان المطالبون بها من أهل الإثم، ومن المتشددين في كفرانهم، والمكثرين منه، إذ لا شك في أنهم يريدون الحصول عليها ليؤكدوا بها كفرانهم، وفي نطاق مساعيهم لارتكاب الآثام..فإن كان لا بد من القيام بتلك الأعمال، فلا بد من مراعاة أوامر الله سبحانه فيها، لا طاعة أولئك الأرجاس..ومع غض النظر عن هذا وذاك، فإنه قد يقال: إن ما يطلبه الآثم، والكفور، لا يمكن أن يدخل في دائرة الحق، والعدل، والصلاح، لأن ما يكون له صفة الحق، والعدل، والصلاح، فلا بدّ للنبي صلى الله عليه وآله، من أن يبادر إليه، ولا ينتظرهم حتى يطلبوا ذلك منه.. وما لم يكن له هذه الصفة، فإنهم سوف يطلبونه منه، ولا يصح أن يطيعهم فيه..فيكون هذا إعلاناً إلهياً بحقيقة هؤلاء الناس، وتأكيداً لهذه الحقيقة في وعي أهل الإيمان، ومن يملك ذرة من ضمير، أو وجدان..

هل هذا استطراد؟:

وقد يروق للبعض أن يعتبر هذه الآية بمثابة استطراد في الكلام، وانتقال من سياق المدح والثناء على الأبرار وما أعده الله لهم.. إلى ذم فئة بخصوصها..غير أننا نقول: إن الكلام من أول السورة إلى هنا، إنما هو لرد دعوة هؤلاء المنكرين لهذه الحقائق الدامغة - لشدة كفرانهم، ولإمعانهم في الإثم - والذين يسعون لإنكار أن يكون هذا الإنسان مورداً للرعاية والعناية الربانية، وذلك من أجل حرفه عن مساره الصحيح، إلى حد أنهم يتجرؤون على مقام النبوة الأعظم، ويقدّمون له العروض، ويطلبون منه ما يتلاءم مع انحرافهم، وإثمهم، وكفرانهم لنعم الله وتفضلاته..


1- سورة الزمر الآية65.

2- سورة الحاقة الآيات 44/46.

3- سورة الإسراء الآية86.

4- سورة الزمر الآية53.

5- سور طه الآية82.

6- سورة التحريم الآية8.

7- سورة الزخرف الآية 81.

8- سورة الزمر الآية 65.

9- سورة الكهف الآية49.