الفصل الثاني.

الفصل الثاني.

قال تعالى: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً﴾.

في هذه الآية المباركة دلالات هامة, وإشارات دقيقة, لا بد من الوقوف على ما يتيسر الوقوف عليه منها, فنقول:

إِنَّا خَلَقْنَا.

إن أول ما يواجهنا في هذه الآية المباركة، هو أنه تعالى قد بدأها بالإشارة إلى نفسه بصيغة الجمع، فقال: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا﴾.. ولم يقل: أنا خلقت، أو لقد خلقت. فهل هناك من خصوصية اقتضت ذلك؟!

وما الفرق بين الموارد التي يذكر الله سبحانه فيها نفسه بصيغة الجمع, والموارد التي يأتي فيها بصيغة المفرد؟!..وللإجابة على ذلك نقول: هناك آيات تكلّم الله سبحانه فيها عن نفسه بصيغة المفرد, نذكر منها ما يلي:

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي﴾(1).

﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ﴾(2).

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَ لِيَعْبُدُونِ﴾(3).

﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا﴾(4).

﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾(5).

﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً﴾(6).

﴿ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ﴾(7).

﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾(8).

ومما ورد بصيغة الجمع, نذكر منها:

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾(9).

﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾(10).

﴿ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً﴾(11).

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ﴾(12).

﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾(13).

﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا﴾(14).

﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ﴾(15).

﴿ لَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾(16).

﴿ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا﴾(17).

﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ﴾(18).

﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ﴾(19).

﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى..﴾(20).

والآيات كثيرة.. فنلاحظ: أنه تعالى حين ذكر العبادة, أو تحدث عن إثبات مقام الألوهية ونفي التأثير لغيره سبحانه، وعن الوحدانية، ونفي الشرك والشريك، والصاحبة، والولد، نلاحظ: أنه في مثل هذه الموارد قد جاء بصيغة المفرد، لأن المقام مقام تحديد، فهو يقول: ﴿ لاَ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً﴾(21).

ويقول: ﴿ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَ لِيَعْبُدُونِ﴾(22).

ويقول: ﴿ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾(23).

ويقول: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي﴾ (24).

ويقول: ﴿ وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾(25).

ولكنه حين يريد أن يثبت مقام القدرة والاختيار، والعطاء، والفيض الإلهي في موارد الرحمة، والنعمة، والرزق والتدبير، وجميع الموارد التي يريد أن يخاطب الإنسان فيها من موقع الكبرياء، والعظمة.. والعزة، والقدرة، والربوبية وشؤونها، التي تتجلى في العناية والرعاية، والتدبير، فإنه تعالى في جميع تلك الموارد يتكلم عن نفسه بكلا الصيغتين.

وذلك لأن الأمور التي تدخل في هذا السياق على قسمين:

أحدهما: ما لا بد من التدخل الإلهي المباشر فيه، ولا مجال لتوسيط أية جهة في إنجازه، وينحصر التأثير به تعالى، كالمغفرة، والجزاء الآتي على سبيل الكرامة الإلهية(26)، وجعل الخليفة في الأرض، والاختصاص بعلم الغيب، ونحو ذلك.. فجاءت الآيات في هذا القسم بصيغة المفرد، فقد:

قال تعالى: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ﴾(27).

وقال: ﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا﴾(28).

وقال: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً﴾(29).

وقال: ﴿ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ / فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾(30).

وقال: ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾(31).

وقال: ﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾(32).

الثاني: ما يمكن فيه توسيط وسائط من الملائكة أو غيرهم، ممن أذن الله لهم في التصرف، أو عن طريق تسبيب أسباب، وإجراء سنن إلهية.. وقد تحدث الله عن نفسه في هذا القسم بصيغة الجمع.. كما أنه قد تحدث بصيغة الجمع في مقامات إظهار العزة والهيبة والجبروت. وجاء أيضاً بضمير الجمع حين كان الغرض الإشارة إلى مقام العزة والعظمة الإلهية، أو أريد الإشارة إلى مشاركة الملائكة في كتابة الأعمال عن قرب ومعاينة، فهو يقول: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾(33)..قال تعالى: ﴿ ءأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾(34).

وقال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾(35).

وقال تعالى: ﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾(36).

وقال تعالى: ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً﴾(37).

وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ﴾(38).

وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾(39).

وقال تعالى: ﴿ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾(40).

وعن مريم قال تعالى: ﴿ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا..﴾(41).

وقال تعالى: ﴿ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا﴾(42).

ويلاحظ في هذه الآية الأخيرة: أنه تعالى قد جمع فيها كلا الأمرين: حيث لوحظت فيها تارةً قدرة الله سبحانه على الخلق..

ويلاحظ فيها تارة أخرى تهيئة وسائل إظهار هذه الآية للآخرين، وجعلها وسيلة هداية لهم ﴿ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ﴾(43) حيث بينت أن الله تعالى قد يحيي الميت، ولكن بتوسط إرادة النبي عيسى (ع) أو غيره، بمعنى أن الله قد تعهد بالإحياء حين تتعلق إرادة النبي عيسى (ع) به، فإرادة النبي عيسى واقعة في سلسلة العلل التي إذا وجدت جاء الفيض الإلهي وحصلت الحياة.

ونظائر هذا التوسيط كثيرة، فإن إنزال الذكر، يكون بوسائط منها جبرائيل (ع)، كما أن إنزال الماء، مما يتدخل فيه الملائكة، بعد أن يحمله السحاب أيضاً، ويمر بمراحل معروفة.

والزراعة تتم بواسطة إنزال المطر على التراب، ثم يتفاعل التراب مع البذور، فيحصل النبات، ويكون الحمل بعد مقاربة الرجل زوجته..

ولكن المشيئة الإلهية تبقى هي الحاكمة، ولأجل ذلك قد ينزل المطر ولا ينبت شيء، وقد تضرم النار، ويمنعها الله من الإحراق، وقد يقارب الإنسان زوجته، ثم لا يحصل الحمل، لأن الله تعالى لم يأذن في ذلك كله.. فناسب التعبير عن الذات الإلهية في مثل هذه الموارد بصيغة الجمع.. إظهاراً للعزة الإلهية من جهة، وإظهاراً لما للأسباب التي جعلها الله سبحانه من دور في هذا النظام الكوني العتيد، من جهة أخرى..وفيما يرتبط بالآية المباركة التي هي موضع البحث نقول:

إنه قد لوحظ فيها طريقة نشوء الإنسان، وأنه من نطفة أمشاج، في إشارة إلى أنه جارٍ وفق سنة طبيعية، ودور إعدادي، وتهيئته بصورة تجعله قابلاً للفيوضات الإلهية في مراحل تكونه الإنساني الذي يؤهله للاختبار، الذي ينشأ عنه صيرورته سميعاً بصيراً.

خَلَقْنَا.

ونصل إلى قوله تعالى ﴿ خَلَقْنَا﴾، فنقول: إن الخلق قد يستعمل ويراد به إبداع الشيء من العدم.. ولعل قوله تعالى: ﴿ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً﴾(44) وكذا قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾(45) قد جاء بهذا المعنى.. ولكن الفرق بين الخلق والإبداع، الوارد في قوله تعالى: ﴿ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ﴾(46).. هو أن الإبداع يلحظ فيه مجرد خروج الشيء من العدم، أما الخلق فيلاحظ خروجه من العدم بما له من مادة وهيئة. فالخصوصية الوجودية ملحوظة في الخلق.

وقد يستعمل الخلق ويراد به التصوير، وإعطاء الهيئات، والأشكال. وفي هذا السياق هناك آيات كثيرة تحدثت عن مراحل الخلق التكوينية وتطوراته، والتشكلات التي مرت بذلك المخلوق..

وهذه الآية التي هي مورد البحث، من هذا القبيل، حيث ذكرت بداية خلق الإنسان حين يكون نطفة، ثم تتلاقح مع البويضة. وقد تعدَّت كلمة: (خَلَقْنَا) بواسطة كلمة: (مِِنْ) التي يقال لها (من) النشوية، أي التي تشير إلى المنشأ والمبدأ فقال: ﴿ مِنْ نُطْفَةٍ﴾.. وهي من قبيل كلمة (مِِنْ) في قوله تعالى عن النبي عيسى (ع): ﴿ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ الله﴾(47) وهي نفسها الواردة في قوله تعالى: ﴿ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ﴾(48) فالمراد: أن المبدأ والمنشأ، هو السلالة، والنطفة، والطين.. ففي الآية المباركة التي تحدثت عن خلق الطير، يقول النبي عيسى (ع): إنه يجعل ويخلق لهذا الطين الذي هو موجود، صورة تشبه الطير، ثم ينفخ في هذا المجعول فيصير طيراً..فالنبي عيسى (ع) لم يقل: أجعل لكم من الطين مثل الطير، لأن جعل الهيئة للطير لا تعني وجود الطير نفسه، ليصح أن يقال: إن هذا الذي عملته هو مثل الطير.. كما أنه (ع) لم يقل: أنا أنفخ الطيرية وأوجدها في تلك الهيئة، بل قال: إنه بعد نفخه فيه توجد حقيقة الطير بإذن الله.

فإرادة الله سبحانه، هي سبب وجود حقيقة الطير، ونفخة النبي عيسى (ع) لها أثر في تحريك السبب لإيجاد المسبب.

فالذي تعلق به الخلق والتصوير هو الهيئة المماثلة لهيئة الطير.. وفي قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ / ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ / ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ / ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ / ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾(49).

تحدثت الآيات الشريفة عن انتقال وتطور من حالة إلى حالة، ومن كيفية وصورة إلى أخرى أرقى منها وأكمل.. أي أنه يبين لنا طريقة الخلق، لا الإبداع والخروج من العدم، الذي يقابله البقاء في العدم.

وفي خلاصة توضيحية نقول: إنه حينما يأتي بكلمة (خَلَق) فتارة يريد بها الإبداع للشيء من العدم - ولكن على هيئة خاصة - مثل قوله: ﴿ خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾(50).

ومثله ما جاء لبيان مراحل النشوء والتشكلات في نطاق الإبداع الكيفي والإبداع من العدم أيضاً، كآية: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ / ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً﴾(51) وأمثالها.. وتارة يتعلق الخلق بالهيئة فقط، كما في قوله: ﴿ أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ..﴾(52) وكذا الآيات التي أشارت إلى تطورات الخلق في مراحله كقوله تعالى: ﴿ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾(53) ونحوها. حيث تظهر أن الخلق قد أتى بصورة تدريجية، وفقاً لما تفرضه الحكمة في التطوير المناسب لحاله، واستعدادته التي تتنامى، فتحتاج إلى الصور التي تناسبها في كل حال من تلك الأحوال.. وقد ألمحت آية أخرى إلى أن التخليق هو إيجاد هذه الأشكال والهيئات، وذلك في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ﴾(54).

ثم اعتبر تعالى نفخ الروح في الإنسان إنشاءً لخلق آخر فقال في آية أخرى: ﴿ ثُمَّ أَنْشَأنَاهُ خَلْقاً آخَرَ﴾(55).

وحين يتعلق الخلق بالهيئات، فإن ذلك لا ينحصر بالله سبحانه، ولأجل ذلك نسب الله الخلق للنبي عيسى (ع) في سورة آل عمران، كما أنه تعالى في سورة المؤمنين بعد ذكر مراحل نشوء الإنسان، قال: ﴿ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾(56). في إشارة إلى أن الله هو أحسن المصورين، الذين يتصدون لإعطاء الهيئات.

وفي هذا إشارة إلى أن الخلق بمعنى التصوير يصح إطلاقه على الله تعالى وعلى غيره.. غير أن الله تعالى يتصرف في الكيفية من خلال اقتضاء التصرف في المادة له. فخالقية الله أعمق من خالقية غيره، لأنه تعالى يتصرف في الذات والحقيقة بنحو يقتضي التبدل في الكيفيات، وأما غيره فلا قدرة له إلا على التصرف في الهيئات.

الإِنْسَانَ.

وقد اتضح مما تقدم، السبب في أنه تعالى لم يقل: إنا خلقناه ليكون بذلك قد أشار إلى الإنسان الذي تقدم ذكره بضميره العائد إليه، بل عاد فصرح بكلمة: (الإِنْسَانَ) فإن ذلك إنما هو لاختلاف الجهة التي يريد التركيز عليها في الموردين.

حيث إنه مرة يتحدث عن الإنسان بالحمل الأولي، الذاتي، أي عن حقيقته وذاته، فيثبت أن هذا الإنسان ما زال في رعاية الله في كل آن وحين، بغض النظر عن خصوصيات أفراده، وعن كيفية النشوء والتدرج في الخلق لهم.. ومرة يتحدث عن الإنسان بالحمل الشائع، أي بما هو حاك عن أفراده، بما لهم من نشوءٍ وتكوين مادي، وبما هم لحم، ودم، وعظام، وشكل وروح ونفس، ومشاعر، وأحاسيس، وقوى، وملكات، وهذا المعنى هو الذي أريد الحديث عنه في هذه الآية الثانية.. ولكنه حديث عن خصوص التنشئة الإلهية التي تسبق اختيار الإنسان، وتحلِّيه بصفات الشعور الإنساني، ووصوله إلى مرتبة الشاكر والكفور..

دور الإنسان في صنع خصائصه.

ولتوضيح ما نرمي إليه نقول: إن من الضروري أن نجيب في البداية على سؤال يراود ذهن الكثيرين، وهو: ما ذنب ذوي العاهات؟: ما ذنب ذوي العاهات؟ وهل خلقهم مشوهين ينسجم مع عدل الله، ورحمته، ورأفته؟!..ونجيب: إننا باختصار شديد، نقول: إن الله حين خلق الكون والحياة، قد أوجده خاضعاً لنواميس، وتهيمن عليه نظم وقوانين، لولاها لم يمكن بناء الحياة، ولم يكن لدى الإنسان أي طموح، أو تخطيط، أو سعي لتطوير الحياة، بالاعتماد على ضمانات تجعل ذلك السعي وسيلة إلى تحقيق مفردات ذلك الطموح..ولاشك في أن للأشياء بالنسبة إلى ما سواها تأثيراً وتأثراً بها. وقد تكون هذه التأثيرات على درجة عالية من الخفاء بالنسبة لنا. وكمثال على ذلك نذكر أنه لو كان هناك اثنان يجلسان في غرفة واحدة، فإن نفس وقوع نظر أحدهما على ألوان وأشكال تختلف - ولو جزئياً - عما يقع عليه نظر الآخر - سيترك آثاراً على نفس وروح أحدهما تختلف عن الآثار التي سوف تكون لدى الآخر. كما أن ما يفكر به الإنسان وما يأكله، ويشربه، ويلبسه، والكلمات التي يسمعها، والأصوات التي تمر على سمعه، وكذلك الروائح والملموسات وغير ذلك، إن لكل ذلك وسواه تأثيراته الإيجابية، أو السلبية، على روح، وعقل، ومشاعر، وانفعالات الناس..ولأجل ذلك كثر تعرض أهل بيت العصمة (ع) لإرشاد الناس إلى المنافع والمضار. ورسم الشارع المقدس للناس مفردات تعاملهم مع كل ما يحيط بهم بصورة تفصيلية. وكان فيها ما ألزمهم بمراعاته، وفيها ما ندبهم إليه، وما حرمه عليهم، وما كرهه لهم.. وتلك هي أقوال النبي الأكرم والأئمة الطاهرين خير شاهد على ذلك، فإنهم لا يقولون شيئاً من عند أنفسهم، بل كل ذلك بوحي إلهي، وبيان، وتوفيق وتسديد رباني..وقد خلق الله تعالى النبي آدم (ع)، وهو أول إنسان على هذه الأرض ليكون النموذج الأكمل والأتم، الذي استحق أن يعطى خمسة وعشرين حرفاً من الاسم الأعظم، كما ورد في الروايات، وأعطاه جميع الهدايات التي يحتاجها البشر ليوصلوا الكون إلى كماله الأتم. فكانت الهداية التكوينية، والإلهامية، والغريزية، والفطرية، والحسية، والعقلية، والشرعية، فأعطاه أيضاً الاختيار والإرادة، لأن ذلك من موجبات كماله، ولما امتد النسل في ذريته عليه السلام، بدأت تظهر منهم المخالفات المؤثرة في تشويه خلقه وخلقه، ولو أنه استفاد هدايات الله تعالى، ولم يبادر إلى اختيار المخالفة، والتعدي، فإنه سوف لن يوجد مشوه ولا مجرم، بل لم يوجد من الجمادات والحيوانات والنباتات إلا ما هو تام الخلقة وصحيحها.. ولكنه لما اختار التعدي وشرع في الفساد، والإفساد.. بدأت التشوهات الخلقية، والخُلقية تظهر في روحه ومشاعره، وجسده، وأخلاقه، ونفسه، وفي الموجودات المحيطة به، من نبات، وحيوان، وجماد. فإنه حتى الأنفاس لها تأثيرها الإيجابي في الحيوان والنبات وكل شيء. وقد قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾.. وقتل قابيل هابيل، وبدأت وراثة العاهات والتشوهات، ولا تزال.. وهذا معناه: أن الله تعالى ليس مسؤولاً عن هذه العاهات، بل المسؤول هم الآخرون.

غير أنه سبحانه قد وضع عقوبات صارمة على من خالف. كما أنه لم يحمِّل صاحب العاهة مسؤوليات المعافى.. وعوضه في الدنيا ما يمكن تعويضه.. وإن كان من أهل الإيمان، والعمل الصالح، فإنه لا يحرمه في الآخرة من فضله، ولا بد أن تشمله رحماته الغامرة، والتي أهَّل نفسه للاستفادة منها، ومكَّنه من طلبها واستنزالها..وإذا أردنا أن نقترب قليلاً من مورد الكلام في الآية المباركة، فإننا نقول:

الفطرة.. والإنسان.

إن الله سبحانه حين يزود الإنسان بالفطرة، فإنه يعطيه إياها صافية من الشوائب، بريئة من العيوب، فيستقبلها كيانه، الذي قد تكون فيه تشوهات تمنع من استقباله للفطرة بصورة سليمة وقويمة..ولعل هذه التشوهات نشأت من خلل عارض على آلية تكوين النطفة، كأن تكون قد تكونت من حرام، أو في ظروف نفسية غير مواتية، أو في حالات وبأساليب حذّر الشارع منها.. أو من خلال وراثة خصائص غير سليمة، من خلال عدوان الآخرين على نواميس الخلق والفطرة، وفقاً للمروي عنهم (ع): اختاروا لنطفكم، فإن الخال أحد الضجيعين.. أو لغير ذلك من أسباب.. وعلى كل حال، فإن الكيان الذي تنشأ فيه الفطرة، إنما هو بمثابة المرآة التي تستقبل الصورة، فإنها قد لا تكون على درجة مرضية من الصفاء، وقد تعاني من بعض التلوثات، أو الندوب والتعرجات التي تمنع من استقبالها بصورة سليمة.. غير أن هذه الفطرة، تستمر في الكمون.. إلى أن يملك الإنسان قراره واختياره، بعد أن زوده الله بالهدايات، ومنها: العقل، ليكون مرشداً وهادياً له.. ثم يوجه إليه الخطاب الإلهي، ويصبح مكلفاً بإصلاح نفسه، وتصفيتها لتتمكن الفطرة من ممارسة دورها، حتى لا تعيقها تلك التشوهات، ولا تعمي عليها طريقها هاتيك التلوثات. فإنه بجلاء هذه المرآة تصبح الفطرة قادرة على التألق، وعلى التعبير عن نفسها بصورة أتم وأبهى..وحيث يكون الله سبحانه قد هيأ لهذا الإنسان القدرة على التصرف في كل اتجاه، وأعطاه الاختيار والإرادة، فقد يبادر هذا الإنسان باختياره إلى الاعتداء على فطرته وتشويهها، وإلحاق الأضرار الفادحة بها، بل والقضاء على منجزاتها، وإبطال كل جهودها ومصادرة دورها، ومنعها من التأثير في صنع خصائصه، وإفساح المجال لتأثير ما عداها بها، وإخضاعها لإرادات الآخرين.. وقد ورد عن النبي (ص): كل مولود يولد على الفطرة إنما أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه، أو يمجّسانه(57).

وبذلك يكون قد تسبب في حجب الفيض الإلهي عنه، حيث يوكل إلى نفسه، وتحل به الكارثة..

مِنْ نُطْفَةٍ.

قد تقدم أن كلمة (مِنْ) الواردة هنا هي (من) النشوية، أي لتشير إلى أن نشأة الإنسان وبداية تكوينه تبدأ من نطفة.

وليس المراد أن الإنسان بعض من النطفة، أو من جنس النطفة، لتكون كلمة (من) تبعيضية، أو جنسية..

نُطْفَةٍ أَمْشَاج.

النطفة هي الماء القليل.. ثم أطلق على ماء الرجل أو الحيوان الذي يتولد منه مثله. وقد أشارت كلمة أمشاج إلى أن لهذه النطفة اختلاطاً وامتزاجاً متكرراً في عمق ذاتها، وكذلك مع غيرها، كبويضة المرأة، التي تكون لها أيضاً أمشاجية، واختلاط، وامتزاج ذاتي مع نطفة الرجل، وقد يكون ذلك في عرض واحدٍ، وقد يكون في ضمن امتزاجات ممتدة عبر مراحل الخلق: العلقة، ثم المضغة: مخلقة، أو غير مخلقة، ثم العظام، ثم كسوتها لحماً، ثم بعث الروح في هذا الموجود، ليصبح خلقاً آخر.. وهي امتزاجات لا تقتصر على النواحي المادية، بل هي تمتد لتشمل النواحي والخصائص المشاعرية، والإدراكية، وغيرها، ثم تستمر في سيرها في عملية ابتلاء واختبار، ينقل الإنسان من مرحلة إلى مرحلة أرقى منها، ليصبح بعد ذلك سميعاً بصيراً..

إعراب كلمة أَمْشَاج.

واختلفوا في إعراب كلمة أمشاج، فزعم الزمخشري: أنها وصف مفرد لموصوف مفرد، فإن الصفة تتبع الموصوف في الإفراد والتثنية والجمع..لكن غير الزمخشري قال: إن العرب قد تصف المفرد بالجمع مثل: ثوب أسمال..ونقول: أما بالنسبة لوصف المفرد بالجمع، فقد قيل: إن هذا شاذ فلا يقال مثلاً: رجل أبطال، أو امرأة أخيار.

أما كلمة أمشاج: فقد تكون اسم جنس له واحد من لفظه، فيكون معناه الجمع، وإن كان لفظه مفرداً، ولعل هذا هو السبب في أنهم قالوا: إن واحده مشيج، ولم يقولوا: مفرده مشيج.. فلا مانع إذن من إعرابه وصفاً لكلمة نطفة.. كما لا مانع من إعرابه بدلاً، كما ذكره البعض.. ويكون تفسيره بكلمة أطوار، قد جاء على سبيل استخراج معناه، لا لأجل أنه جمع وله مفرد، بل لأنه مفرد معناه الجمع..(أَمْشَاج نَبْتَلِيه): الأمشاج واحده مشيج. وهو الخلط.

وقد فسر الأمشاج بأخلاط من ماء الرجل وماء المرأة، عن ابن عباس، وغيره.

وقال قتادة: معنى أمشاج أي أطوار: طوراً نطفة، وطوراً مضغة، وطوراً عظماً إلى أن صار إنساناً ليختبره بهذه الصفات.

ونقول: إن كلمة أمشاج قد جاءت وصفاً لكلمة نطفة.. مما يشير إلى أن الأمشاجية موجودة أولاً وبالذات، في ذات النطفة، ولا ينافي ذلك عروض أمشاجية أخرى لها من خلال تلاقح نطفة الرجل ببويضة المرأة، كما ربما يقال.. كما أن الابتلاء قد رتب على الأمشاجية، لتكون هي مقدمة له، فلا بد أن تكون هذه النطفة، بملاحظة أمشاجيتها، لها قابلية الابتلاء والاختبار المباشر، بحيث يكون هذا الابتلاء ناشئاً من واقع تلك النطفة المختلطة، وهو الذي نشأ عنه كون الإنسان سميعاً بصيراً، ثم يكون أهلاً لأن يهديه الله السبيل، إما شاكراً وإما كفوراً..وواضح: أن ذلك لا يتحقق من مجرد اختلاط نطفة الرجل ببويضة المرأة.. فإن هذا النوع من التلقيح لا ينحصر بالإنسان.. بل هو أمشاجية تفترق عن أمشاجية النطفة الحيوانية، في أن ذات النطفة تحمل في داخلها مزايا، وكمالات، وخصائص، وصفات إنسانية بالقوة. وقد اختلط بعضها ببعض أكثر من مرة سواء كانت الاختلاطات عرضية للعديد من الخصائص الموجودة في النطفة، أم طولية في نطاق تحولاتها إلى علقة حاوية لتلك الخصائص، ثم إلى مضغة إلخ.. فإن هذه الاختلاطات لتلك العناصر الخاصة بالتكوين الإنساني عرضاً وطولاً تؤثر جميعها في جعل الإنسان صالحاً لأن يكون مورداً للاختبارات، ثم أن يجعله الله مختاراً، يستجيب لتلك الاختبارات من موقع اختياره، ثم تكون نتيجة ذلك هي أن يصبح هذا الإنسان شديد السمع، حديد البصر جداً ﴿ نَبْتَلِيه فَجَعَلْنَاهُ سَمِيِعَاً بَصِيِرَاً﴾..لا بد من إجابة: وتبقى أسئلة في الآية المباركة تحتاج إلى إجابة، مثل السؤال عن السبب في أنه تعالى لم يقل: سامعاً مبصراً، بل قال: ﴿ سَمِيِعَاً بَصِيِرَاً﴾؟!..والسؤال عن سبب تقديم السمع على البصر؟!..ولماذا فرعهما على الابتلاء؟!..ولماذا عبر بالجعل؟

ولماذا كان هذا الجعل منه تعالى، فلم يقل: فكان سميعاً بصيراً؟!..ولماذا السمع والبصر دون غيرهما من الحواس؟!.. أو لماذا لم يقل: جعلناه عاقلاً، أو جعلناه ذا شعور وإدراك؟!. مع أن العقل من أعظم نعم الله على الإنسان..كما أنه حين ذكر هدايته السبيل، لم يقل: إما شاكراً، وإما كافراً، بل جاء بصيغة المبالغة، فقال: إما شاكراً، وإما كفوراً؟!.. وأشار أيضاً إلى الشكر والكفر، لا إلى الهداية والضلال؟!..وكل ذلك سيتضح إن شاء الله فيما يأتي من مطالب..الأمشاجية للمزايا الإنسانية، لا المادية:

ثم إننا نستطيع أن نؤكد ما ذكرناه ببيان آخر، هو كما يلي:

أولاً: إنهم يقولون: إن نطفة الرجل تهاجم بويضة المرأة في القرار المكين، وتمتزج بها، ثم تبدأ بالنمو والتطور في مراحل الخلق ﴿ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ﴾. وفي هذه الأطوار قد يبتلى ببعض البلاءات التي تفرض عليه وراثياً، بفعل السنن الإلهية الحاكمة، وتكون النتيجة هي إرث أمراض وعاهات، وإرث مواصفات جسمانية، أو حيوانية، كاللون والشكل، والطول.. وإرث بعض الحالات النفسانية كقلة الحياء، أو نحو ذلك.. وقد لا يعرض له شيء من ذلك، بل يبقى يسير في مراحل النشأة بصورة طبيعية، وفقاً للسنن الإلهية الحاكمة، في هذه الأحوال أيضاً.. وليس ذلك كله هو المقصود بقوله في هذه الآية ﴿ نَبْتَلِيه﴾، لأن احتمال انتقال تلك الحالات والابتلاءات، مساوق لاحتمال عدم عروضها للإنسان، لأن الآية قد فرضت حصول الابتلاء المصاحب للخلق والتكوين، على نحو لا بد معه من حصول السميعية والبصيرية التي هي من مظاهر الإدراك والشعور والوعي العميق، والفهم للدقائق..فهذه الحتمية، وذلك الترديد في الحصول تعطينا أن هذه الأمشاجية ليست من ذلك النوع الآنف الذكر، بل هي من نوع آخر.

ثانياً: إن هذا النوع من البلاء والابتلاء، يترتب عليه صيرورة الإنسان سميعاً بصيراً، كما دلت عليه فاء التفريع في قوله: ﴿ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعَاً بَصِيِرَاً﴾.. وليس ما ذكر آنفاً مما يترتب عليه ذلك، لعدم وجود سنخية بين تلك الابتلاءات وبين هذه النتيجة..كما أنه ليس المراد أن هذا الابتلاء قد أوجب أن يجعل الله له حاسة السمع والبصر، إذ لو كان كذلك لقال: (فجعلناه سامعاً مبصراً)..بل المراد: أنه قد جعل له رهافة السمع وشدته، وقوة البصر وحدته، بعد الفراغ عن أصل وجود تلك الحاسة لديه.. والرهافة إنما هي من أوصاف حاسة السمع والبصر في مجال العمل.. ولكن لا لمجرد آليتهما التي تربط بين الإنسان، وبين الأشياء، ثم تغيب عنه، ليتدبر أمره معها، بل من حيث دورهما في عمق إدراكه للحقائق، وشدة حساسيته تجاهها وتجاه كل حالاتها وخصائصها..فاتضح: أن النشأة للمزايا والكمالات المادية الحيوانية، الكامنة في النطفة من حيث تكوينها الذاتي التي اكتسبتها النطفة عن طريق الوراثة، وهي مرحلة يشارك فيها الإنسان غيره من الحيوانات - إن هذه النشأة - ليست هي المقصودة في هذه الآية، بل المقصود هو أن تلك النطفة تحمل في داخلها مزايا أخرى، تختص بإنسانية الإنسان، ومنها تتكون فطرته الإنسانية، فهذه النطفة، بهذا اللحاظ، هي التي اختلطت، وتفاعلت، وانتقلت من مرحلة إلى مرحلة، حتى جاء دور النشوء الأكبر، الذي أشار إليه تعالى بقوله: ﴿ ثُمَّ أَنْشَأنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾(58).

فانفصل بذلك عن غيره من الحيوان، ليتدرج في الحصول على خصائصه وميزاته، من حيث هو إنسان، مريد، مختار، عاقل، مفكر إلخ..وهذا بالذات ما ترتب عليه الابتلاء والاختبار الذي نشأت عنه السميعية والبصيرية..آدم أبو البشر:

وقد يسأل سائل: هل كان خلق النبي آدم (ع) أيضاً من نطفةٍ أمشاج؟!.. أم أنه مستثنى من هذه الآية؟!، لأنها تتكلم عن الإنسان المولود من النطفة، والنبي آدم إنما خلق من تراب!!..ويجاب عن ذلك: بأن الأمشاج تعني الاختلاطات المختلفة، ويراد بالنطفة الماء القليل، أو كل ما هو قليل..

وهذا الأمر يمكن تصوره أيضاً بالنسبة للنبي آدم عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام.. فإنه خلق من شيء قليل، وفيه اختلاطات تستبطن مزايا.. تؤهل هذا المخلوق للابتلاء، الذي تنتج عنهُ السميعية والبصيرية.

الابتلاء.

وقد قلنا: إن محور الكلام في الآية الكريمة هو الإنسان بما له من صفة إنسانية، لا البشر، ولا خصوصيات الحيوانية في الإنسان، وذلك لأن الإنسان هو الذي يصح ابتلاؤه واختباره.

فالأمشاجية في الإنسان أكمل منها في الحيوان، من حيث إن فوق الصفات التي يشترك فيها الإنسان والحيوان، صفات أخرى تختص بالإنسان، هي التي أهَّلته للابتلاء، وهي التي تنشأ عنها السميعية والبصيرية، والإرادة، والاختيار، ولأجلها ظهرت حاجته إلى الهدايات على أنواعها، مما يعني أنها أمشاجية لمزايا إنسانية، وحيوانية ترتقي إلى مستوى التأثير في إنسانيته إلى حد إبطالها، أو حفظها وتكاملها. فبعد خلق الإنسان من النطفة الأمشاج الجامعة لتلك المزايا ويصير أمامنا إنسان ماثل للعيان، تبدأ عملية الابتلاء له.. ولعل عملية الابتلاء تبدأ حين يبدأ الإنسان بالسعي لاستجماع خصائصه ومزاياه الإنسانية، والحصول على كمالاته بإرادته، واختياره، بما له من فطرة هادية، وعقل راشد ومرشد، فيواجه في داخله غرائزه، ومنها حب المال، والجنس، والأنا، ونحوها من النوازع التي تدعوه إلى الإغراق والإفراط إلى حد السير في غير ذلك الاتجاه.

ولحالات الجسد تأثيرها على حالات الروح والنفس، فيكون الاحتكاك والصراع فيما بين هذين.. ويكون للعقل وللفطرة دور الهادي والمرشد.. وينشأ عن ذلك التصدي تمييز بين الأمور، وإدراك لدقائق القضايا، وحصول على معارف وخبرات جديدة.. ويصبح الإنسان بعد أن تبلورت في شخصيته مزاياها بأبهى وأجلى مظاهرها، وبعد أن صفت وزكت، وطهرت، سميعاً بصيراً، ثاقب النظر، عميق الفكر، عارفاً بالحسن والقبيح، مميزاً للخطأ من الصحيح.. واقفاً على مواضع الخلل والنقص، والحاجة والعجز في داخل ذاته، وفي قدراته.. ويفترض فيه أن يتعامل مع الأمور من موقع المتطلب لما هو أصوب، والساعي لما هو أزكى وأطيب، ولما هو أتم وأكمل في الإنسانية، ملبياً لنداء عقله وفطرته، قبل أن يلبي أية دعوة أخرى، غرائزية كانت أو غيرها..وهذا معناه: أن عليه أن يدرك مزايا الأشياء، ويعرف مدى ما تسهم به في معالجة مواضع النقص، والعجز، والخلل، التي يواجهها.

ولكنه قد يشذ عن الطريق، ويتخذ سبيل الاستجابة لأهوائه وغرائزه، زاعماً أن ما تدعوه إليه هو ما يحقق الكمال له، مستخدماً في ذلك يده، ورجله، وعينيه، وسائر ما أعطاه الله إياه من قوى ظاهرية وباطنية، ليستخدمه في الوصول إلى الخير والصلاح والهدى، فيتوصل به إلى الشرور والآثام، ويقهرها على الاستجابة له، فتطيعه رغماً عنها، وتقوم بما تقوم به، وهي تسبح الله وتلعن من قهرها، وتسجل ذلك عليه، لتشهد به في يوم القيامة، فينتهي به الأمر، بسبب الكفر والطغيان، إلى فقدانه لمزاياه الإنسانية، حتى يصير كالأنعام، بل أضل سبيلاً.

فظهر: أن السميعية والبصيرية قد جاءت على شكل نتيجة طبيعية لذلك الابتلاء، فقال تعالى: ﴿ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعَاً بَصِيرَاً..﴾.

وظهر أيضاً: أن الابتلاء ليس بمعنى الابتلاء بالمصائب والرزايا في دائرة الجسد، بل هو ابتلاء في دائرة المسؤولية، ينتج عنه كمال، ووعي، ورهافة إحساس، وسميعية، وبصيرية، وبلورة مزايا، ونشوء خصائص عن هذا السبيل.

فاذا كلفك بالصدق مثلاً، فإنه يشير بذلك إلى نقاط الضعف التي لو أثيرت، فإنها ستذهب ببعض سعادتك، وتصدك بعض الصدود عن هدفك.. ثم هو يدلك بذلك على ما يُتلافى به هذا الضعف، ويُتدارك به ذلك الخلل، لتستقيم حياتك، وتَطّرد حركتك بقوة وثبات، نحو تحقيق طموحاتك، وأنت تدرك حجمك ومستواك، وتعرف مواضع الضعف والقوة، والنقص والكمال في عمق وجودك..

نبتليه!! بماذا؟!

وكلمة (نبتليه) جملة في موقع الحال: أي أن هذا الخلق قد صاحبه ابتلاء نتج عنه في نهاية المطاف السميعية والبصيرية مع ملاحظة:

أولاً: إن ابتلاء كل مرحلة إنما هو بما يناسبها.

ثانياً: إن الابتلاء قد بدأ من النشأة الطينية، ثم النشأة الحيوانية، ثم النشأة الإنسانية.

وبعبارة أخرى: هناك نظرتان للابتلاء الذي أشارت إليه الآية المباركة..

النظرة الأولى:

إن للابتلاء مراحل مختلفة، ولكل مرحلة مستوى ونوع يناسبها.. ثم تكون له نتائج، تختلف وتتفاوت أيضاً..فهناك ابتلاء يؤهل لمقام النبوة، أو لمقام أولي العزم من الأنبياء، أو لمقام أدنى من ذلك بدرجات تكثر وتقل.. ولكن مما لا شك فيه أن ثمة مرحلة من الابتلاء يمر بها البشر جميعاً بنسبة واحدة، وهي التي تؤهلهم للخطاب الإلهي والتكليف بالأحكام.

النظرة الثانية:

ثم إن الابتلاء من حيث ترتبه على خلق الإنسان من نطفة أمشاج، قد جاء ليثير كوامن الإنسان، في صراط نموه وتكامله المتمثل في حصوله على خصوصياته ومزاياه الإنسانية، وفي ترميم وإصلاح ما وجده مشوهاً أو منقوصاً، وفي الحفاظ على حالة السلامة فيه بعد إصلاحه..ويتجلى هذا الابتلاء تارة في مواجهة الإنسان بالمغريات المحرمة, وبالمصائب والبلايا, فإن هذه المصائب والبلايا إذا أحسن الإنسان الاستفادة منها, هي من أسباب تكاثر النعم، بل هي بنفسها نِعَم، من حيث أنها من أسباب تكامل الإنسان، ومن موجبات صقل شخصيته.

ثم يتجلى تارة أخرى في مواجهة الإنسان بالنعم نفسها, لتكون هي مادة الابتلاء والاختبار له؛ فيعطيه الله القوة والجمال والمال, والغرائز، ثم يعطيه العقل، والفطرة الهادية إلى الكمال. بالإضافة إلى الهدايات التشريعية، التي يحتاجها، من حيث إن إعطاء تلك النعم له قد جعله بحاجة إلى هدايات تناسبها, ولينظر، أيشكر أم يكفر.

وقد روي: أن أول ما ابتلى الله به عباده هو نعمة خلقهم، حيث يفرض عليهم أن يحسنوا التصرف بأنفسهم, وأن يشكروا الله المتفضل عليهم بهذا الخلق, ثم الاستفادة منه في دائرة تكامل خصائصهم الإنسانية والروحية، وحتى الجسدية، وحفظها.

والمناسب لسياق الآيات هنا هو إرادة الابتلاء بالنعم, لا الابتلاء بالمصائب والبلايا.. فإن الآيات تحدثت عن الشكر للنعمة, والكفر بها. فقال تعالى: ﴿ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾..الاختبار والاختيار: ويأتي في الدرجة التالية حالة المواجهة والصراع بين الخصوصيات للأفراد والجماعات، وهو الأمر الذي تفرضه حاجات الحياة، وحركتها المستمرة..

غير أن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة صريحة وصحيحة هو: هل أن الابتلاء والاختبار الذي ذكر في هذه الآية المباركة، يأتي في دائرة اختيار الإنسان؟ أم أنه يحصل خارج دائرة اختيار الإنسان؟! بمعنى أن الاختبار والابتلاء أمر تكويني وتصرف إلهي قاهر للإنسان، ومفروض عليه تماماً كما يختبر الإنسان المعادن ويجري عليها تجاربه، لكي تأتيه النتائج من خلالها، من دون أن يكون لتلك المعادن أي دور في القبول أو الرد..والجواب: أن الاختبار إنما هو في دائرة اختيار الإنسان، ومن خلال رفضه وقبوله وممارسته، وعلى أساس ذلك ومن خلاله تتكون خصائصه وتتنامى وتتكامل ميزاته.. مما يعني أن الاختلاط والأمشاجية في النطفة، لا يعني الجبرية، ولا يسلب الاختيار(59)، ونقصد بها نطفة الرجل وبويضة المرأة، التي تحمل بدورها خصائص تتشارك، فيتشاركان في أمشاجية مؤثرة، في صنع خصائص الكيان الإنساني، لأن الأمشاجية هي تصرف يوقظ مقتضيات الغرائز، وتتبلور من خلاله الحالات النفسية والروحية، والصفات المختلفة للإنسان.. فالتنشئة تحصل في خضم صراع الخصوصيات. وهي لا توجب سلب الاختيار، وإنما هي توجب تأكيده. ولذا قال تعالى: ﴿ إِمَّا شَاكِرَاً وَإِمَّا كَفُورَاً﴾..وإنما قلنا: لا يصح الاختبار إلا للمختار، لأن الإنسان يتنامى بصورة تدريجية، وفي هذه النشأة تستيقظ غرائزه التي أنعم الله عليه بها لتقوم بها حياته, كغريزة حب التملك, وحب الذات، والغريزة الجنسية وغير ذلك, وتنمو قواه الجسدية, وتصير لديه حالات, وصفات مختلفة، كالخوف والكرم والشجاعة والجبن، وما إلى ذلك..وتحصل صراعات، وتتصادم خصوصيات الأفراد فيما بينها داخلياً، ثم مع خصوصيات الجماعات. ويحتاج إلى الهدايات لتحدد له كيف ومتى يتحتم عليه التنازل عن الخصوصية الفردية لصالح القواسم المشتركة فيما بينه وبين الآخرين، ليكون المحور هو الله, وليكون الذي يتحرك في الحياة هو الإنسان الإلهي لا الفرد، المحكوم بالأنا، وبغير ذلك من الغرائز. فيمنّ الله عليه بما يحتاجه من هدايات, ويكون له الخيار والاختيار بين الكفر أو الشكر، ويكون عليه أن يحسن الاختيار لمكونات شخصيته الإنسانية، فيختار أن يكون شجاعاً لا بخيلاً، وأن يكون ودوداً لا حسوداً، من خلال الهداية الإلهية في تحديد موارد الإقدام والإحجام التي تستند إلى نظرة واقعية إلهية عميقة ومؤثرة.. فإذا وقع في المحذور، واستخدم غرائزه بالطريقة الخاطئة، فإنها ستكون مفسدة لحياته، فغريزة الجنس الضرورية لحياته، ليس له أن يمارسها بالطريقة المحرّمة - كالزنى مثلاً - وغريزة حب الذات, ضرورية لاندفاع الإنسان لنيل الكمالات، فإذا تجاوز الأمر ذلك، فأصبحت الذات معبوده وإلهه، كانت الآثار سلبية ومدمرة..فهي كالدواء الذي يُفرط الإنسان في تناول جرعاته, فإنه بدل أن يكون نافعاً، سيكون ضاراً، بل مهلكاً له أحياناً.

هذا كله بالنسبة للخصوصيات التي تحدّث عنها في قوله: نطفة أمشاج.

وأمّا الخصوصيات الموروثة، التي لها ارتباط بالروح والنفس، أو التي يكتسبها بالتربية، أو بالتعامل الاجتماعي, فهي، وإن كانت تجعله أميل إلى هذا الجانب أو ذاك.. ولكنها لا تبرر انسياقه مع ميوله، إذ إنه لا يفقد معها عامل الاختيار والإرادة، ولا تبرؤه من مسؤولياته الوجدانية والعقلية، والشرعية أيضاً، وتفرض عليه أن يقوم بمهمة إزالة التلوثات التي لحقت بمرآة نفسه، وإعادة الرونق والصفاء لها، وليكون ذلك من أسباب كماله, ومن أسباب نيله للمزايا، ورفع درجته, وزيادة كرامته وسؤدده, وليصبح من ثم من عباده المكرمين، المخلصين.

وسوف يجد أن ما يملكه من مزايا وهبات وملكات، سيكون له دور في ترميم، وتقوية المزايا الأخرى، ليصل من ثم إلى حالة التوازن والاعتدال.

ولو أنه أهمل ذلك، فإنه لن يكون معذوراً في التعدي على الحرمات، لأن مجرد ميله إليها لا يجعله مجبراً على الارتطام بها.. ولو أنه فعل ذلك، فإنه سيواجه آثار المعاصي في الدنيا وفي الآخرة، بما في ذلك آثارها على النفس والروح، والقلب، والفكر، والحياة كلها، وقد أشارت الروايات إلى أن بعض المعاصي يوجب القسوة في القلب، وبعضها يوجب الزيغ، وبعضها يوجب ذهاب حب أهل البيت (ع).. وغير ذلك.

والتكليف الإلهي أيضاً هداية ونعمة، ولكنه في نفس الوقت ابتلاء له أثره في تكامل الإنسان.. وفي ترشيد وتوجيه طموحه، وهو حركة، وغنى، ونماء، وصفاء، إذ ليس الإنسان بمثابة لوحة فنية معلقة على جدار.. بل هو مخلوق له.. قلب، وحياة، وإرادة واختيار، وهي معه تعمل وتؤثر حتى آخر لحظة من حياته.. وكم رأينا من إنسان ينحرف بعد عشرات السنين من الاستقامة، أو يستقيم ويهتدي بعد عشرات السنين من الانحراف، وكلاهما بقرار واختيار.

فَجَعَلْنَاهُ.

إن هناك فرقاً بين كلمة: (جعل)، وكلمة: (خلق)، إذ إننا إذا تتبعنا الآيات القرآنية، فسنرى: أن كلمة (خَلَقَ) مثلاً ترد أحياناً على نفس الشيء مباشرة، فيقال: خلق السماء، وخلق الأرض مثلاً.. ثم إنه وبعد ورود الخلق عليه يصبح محوراً لأمور أخرى، تضاف إليه، أو تنشأ منه، أو تحل فيه وتطرأ عليه، وترد أحياناً أخرى لبيان عروض الهيئات والحالات على الأمر الموجود..أما كلمة (جَعَلَ) فتتعلق أولاً بالأمر الطارئ على أمر آخر، كالسميعية والبصيرية الطارئة على الإنسان، بعد أن تفرضه كمحور ثابت ومرتكز. فكلمة (جَعَلَ) تضيف إلى هذا المرتكز أمراً آخر، أو تحوله من حالة إلى حالة أخرى، أو توجد فيه حالة ما، أو نحو ذلك.. ونجد لهذا و ذاك، شواهد في الآيات المباركة..فأما بالنسبة لكلمة (جَعَلَ)، فلاحظ الآيات التالية:

1. ﴿ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ﴾(60).

2. ﴿ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾(61).

3. ﴿ هُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً﴾(62).

4. ﴿ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾(63).

5. ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ / وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ﴾(64).

6. ﴿ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾(65).

7. ﴿ وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾(66).

وغير ذلك كثير..وأما بالنسبة لكلمة (خَلَقَ) فلاحظ الآيات التالية:

1. ﴿ وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً﴾(67).

2. ﴿ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ / فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾(68).

3. ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً﴾(69).

4. ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً﴾.

كما أن الجعل قد أطلق على التوليد لشيء من شيء، كقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾.

وأطلق على التحويل من شيء إلى شيء كقوله: ﴿ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ﴾..وأطلق على تشكيل الشيء نفسه، وإعطائه صورته، كقوله تعالى: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً﴾.. وقوله: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ / وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ﴾.. وأطلق على إضافة خصوصية لشيء ما، كقوله: ﴿ وَجَعَلَنِي نَبِيَّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكَاً..﴾(70).

وقد جاء التعبير بجعلناه بصيغة جمع المتكلمين في إشارة إلى مقام العزة والعظمة الإلهية من جهة، وليعرفنا: أن تضافر الأسباب وتكاملها وفقاً للسنن الإلهية الجارية، لا يعني أن يصبح الإنسان سميعاً بصيراً استناداً إلى تلك الأسباب وحسب، بل دور تلك الأسباب هو أن تؤهله ليصبح محلاً وقابلاً للفيض الإلهي. فالله هو الذي يجعله كذلك، بعد اكتمال أسبابه، مع قدرته على حجب الفيض عنه، حتى مع اكتمال تلك الأسباب.. فالابتلاء المصاحب للتكليف والمسؤولية يجعل الإنسان مستعداً لإفاضة المزيد من الإدراك، والفهم، والوعي، والسميعية والبصيرية عليه. ولذا قال: ﴿ فَجَعَلْنَاهُ﴾ ولم يقل: فيصير سميعاً بصيراً.

تقديم كلمة سميع على بصير:

وبالمراجعة إلى الآيات القرآنية يتضح: أن ديدن القرآن قد جرى على تقديم السمع والسميعية على البصر والبصيرية.. فلعل من أسباب ذلك: أن درجات الإحساس بالأشياء تختلف وتتفاوت، باختلاف صاحب الحاسة، وباختلاف الحاسة نفسها، وباختلاف المحسوس أيضاً، نوعاً، وكماً، وكيفاً.

ولتوضيح ذلك نقول: إن الإبصار يتم بارتسام صورة لشيء مّا، ثم يتم إرسال هذه الصورة إلى القوة المدركة، لتمييز ألوانها، وأشكالها، وأحجامها، ونحو ذلك..أما السمع، فهو يحصل بصورة أكثر تعقيداً، وذلك لأن احتكاك المسموعات يحدث ارتجاجات، يصل مداها إلى قوى الإدراك التي تقوم بالتمييز بين حالات ومستويات وميزات ذلك الصوت، الذي نشأ عن ذلك الاحتكاك من خلال ملاحظة حالات وخصوصيات تلك الارتجاجات..فإذا كان البصر يعكس صورة، ثم تتلقفها قوة الإدراك، وتضعها على المشرحة، وتميز بين حالاتها، وألوانها، وأشكالها.. فإن السمع ليس كذلك، بل إن الصوت يصل أولاً إلى مناطق الإحساس، ويتفاعل معها، وتتفاعل معه.. ويثيرها، ويؤثر فيها.. ثم تتلقفها قوى الإدراك والتمييز عن هذا الطريق. وتتولى هذه القوة بيان الحدود والحالات والخصوصيات التي تميز ذلك الصوت، عما عداه، ويدرك كثيراً من الأمور المرتبطة بذلك الصوت فيدرك آثاره، ويدرك أيضاً أن ما يسمعه هو صوت طفل، أو صوت رجل، أو امرأة، وأن صاحب هذا الصوت خائف، أو مستبشر، وأنه قريب أو بعيد، وأنه في هوة بعيدة، أو على رأس جبل.. وأن مصدره هو هذه الجهة أو تلك..كما أن بعض الأصوات حتى حينما تكون على درجة من الخفوت، قد لايستطيع الإنسان أن يتحملها، ويشعر: أن قلبه يتقطع بسببها، بل قد تصل حاله - لو استمرت - إلى درجة الانهيار.. كما أن بعض الأصوات تستفزه بصورة لا شعورية، أو تؤثر على مشاعره، فيتمايل طرباً لها، وقد يقوم بحركات لا شعورية، انسياقاً مع أنغامها المثيرة للطرب، والمحركة لأحاسيسه. وقد توجب تلك الأصوات كآبته، أو خوفه، أو الانبساط والتراخي، والاستسلام، إلى آخر ما هناك..والصوت الذي تسمعه إذا كان آتياً من بعيد، فإنه يتلاشى بصورة حقيقية. لكن ما تبصره في المبصرات لا يتلاشى.. حتى وإن رأيته صغير الحجم كالطائرة التي تراها وهي في علوها الشاهق..والبصر قد يقرِّب لك البعيد، ويبعِّد لك القريب، ويريك الكبير صغيراً، والصغير كبيراً.. كما أن هذا البصر قد يخطىء في المبصرات، بخلاف السمع، فإنه أكثر دقة في إدراكه للمسموعات.. شاهدنا على ذلك: أنك لو وضعت عصا نصفها في الماء، ونصفها في خارجه، فسترى أنها عوجاء، كالمكسورة. كما أنك قد تجد أنها مرتفعة عن المستوى الذي يفترض أن تكون فيه.. وإذا نظرت إلى حيوانات البحر، كالسمك مثلاً، فإنك ترى السمكة في مكان، مع أنها في واقع الأمر ليست فيه.. فهي تبدو قريبة إلى سطح الماء مع أنها بعيدة عنه.. وفي حر الشمس ترى السراب الذي يبدو لك، وكأنه مستنقع ماء، حتى إنك لترى ظلال الأشجار وغيرها من الأجسام في ذلك السراب..وأما فيما يرتبط باختلاف درجات الإحساس من شخص لآخر.. فنوضحه بالمثالين التاليين:

الأول: لو دخل رجلان، أحدهما مرهف الحسّ، يرسم بريشته أبدع الصور وأجملها، والآخر إنسان عادي، إلى حديقة غناء، من أجمل ما خلق الله.. فستجد اختلافاً كبيراً في تلذذهما بتلك الحديقة، تبعاً لما يدركانه من جمالياتها، فإن الفنان سيكون أعرف بجمالياتها، وأشد ابتهاجاً بها، لأنه يدرك بصورة أعمق حالات التناسق، ودقائق الصنع، وبدائع التراكيب ذات الإيحاء التي تلامس شغاف القلب، وتغمر النفس والروح بالرضى والبهجة، وسيدرك الكثير من ميزات تلك الصورة العامة التي تتماوج جمالاً بارعاً، وأخَّاذاً، ورائعاً..ولنفترض: أن طفلاً تردى من شاهق أمام عيني أمه، وعمه، ورجل غريب، ورجل جلاد يتولى تعذيب الأبرياء من السجناء في حكومة أهل الطغيان..فإن الصورة الذهنية لما يعانيه هذا الطفل واحدة عند كل هؤلاء. ولكن مما لا ريب فيه: أن انفعالهم، وتحسسهم لما يعانيه ذلك الطفل من آلام، لن يكون في مستوى واحد.. بل سيكون إحساس الأم بالألم أعظم من إحساس العم، وإحساس العم به سيكون أشد من إحساس الرجل الغريب.. وسيكون أقلهم إحساساً بآلامه ذلك الجلاد القاسي.

وببيان آخر نقول:

إن المحسوس قد يكون هو نفسه في داخل ذاتك، كالألم، والجوع، والفرح، والخوف، والحزن، والعطش وغير ذلك..

وقد يكون في غيرك، كمريض تراه، وتسمع أنينه وشكواه.. فلا شك في أن علمك وإحساسك بالألم الموجود في داخلك أعمق وأقوى من علمك وإحساسك بألم غيرك، وأنت تراه يتألم..وإحساسك بألم من هو أمامك قد يكون أعمق، وأقوى من إحساسك بألم رجل غائب عنك، وينقل لك خبره، كما أن علمنا بالآخرة الغائبة عنا فعلاً، يكون أضعف من علم الأنبياء والأوصياء بها.. حتى إن أمير المؤمنين (ع) يقول: لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً.

وقد أشار الله إلى أننا لا نعلم حقيقة الآخرة فقال: ﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾(71)..

وحين تتساقط الحجب المانعة من الإدراك، ويصبح النظر حديداً. كما قال تعالى: ﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾(72).. يصبح الإدراك أشد والتفاعل مع المدركات أعمق..والمعاصي أيضاً تحجب الإنسان عن فهم معاني القرآن الكريم، والتكبر والغرور يقللان من مستوى إدراك الواقع، والإحساس به.

(سَمِيِعَاً بَصِيرَاً)، بصيغة المبالغة:

وسبب التعبير بـ ﴿ سَمِيِعَاً بَصِيرَاً﴾ هو:

1. إن الهدايات الإلهية تحتاج إلى السميعية، والبصيرية العميقتين، ولا يكفي فيها مجرد السمع والبصر..

وعلى ذلك جاء قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾(73).

وقال سبحانه: ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾(74).

وقال: ﴿ خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾(75).

وسبب ذلك أن هناك آيات ومعجزات وكرامات تحتاج إلى إدراك عميق، وإلى ضمير حي، ووجدان طاهر، يستطيع أن يحوّل تلك الإدراكات إلى محفزات وبواعث، توقظ الفطرة، وتجعلها تتفاعل وتنشدّ إليها، وتلتذ وتسعد بها.

ولأجل ذلك نلاحظ أن الخطاب الإلهي المرتبط بالأمور العقائدية، كالتوحيد مثلاً، يحول الأمر العقائدي إلى أمر واقعي، وحياتي تنشد إليه الفطرة، وتستعيده كقوة محركة في داخل وجودها.. وبما أن الهدايات كلها، ومنها العقلية والتشريعية، لا بد أن تنتهي إلى الهداية الفطرية، فإنه تعالى لم يتحدث للإنسان عن التوحيد مثلاً، وعن صفات الله، وعن الآخرة، وعن.. وعن.. بالطريقة الفلسفية أو النظرية المجردة، فلم يستدل له بالدور أو التسلسل، أو بغير ذلك من مصطلحات.

بل اتخذ في حديثه عن الآخرة أسلوب: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ / ءأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ / لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ / إِنَّا لَمُغْرَمُونَ / بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ / أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ / ءأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ / لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ / أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ / ءأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ﴾(76).

وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ / قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ﴾(77).

ومن الواضح: أن الليل والنهار، والماء، والزرع، والنار، ونحو ذلك هي من صميم حياة الإنسان - ولها ارتباط مباشر ترتبط بحركته، ونشاطه، وعمله، ونومه، وراحته، وأكله وشربه، ونحو ذلك..وحتى حين قال تعالى: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَ اللهُ لَفَسَدَتَا﴾(78) فإنه إنما أثار أمام الإنسان موضوع الفساد الذي يخشاه (الإنسان).

وقال تعالى أيضاً، فيما يرتبط بالتوحيد: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ / وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ / وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ / وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾(79).

وقال: ﴿ أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إلى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾(80).

وقال: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً﴾(81).

فهو تعالى يقدم لنا التوحيد على أساس أن نومنا وأكلنا وشربنا وكل مفردات حياتنا وسعادتنا، مرتبط به.

وهذا هو الأسلوب الذي يفهمه البشر كلهم، ويريد الله من خلاله أن يستدرجهم إلى الهدى جميعاً.

أما الأسلوب الفلسفي، أو أي أسلوب آخر، فهو خاص بفئة من الناس، لا يصلح لأن يخاطب به جميع الناس.

تماماً كما هو الحال في قضية (عاشوراء)، فإنها مفهومة للبشر جميعاً، لكن صلح الإمام الحسن ٍ(ع) إنما يفهمه فريق من الناس، وذلك بسبب تدني مستوى الوعي والمعرفة من جهة، ولأن كثيراً من الحقائق قد طمست، أو أثيرت حولها الشبهات من قبل الطغاة، والظالمين، وأهل الأهواء، من جهة أخرى..وإذا كانت المعرفة متمازجة مع فطرة الإنسان، ومتجذرة في عمق ضميره ووجدانه، وليست مجرد معادلة عقلية، أو تصورات ذهنية، فسيكون لها التأثير العميق في كيان الإنسان، تماماً كتلك المعرفة بالله، التي تشعر بها الأم بعد استجابة دعائها بشفاء ولدها، ونجاته من موت محتم، فإن هذه المعرفة تغنيها عن كل دليل فلسفي أو غيره، بل إن الفيلسوف قد لا يشعر بعظمة الله مثلما تشعر بها تلك المرأة، وإنما يكون إيمان الفيلسوف مجرد استسلام للدليل القاهر لعقله، من دون أن يكون أي تفاعل مع وجدانه وفطرته.

فدليله بمثابة الآيات المعجزة التي تقهر العقل، أما انسجامه مع الله وفناؤه فيه، فله سبل ووسائل أخرى.

2. لعل من أسباب اختيار صيغة المبالغة، وهي سميع وبصير أيضاً، أن البصر إنما يوصل إلى الإنسان الأشكال والألوان والأحجام؛ ويمكِّنه أيضاً من إدراك جزئي لبعض المسافات.. ولكنه يحتاج لكي يكون بصيراً إلى قوة وحِدَّة في البصر، تمكنه من إدراك دقائق وخفايا قد يعجز عنها البصر العادي. فما يدركه من خلال حِدّة البصر، هو أمور أخرى تضاف إلى ما كان قد أدركه أولاً..أما السمع.. فإن أصل حصول السمع يحتاج إلى حاسة السمع، ثم ينعدم المسموع بمجرد حصوله.. ثم ينتقل منه إلى حصة وجودية أخرى، فيدركها السمع أيضاً، ثم تتلاشى لتأتي حصة أخرى بعدها، وهكذا..فإذا دق الصوت وخفت، فقد يدركه السمع الرهيف القوي، وقد يعجز عن إدراكه فيتلاشى لتأتي حصة أخرى مماثلة يكون لها نفس الحالة..فالسمع والمسموع متحدان في الوجود، وفي التلاشي. والاختلاف بينهما إنما هو في طرف النسبة، وليس الأمر كذلك في المبصرات دقت أو جلت، فإن المبصرات تبقى موجودة، سواء نالتها الأبصار، أم عجزت عن نيلها..والسميعية تبقى هي الأهم، والأولى بالملاحقة، لأن فوات السمع مساوق لفوات المسموع، لأن الصوت يتلاشى بصورة تدريجية كما قلنا..

3. ومن جهة أخرى: فإن المسموع إذا علمنا بوجوده عن غير طريق السمع، فإنما نعلم به - إذا لم يكن هناك إخبار غيبي - بعد انقضائه وتلاشيه.. أما المبصرات، فيمكن أن نعلم بوجودها مع بقائها. فيكون وجودها سابقاً على علمنا، ومصاحباً ومرافقاً له، وباقياً بعده..حاسة السمع هي الأسبق: وعن حاسة السمع نفسها نقول: إن ثمة حديثاً بين أهل الاختصاص عن أن حاسة السمع هي الأسبق ظهوراً ونشاطاً عند الجنين، وهي آخر الحواس موتاً في الإنسان.

وهناك من يسعى إلى تأكيد ذلك، بما ثبت عن النبي (ص)، من أنه قد خاطب قتلى بدر، وهم في البئر. كما أن الإمام علياً (ع) قد خاطب بعض القتلى في حرب الجمل، وقد أخبرا صلوات الله وسلامه عليهما وعلى آلهما: أن أولئك المخاطبين قد سمعوا ووعوا ذلك الخطاب، ولكنهم لا يقدرون على الجواب.

وورد في الشرع استحباب تلقين الميت معتقداته بعد موته، وأن الملائكة الذين يأتون لسؤال الميت عن ذلك يعودون من حيث أتوا، حيث يرون أن الميت قد لقن حجته، وأصبح قادراً على الإجابة الصحيحة.

ولكن قد يقال: إن هذا إما جار على سبيل الإعجاز، كما فيما جرى للنبي (ص) وللإمام علي (ع)، أو هو نشأة خاصة بالنشأة الأخرى، أو أن الكلام إنما هو مع الروح، وليس لحاسة السمع لدى الميت دور في ذلك، كما في المثالين الأخيرين.

سامع أم سميع؟

ولأنه لا يكفي في الهداية بواسطة الأنبياء مجرد وجود سمع وبصر، بل تحتاج إلى سميعية وبصيرية، فقد أراد أن يبين مدى وحدود فعالية حاستي السمع والبصر، من حيث إن الابتلاء قد أنتج شدة رهافة في السمع، وحدة في البصر، بسبب حالة من الاحتكاك والصراع بين متطلبات الجسد، ومتطلبات الفطرة الإنسانية، التي تنشد الحصول على كمالاتها، وقد نشأ ذلك عن تلك الأمشاجية، بما فيها من مزايا روحية ونفسية، وملكات، هي مبادىء للإدراك، ثم الاختيار والإرادة، التي هي مبدأ صدور الأفعال من الإنسان..وحتى في الاستعمالات العرفية، فإنه فرق بين قولك: بصرت الشيء أو بصرت به، بمعنى وقع نظرك عليه، وبين قولك: أنا بصير بالشيء، أي خبير بهِ، أي عارف بخفاياه وأسراره، سواء أكانت خبرتك أتت عن طريق البصر، أم السمع، أم القراءة، أم اللمس، أم الوحي، أم غير ذلك. فكلمة بصير عندهم كناية عن عمق الخبرة بالشيء. ولأجل ذلك لم يكف قوله: (سامعاً مبصراً)، عن قوله: (سميعاً بصيراً)..نظرة إجمالية لمسار الخطاب في الآيات:

قد يغفل الإنسان عن أمور لا ينبغي له أن يغفل عنها، فتذكيره بها يكون إحساناً إليه ومساعدة له..وقد يجهل الإنسان بأمور يكون علمه بها ضرورياً، فيحتاج إلى أن يتعلمها..وقد يكون عالماً بالأمور، لكنه يتعامل معها معاملة الجاهل أو الغافل، لأسباب يرى أنها تبرر له ذلك، فيحتاج إلى من يناقشه في تلك الأسباب، ويوقفه على عدم قدرتها على تبرير موقفه هذا..ويكون من يتصدى لذلك قد أسدى إليه خدمة جليلة، لأنه يكون قد ثبته على ما في ثباته عليه مصلحة له، أو جنَّبه الآثار والأوضاع السلبية، التي يجب أن يتخلص منها، سواء في ذلك منها ما له أثر سلبي على روحه، أم على فكره، أم على أي شأن من شؤون حياته..ومن الواضح: أن الأحوال النفسية، والروحية، والحياة الاجتماعية، والقدرات والإمكانات في مختلف المواقع والمواضع، لا تطلب لنفسها، وإنما تطلب لأجل دورها، وآثارها في الأعمال والمواقف.

والمواقف والأعمال أيضاً لا تطلب لذاتها، بل تطلب لغاياتها الشريفة والفاضلة، وهي الوصول إلى الله سبحانه، والحصول على مواقع القرب والزلفى لديه. وتحقيق ما يرضيه، وتجنب ما يسخطه.. والعلم بالله سبحانه له قيمة حقيقية كافية فيه وفي نفس حصوله، لكن العلم بغير الله، فإن قيمته ليست في بداياته، وفي نفس حصوله لدى العالم، وإنما هي في نهاياته، وغاياته..وإذا نظرنا إلى قضية الإيمان والكفر، فسنجد أنهما تعبير آخر عن العلم بالمعنى المشار إليه.. فالكفر يمثل حالة الجهل المركب، المعتضد بالاستكبار والعناد.. وأخرى يكون غفلة واحتجاباً حقيقياً، وابتعاداً وغربة عن الحق.. أو أن الكفر هو حالة من التمرد والتعدي على مقام العزة الإلهية، وأخذ موقعه، واستبدال الحق الصادر عنه بباطل يفسد الحياة، ثم السعي لوأد ذلك الحق، أو لا أقل إلى إبعاده عن ساحة العمل والتداول، وعدم الاعتراف به، حتى مع رؤيته له.. كما قال الله تعالى: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾(82).. فإن من الواضح: أن هذا الاحتجاب هو العمق الواقعي لكلمة الكفر. فالزارع كافر، لأنه يحجب البذر بالتراب، ويغطيه به. والليل كافر، لأنه يحجب الأشياء عن أن ينالها النظر..أما الإيمان، فهو يمثل حالة الوعي واليقظة، والتزام الحق، والسكون إليه..وحين يتحدث الله سبحانه عن خلق الإنسان من نطفة أمشاج، فإنما يريد أن يعالج حالة الغفلة التي تعيشها هذه النفس الإنسانية، المؤمنة والكافرة على حد سواء..فأما الكافرة التي احتجبت عمداً أو غفلة وجهلاً عن الحق، أو حجبت الحق عن الحضور في مواقع الحركة في الحياة، فيحاول دفعها إلى إزالة ذلك الحجاب، للخروج عن حالة التحدي للسنن الإلهية، والتمرد على إرادة الله، والسعي لإفساد الحياة، والعبث بنواميسها..وأما النفس المؤمنة المطمئنة التي تعيش السلام بكل معانيه، فيريد أن يزيدها يقظة، وحصانة، واندفاعاً، وتوثباً نحو العمل الجاد للرقي في مدارج الكمال، ونيل المعارف، والحصول على التوفيقات، والهدايات، والألطاف الإلهية، في كل موقع تكون فيه، للتحرك منه إلى مواقع تطمح لأن تصل إليها..فهذا الخطاب الإلهي للمؤمن وللكافر، هو خطاب تربوي تدبيري، تعليمي، يهدف إلى فتح قلب الكافر ليستقبل إشراقة النور، ثم إلى تثبيت المؤمن، وتقويته، ليزداد إيماناً، ويقيناً، وإبعاده عن مواقع الخطر، وتحصينه في مواجهة كل التحديات الشيطانية.

على أن من الواضح: أن العلم وحده لن يكون كافياً لتحقيق الهداية، بل هو قد يكون سبباً في الضلال، والإضلال.. كذلك الذي ﴿ أَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ﴾(83).. ﴿ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾(84)..وذلك لأن الشيطان يأتيه عن طريق هذا العلم بالذات، فيضخم له نفسه، ويخرجه من حالة التوازن، ويدعوه إلى العجب، والزهو، والعلو، ويدفعه لأن يدعي ما ليس فيه، وما ليس له، ويتجاوز حدوده..وإنما تمكن الشيطان منه، لأنه إنما أشغله ببدايات العلم، فبهرته أحجامه، وأقسامه، وطمس وعمّى عليه غاياته الكبرى والسامية والنبيلة.. كالذي يريد تفسير القرآن، فيشغل نفسه بعدِّ حروفه، وكلماته.. وخصوصيات النغم الصوتي حين أداء الكلمات، ويغفل عن المعاني، وعن الأوامر والزواجر، وعن القيم والمثل والمآثر التي يدعوه إليها القرآن.. وعن الغايات التي يدفعه إليها..وقد جاءت هذه الآيات التي تحدثت عن خلق الإنسان من نطفة أمشاج الخ.., لإعادة هذا الإنسان إلى دائرة التوازن، وإلى حجمه الطبيعي، لكي يتأمل ويفكر، بعيداً عن أي خيلاء أو عجب مهلك، واستكبار مقيت..وقد نصبت له الغايات والنهايات أمام عينيه، وجعلت الخيار والاختيار إليه.. وقالت له: هذه بدايتك، وهذه نشأتك، فلِمَ تستكبر(85)؟! ولِمَ تزهو؟ ولِمَ تطلب ما ليس لك بحق؟! وهل يجوز لك أن تستكبر وتتمرد على من أعطاك القوة، وخلقك، ورباك، ونشأك؟! أليس ذلك يعد خروجاً عن مقتضيات فطرتك؟!..ثم وجه إليه التهديد بعيداً عن حالة التحدي، والمواجهة، وإنما بصورة ترتيب النتائج على مقدماتها، بعد كشف الواقع أمامه، وإعادته إلى التوازن، وإرجاعه إلى حجمه الطبيعي، وتنفيس الانتفاخات الكاذبة التي كان يرى نفسه فيها، من خلال إدخاله في حسابات دقيقة، وتفاصيل لابد له من وعيها، مع تعريفه بأن هذه المراحل ليس له هو أي تدخل فيها، ولم يبذل فيها أي جهد.

ولأجل ذلك، فإنه يصبح بإمكانه أن يفهم بعمق معنى قوله له: إنه إن أساء الاختيار، فله السلاسل، والأغلال، والسعير.. وبشَّره، إن أحسن الاختيار، بما يبشر به المؤمنون الأخيار، والمتقون الأبرار..وفي سياق هذه الآيات المباركة، نلاحظ: أن الله سبحانه قد أغرى هذا الإنسان بالرجوع إلى ربه، وإنشاء العلاقة معه، حيث عَّرفه بأنه لم يزل يرعاه، ويهتم به في كل لحظة وآن.. وأنه هو الذي يربيه وينميه، وينشؤه.. ويتفضل عليه بالنعم، من دون أن يقهره على شيء، بل هو يعطيه كل القدرات وكل الإمكانات، ثم يعطيه حق الاختيار، ويمكِّنه من أن يتصرف في كل شيء، وأن يحدد موقفه وموقعه.. حتى لو كان ما يختاره يتعارض مع ما يريده الله منه، وما يدعوه إليه..وتلمس في هذه الآيات المباركة كيف أنه تعالى لا يبادر إلى التهديد والوعيد، في أسلوب قمعي، قاس، وصاعق.. بل هو يمهد إلى إخراج الإنسان من جهله وغفلته، واستكباره، وعجبه، وكفره، وضلاله، وانحرافه، بأسلوب رضي عطوف، يهيؤه لتلمس واقعه بنفسه، ممسكاً بيده برأفة، وبلطف، وعطف، مذكراً إياه بمحبة الله ورعايته له، مثيراً كوامن وجدانه، وبريء مشاعره وأحاسيسه، وصافي فطرته، بصورة السؤال، لا بصورة الخبر المفروض: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً﴾.. وآيات السؤال عن الخلق وكيفياته كثيرة:

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً﴾؟!

﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى﴾(86)؟!

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ / وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ﴾(87)؟!

ألم.. ألم..فلماذا الصدود منه إذن؟ ولماذا الاستكبار؟!.. ولماذا الكفر؟!.. ولماذا؟!.. ولماذا؟!.. ثم هو يترك الخيار له في أن يجعل نفسه مع أي فريق شاء.. فهو الذي يختار - بعد هذا البيان - الاستكبار والعناد، فيكون كافراً.. فيواجه مصير الكافرين.. أو يختار الإيمان، فيكون من ومع المؤمنين.. ثم يعرض عن الخطاب مع هؤلاء لكي تستمر الآيات في بيان أحوال أهل الإيمان، لأنهم هم الذي يجسدون الإنسانية الحقيقية.. مقدماً لهم المثل والنموذج الأعلى للإنسانية, وهم أهل البيت (ع)، ليكونوا لهم الأسوة والقدوة والمثال..فيرغب الإنسان العاقل بالتأسي بهم. والسير على نهجهم..وهذا ما سيتضح في تفسير الآيات التالية..


1- سورة طه الآية 14.

2- سورة طه الآية 82.

3- سورة الذاريات الآية 56.

4- سورة المؤمنون الآية 111.

5- سورة البقرة الآية 30.

6- سورة البقرة الآية 30.

7- سورة البقرة الآية 31.

8- سورة البقرة الآية 33.

9- سورة الحجر الآية 9.

10- سورة الحجر الآية 22.

11- سورة عبس الآية 25.

12- سورة المؤمنون الآية 12.

13- سورة المؤمنون الآية 18.

14- سورة المؤمنون الآية 27.

15- سورة المؤمنون الآية 31.

16- سورة المؤمنون الآية 49.

17- سورة المؤمنون الآية 50.

18- سورة المؤمنون الآية 55.

19- سورة المؤمنون الآية 77.

20- سورة طه الآية 55.

21- سورة الحج الآية 26.

22- سورة الذاريات الآية 56.

23- سورة يس الآية 61.

24- سورة طه الآية 14.

25- سورة الأنبياء الآية 92.

26- وقد قيدنا بذلك لنشير إلى أنه إذا كان المراد هو إعطاء الجزاء المقرر، من دون الإشارة إلى خصوصية الكرامة الإلهية، أو الإشارة إلى مشاركة الملائكة وغيرهم في إيصال الجزاء إليه، فيدخل ذلك في القسم الآتي، حيث لا مـانع من الإتيان بصيغة الجمع، كقوله تعالى: {سَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}.. وقـولـه: {كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}..

27- سورة طه الآية 82.

28- سورة المؤمنون الآية 111.

29- سورة البقرة الآية 30.

30- سورة ص الآيتان 71/72.

31- سورة البقرة الآية 30.

32- سورة المؤمنون الآية 92.

33- سورة ق الآية 16.

34- سورة الواقعة الآية 64.

35- سورة الحجر الآية 9.

36- سورة الحجر الآية 22.

37- سورة الأنبياء الآية 69.

38- سورة المؤمنون الآية 12.

39- سورة المؤمنون الآية 13.

40- سورة مريم الآية 9.

41- سورة مريم الآية 17.

42- سورة مريم الآية 21.

43- سورة مريم الآية 21.

44- سورة مريم الآية9, وراجع نفس السورة الآية 67.

45- سورة الأعراف الآية 11.

46- سورة البقرة الآية 117.

47- سورة آل عمران الآية 49.

48- سورة المؤمنون الآية 12.

49- سورة المؤمنون الآيات 12/16.

50- سورة لقمان الآية 9.

51- سورة المؤمنون الآية 12.

52- سورة آل عمران الآية 49.

53- سورة السجدة الآية 7.

54- سورة الحج الآية 5.

55- سورة المؤمنون الآية 14.

56- سورة المؤمنون الآية 14.

57- منتهى المطلب ج2 ص932، والحدائق الناضرة ج1 ص425، وراجع: المجموع للنووي ج9 ص326 والمبسوط للسرخسي ج10 ص62 والمغني لابن قدامة ج10 ص473.

58- سورة المؤمنون الآية 14.

59- فإن ما يزعمون أنه أسباب شر في الإنسان، وهي غرائزه، وملكاته، وميوله، ما هي إلا أسباب الخير له وفيه.. بل هي نعم كبرى عليه، ومن أهم أسباب حفظ وجوده, وبناء حياته.. إذا أحسن الاستفادة منها، ولم يستعملها في غير السبيل الصحيح..

فإذا أعطاك طبيبك دواءً, وأسأت استعماله, وجلب لك الضرر، فذلك ليس ذنب الدواء, ولا هو ذنب الطبيب, بل الطبيب ناصح متفضّل, والدواء نافع ولازم. والمذنب هو من أساء استعماله. ولم يدر لنصائح الطبيب باله..

60- سورة الانعام الآية 96.

61- سورة النحل الآية 78.

62- سورة الرعد الآية 30.

63- سورة الجاثية الآية 23.

64- سورة البلد الآيتان 8/9.

65- سورة المائدة الآية 48.

66- سورة المائدة الآية 48.

67- سورة فاطر الآية 11.

68- سورة المرسلات الآية 21.

69- سورة الفرقان الآية 54.

70- سورة مريم الآيتان 30/31.

71- سورة العنكبوت الآية64.

72- سورة ق الآية22.

73- سورة الملك الآية10.

74- سورة الأعراف الآية179.

75- سورة البقرة الآية7.

76- سورة الواقعة الآيات 63 / 72.

77- سورة القصص الآيتان 71 / 72.

78- سورة الأنبياء الآية22.

79- سورة الروم الآيات 21/24.

80- سورة الغاشية الآية 17.

81- سورة يونس الآية 67.

82- سورة النمل الآية14.

83- سورة الجاثية الآية 23.

84- سورة الأعراف الآية 175.

85- الاستكبار هو أن يطلب أن يكون كبيراً، مع أنه فاقد لذلك في الواقع.

86- سورة القيامة الآية 37.

87- سورة البلد الآيتان 8/9.