للمطالعة (ماعون آل محمد (ص))

فيما ينقل عن الإمامين الحسين بن عليّ والصادق صلوات الله وسلامه عليهما:

"أنّهما كانا يتصدّقان بالسُكَّر ويقولان إنّه أحبّ الأشياء إلينا وقد قال الله تعالى: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾"(1).

وفي الحديث عن أبي الطفيل قال: اشترى عليٌّ (ع) ثوباً فأعجبه فتصدّق به وقال: سمعت رسول الله (ص) يقول: "من آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة بالجنَّة ومن أحبَّ شيئاً فجعله لله قال الله تعالى يوم القيامة قد كان العباد يُكافئون فيما بينهم بالمعروف وأنا أكافيك اليوم بالجنَّة"(2).

واستضاف أبو ذرّ الغفاريّ ضيفاً فقال للضيف:

إنّي مشغول وإنَّ لي إبلاً فاخرج وأتني بخيرها.

فذهب فجاء بناقةٍ مهزولةٍ.

فقال له أبو ذرّ: خُنتني بهذه.

فقال: وجدتُ خير الإبل فحلَها فذكرت يوم حاجتكم إليه.

فقال أبو ذرّ: "إنَّ يوم حاجتي إليه ليوم أوضعُ في حُفرتي والله يقول: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾.

"وإنّ هذا الجمل كان ممّا أُحِبُّ من مالي فأحببت أن أقدِّمَه لنفسي"(3).

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره في بيان سرِّ من أسرار الصدقة:

لا بدَّ وأن نعرف بأنّ الإنسان قد نشأ وتربّى على حبّ المال والجاه والزخارف الدنيويّة. وقد انعكس هذا التعلّق على قلبه، فتعمَّق فيه وأضحى مصدراً لكثير من المفاسد الخلقيّة والسلوكيّة، بل الانحرافات الدينيّة. كما ورد في أحاديث كثيرة (4) وأشرنا إلى ذلك في غضون شرحنا لبعض الأحاديث (5). وعليه إذا استطاع الإنسان بواسطة الصدقات أو الإيثار على النفس أن يستأصل من قلبه هذا التعلّق أو يخفّف منه، لتمكّن من اجتثاث مادّة الفساد ومصدر الأعمال المشينة فترة حياته وفتح أبواب المعارف الإلهيّة، وعالم الغيب، والملكلوت، والملكات الفاضلة، على نفسه، وهذا من الأمور الهامّة في الإنفاق الماليّ الواجب والمتسحبّ وخاصّة في الإنفاق المستحبّ حيث لا بدَّ من الإقلاع عن التعلّق بالدنيا حتّى يتمّ البذل، وهو واضح.

إذن يتبيّن من كافّة الأخبار والأحاديث في هذا الموضوع أنّ الصدقة تشتمل على الفضائل الدنيويّة والأخرويّة حيث ترافق الإنسان من اللحظة الأولى من التصدّق فتدفع الشرّ والبلاء عن الإنسان حتّى يوم القيامة ومواقفها إلى أن تُدخل الإنسان إلى الجنّة وتسكنه جوار الحقّ سبحانه.

لا بدَّ أن نعرف بأنّ صدقة السرّ أفضل من الصدقة في العلن، كما ورد في الكافي الشريف بسنده إلى عمّار الساباطيّ عن الإمام الصادق (ع) قال: "يا عمّار الصدقة في السرّ واللهِ أفضلُ من الصدقة في العلانية وكذلك واللهِ العبادة في السِّرّ أفضل منها في العلانية"(6).


1- مجمع البيان، ج‏2، ص‏472، طباعة دار احياء التراث العربي.

2- م.ن.

3- م.ن، تفسير الآية 92 من سورة آل عمران.

4- أصول الكافي، ج‏2، ص‏ 315 كتاب الإيمان والكفر باب حبّ الدنيا والحرص عليها الأحاديث1/17.

5- الحديث 6، ص‏146 فصل في بيان سبب ازدياد حبّ الدنيا.

6- فروع الكافي، ج‏4، ص‏8 كتاب الزكاة باب فضل صدقة السرّ، الحديث 2.