الدرس العاشر: سورة العصر
أهداف الدرس:
-أن يحفظ الطالب سورة العصر المباركة.
-أن يستذكر بعضاً من معاني مفرداتها.
-أن يتبيّن بعضاً من مفاهيمها.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
شرح المفردات
1-العصر: هو الطرف الأخير من النهار أو هو الزمان.
2-خُسر: خيبة.
3-الحقّ: ما أرشد إليه دليل قاطع أو عيان ومشاهدة.
محتوى السورة وفضيلتها
المعروف أنّ هذه السورة مكيّة واحتمل بعضهم أنّها مدنيّة، ويشهد على مكّيتها لحنها ومقاطعها القصيرة.
بلغت شموليّة هذه السورة درجة حَدَت ببعض المفسرين إلى أن يرى فيها خلاصة كلّ مفاهيم القرآن وأهدافهن وبعبارة أخرى: هذه السورة رغم قصرها تُقدّم المنهج الجامع والكامل لسعادة الإنسان.
تبدأ السورة من قَسَمٍ عميق المحتوى بالعصر. وسيأتي تفسيره، ثمّ تتحدّث عن خُسران كلّ أبناء البشر باستثناء مجموعة واحدة ذات منهج له أربعة أصول: الإيمان، والعمل الصالح والتواصي بالحقّ والتواصي بالصبر. وهذه الأصول الأربعة هي في الواقع المنهج العقائديّ والعمليّ الفرديّ والاجتماعيّ للإسلام.
في فضيلة هذه السورة ورد عن الإمام الصادق (ع) قال:
"من قرأ سورة ﴿وَالْعَصْرِ﴾ في نوافله بعثه الله يوم القيامة مشرقاً وجهه ضاحكاً سنّه، قريرة عينه حتّى يدخل الجنّة"(1).
وواضح أنّ كلّ هذه الفضيلة وهذه البشرى نصيب من طبّق الأصول الأربعة المذكورة في حياته، لا أن يقنع فقط بقراءتها.
في كنف السورة
1- العصر وأهميَّة الزمن:
العصر في الأصل الضغط، وإنّما أطلق على وقت معيّن من النهار لأنّ الأعمال فيه مضغوطة، ثمّ أطلقت الكلمة على مطلق الزمان ومراحل تاريخ البشريّة، أو مقطع زمنيّ معيّن، كأن نقول عصر الجاهليّة أو عصر الإسلام. ولذلك ذكر المفسّرون في معنى العصر احتمالات كثيرة، نذكر منها:
1-قيل: إنّه وقت العصر من النهار.
2-إنّه كلّ الزمان وتاريخ البشريّة المملوء بالدروس والعبر.
3-إنّه مقطع خاص من الزمن مثل عصر البعثة النبويّة المباركة، أو عصر قيام المهديّ المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
ومهما يكن من شيء، فإنّ الله سبحانه وتعالى يقسم كثيراً بالزمان، كما في قوله تعالى: ﴿وَالضُّحَى﴾. في سورة الضحى، الآية: 2.
وفي قوله تعالى: ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ﴾. في سورة المدّثّر، الآية: 34.
وما تلك الأقسام بالزمان إلّا للإشارة إلى أهميَّة الزمان والعُمر في حياة الإنسان، فعليه أن يعرف جيّداً كيف يستغلّ عمره في الانتفاع لدنياه وآخرته، ولا يقتله في مضرّة دنياه وآخرته. وإذا تطلّع الإنسان إلى الزمان الّذي يعيشه لرآه قصيراً جدّاً، إلّا أنّ غفلة الإنسان عن الآخرة، توهمه أنّه سيعيش إلى الأبد.
لو عرف الإنسان كيف تتبدّل خلايا جسده، وكيف يستهلك كلّ يوم آلاف الخلايا من مخّه، دون أن يستعيض عنها شيئاً، وكيف يتسارع ما حوله من أشياء في سبيل الفناء، لو عرف الإنسان أنّ عمره بالقياس إلى عمر الأرض الّتي يعيش عليها اليوم يكاد لا يكون شيئاً مذكوراً، ولو عرف أنّ العمر الّذي فات لا يعود، فما فات فات، واليوم الّذي أنت فيه سيفوت، ولو عرف أنّه مسؤول عن هذا العمر الّذي سيعيشه: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾(2).
وعن رسول الله (ص): "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن حبّنا أهل البيت"(3)، لو عرف كلّ ذلك، لاستغلّ كلِّ ثانية بل كلّ جزء ثانية في رضا الله تعالى، ولما خسر عمره.
2-﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾: هذا جواب القسم.
والمعنى: إنّه لفي نقصان، لأنّ عمره ينقص كلّ يوم، وهو رأس ماله، فإذا ذهب رأس ماله، ولم يكتسب به الطاعة، يكون على نقصان طول دهره وخسران، إذ لا خسران أعظم من استحقاق العقاب الدائم.
﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾: استثنى من جملة الناس المؤمنين المصدّقين بتوحيد الله، العاملين بطاعة الله.
﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾: أي وصّى بعضهم بعضاً باتباع الحقّ، واجتناب الباطل.
﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾: أي وصى بعضهم بعضاً بالصبر على تحمّل المشاقّ في طاعة الله، وبالصبر عن معاصي الله، وبالصبر على امتحان الله وبلاءه.
إنّ أعظم ما في الإنسان، وأهمّ ما أنعم الله به على الإنسان هو أنّه تعالى أعطاه القدرة الكافية الوافية على أن يكون ملاكاً أو شيطاناً، رابحاً أو خاسراً، وأنّه، جلّت حكمته، جعل الحريّة له وحده في أن يختار لنفسه ما يشاء من الشقاء والخسران، والربح والسعادة، وأنّ الله يعامله بما يختاره لنفسه ربحاً أو خسراناً بعد أن هداه النجدين.. وأيّ فضل أعظم من هذا الفضل، وعدل أعظم من هذا العدل؟
والخلاصة أنّ إيمان هؤلاء وتواصيهم بالحقّ والصبر ينتج عنه خروجهم من دائرة الخسران التي تحيط بالأعمّ الأغلب من بني الإنسان، ثمّ هم بعد ذلك في أعظم ربح وزيادة، يربحون الثواب باكتساب الطاعات، وإنفاق العمر فيها، فكأنّ رأس مالهم باق، كما أنّ التاجر إذا خرج رأس المال من يده، وربح عليه، لم يعد ذلك ذهاباً.
وفي هذه السورة أعظم دلالة على إعجاز القرآن. ألا ترى أنّها مع قلّة حروفها، تدلّ على جميع ما يحتاج الناس إليه في الدين، علماً وعملا. وفي وجوب التواصي بالحقّ والصبر إشارة إلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعاء إلى التوحيد والعدل، وأداء الواجبات، والاجتناب عن القبائح.
3- حتّى لا تكون من الخاسرين:
إنّ السعادة الأخرويّة (والدنيويّة طبعاً) هي في الإيمان بالله وبأنبيائه ورسول الله (ص) وتعاليمه واليوم الآخر والثواب والعقاب، ليس الإيمان فحسب، بل العمل الصالح أيضاً.
لذلك يقول تعالى في سورة أخرى:
﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾(4).
جاء في تفسير مجمع البيان وتفاسير أخرى، أنّ المسلمين وأهل الكتاب كانوا يتفاخرون بعضهم على بعض، فكان أهل الكتاب يتباهون بكون نبيّهم قد بعث قبل نبيّ الإسلام وأنّ كتابهم أسبق من كتاب المسلمين، بينما كان المسلمون يفتخرون على أهل الكتاب بأنّ نبيّهم هو خاتم الأنبياء عليهم السلام، وأنّ كتابه هو آخر الكتب السماويّة وأكمَلَها.
وفي رواية أخرى:
أنّ اليهود كانوا يدّعون أنّهم هم شعب الله المختار، وأنّ نار جهنّم لا تمسّهم إلّا أياماً معدودة كما ورد في سورة البقرة، الآية: 80: ﴿وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً...﴾.
وأنّ المسلمين كانوا يقولون، ردّاً على اليهود، أنّهم هم خير الأمم، لأنّ الله قال في شأنهم:
﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ...﴾(5).
ولذلك نزلت الآيتان 123 و 124 من سورة النساء، ودحضت كلّ تلك الدّعاوى وحدّدت قيمة كلّ شخص بما يقوم به.
فليست قيمتك أيّها المسلم في أنّك تنتمي إلى الإسلام على المستوى الإسميّ فحسب، إنّما قيمتك عند الله فيما تعمل في هذه الحياة وتلتزم وتطبّق من هذا الإسلام العزيز.
خلاصة الدرس
-اعتبر بعض المفسّرين أنّ هذه السورة المباركة فيها خلاصة كلّ مفاهيم القرآن وأهدافه إذ تقدّم منهج السعادة الكامل للإنسان.
-على الإنسان أن يستغلّ عمره فيما ينفع في الدنيا والآخرة.
-إنّ طول الأمل مرتبط بالخسران للعمر الناتج عن التقصير في العمل.
-حتّى لا نكون من الخاسرين: لا بدّ من الإيمان المقترن بالعمل الصالح، وأن نوصي بعضنا بالحقّ والصبر.
أسئلة
1-اذكر حديثاً حول فضل هذه السورة.
2-كيف تتصوَّر أهميّة الزمن؟
3-اذكر حديثاً يشير إلى خطورة طول الأمل.
4-ما هو علاج طول الأمل؟
1- مجمع البيان، ج10، ص545.
2- سورة الصافات، الآية:24.
3- بحار الأنوار، ج7، ص258.
4- سورة النساء، الآيتان: 123 ـ 124.
5- سورة آل عمران، الآية:110.