للمطالعة (المفاسد الاجتماعية للغيبة)
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره:
إنّ هذه المعصية الكبيرة وهذه الجريرة العظيمة، من المفسدات للإيمان والأخلاق والظاهر والباطن، وهي تدفع بصاحبها إلى الفضيحة في الدنيا والآخرة... وتشتمل هذه الرذيلة على مفاسد اجتماعيّة ونوعيّة أيضاً. ولهذا يكون فسادها وقبحها أعظم من كثير من المعاصي.
إنّ من الأهداف الكبيرة للشرائع الإلهيّة والأنبياء العظام سلام الله عليهم: توحيد الكلمة وتوحيد العقيدة والاتّفاق في الأمور الهامّة، والحدّ من ظلم الجائرين الباعث على فساد بني الإنسان، ولا يتحقّق هذا الهدف الكبير المصلح للمجتمع والفرد إلّا في ظلّ وحدة النفوس واتّحاد الهمم والتآلف والتآخي، والصداقة القلبيّة والصفاء الباطنيّ والظاهريّ، وتربية أفراد المجتمع على نمط يساهم في جعلهم كشخص واحد، ويحوّل المجتمع إلى فرد، ويجعل الأفراد بمنزلة الأعضاء والأجزاء لذلك الفرد ومن ثمّ ما تدار كافّة الجهود والمساعي حول الهدف الإلهيّ الكبير، والأمر الهامّ وهو الوحدة والأخوّة الذي فيه مصلحة الفرد والمجتمع. ولو أنّ مثل هذه الوحدة والأخوّة ظهرت في طائفة أو نوع، لتغلّبوا على جميع الطوائف والأمم الّتي لا تحظى بالأخوّة والوحدة كما يتّضح ذلك من مراجعة التاريخ وخاصّة دراسة الحروب الإسلاميّة وفتوحاته العظيمة، حيث تمتّع المسلمون لدى بزوغ فجر الإسلام، بشيء من الوحدة والاتّحاد، واقترنت مساعيهم بشيء من الخلوص في النيّة، فحقّقوا في فترة قصيرة إنجازات عظيمة، وهزموا القوى الجبّارة آنذاك المتمثّلة في الفرس والروم وانتصروا رغم قلّة عددهم وعُدّتهم على الجيوش المدجّجة بالسلاح وعلى المجتمعات الكبيرة.
إنّ نبيّ الإسلام (ص) قد أجرى عقد الأخوّة في الأيّام الأولى بين المسلمين فسادت الأخوّة حسب الآية الكريمة: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ...﴾(1)، بين جميع المؤمنين.
وفي الكافي عن شعيب العقرقوفي قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول لأصحابه: "اتّقوا الله وكونوا إخوة بررةً في الله متواصلين متراحمين، تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا وأحيوه"(2).
وعن أبي عبد الله (ع) قال: "يحقّ على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون على التعاطف والمواساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض حتّى تكونوا كما أمركم الله (عزَّ وجلَّ) ﴿رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾"(3).
وعنه (ع): "تواصلوا وتبارّوا وتراحموا وكونوا إخوة بررةً كما أمركم الله عزَّ وجلَّ"(4).
ومن المعلوم أنّه كلّ ما يبعث على ازدياد هذه الصفات، يكون محبوباً ومرغوباً فيه وكلّ ما ينقض هذه الأخوّة ويفرط عقد التواصل ويدفع نحو التمزّق، يعتبر مبغوضاً عند صاحب الشريعة ومناقضاً لأهدافه الكبيرة. ومن الواضح لدى الجميع بأنّ هذه المعصية الكبيرة الخطيرة ـ الغيبة ـ إذا أشيعت في المجتمع، غرست شجرة النفاق فيه، وضعضعت وحدة المجتمع وتضامنه، ووهن أساس الديانة، وفي النهاية تزداد في المجتمع القبائح والمفاسد.
فيجب على كلّ مسلم غيور ملتزم، لصيانة نفسه من الفساد، وأهل دينه من النفاق وللمحافظة على المجتمع الإسلاميّ ووحدته ولتحكيم عقد الأخوّة أن يبتعد عن هذه الرذيلة، ويمنع المغتابين من هذه الموبقة القبيحة، ويتوب إلى الله من هذا العمل الكريه، إذا كان مبتلىً به، ويسترضي من اغتابه. وإذا أمكن من دون أن يفضي إلى مشكلة استحلّه، وإلّا استغفر له وتخلّى عن هذه الخطيئة، وأنعش من جديد في قلبه جذور الصداقة والاتّحاد، حتى يصبح من الأعضاء الصالحين في المجتمع وينقلب إلى جزء هام في عجلة الإسلام واللّه الهادي إلى سبيل الرشاد.
1- سورة الحجرات، الآية:10.
2- أصول الكافي، ج2، ص175 -كتاب الإيمان والكفر، باب التراحم والتعاطف- ح1.
3- م.ن، الحديث 14.
4- م.ن، الحديث 2.