الدرس الأول: ظاهرة الوحي

الوحي في اللغة

الذي يستفاد من تتبع الاستعمالات وأقوال أهل اللّغة أن للوحي معنى واحداً وهو الخطاب الخفي. والخفاء يكون على إنحاء متعددة، فتارة يكون خفياً في نفسه يسره المتكلم إلى المخاطب، وأخرى يكون خفاؤيه من جهة كونه يعبر عنه بالإشارات والإيماءات التي تخفى على غير المقصود بالخطاب، أو يخفى مدلولها عنه.

الوحي في القرآن الكريم

ليس هناك ثمة اصطلاح خاص للوحي في القران الكريم، وما ورد فيه استعمل بمعناه اللغوي

قال تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ...﴾(1).

وقال: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إلى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ﴾(2).

فالوحي هنا بلا شك هو الوحي الرسالي النازل على الأنبياء، لكن ورد في القران الكريم استعماله في غير الرسالي أيضاً.

قال تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إلى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾(3).

﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا...﴾(4). 

﴿وَأَوْحَيْنَا إلى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ..﴾(5).

﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ...﴾(6).

﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إلى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي...﴾(7).

﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ..﴾(8).

﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾(9).

لكن لكثرة استعماله في خصوص الوحي الرسالي صار ينصرف إليه عند الإطلاق.

أقسام الوحي

ينقسم الوحي بالقسمة الثنائية إلى الرسالي وغيره.

1- الوحي الرسالي:

هو وسيلة الاتصال بين الباري عزّ وجلّ وبين سفرائه إلى خلقه، فعن طريقه يتم تلقي المعارف والأحكام وغير ذلك من شؤون الرسالة.

وهذا الوحي الرسالي النازل على رسول اللّه (ص) كان يأتي لأغراض عدّة ومضامين شتّى.

1- فمنها: الذكر الحكيم والقران الكريم الذي هو نص كلام اللّه سبحانه وتعالى المنزل على رسوله بهذا الاسم، وهو المتصف بالإعجاز، والوحي النازل به قد يختص باسم الوحي القرآني.

2- ومنها: تأويل وتفسير كلام اللّه تعالى الوارد في القرآن الكريم.

3- ومنها: ما يطلق عليه اصطلاحاً اسم الأحاديث القدسية التي لا تدخل في الوحي القرآني.

4- ومنها: تفاصيل الشريعة وأحكامها ومعارفها وما يتعلق بها.

5- ومنها: ما يرتبط بشؤون الإمامة والتدبير وشؤون الحكم مما يحتاجه الرسول في مهمته القيادية.

6- ومنها: ما يرتبط بأخبار العالم والمغيبات والحوادث السابقة واللاحقة، وهذا أيضاً يدخل في دائرة علوم الرسول (ص) التي قد تقتضيها رسالته وقيادته الاصلاحية على مستوى عمر الدنيا.

- أساليب الوحي الرسالي

والوحي الرسالي بشكل عام له أساليب متعدّدة ورد ذكرها في القران الكريم والسنّة النبوية الشريفة المنقولة لنا عن طريق الرواة الثقاة، أو الواصلة إلينا عبر أئمة الهدى من أهل بيت النبوة ومن هذه الأساليب ما يلي:

الأول: التكليم المباشر دون توسط الملائكة

وهذا يتم حال اليقظة، كما حصل لادم (ع): ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ﴾(10).

وإبراهيم (ع): ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا..﴾(11).

وموسى (ع): ﴿وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا...﴾(12).

﴿وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ﴾ (13).

﴿وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ (14).

الثاني: الايحاء بواسطة الملك

وهذا الاسلوب له شواهد عديدة جداً، ولعله الاسلوب الأكثر شيوعاً والأغلب وقوعاً.

قال تعالى: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾(15).

﴿مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ...﴾(16).

﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ...﴾(17).

الثالث: الرؤيا في المنام

فإن "رؤيا الأنبياء وحي"(18) كما ورد عن أمير المؤمنين (ع)، وورد عن عبيد بن عمير مقطوعاً(19).

ولهذا الاسلوب من الوحي في القران الكريم شواهد عدةّ منها:

قوله تعالى في قصة إبراهيم: "قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء اللّه من الصابرين فلما أسلما وتلّه للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين..."(20).

فقول إسماعيل (ع):

﴿يا أبت افعل ما تؤمر﴾ يكشف لنا أن رؤياه تلك كانت وحياً وأمراً إلهياً بُلّغ إياه عن طريق الرؤيا، وما كان إبراهيم ليقدم على ذبح ولده لمجرد رؤيا لو لم تكن تلك الرؤيا وحياً وأمراً إلهياً لازماً بالنسبة إليه.

الرابع: الإلهام

وقد يعبر عنه بالالقاء في الروع، وهو مغاير لما يصطلح عليه الناس من الالهام. فقد يعبّرون بأن فلاناً ملهم، ويقولون: أُلهمتُ القيام بالأمر الفلاني إذا وجد الشخص في نفسه الدافع نحو ذلك، فهو هنا يجد أن القرار والتصميم كان بيده وأن الفكرة وليدة نفسه، وقد لا يحصل له اليقين بالنتيجة. وهذا على خلاف الوحي الإلهامي الذي لا يغاير بقية أنحاء الوحي من حيث النتيجة ومن حيث اليقين والاطمئنان بمصدر الالهام، وإن غايرها من حيث الاسلوب والشكل.

وقد صرحت النصوص بأن الإلقاء في الروع كان أحد أساليب الوحي الرسالي، منها ما روي عن رسول اللّه (ص) أنه قال: " ألا إن الروح الأمين نفث في روعي إنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا اللّه وأجملوا في الطلب..."(21).

ويمكن إدخال الإلهام و النفث في الروع في القسم الثاني الذي هو الايحاء بواسطة ملك. فإن ايحاء الملك يكون على أنحاء: فتارة يكون بسماع الصوت ومشاهدة الصورة، وأخرى بسماعه من دون مشاهدة، وثالثة بالإلقاء في الروع دون توسط صوت، فتصتبح أساليب الوحي ثلاثة لا أربعة، وقد جُمِعَتْ في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾(22).

فالوحي هو الإلهام ومن وراء حجاب هو التكليم المباشر، وإنما سماه من وراء حجاب لأنه بواسطة صوت دون رؤية المصدر، وإرسال الرسول هو الإيحاء من خلال.

وربما كان تخصيص النحو الأول باسم الوحي هنا لأنه أشد خفاءً من الثاني فهو بالنسبة إليه مختص باسم الوحي.

فملاحظة الخفاء أمر نسبيّ قد يلاحظ بالنسبة لغير النبيّ، وقد يلاحظ بالنسبة لبعض حواس النبي دون بعض.

2- الوحي غير الرسالي:

الأساليب الثلاثة من الوحي لا تختص بالأنبياء، ولا بوحي النبوة، بل هي تجري مع غير الأنبياء وفي الأغراض الأخرى غير الرسالية، كما هو الحال بالنسبة لأم موسى، ومريم بنت عمران، وامرأة إبراهيم، في صريح القرآن الكريم:

﴿وَأَوْحَيْنَا إلى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ...﴾(23).

﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾(24).

﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا...﴾(25).

﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة..﴾(26).

﴿ووَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى... وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ...َالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ...﴾(27).

ومن الواضح أن هذه الأغراض لم تكن رسالية ولم يلزم من نزول الملائكة فيها نبوة المخاطب والمنزل عليهم، وقد عبّر القران الكريم في بعض الموارد عن الأوامر التكوينية أو التدبيرية بالوحي أيضاً، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا﴾(28)، ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَابِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾(29).

وورد أيضاً التعبير به عن إيداع الأمور الفطرية والغريزية لدى الحيوانات وإلهامها ما ينبغي لها، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إلى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾(30).

كما أن ابلاغ الأوامر التدبيرية إلى الملائكة وحي أيضاً في نص القران الكريم، قال تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ...﴾(31).

وعليه فالوحي لا يلازم النبوة ولا يختص بالأمور الرسالية بل يتعدى إلى كثير من الأغراض والموارد الأخرى.

رسول اللّه (ص) والوحي

الذي يتحصل من مجموع النصوص الواردة في كيفية نزول الوحي عليه، أنه (ص) كان يوحى إليه بكل أساليب الوحي المتقدّمة ولمختلف الأغراض.

1- الرؤيا في المنام:

ففي بعض النصوص أنه (ص) كان يوحى إليه عن طريق الرؤيا في المنام في الفترة الأولى من نبوته قبل نزول جبرئيل (ع)، فعن محمد بن علي بن النعمان الأحول قال: سألت أبا جعفر (ع) عن الرسول والنبي والمحدَّث، قال (ع): "الرسول الذي يأتيه جبرئيل قُبُلاً فيراه ويكلّمه، فهذا الرسول، وأما النبي فهو الذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم(ع) ونحو ما كان رأى رسول اللّه (ص) من أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرئيل (ع) من عند اللّه بالرسالة، وكان محمد (ص) حين جمع له النبوة وجاءته الرسالة من عند اللّه يجيئه بها جبرئيل ويكلمه بها قبلاً، ومن الأنبياء من جمع له النبوة ويرى في منامه ويأتيه الروح ويكلّمه ويحدّثه، من غير أن يكون يرى في اليقظة. وأما المحدَّث فهو الذي يحدَّث فيسمع، ولا يعاين ولا يرى في منامه "(32).

والرؤيا لم تنقطع عنه (ص) بعد نزول جبرئيل على قلبه وبعد أن نزل عليه الوحي المباشر كما سيأتي فإن القران الكريم يشير إلى حصول ذلك فيما بعد أيضاً.

قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ...﴾(33).

وقال: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ﴾(34).

وقال: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ...﴾(35).

2- الايحاء بواسطة الملك:

وأما المرحلة الثانية فكانت مرحلة نزول الوحي بواسطة الروح الأمين جبرئيل على قلب الرسول (ص)، قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِين عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾(36).

﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ...﴾(37).

وقد وردت بعض الروايات بأن جبرئيل (ع) كان ينزل على رسول اللّه (ص) بصورة إنسان جميل الطلعة فيحدثه ويقرأ عليه القران الكريم، وكان رسول اللّه (ص) يأنس به، وقد راه رسول اللّه (ص) على صورته الحقيقية الملائكية مرتين تحدثت عنهما سورة النجم: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إلى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾(38).

فالمرة الأولى رآه (ص) في بدء الوحي ﴿وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى﴾ فسدّ ما بين المشرق والمغرب.

﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ فيما روي أنه (ص) سأل جبرئيل (ع) أن يريه نفسه مرة أخرى على صورته التي خلقه اللّه عليها، فأراه صورته فسدّ الأفق أيضاً(39).

3- التكليم المباشر:

روي أن الإمام الصادق (ع) سئل عن الغشية التي كانت تأخذ النبي (ص) أكانت عند هبوط جبرئيل؟

فقال: " لا، إن جبرئيل كان إذا أتى النبي (ص) لم يدخل عليه حتى يستأذنه وإذا دخل عليه قعد بين يديه قعدة العبد، وإنما ذاك عند مخاطبة اللّه عزّ وجلّ إياه بغير ترجمان وواسطة "(40).

كيف يعلم النبي (ص) أن ما نزل عليه هو وحي

ويحسن الإشارة هنا إلى أن البعض مما يروى في كيفيّة نزول الوحي عليه (ص) ومن حالة الهلع التي أصيب بها، ومن لجوئه إلى خديجة التي هدأت من روعه واكتشفت هي نبوّته قبل أن يعرف ذلك هو، أو عرضت أمره على ورقة بن نوفل أو غيره من الأحبار أو الرهبان فأخبروها بأنه نبي، كل ذلك مما لا يمكن القبول به، ولا يتصور النبي (ص) شاكاً في نبوته ولا جاهلاً بالوضع الذي هو عليه حتى يحتاج إلى من يطمئنه من أمثال هؤلاء، هذا بالإضافة إلى تهافت تلك النصوص وتضاربها، وضعف أسانيدها وإن رويت في كتب أطلق عليها اسم الصحاح.

بل الثابت أنه (ص) كان منذ اللحظة الأولى على بيّنة من أمره، وهل يختار اللّه لرسالته وثقلها إلاّ من صنع على عينه وهيّ‏ء لحملها؟!

وقد كانت الكرامات الكثيرة التي ظهرت له ورويت عنه تشكل إرهاصات للنبوة، بحيث أنه لما نزل عليه الروح الأمين كان على بينة من أمره وعلى بصيرة ثابتة ويقين مما جاءه، وإلى هذا تشير عدة روايات وردت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام.

فعن زرارة أنه سأل الإمام الصادق (ع): "كيف لم يخف رسول اللّه (ص) فيما يأتيه من قبل اللّه أن يكون مما ينزغ به الشيطان؟ فقال: إن اللّه إذا اتخذ عبداً رسولاً أنزل عليه السكينة والوقار فكان الذي يأتيه من قبل اللّه مثل الذي يراه بعينه "(41).

ومثل هذا الكلام يجري في اسطورة الغرانيق وأمثالها مما لا نشك ببطلانه واستحالته ونعتقد أنه مما دسّ في الأخبار لغرض التشكيك والطعن والتشويه، شأنه شأن الكثير من الإسرائيليات(42)

أسئلة حول الدرس

1-ما هو معنى الوحي اللغوي والرسالي؟

2-هل يختلف مفهوم الوحي ويتعدد بحسب اختلاف موارد استعماله في القرآن الكريم؟

3-ضع (صح) أو (خطأ) بعد ما يلي:

أ- كل وحي نزل على رسول اللَّه (ص) فهو قرآن.

ب- ذكر الوحي في القرآن الكريم بمعانٍ عديدة كالتكليم والإلهام.

ج- الإيحاء بواسطة الملك هو الأسلوب الأكثر شيوعاً والأكثر وقوعاً.

د- لا يختص الوحي الإلهي بالأمور الرسالية ولا يلازم النبوة

4- عدد أساليب الوحي الرسالي وتحدث باختصار عن كل واحد منها.

5- أعطِ مثالين من القرآن الكريم على الوحي غير الرسالي


1- النساء: 163.

2- يونس: 2.

3- النحل: 68.

4- فصلت: 12.

5- القصص: 7.

6- الأنفال: 12.

7- المائدة: 111.

8- الأنعام: 121.

9- مريم: 11.

10- الأعراف: 22.

11- الصافات: الاية/104.

12- النساء: 164.

13- الأعراف: 143.

14- مريم: 52.

15- ال عمران: 39.

16- البقرة: 97.

17- الشعراء: 193.

18- راجع لسان العرب لابن منظور الأفريقي مادة وحى، وغيره من كتب اللّغة.

19- المصدر السابق.

20- الصافات: 105- 102.

21- المجلسي، بحار الأنوار: 64- 11.

22- الشورى: 51.

23- القصص: 7.

24- ال عمران: 42.

25- مريم: 17.

26- ال عمران: 45.

27- هود: 73- 69.

28- فصلت: 12.

29- الزلزلة: 5 - 4.

30- النحل: 68.

31- الأنفال: 12.

32- البخاري، الجامع الصحيح، الباب الخامس من أبواب الوضوء، ج44- 1.

33- الإسراء: 60.

34- الفتح: 27.

35- الأنفال: 43.

36- الشعراء: 193.

37- البقرة: 97.

38- النجم: 14- 4.

39- المجلسي، بحار الأنوار، 260- 18 الصدوق، كمال الدين 58 محمد هادي معرفة، التمهيد، 64- 1.

40- معرفة، التمهيد في علوم القران، 76- 1.

41- معرفة، التمهيد في علوم القران، 76- 1.

42- للمزيد راجع، جعفر مرتضى، الصحيح من سيرة النبي الأعظم، 380- 287- 2، ط. بيروت.