للمطالعة (وصية النبي (ص) لأمير المؤمنين (ع))
كان في وصيّة النبيّ (ص) لعليّ(1) (ع) أن قال: "يا عليّ أوصيك في نفسك بخصالٍ فاحفظها عنّي".
ثمَّ قال (ص): "اللهمّ أعِنه".
أمّا الأولى: فالصدق ولا يخرجنَّ من فيك كذبة أبداً.
والثانية: الورع ولا تجترئ على خيانةٍ أبداً.
والثالثة: الخوف من الله عزَّ ذكره كأنّك تراه.
والرابعة: كثرة البكاء من خشية الله تعالى، يُبنى لك بكلّ دمعة ألف بيت في الجنّة.
والخامسة: بَذْلَك مالك ودمك دون دينك.
والسادسة: الأخذ بسنّتي في صلاتي وصومي وصدقتي.
"أمّا الصلاة فالخمسون ركعة وأمّا الصيام فثلاثة أيّام في الشهر الخميس في أوّله والأربعاء في وسطه والخميس في آخره، وأمّا الصدقة فجهدك حتّى تقول قد أسرفت ولم تسرف، وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الزوال وعليك بصلاة الزوال وعليك بصلاة الزوال، وعليك بتلاوة القرآن على كلّ حالٍ، وعليك برفع يديك في صلاتك وتقليبهما. وعليك بالسواك عند كلّ وضوء وعليك بمحاسن الأخلاق فارتكبها ومساوئ الأخلاق فاجتنبها فإن لم تفعل فلا تلومَنَّ إلا نفسك".
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره في معرض شرحه لهذه الوصيّة المحمّديّة:
يتّضح من نواحٍ عديدة من هذا الحديث الشريف أنّ هذه الوصايا الّتي أوصى بها رسول الله (ص) مولانا أمير المؤمنين (ع) كانت عنده صلوات الله وسلامه مهمّة جدّاً، وهذه النواحي هي:
إحداها: توجيه الوصيّة نحو أمير المؤمنين (ع) مع أنّه سلام الله عليه أسمى من أن يتساهل في الأحكام الشرعيّة والأوامر الإلهيّة ولكنّ هذه الأمور لدى رسول الله (ص) كانت هامّة جدّاً فلم يُحجم عن الوصيّة بها.
ومن المتعارف أنّ رسول الله (ص) لا يوصي بشيء إلّا وقد كان يعتني به ويراه مهمّاً. فلأجل اظهار أهميّته يوصي به حتّى لمن يعرف أنّه لا يتهاون به.
أمّا احتمال أنّه (ص) قد أوصى لأمير المؤمنين (ع) حتّى يُفهم الآخرين من قبيل "إيّاك أعِني واسمعي يا جارة" فهو بعيد لأنّ سياق الحديث يشهد بأنّ الخطاب متوجّه نحو الإمام عليّ (ع) وأنّه المقصود مباشرة كما يستفاد من كلمة "في نفسك" و"إحفظها" و"اللّهمّ أعِنه".
ثمّ إنّ مثل هذه الوصايا كانت متداولة بين الكبار من الناس وبين الأئمّة الأطهار عليهم السلام من وصيّة بعضهم البعض الآخر.
وكان الظاهر من سياق كلّ واحدة من مثل هذه العبارات الّتي وردت من إمام لإمام آخر عليهما السلام هو الإمام المخاطب بنفسه.
كما ورد في إحدى وصايا الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) إلى ولديه الحسن والحسين عليهما السلام:
"أوصيكما وأهل بيتي ومن بلغه كتابي".
ومن المعلوم أنّ الحسنين عليهما السلام كانا داخلين في هذه الوصيّة. وتكشف هذه الوصايا عن شدّة اهتمام وتعلّق المعصومين بعضهم ببعض. وعلى أيّ حال إنّ كون الإمام أمير المؤمنين (ع) مخاطَباً بالوصيّة يكشف عن عظمة الوصية وأهميّتها.
ثانيتها: إنّ رسول الله (ص) أكّد على هذه الوصيّة بهذا المستوى من التأكيد للإمام عليّ بن أبي طالب (ع) رغم أنّه لن يتجاوز وصيّة رسول الله (ص) قيد أنملة ولن يبد تجاهها وهناً ولا فتوراً.
ثالثتهما: نبّه رسول الله (ص) عليّاً (ع) بعد أن قال: "يا عليّ أوصيك".
على أهميّة الوصيّة قائلاً: "فاحفظها عنّي".
ولمّا تمنّى رسول الله (ص) أن يأتي بهذه الوصايا المهمّة دعا له قائلاً: "اللهمّ أعِنه".
وهكذا بقيّة التأكيدات، الّتي وردت في كلّ واحدة من هذه الجمل بصورة مستقلّة مثل نون التوكيد، تكرار الوصيّة وغير ذلك ممّا لا نحتاج إلى تعداده.
إذاً يُعلم أنّ هذه الوصايا من الأمور الهامّة. ومن الواضح أنّه لا يعود في جميع هذه الوصايا بالفائدة على رسول الله (ص) وإنّما تعود المنفعة إلى المخاطب. والإمام (ع) وإن كان هو المخاطب بالأصالة ولكنّ التكاليف عامّة ومشتركة بين الجميع، حيث لا تعطّل برحيل المخاطب بل إنّها متواصلة مع الأجيال.
ولا بدَّ من معرفة أنّ شدّة تعلّق رسول الله (ص) بالإمام عليّ (ع) تبعث على الفائدة الكبيرة لهذه الوصايا التي بُينتْ بهذا الأسلوب وعلى أهميّتها الكبيرة والله العالم.
1- روضة الكافي، ص79، الحديث33.