للمطالعة (الاستعاذة)

قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ﴾(1).

من الآداب المهمّة للقراءة وخصوصاً القراءة في الصلاة الّتي هي السفر الروحانيّ إلى الله والمعراج الحقيقيّ ومرقاة وصول أهل الله، الاستعاذة من الشيطان الرجيم الّذي هو شوكة طريق المعرفة ومانع السير والسلوك إلى الله، كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن قوله في السورة المباركة الأعراف حيث قال: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾(2) ولا يحصل الأمان من شرّه من دون الاستعاذة بحصن الألوهيّة الحصين، ولا تتحقّق هذه الاستعاذة بلقلقة اللّسان، والصورة بلا روح، والدنيا بلا آخرة، كما هو مشهود في أشخاص قالوا بهذا القول منذ أربعين أو خمسين سنة وما نجوا من شرّ هذا القاطع للطريق ويتبعون الشيطان في الأخلاق والأعمال بل في العقائد القلبيّة. ولو كنّا مستعيذين من شرّ هذا الخبيث بالذّات المقدّسة للحقّ تعالى وهو الفيّاض المطلق وصاحب الرحمة الواسعة والقدرة الكاملة والعلم المحيط لأعاذنا الله ولصلح إيماننا وأخلاقنا وأعمالنا.

الإخلاص طريق الاستعاذة

فمن مهمّات آداب الاستعاذة الخلوص كما نقله سبحانه عن الشيطان أنّه قال: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾(3), وهذا الإخلاص كما يظهر من الكريمة الشريفة أعلى من الإخلاص العمليّ وأعمّ من العمل الجوانحيّ أو العمل الجوارحيّ، لأنّ المُخلَص بصيغة المفعول، ولو كان المنظور هو الإخلاص العمليّ لكان التعبير بصيغة الفاعل المُخلِص. فالمقصود من هذا الإخلاص هو خلوص الهويّة الإنسانيّة بجميع شؤونها الغيبيّة والظاهريّة والإخلاص العمليّ من رشحاته، وهذه الحقيقة واللّطيفة الإلهيّة وإن كانت لا تحصل للعامّة في ابتداء السّلوك إلّا بالرّياضات العمليّة الشّديدة وخصوصاً الرّياضات القلبيّة الّتي هي أصلها كما أشير إليه في الحديث المشهور:

"من أخلص لله أربعين صباحاً جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه".

فمن أخلص أربعين صباحاً -بمقدار تخمير طينة آدم (ع)، وكان أربعين صباحاً، والرّبط بينهما معلوم عند أهل المعرفة وأصحاب القلوب- نفسه لله وأخلص أعماله القلبيّة والقالبيّة للحقّ تعالى يكون قلبه إلهيّاً ولا ينفجر من القلب الإلهيّ سوى عيون الحكمة، فيكون لسانه الّذي هو أكبر ترجمان للقلب ناطقاً بالحكمة.


1- سورة النحل، الآيات: 98 ـ 100.

2- سورة الأعراف، الآية: 16.

3- سورة ص، الآيتان: 82 ـ 83.