الدرس الثاني عشر: سورة الماعون

أهداف الدرس:

-أن يحفظ الطالب سورة الماعون المباركة.

-أن يستذكر بعضاً من معاني مفرداتها.

-أن يتبيّن بعضاً من مفاهيمها.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾

شرح المفردات

1-الدّعّ: الردّ بعنف وجفاء.

2-يحضّ: "الحضّ" الترغيب.

3-ساهون: ناسون.

4-الماعون: كلّ ما يُعين في رفع حاجة من حوائج الحياة.

محتوى السورة وفضيلتها

هذه السورة على رأي أكثر المفسّرين مكيّة، وسياقها الّذي يتحدَّث عن القيامة وأعمال منكري القيامة بمقاطع قصيرة وقارعة يؤيّد ذلك.

السورة بشكل عامّ تذكر صفات وأعمال منكري القيامة في خمس مراحل.

فهؤلاء نتيجة لتكذيبهم بذلك اليوم، لا ينفقون في سبيل الله وعلى طريق مساعدة اليتامى والمساكين. ثمّ هم يتساهلون في الصلاة، ويُعرضون عن مساعدة المحتاجين.

وفي سبب نزول السورة قيل إنّها نزلت في أبي سفيان الّذي كان ينحر في اليوم اثنين من الإبل ويُطعم أصحابه، ولكنّ يتيماً جاءه يوماً يطلب منه شيئاً فضربه بعصاه وطرده.

وقيل إنّها نزلت في الوليد بن المغيرة، وقيل في العاص بن وائل(1) وفي أبي جهل وكفّار قريش(2).

وفي فضيلة تلاوة هذه السورة ورد عن الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليهما السلام أنّه قال: "من قرأ ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾ في فرائضه ونوافله قَبِلَ الله صلاته وصيامه ولم يحاسبه بما كان منه في الحياة الدنيا"(3).

في كنف السورة

السورة المباركة على صغرها تحمل معانيَ وأفكاراً ومفاهيم مهمَّة، منها:

خطورة التكذيب بالدِّين:

فسِّر الديِّن وهو التفسير غير المشهور باتّباع الملَّة أي ملّة الإسلام العظيم، وفسِّر وهو التفسير المشهور بيوم الدِّين أي يوم القيامة ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.

وعلى كلا التفسيرين فإنّ اللوازم المذكورة للتكذيب بالدِّين تصحّ، فالمكذِّب بالإسلام والكافر به، والمكذِّب بالآخرة، كلاهما يحملان صفات روحيّة وسلوكيّة قبيحة.

فهناك ارتباطٌ وثيق بين الاعتقاد من جهة والروحيّة والأخلاق والسلوك من جهة أخرى، فمن لا اعتقاد له بالله واليوم الآخر، تُلاحظ فيه سلوكيّات شاذّة، منها:

أ-يدعّ اليتيم:

والدعّ هو الردّ بعنف، وهذا أقصى مراتب قساوة القلب. فلا يكفي الكافر في بعض حالاته من عدم الإحسان إلى اليتيم، بل يترقّى إلى أذيّته بردِّه بعنف.

أمّا المسلم المؤمن بالله وبالآخرة فهو بخلاف ذلك، إنّه رحيم بالأيتام الّذين أوصى الإسلام العظيم بهم في وصايا كثيرة:

يقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾(4).

ويقول سبحانه: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى﴾(5).

إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.

وعن أمير المؤمنين (ع) في وصيّته قبل موته: "الله الله في الأيتام فلا تغبُّوا(6) أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم، فقد سمعت رسول الله (ص) يقول: من عال يتيماً حتّى يستغنيَ عنه أوجب الله عزَّ وجلَّ له الجنّة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار"(7).

عن أبي الدرداء قال: أتى النبيّ (ص) رجل يشكو قسوة قلبه.

فقال (ص): "أتحبّ أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟ إرحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك"(8).

ولقد ذمّ الإسلام آكلي أموال اليتامى: قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾(9).

عن رسول الله (ص): "شرّ المآكل أكل مال اليتيم"(10).

وعن أبي جعفر (ع) قال: "قال رسول الله (ص): يُبعث ناس من قبورهم يوم القيامة تأجّج أفواههم ناراً. فقيل له: يا رسول الله من هؤلاء؟ قال: الّذين يأكلون أموال اليتامى"(11).

وبعض الروايات يعلِّل حرمة أكل مال اليتيم:

عن الإمام الرضا (ع) فيما كتب من جواب مسائله: "حرّم أكل مال اليتيم لعلل كثيرة من وجوه الفساد. أوّل ذلك، إذا أكل مال اليتيم ظلماً فقد أعان على قتله إذ اليتيم غير مستغنٍ، ولا محتمل لنفسه، ولا قائم بشأنه، ولا له من يقوم عليه ويكفيه كقيام والديه، فإذا أكل ماله فكأنّه قد قتله وصيّره إلى الفقر والفاقة..."(12).

ب-لا يحضّ على طعام المسكين:

ومن صفات الكافر أنّه ليس لديه روح التعاون، فهو لا يحضّ على طعام المسكين، أي لا يرغِّب نفسه أو غيره على إطعام المسكين.

المدّعون للإسلام المتشبّهون بالكافرين

ثمّ تنتقل السورة إلى صنف من الناس تراهم في المجتمع الإسلاميّ، ويدّعون الإسلام، إلّا أنّ سلوكهم وأخلاقيّاتهم تشابه أخلاق الّذي يكذِّب بالدِّين، وهؤلاء تعرفهم من خلال بعض الصفات:

1-ساهون عن الصلاة مراؤون بها:

فهم غافلون عنها لا يهتمّون ولا يبالون أن تفوتهم بالكلّية، وبالإضافة للسهو عن الصلاة هناك سهو في الصلاة ينبغي أن يتجنّبه المؤمن.

فالسهو في موضوع الصلاة مراتب:

أ-تركها كلّيّة, كمن يدّعي الإسلام قولاً، وينكره بتركه للصلاة عملاً.

ب-الصلاة المرائية.

ج-التهاون بها وتضييعها وعدم الاهتمام بها، فهو يصلّي مرّة ويقطع عشراً.

د-عدم الخشوع فيها.

هـ-تأخيرها عن أوّل وقتها.

في تفسير القمّيّ في قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾، قال: نزلت في أبي جهل وكفّار قريش، وفي قوله: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾. قال: عنى به تاركون، لأنّ كلّ إنسان يسهو في الصلاة.

عن أبي عبد الله (ع): "تأخير الصلاة عن أوّل وقتها لغير عذر"(13).

وفي الخصال عن الإمام عليّ (ع) قال: "ليس عمل أحبّ إلى الله عزَّ وجلَّ من الصلاة فلا يشغلنّكم عن أوقاتها شي‏ء من أمور الدنيا فإنّ الله (عزَّ وجلَّ) ذمّ أقواماً فقال: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ أيعني أنّهم غافلون استهانوا بأوقاتها"(14).

وفي الإسلام توصيات كثيرة بالصلاة، فهي عمود الدين، والّتي إن قبلت قبل ما سواها وإن ردّت ردّ ما سواها، وأوّل شي‏ء يُسأل العبد عنه يوم القيامة، وهي قربان كلّ تقيّ.

عن الإمام زين العابدين (ع) في رسالة الحقوق: "فأمّا حقّ الصلاة فأن تعلم أنّها وفادة إلى الله وأنّك قائم بها بين يدي الله فإذا علمت ذلك كنت خليقاً أن تقوم فيها مقام الذليل، الراغب الراهب، الخائف، الراجي، المسكين، المتضرّع المعظّم من قام بين يديه بالسكون والإطراق وخشوع الأطراف ولين الجناح وحسن المناجاة له في نفسه والطلب إليه في فكاك رقبتك الّتي أحاطت بها خطيئتك واستهلكتها ذنوبك. ولا قوّة إلّا بالله"(15).

والإمام زين العابدين (ع) لم يكن متكلّماً بهذه الكلمات فحسب بل: "كان إذا قام إلى الصلاة تغيّر لونه فإذا سجد لم يرفع رأسه حتّى يرفض(16) عرقاً".

وفي حديث آخر: "كان عليّ بن الحسين إذا قام في الصلاة كأنّه ساق شجرة لا يتحرّك منه شي‏ء إلّا ما حرّكت الريح منه"(17).

هذه هي صلاة الأئمّة عليهم السلام، صلاتهم ليست كصلاة من روى عنه أبو جعفر (ع) حيث يقول: "بينما رسول الله (ص) جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلّي فلم يتمّ ركوعه ولا سجوده فقال رسول الله (ص): نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني"(18).

2-يمنعون الماعون:

ومن صفات تاركي الصلاة المتهاونين بها، صفة منع الماعون، والماعون: "كلّ ما يعين الغير في رفع حاجة من حوائج الحياة كالقرض تقرضه والمعروف تصنعه ومتاع البيت تعيره"(19) إلى غير ذلك.

عن أبي عبد الله (ع): "وقوله (عزّ وجلّ) ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ هو القرض تقرضه والمعروف تصنعه ومتاع البيت تعيره ومنه الزكاة"(20).

فالمسلم الحقيقيّ: هو الباذل المعطي الكريم المتصدِّق، هو صاحب روح معطاءة متعاونة، لا شحيحة بخيلة.

أنظروا إلى أئمّتكم قدوتكم عليهم السلام كيف كانوا: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا﴾(21).

حشرنا الله مع أئمّتنا، مع محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، والتسعة المعصومين من ذريّة الحسين عليهم السلام، وجعلنا الله من المقتدين بهم، فمن اقتدى بهم ربح، ومن تخلّف عنهم خسر.

خلاصة الدّرس

-تذكر سورة الماعون المباركة بعضاً من صفات وأعمال منكري يوم القيامة.

-من مفاهيم هذه الصورة: خطورة التكذيب بالدِّين ويتميّز صاحبه بأنّه يردّ اليتيم بعنف ولا يدعو لإطعام المساكين.

-ثمّ تنتقل السورة للحديث عن المدّعين للإسلام قولاً المشابهين للكافرين فعلاً، الساهين عن الصلاة التاركين لها، ومن صفاتهم أنّهم يمنعون الخير عن الآخرين.

أسئلة

1-اذكر حديثاً حول فضل قراءة هذه السورة.

2-ما المراد بقوله "يدعّ‏"؟

3-اذكر آية تدلّ على أنّ الإحسان إلى اليتيم من صفات المؤمنين.

4-كيف يتحقّق السهو عن الصلاة؟


1- الأمثل، ج‏20، ص‏439.

2- الميزان، ج‏20، ص‏368.

3- مجمع البيان، ج‏10، ص‏546.

4- سورة البقرة، الآية:83.

5- سورة البقرة، الآية:177.

6- أغبّ القوم: جاءهم يوماً وترك يوماً، أي لا تجوّعوهم بأن تطعموهم غبّاً.

7- فروع الكافي، ج‏7، ص‏11.

8- ميزان الحكمة، الريشهري، مج‏10، ص‏765.

9- سورة النساء، الآية:10.

10- ميزان الحكمة، مج‏10، ص‏766.

11- م.ن،.

12- م.ن، مج‏10، ص‏767.

13- تفسير الميزان، الطباطبائي، ج‏21، ص 368 ـ 369.

14- تفسير الميزان، الطباطبائي، ج‏21، ص 368 ـ 369.

15- رسالة الحقوق، للإمام زين العابدين، حقّ الصلاة.

16- يرفض عرقاً: يسيل عرقه ويجري.

17- بحار الأنوار، ج‏46، ص‏64.

18- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج‏3، كتاب الصلاة، باب 8 من أبواب اعداد الفرائض حديث 2.

19- تفسير الميزان، الطباطبائي، ج‏20، ص‏268.

20- م.ن، ص‏269.

21- سورة الإنسان، الآيتان: 8 ـ 9.