المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾(1).

﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إلى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾(2).

﴿هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾(3).

حسب القران عظمة وكفاه منزلة وفخراً أنه كلام اللّه العظيم، ومعجزة نبيّه الكريم، وأن اياته هي المتكفلة بهداية البشر في جميع شؤونهم وأطوارهم وفي جميع أجيالهم وأدوارهم، وهي الضمينة لهم بنيل الغاية لقصوى والسعادة الكبرى في العاجل والاجل.

هو كلام اللّه و"فضل كلام اللّه على سائر الكلام كفضل اللّه على خلقه"(4).

هو وصية الرسول (ص) الأولى والثقل الأكبر الذي خلّفه قائلاً: "إني تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علَيَّ الحوض"(5).

يصف عليّ (ع) كتاب اللّه ويبيّن منزلته حين يقول: "ثم أنزل عليه الكتابَ نوراً لا تُطفأ مصابيحُه، وسراجاً لا يخبو توقُّدُه، وبحراً لا يدركُ قعرُه، ومنهاجاً لا يُضِلّ نهجُه، وشعاعاً لا يُظِلم ضوؤه، وفرقاناً لا يخمدُ بُرهانُه، وتبياناً لا تهدم أركانه، وشفاءً لا تُخشى أسقامُه، وعزاً لا تُهزَم أنصارُه، وحقّاً لا تُخذَلُ أعوانُه.

فهو معدِن الإيمان وبحبوحته، وينابيع العلم وبحوره، ورياض العدل وغدرانه، وأثافيّ الإسلام وبنيانه، وأودية الحق وغيطانه، وبحرٌ لا ينَزفه المستنزفون، وعيون لا ينضبها الماتحون، ومناهل لا يغيضها الواردون، ومنازل لا يضلّ نهجَها المسافرون، وأعلامٌ لا يعمى عنها السائرون، واكامٌ لا يجوز عنها القاصد.

جعله اللّه رياً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاجَّ لطرق الصلحاء، ودواءً ليس بعده داء ونوراً ليس معه ظلمة، وحبلاً وثيقاً عروته، وتعقلاً منيعاً ذروته، وعزاً لمن تولاه، وسلماً لمن دخله، وهدىً لمن ائتم به، وعذراً لمن انتحله، وبرهاناً لمن تكلّم به، وشاهداً لمن خاصم به، وفلجاً لمن حاجّ به، وحاملاً لمن حمله، ومطية لمن أعمله، وايةً لمن توسّم، وجُنّة لمن استلأم، وعِلماً لمن وعى، وحديثاً لمن روى وحكماً لمن قضى"(6).

تعلم القران والعمل به

قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾(7).

الرسول (ص): "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللّه يتلون كتاب اللّه ويتدارسونه بينهم إلاّ نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة"(8).

علي (ع): "عليكم بالقران فاتخذوه إماماً قائداً"(9).

الصادق (ع): "ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتى يتعلّم القران أو يكون في تعلّمه"(10).

وعن الصادق (ع) أيضاً: "عليكم بتلاوة القران فإنّ درجات الجنة على عدد ايات القران فإذا كان يوم القيامة يقال لقارى‏ء القران إقرأ وارق فكلما قرأ اية رُقي درجة"(11).

وظاهر هذا الحديث وإن كان مطلق القراءة إلاّ أن ما ورد في حديث اخر أنه: " لا خير في قراءة ليس فيها تدبر"(12).

يدفعنا للاعتقاد بأن القراءة التي يرتقي بها القارى‏ء الدرجات هي القراءة الواعية التي تفتح للإنسان باباً على معارف القران ومكنونات علومه.

في حديث لزين العابدين (ع) أنه قال: " ايات القران خزائن فكلّما فتحتَ خزانة ينبغي لك أن تنظر ما فيها" (13).

معنى القرآن

القران في اللَّغة مرادف للقراءة، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَه ُ﴾، وهو مصدر على وزن كفران ورجحان وعمران، وصار إسماً أطلقه اللّه على كتابه.

ويقال للقران أيضاً: الفرقان وهو الذي يفرق بين الحق والباطل، وقيل هو كل أمر محكم في القرُ﴾ان، قال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾(14).

في الرواية عن الصادق (ع): "القران جملة الكتاب والفرقان المحكم الواجب العمل به"(15).

علوم القرآن

هي الأبحاث التي تدور حول القران الكريم من جميع جوانبه، ويدخل في ذلك: علم التفسير والتأويل، وعلم ايات الأحكام، وعلم الاعجاز، وعلم المكي والمدني، وعلم أسباب النزول، وعلم الناسخ والمنسوخ وعلم المحكم والمتشابه وعلم الاعراب وعلم البلاغة في القران وعلم الرسم القراني وعلم التجويد وعلم القراءات القرآنية وأمثال ذلك.

ولا يخفى وجه الحاجة إلى هذه الأبحاث القرانية الجليلة والتي أرتأت جمعية المعارف الإسلامية الثقافية أن تنشرها ضمن هذا الكتاب الواقع ضمن سلسلة الكتب الثقافية التي أخذت الجمعية على نفسها نشرها في المجتمع الإسلامي عسى أن تكون مورداً لإستفادة الدارسين ومحلاً لنيل مرضاة اللّه سبحانه وتعالى.

جمعية المعارف الاسلامية الثقافية


1- الأسراء: 9.

2- إبراهيم: 1.

3- ال عمران: 138.

4- المجلسي، بحار الأنوار، 6- 89.

5- الحديث متواتر رواه خمسة وثلاثون صحابياً راجع مصادره في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الأول والثاني.

6- الشريف الرضي: نهج البلاغة الخطبة 891. بحبوحته: وسطه، وأثافيّ: جمع أُثفيّة، وهي ما يوضع عليه القِدْر، فالمراد أنه قواعد الإسلام وبنيانه. غيطانه: المستقر من الأرض. الماتحون: الذين ينزحون الماء من البئر أو العين. لا يغيضها: لا ينضبها، غيض الماء: جفّ ونضب. معقلاً: ملجأ، ذروته: أعاليه. فلَجاً: الفلَج هو الظَفَر والغلبة، استلأم: لبس اللأمة أي الدرع، والجُنّة: الوقاية، فهو وقاء لمن أراد أن يدّرع ليقي نفسه الأخطار.

7- سورة محمد: 24.

8- ابن كثير، فضائل القران، ص15.

9- ري شهري، ميزان الحكمة 8, 8د.

10- الكليني، الكافي، 2-607.

11- الحر العاملي، وسائل الشيعة 189- 6 ط ال البيت.

12- الكليني، الكافي، 36- 1.

13- الكليني، الكافي، 60-9-2.

14- الفرقان، الاية/1.

15- الكليني، الكافي، 630- 2.