سورة عبس
(1) ? (2): ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءهُ الْأَعْمَى﴾: هو ابن أُم مكتوم، قصد النبي (ص) ليسأله عن أحكام دينه، كان عنده نفر من عتاة الشرك يحاول هدايتهم إلى الإسلام، عسى أن يسلم غيرهم بإسلامهم، وكان الأعمى يكرر على النبي: علمني مما علمك الله، والنبي لا يجيبه، والأعمى المسكين لا يدري أن النبي في شغل بما هو أهم، فنزلت هذه الآيات، وقال المفسرون بما فيهم الشيخ محمد عبده: أن الله عاتب النبي على إعراضه عن الأعمى! ونحن لا نرى فيها شائبة عتاب أو لوم على النبي، والذي نفهمه أنها توبيخ واحتقار للمشركين الذين كانوا عند النبي، وتقول له أعرض عن هؤلاء الأرجاس وأغلظ لهم، إنهم أحقر من أن ينصر الله بهم الدين، واقبل هذا الأعمى الطيب المؤمن، ولا خوف على الإسلام فإن الله سيظهره على الدين كله، ويذلّ أعداءه مهما بلغوا من الجاه والمال. ومن أحبَّ المزيد فليرجع إلى تفسيرنا الكاشف.
(3) ? (4): ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى﴾: إن هذا الأعمى يستمع لك يا محمد، وينتفع بموعظتك، ويتخذ منها منهجًا لعمله ودليلاً في سلوكه وحياته.
(5) ? (6): ﴿أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى﴾: أتطمع في العتاة القساة أن يسمعوا منك أو يعقلوا قولك ويؤمنوا بك وهم كالأنعام بل أضل سبيلاً؟.
(7): ﴿وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى﴾: لا بأس عليك ولا على الإسلام ممن ركب الجهل والضلال، وقاده إلى الهلاك والوبال.
(8) ? (10): ﴿وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى﴾: أقبلت على المشركين الأقوياء طمعًا في هدايتهم، وأوكلت المؤمن إلى إيمانه، فدع الطغاة فإن الله لهم بالمرصاد، وأقبل على من فتح للهدى قلبه، والله ينصر دينه بالقلة الهداة على الكثرة الطغاة، وفي الخطبة 144 من خطب نهج البلاغة: (إن هذا الأمر ? يريد الإسلام ? لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلَّة، وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعده وأمده حتى بلغ ما بلغ).
(11) ? (12): ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء ذَكَرَهُ﴾: المراد بالتذكرة هنا أن الله لا ينصر الحق بمن يقول: أنا أكثر عدة وعددًا، بل بالمؤمنين المخلصين الذين تزدريهم الطغاة العتاة.
(13): ﴿فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ﴾: هذه التذكرة التي بينَّاها لك يا محمد ولكل الناس، مسجلة في الكتب الإلهية.
(14): ﴿مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ﴾: عالية بتعاليمها النافعة، طاهرة من الجهالة والضلالة.
(15): ﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ﴾: جمع سافر، وهو الذي يسعى بين الناس لإصلاح ذات البين.
(16): ﴿كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾: جمع بار، وهو صانع البر والخير.
(17): ﴿قُتِلَ الْإِنسَانُ﴾: هذه كلمة دعاء وإنشاء في صورة الفعل الماضي، ومعناها أهلكه الله وعذبه لأنه لا يستحق الحياة ﴿مَا أَكْفَرَهُ﴾: ما أشد عناده للحق وتمرده عليه، وتدل هذه الآية بظاهرها أن الإنسان شرير أو مخطئ بطبعه، وهذا ما تقوله التعاليم المسيحية، أما القرآن الكريم فلا يصف الإنسان من حيث هو بخير ولا بشر، وإنما يقيسه بما يترك من عمل أو أثر كما في العديد من الآيات، ومنها على سبيل المثال: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ? 39 النجم.. كل امرئ بما كسب رهين ? 21 الطور) وعليه فالمراد من الإنسان في (قتل الإنسان) من ضل سواء السبيل بعمله وسوء اختياره، وأيضًا (ما أكفره) توحي بذلك، إضافة إلى قوله تعالى: (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ? 2 التغابن).
(18) ? (19): ﴿مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ﴾: من أنت أيها الإنسان الضعيف حتى تنساق مع العناد والغرور، وتحاول القفز وراء الحدود والمقاييس؟.
(20): ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾: إن الله سبحانه زود الإنسان بالقدرة والعقل للبناء لا للهدم، ولإصلاح الحياة لا للفساد في الأرض.
(21) ? (22): ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ﴾: الحياة الدنيا قصيرة الأمد، وكلها مصائب وآلام، وما بعدها أدهى وأمر، ولا نجاة لأحد إطلاقًا إلا لمن ملك نفسه وكفها عن الحرام.
(23): ﴿كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ﴾: أمر سبحانه بالخير، ونهى عن الشر، فأبى أكثر الناس إلا الشهوات والأهواء، وهنا يكمن شقاء الإنسانية وبلاؤها.
(24): ﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾: ويسأل عقله من الذي يسَّر هذا الطعام؟ الطبيعة وقوانينها؟ والطبيعة ومن طبَّعها؟ كما قال شوقي.
(25) ? (27): ﴿أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا﴾: الله سبحانه هو الذي أنزل الماء من السماء، وشق الأرض بالحرث وغيره، وأنبت الزرع وخلق الحب، لأنه مصدر الوجود وسبب الأسباب مهما طالت وامتدت سلسلة المؤثرات لاستحالة وجود الممكن بلا واجب والحادث بلا قديم وأزل.
(28) ? (29): ﴿وَعِنَبًا وَقَضْبًا﴾: نباتًا طريًا كالبقول والخضار والقت، يقطع المرة تلو المرة.
(30): ﴿وَحَدَائِقَ غُلْبًا﴾: ضخمة الأشجار ملتفة الأغصان.
(31) ? (32): ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾: مرعى الدواب.
(33): ﴿فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ﴾: القيامة، وفيها أصوات تصك الآذان حتى تكاد تصمها.
(34) ? (37): ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ... ﴾: أبدًا لا أحباب ولا أنساب يوم القيامة لأن كل إنسان مشغول بنفسه منصرف لما هو به عن غيره، وتقدم في الآية 10 وما بعدها من المعارج.
(38): ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ﴾: مضيئة من أسفر الصبح.
(39): ﴿ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ﴾: فرحًا وسرورًا بثواب الله ورحمته.
(40): ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ﴾: ذل وهوان.
(41): ﴿تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ﴾: يعلوها السواد من الحزن والكآبة، وتقدم في الآية 22 من القيامة. وما بعدها.