الفصل الرابع.

الفصل الرابع.

قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً﴾.

في هذه الآية المباركة حديث عما يواجه الكافر من عقاب، فكيف، بالكفور، ونحن نجمل الحديث فيها على النحو التالي:

إِنَّا.

قد تكرر استعمال كلمة (إِنَّ) التي هي حرف تأكيد، مع إدخالها على (نا) التي هي ضمير جمع المتكلمين، لا على ضمير المفرد، وقد قال هنا: (إنّا)، ولم يقل: (إني).

كما أنه اختار التأكيد بـ (إن) ولم يقل: (قد) أو (لقد أعددنا).

فأما بالنسبة للملاحظة الأولى، فقد ذكرنا، أكثر من مرة: أن المناسب في مثل هذا المقام الذي يراد به الردع والزجر، أن يكون في الخطاب إظهار للعزة والعظمة الإلهية..

وأما بالنسبة للملاحظة الثانية، فإن التعبير بكلمة قد، ولقد، وإن كان يفيد التأكيد، إلا أنه يفقد الإشارة إلى مقام العزة الإلهية..

وقد قلنا: إن التأكيد عليه، وتركيزه في ذهن السامع، بتكرار الحديث عنه، بهذه الطريقة التعظيمية مطلوب في تحقيق الردع والزجر..

أَعْتَدْنَا.

وأما لماذا قال: (أَعْتَدْنَا)، ولم يقل: (أعددنا)..

فلعله لأجل أن كلمة أعددنا تتحدث عن مجرد الإعداد، من دون تعرّضٍ لما يكون مورداً ومحلاً له.. أما كلمة (أعتدنا)، فإنها تحمل معنى الإعداد، وتشير أيضاً إلى العتاد الذي يتم تهيئته، وأنه أمر حسي موجود فعلاً، وليس مجرد تهديد ووعيد بأمر قد يكون مفترض الوجود..

الإعداد لا ينافي القدرة.

وقد يقال: إن الله تعالى هو القادر والقاهر فوق عباده، فلا يحتاج إلى إعداد عدة، ولا إلى تهيئة مقدمات لشيء.. فإن العاجز هو الذي يحتاج إلى إعداد وتهيئة الأمور التي قد يفقدها حين العمل.. فكيف قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلَ﴾ و.. الخ؟!

وجواب ذلك هو: أن المقصود من الإعداد هنا، ليس هو رفع النقص عن المعدّ، بل المقصود هو تحقيق الردع للعاصي، والتأثير عليه لتصحيح مساره، وذلك هو الأسلوب التربوي الصحيح الذي يقتضيه موقع الربوبية، وسوق الإنسان نحو كماله، وإبعاده عن مواقع الخطر بالحكمة الهادية، وبالأسلوب الصحيح.

الوعيد بغير المحسوس، يلغي الفرق.

وقد يقال: بما أن السلاسل، والأغلال، والسعير، ليست حاضرة أمام الإنسان، بل هو سوف يواجهها يوم القيامة، فالحاضر الآن ليس إلا التهديد بها، والتهديد بالشيء لا يفرق فيه بين أن يقول: (أعددنا) و(أعتدنا).. وذلك لأن وقت التنفيذ غير حاصل بالفعل.

ويجاب: بأن الوعيد على نحوين، أحدهما أضعف تأثيراً من الآخر. فالوعيد المجرد عن الإعداد، يبقى مجرد محاولة لإيجاد تصور للعقاب، ولكيفياته، وحالاته، ومستواه، تدفعه للعزم على المضي فيه. فقد يتصوره في مستوى أقل مما هو عليه، مع احتمالات حصول عفو أو بداءٍ، أو أي شيء يصرف عن المضي في ذلك العزم.

وأما الوعيد الذي يصاحبه إعداد وتهيئة وسائل.. فإن هذا الإعداد، يستبطن إفهام العاصي بأن الأمور غير قابلة لأي احتمال، فقد حددت مستويات العقاب، وحالاته، وكيفياته. وجسَّده بدرجة مّا، من خلال ما تهيأ من وسائل.. مع تضاؤل احتمالات الانصراف عن العقوبة، لوجود الوسائل المذكِّرة بها، والمحرِّضة عليها بدرجة من التحريض ماثلة للعيان.

كما أن إحضار الوسائل يعطي للعاصي بصيرة في درجة التصميم والإصرار والجدية في هذا الوعيد، حيث يرى: أن مراحل تنفيذه قد بدأت، وأن الخطوات الأولى قد أنجزت.

فإذا كان واقع الأمر يفرض هذا الفرق بين الحالتين، فالإخبار بهما أو بإحديهما، لا بد أن تختلف تأثيراته على النفس الإنسانية تبعاً لذلك..الإعداد والعفو:

ويبقى سؤال يقول: هل هذا الإعداد يمنع من العفو؟!

ويجاب بأنه لا مانع من حصول العفو، لكن المهم هو أن هذا الأسلوب التربوي من شأنه أن يجعل الناس أكثر جدية في التزام أوامر الله تعالى.. لأن عنفوان الكفر يتضاءل، وتضعف شوكته، وضعفها هذا، وحرص الإنسان على أن لا يعرض نفسه لغضب الله، يجعله أهلاً للعفو فيما لو اجتمعت شرائطه وموجباته.

أَعْتَدْنَا صيغة الماضي!

وأما لماذا عبَّر بصيغة الماضي، لا بصيغة المضارع، فقال: (أَعْتَدْنَا).. فلعله لأجل أن يفهم العصاة: أنه تعالى قد أعد العدة، وانتهى الأمر، فهو يخبر عن أمر قد حصل في الماضي، ولا يريد أن يسجل تهديداً مجرداً، إذ لو قال: سوف نعد للكافرين كذا وكذا، لانفتح باب الأمل على مصراعيه بتغير الأمور، ولذهب العصاة باتجاه الاستخفاف والاستهتار بالأمر وبالآمر..

فقوله تعالى: (أَعْتَدْنَا) أصلح في التربية، وأوكد في الزجر، وأشد في الردع.

لِلكَافِرِين.

وقد كان الحديث في بداية الأمر عن الكفور.. ولكنه حين أراد أن يتحدث عن العقوبة الرادعة عبر بلفظ الكافرين..وهو يختلف عن الكفور من جهتين.

الأولى: أن الكفور من صيغ المبالغة، الدالة على الشدة وعلى الكثرة..

الثانية: أن الكفور صفة للمفرد. أما الكافرون فهي صفة للجمع..

وربما يكون الداعي للعدول إلى هذا النحو من البيان هو إظهار: أنه إذا كان هذا هو عقاب الكافر، فكيف يا ترى سيكون عقاب الكفور الذي هو أشد كفراً، والذي كثر صدور الكفر منه، إلى أن صار كفوراً.. فكشف ذلك عن شدة طغيانه، لا بالقول وإظهار الجحود وحسب، وإنما بالفعل والممارسة أيضاً؟!..

ويؤكد ذلك قوله تعالى: ﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلاَ الْكَفُورَ﴾(1).. حيث دل على أن عقاب الكفور مفروغ عنه، ولا مجال للعفو أو للتخفيف عنه، في أي من الظروف والأحوال.. ولا يريد أن يقول إن الجزاء منحصر بها، وأن الكافر لا يجازى..أضف إلى ذلك: أن هذه العقوبة ليست حالة استثنائية، ولا تختص بهذا الفرد على سبيل التجني عليه، وإنما هي قانون عام وشامل، يؤخذ به الجميع.

وصفته القانونية هذه تأبى احتمالات التبدل في القرار، وتجعل ذلك العاصي أكثر اقتناعاً بحتمية هذا المصير، حيث لا استثناء لأحد من القوانين والسنن العامة من دون مبرر ظاهر وحاسم.. مع أن المبرر لعدم الاستثناء موجود، وهو شدة وكثرة كفره، فهو كفور، وليس مجرد كافر..وهذا يعطي أن قوله: ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسلَ﴾.. قد أريد به نفس الطبيعة التي قد تختلف منطبقاتها شدة وضعفاً، أو قلة وكثرة.. فيكون قوله أو كفوراً بمثابة البيان للمراد من كلمة: (الكَافِرِين)..

الترتيب والاختيار.

ويلاحظ أنه تعالى قد اختار من وسائل العقاب ثلاث فقط، هي:

1. السلاسل.

2. الأغلال.

3. السعير.

فلنا هنا أسئلة ثلاثة، هي:

1. لماذا اختار خصوص هذه الثلاث يا ترى؟!

2. ما الفرق بين السلاسل، والأغلال؟!

3. لماذا قدم السلاسل والأغلال، على السعير؟!

ويمكن أن يجاب على ذلك بما يلي:

سبب اختيار أنواع العذاب.

أولاً: هناك نوعان من العقاب، هما:

1. العذاب الروحي.

2. العذاب الجسدي.

والسلاسل والأغلال ليستا وسيلة عقاب فاعلة ومؤثرة في الجسد، وإن كانت توجب بعض الألم، والحرج على صعيد الحركة..أما السعير، فهي عذاب جسدي بالدرجة الأولى، والأذى الروحي فيها ليس نابعاً من ذاتها، بل هو بسبب بعض العناوين الأخرى التي تصاحب العذاب الجسدي فيها..والأذى الروحي للمستكبر العاتي هو المطلوب الأول والأهم. أما الأغلال، فهي وسيلة لأسر الحرية، وهي من وسائل الإذلال، والتحقير والمهانة..

واختياره هذه العقوبة بالذات إنما هو لأن الاستكبار لذّة روحية له، وهي لذّة محرمة.. فيصح مقابلتها بعقوبة روحية عادلة، هي الإذلال والمهانة والتحقير، فتتقابل اللذة الروحية بالمهانة الروحية.

ثم إنه إضافة إلى هذا الإذلال يلقى في السعير، لينال الجسد ما نالته الروح، فتذكو تلك النار، وتسعِّرها الأدران والخبائث التي نمت في كل كيانه، بسبب استسلامه للغرائز والشهوات، والنزوات والأهواء، التي أوصلته إلى العناد والاستكبار..

وكما أن للمعاصي لذات جسدية، فقد ناسب أن يكون لها عقوبة بالسعير التي تنتج له أذى جسدياً أيضاً..

الفرق بين السلاسل والأغلال.

وعن الفرق بين السلاسل والأغلال نقول: إنه لا شك في أن تلك السلاسل والأغلال سيكون عذابها الجسدي عظيماً وهائلاً، كما دلت عليه الآيات أيضاً، لكن الجانب المعنوي هو الأبرز في هذه الناحية، فإن إذلال الكافرين هدف هام ومقصود بذاته.

وعلى كل حال نقول: إن الأغلال جمع غل. وهو في الأصل طوق يوضع في العنق. والسلاسل جمع سلسلة، وهي عبارة عن حلقات منتظمة تأسر حركة وحرية المأسور، ضمن دائرة معينة، يحددها طول وقصر السلسلة، وطريقة التفافها على أجزاء جسده، ثم هو يسحب ويجر بواسطتها. قال تعالى: ﴿ إِذِ الأغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ / فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ﴾(2).

وقال سبحانه: ﴿ أولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأولَئِكَ الأغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ﴾(3).

وقال عز من قائل: ﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ / ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ / ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ﴾(4).

سبب تقديم السلاسل على الأغلال.

ثم إن تقديم السلاسل على الأغلال.. قد جاء على سبيل التدرج والترقي في مواجهة الكافر بالعذاب، فإن الذل الذي يواجهه الإنسان حين يوضع الغل في عنقه أعظم من الذل الذي يشعر به حين يربط بالسلاسل..(وَسَعِيرَاً):

وقد عبر بكلمة (سَعِيرَاً)، ولم يقل ناراً مثلاً، ربما بهدف الإلماح إلى زيادة استعار تلك النار، ليدل على التجدد المستمر من جهة، وعلى الشدة والتأجج من جهة أخرى.

وفي ذلك تأكيد ظاهر على الردع الحازم، من خلال القرار الجازم..والملاحظ هنا: أن التصعيد كان باتجاه الآلام الحسية، لأنها هي التي يدركها الإنسان بصورة أعمق، وأشد وأوضح..

الأبرار والفجار.. إطناب واقتضاب.

وقبل أن ننهي الحديث عن هذه الآية المباركة نشير إلى ملاحظة هامة هي: أنه تعالى قد أجمل واختصر في حديثه عن عقاب الكافرين..

ولكنه فصَّل وبيَّن أموراً كثيرة في حديثه عن جزاء الشاكرين الأبرار، وأشار إلى كثير من خصوصياتهم، وصفاتهم ومزاياهم، وكمالاتهم الإنسانية، والنعم التي تنتظرهم..ولعل سبب ذلك هو: بالإضافة إلى ما في إهمال أمر الكفار من التحقير، والخزي والمهانة لهم، في مقابل ما للأبرار من التعظيم، والمجد والكرامة، وفي ذلك أيضاً إيلام روحي للكافرين..وبالإضافة إلى ما في إيكال الأمر إلى خيال الإنسان العاصي، ليذهب كل مذهب في الحيرة والضياع، والرهبة والخوف.

نعم بالإضافة إلى ذلك نقول:

أولاً: إننا إذا رجعنا إلى ما ذكرناه في تفسير آيات هذه السورة المباركة، فسنجد أن النقطة الحساسة والمركزية، التي تتمحور حولها الآيات الشريفة في هذه السورة، هي النشأة الطبيعية للإنسان في مسيرته التكاملية نحو الله سبحانه, وهي المسيرة المنسجمة مع هذا الخلق كله، بما أودع الله فيه من استعدادات وطاقات، مُحاطة بالرعاية الإلهية من البداية إلى النهاية: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً﴾؟!..فقد خلقه الله تعالى من نطفة أمشاج اقتضت ابتلاءً، ينتج رهافة في السمع، وحدّة وقوّة في البصر، ليكون إنساناً مدركاً وواعياً، بل في منتهى الإدراك والوعي (سميعاً، بصيراً)..وقد أحاطه تعالى بأنواع من الهدايات، ليس فقط على سبيل الإشارة والدلالة, بل أعطاه أيضاً: الهداية التكوينية، والإلهامية, والفطرية, والحسية, والوجدانية, والعقلية والشرعية، لكي لا يضل عن الصراط المستقيم. وتفضي به إلى السبيل الواضح ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾, فلا أصح ولا أصوب, ولا أقرب إلى الهدف منه, وبذلك أصبحت الحوافز كلها متوفرة لديه، وتفرض عليه أن يلتزم بهذه الهدايات العظيمة.

فالآية الشريفة قد ركزت على هذا السير الطبيعي للإنسان، وأكدت على بيان حالاته، وخصوصياته، وأجوائه، التي لا بدّ أن تغري بالاهتمام بذلك الهدف الأسمى والسعي إليه.

أما إذا اختار التنكر لما تفرضه عليه تلك الهدايات كلها.. وأصر على الخروج على مقتضيات الفطرة, والتمرد على الوجدان, وعلى العقل، والدين، وعلى الله، فهذا هو النشاز والاستثناء، الذي لا يستحق الالتفات إليه إلا بهذا المقدار من اللفتة العابرة، ليكون دائماً في موقع الخزي، والمهانة، والسقوط، وليكون عبرة لأولي الألباب، الذين يطمحون إلى الكمال, وينالون تلك النعم الباهرة..وهذا بالذات هو ما يبرر الاختصار هناك، والتفصيل هنا..

ثانياً: هناك أمر آخر يحسن الالتفات إليه, وهو: أن الحديث عن الأبرار قد تضمّن أموراً تتناسب مع أنواع أفعالهم التي أنتجتها الهدايات الآنفة الذكر, فاقرأ في السورة ما يشير إلى أفعالهم الجارية على مقتضيات الهداية الحسية، أو التي تُرضي الوجدان، والتي يفرضها التشريع عليهم، كالوفاء بالنذر, بالإضافة إلى الهداية العقلية، والوجدانية، كما في إطعام الطعام على حبه، وكلزوم الأمن والطمأنينة، وما إلى ذلك..فإنك تجد في مقابلها نعيماً يجانسها, مثل النعيم الحسي، كقوله: ﴿ إِنَّ الأبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأس كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً﴾، ونعيم الأمن, كما في قوله تعالى: ﴿ فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً﴾..ومن يقرأ سائر آيات السورة يجد صحة ما قلناه..لماذا تحدث عن العقوبة أولاً: لماذا قدم الكلام عن عقاب الكافرين، مع أن التقسيم الذي سبقه قدَّم فيه الشاكر بالذكر على الكفور؟!

فقد كان النظم يقتضي أن يتحدث أولاً عن الأبرار، ثم عن الكافرين، ليتوافق مع التقسيم الوارد في البداية..الجواب:

وفي مقام الإجابة على هذه الأسئلة، نقول:

1. إن السورة مسوقة لبيان النشأة الإنسانية، المحفوفة بالهدايات، والألطاف الإلهية، التي رسمها الله تعالى لهذا الوجود كله لكي يصل إلى غاياته القصوى، وإلى كماله الأتم، وذلك من خلال تجليات أنوار النبي (ص) وأهل بيته الأطهرين فيه، الذين هم العلة الغائية لهذا الوجود، وفقاً لما أشار إليه الحديث القدسي: (لولاك لما خلقت الأفلاك)(5).

ثم هو تعالى يريد أن يهدينا بهم صلوات الله وسلامه عليهم ببيان ما أعده الله سبحانه لهم من كرامة، ونعيم، ليثير فينا الشوق للتأسي، والارتباط القلبي بهم.

وكما يريد الله سبحانه أن يجعل معرفتهم (ع) بعذاب الكافرين، وإطلاعهم على حالهم من وسائل النعيم لهم، فإنه يريد أن يكون ذلك من وسائل خزي الكافرين. مع التأكيد على أن شفاء صدور المؤمنين لم يكن لأمور شخصية بل هو في سياق التشفي ممن يتمرد على الله ويستكبر عليه سبحانه..ثم هو يريد أن يكون من وسائل الترهيب الموجب للانضباط لدى الذين قد يضعفون أمام شهواتهم وميولهم، وإغراءات الحياة الدنيا، وكما أنه تعالى يريد أن يجعل الحديث عما أعده للأبرار، وهم أهل البيت عليهم السلام، من أسباب إثارة الرغبة بالتأسي والارتباط بهم، فإنه أيضاً يريد أن يكون ذلك من أسباب إكرامهم ورفعة شأنهم.

ولأجل ذلك كان الحديث أولاً عن مصير أولئك الكافرين والجاحدين، ثم عقبه ببيان أنواع الكرامات لهم، والنعم عليهم (ع).


1- سورة سبأ الآية17.

2- سورة غافر الآيتان 71 / 72.

3- سورة الرعد الآية 5.

4- سورة الحاقة الآيات 30 / 32.

5- بحار الأنوار ج16 ص406، ومستدرك سفينة البحار ج2 ص166.