الدرس الحادي عشر: سورة الهُمَزَة

أهداف الدرس:

-أن يحفظ الطالب سورة الهُمَزة المباركة.

-أن يستذكر بعضاً من معاني مفرداتها.

-أن يتبيّن بعضاً من مفاهيمها.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ﴾

شرح المفردات

1-الهُمَزة: الّذي يعيبك بظهر الغيب.

2-اللُّمَزة: الّذي يعيبك في وجهك.

3-لينبذنّ: ليقذفنّ.

4-الحطمة: اسم من أسماء جهنّم.

5-الأفئدة: القلوب.

6-مؤصدة: مطبقة.

محتوى السورة وفضيلتها

هذه السورة، وهي من السور المكّية، تتحدّث عن أناس جعلوا كلّ همّهم لجمع المال، وحصروا كلّ قيم الإنسان الوجوديّة في هذا الجمع، ثمّ هم يسخرون من

الّذين لا يملكون المال وبهم يستهزئون، ومنهم الوليد بن المغيرة، والأخنس بن شريق، وأميّة بن خلف.

هؤلاء الأثرياءُ المستكبرون والمغرورون أسكرهم الطغيان فراحوا يستهينون بالآخرين ويعيبونهم ويتلذّذون بما يفعلون من غيبة واستهزاء.

السورة تتحدّث في النهاية عن المصير المؤلم الّذي ينتظر هؤلاء، وكيف أنّهم يُلقون في جهنّم صاغرين، وأنّ نار جهنّم تتّجه بلظاها أوّلاً إلى قلوبهم المليئة بالكبر والغرور، وتحرقها بالنار.

وفي فضيلة هذه السورة ورد عن النبيّ (ص) قال: "من قرأ سورة الهُمّزة أُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من استهزأ بمحمّد وأصحابه"(1).

وعن الإمام الصادق (ع) قال: "من قرأ ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ﴾ في فرائضه، أبعد الله عنه الفقر وجلب عليه الرزق ويدفع عنه ميتة السوء"(2).

في كنف السورة

السورة المباركة تورد صفات عديدة لصنف من الناس. هذه الصفات مذمومة، لما لها من آثار سلبيّة على الفرد والمجتمع.

1- الهمز واللمز:

قال الشيخ الطبرسي في مجمع البيان:

الهمزة: الكثير الطعن على غيره بغير حقّ، العائب له بما ليس بعيب...

واللمز: العيب أيضاً.

وقيل: بينهما فرق فإنّ الهمزة: الّذي يعيبك بظهر الغيب، واللمزة: الّذي يعيبك في وجهك...

وقيل: الهمزة: الّذي يؤذي جليسه بسوء لفظه، واللمزة الّذي يكسر عينه على جليسه ويشير برأسه ويومي بعينه...(3).

وفي الحقيقة إنّ هاتين الصفتين أكثر ما تنبثقان من اللسان، الّذي إذا أُسي‏ء استعماله أدّى بالإنسان الفرد والمجتمع إلى عواقب وخيمة.

وهذا ما حذّر منه رسول الله (ص)، حيث حمَّل اللسان من الأوزار والعذاب ما لم يحمِّله لغيره من جوارح البدن فقال (ص):

"يعذِّب الله اللسان بعذاب لا يُعذّب به شيئاً من الجوارح فيقول: أي ربّ عذّبتني بعذاب لم تعذّب به شيئاً. فيقال له: خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها، فسُفك بها الدم الحرام وانتُهب بها المال الحرام وانتُهك بها الفرج الحرام، وعزّتي وجلالي لأعذّبنّك بعذاب لا أعذّب به شيئاً من الجوارح..."(4).

ولخطورة موقع اللسان في حياة الإنسان فرداً ومجتمعاً، وردت الوصايا الإسلاميّة الكثيرة، في تهذيب اللسان.

فهذا القرآن الكريم يقارن بين الكلمة الطيّبة والكلمة الخبيثة قائلاً:

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ﴾(5).

وروي عن الإمام زين العابدين (ع) قوله في رسالة الحقوق حول حقّ اللسان:

"وأمّا حقُّ‏ اللسان فإكرامه عن الخنى(6) وتعويده على الخير وحمله على الأدب وإجمامه(7) إلّا لموضع الحاجة والمنفعة للدِّين والدُّنيا، وإعفاؤه عن الفضول الشنعة القليلة الفائدة الّتي لا يُؤمن ضررها مع قلّة عائدتها، ويعدُّ شاهد العقل والدليل عليه، وتُزيّن العاقل بعقله حُسنُ سيرته في لسانه ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم"(8).

وللّسان قبائح منها:

1- الفحش والبذاءة:

روي عن رسول الله (ص): "إنّ من أشرّ عباد الله من تُكره مجالسته لفحشه"(9).

وعنه (ص): "إذا رأيتم الرجل لا يبالي ما قال ولا ما قيل له فهو شرك شيطان"(10).

وفي حديث عنه (ص): "إنّ الله حرّم الجنّة على كلّ فحّاش بذي‏ء، قليل الحياء، لا يُبالي ما قال ولا ما قيل له، فإنّك إن فتّشته لم تجده إلى لغية أو شرك شيطان. قيل يا رسول الله وفي الناس شرك شيطان؟ فقال رسول الله (ص): أما تقرأ قول الله عزَّ وجلّ‏َ:

﴿.. وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ...﴾(11)"(12).

وعن أبي عبد الله (ع): "إنّ الفحش والبذاءة والسلاطة من النفاق"(13).

2- الغيبة:

وهي ذكرك أخاك بما يكره في غيبته. وقد ورد الكثير من النصوص الإسلاميّة حول قبحه، ويكفيك قول الله تعالى: ﴿... وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ﴾(14).

3- البهتان:

وهو ذكرك أخاك بما ليس فيه، وهو أشدّ قبحاً من الغيبة، ويعدّ البهّات من شرار الرجال، كما ورد عن الرسول (ص): "ألا أخبركم بشرار رجالكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله، فقال: إنّ من شرار رجالكم البهّات الجريء الفحّاش..."(15).

4- الاستهزاء:

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾(16).

5-النميمة والفتنة:

وهي أن تخبر شخصاً خبراً، لتفسد علاقته مع أخيه أو صديقه.

6-الكذب:

وهو الإخبار بغير الواقع، عن أبي جعفر (ع) قال:"إنّ الكذب هو خراب الإيمان"(17).

الحلّ: ممّا يساعد على تغيير اللسان: العادة، يقول الشاعر:

"عوِّد لسانك قول الحقّ تحظَ *** به إنّ اللسان لما عوّدت معتاد"

ويجمع الجميع صفتا الهمز واللمز، اللذين يكشفان عن باطن خبيث للإنسان الذي يتّصف بهما، فالإناء بالذي فيه ينضح، وأكثر ما ترى قبح اللسان في الكافرين.

2- حبّ المال:

الصفة الثانية التي ذكرتها الآية الكريمة، حبّ المال. وهنا نقف قليلاً حول هذه الصفة.

فبشأن المال والثروة، اختلفت وجهات نظر الناس بين إفراط وتفريط، بعضهم أسبغ على المال أهميَّة فائقة فجعله مفتاح حلّ كلّ المشاكل، وإلى ذلك ذهب الشاعر في قوله:

فصاحة سليمان وخطّ ابن مقلة *** وحكمة لقمان وزهد ابن أدهم‏

إذا اجتمعت في المرء والمرء مفلس *** فليس له قدر بمقدار درهم‏

ولذلك فإنّ دأب هؤلاء الأفراد جمع المال، ولا يدّخرون وسعاً على هذا الطريق، ولا يتقيّدون بقيد، ولا يهتمّون بحلال أو حرام، بهمز أو بلمز، بكذب أو بهتان، المهمّ عندهم تعداد الأموال. وهذه الصفة أكثر ما توجد في الكافرين.

ومقابل هذه المجموعة هناك من لا يعير أية أهميّة للمال والثروة، يمتدحون الفقر، ويشيدون به، ويرون في المال عائقاً للتقوى والقرب الإلهيّ، كبعض المتصوِّفة ومن سلك مسلك الرهبانيّة.

وإزاء ذاك الإفراط وهذا التفريط، يقف الإسلام وسطاً ويبيّن أنّ المال مطلوب ولكن بشروط:

أوّلها: أن يكون وسيلة لا غاية.

ثانيها: أن لا يكون الإنسان له أسيراً، بل أن يكون عليه أميراً.

ثالثها: أن يأتي بالطرق المشروعة (لا بالكذب والبهتان، والغشّ والخداع) وأن ينفق في سبيل رضا الله تعالى.

فالرغبة في هذا المال ليست دائماً دليلاً على حبّ الدنيا.

3- توهّم باطل:

من الصفات الّتي ذكرتها السورة الكريمة، أنّ هذا الصنف من الناس يعيش الأوهام الباطلة، لا الحقائق الناصعة، فيحسب أنّ المال الّذي يجمعه هو الّذي سيخلّده في الدنيا.

هذا الصنف من الناس حيث لم يلجأ إلى ركن وثيق، إلى خالق الكون، ربّ العالمين، فإنّه يتمسَّك بأيّ شي‏ء ليوهم نفسه أنّه سيعيش إلى الأبد، وما هو بمزحزحه من العذاب:

﴿كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ﴾.

خلاصة الدرس

-تتمحور سورة الهُمَزة المباركة حول الحديث عن أناس كرّسوا حياتهم لجمع المال وجعلوه ميزاناً للتفاضل.

-تورد السورة الكريمة صفاتاً متعدّدة لهؤلاء منها الهمز واللمز الذي يخرج عن لسان الإنسان تجاه غيره وله مصاديق قبيحة كالفحش والغيبة والبهتان والاستهزاء والنميمة والكذب.

-لا ينبغي للإنسان أن يكون أسيراً للمال، سالكاً السبل المحرّمة في جمعه، ولا ينبغي له ترك طلب الرزق والمال من الله تعالى وبما أحلّه الله فبه يحفظ الإنسان وجهه عن التبذّل للآخرين.

-إنّ نهاية المتعلّق بأوهام الدنيا المعتبِر بأنّ المال غاية المنى ومنتهى الرجاء ستكون مؤلمة وقاسية بنار موقدة لا تحرق الجلود فحسب بل تصل إلى الأفئدة.

أسئلة

ا-ما المراد من الهُمَزة واللُّمزة؟

2-ما هو موقف الإسلام من جمع المال؟

3-اذكر حديثاً يشير إلى خطورة اللسان.

4-ما هي شروط جمع المال الصحيح؟

5-ما هو التوهُّم الباطل الّذي يعيشه محبّ المال؟


1- مجمع البيان، ج‏10، ص‏536.

2- ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق، ص126.

3- نقله عن المجمع، تفسير الميزان، ج‏20، ص‏358.

4- بحار الأنوار، ج‏68، ص‏304.

5- سورة إبراهيم، الآيات: 24 ـ 26.

6- الخنى: الفحش في الكلام.

7- إجمامه: إراحته.

8- تحف العقول، الحرّاني، ص256.

9- م.ن، ح‏8.

10- م.ن، ح‏1.

11- سورة الإسراء، الآية:64.

12- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص323.

13- وسائل الشيعة، ج‏11، كتاب الجهاد، باب 71 من أبواب جهاد النفس، حديث 3.

14- سورة الحجرات، الآية:12.

15- الكافي، ج2، ص292.

16- سورة الحجرات، الآية:11.

17- الكافي، الكليني، ج2، ص338.