الدرس التاسع: سورة التكاثر

أهداف الدرس:

-أن يحفظ الطالب سورة التكاثر المباركة.

-أن يستذكر بعضاً من معاني مفرداتها.

-أن يتبيّن بعضاً من مفاهيمها.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾

شرح المفردات

1-ألهاكم: الإلهاء الصرف إلى اللهو، واللهو الانصراف إلى ما يدعو إليه الهوى.

2-التكاثر: التفاخر والمباهاة.

3-اليقين: العلم الخالي من الشك.

4-عين اليقين: محض اليقين، بحيث يرى بأمّ العين ما لا يخالطه شكّ.

محتوى السورة وفضيلتها

يعتقد كثير من المفسّرين أنّ هذه السورة نزلت في مكّة، وما فيها من ذكر للتفاخر والتكاثر، إنّما يرتبط بقبائل قريش الّتي كانت تتباهى على بعضها بعضاً بأمور وهميّة.

وبعضهم كالمرحوم الطبرسيّ في مجمع البيان يرى أنّها مدنيّة، وما فيها من ذكر للتفاخر قد ورد بشأن اليهود، أو طائفتين من الأنصار. ويحتمل أن تكون مكّيتها أصحّ لشبهها الكبير بالسور المكّية. هذه السورة تتناول في مجموعها تفاخر الأفراد على بعضهم بعضاً، استناداً إلى مسائل موهومة وتذمّ ذلك وتلومهم عليه ثمّ تحذّرهم من حساب المعاد وعذاب جهنّم وممّا سيسألون عنه يوم ذاك من النعم الّتي منَّ الله بها عليهم. وقد اشتقّ اسم السورة من الآية الأولى فيها.

وفي فضيلة تلاوتها ورد عن رسول الله (ص) قال: "من قرأها لم يحاسبه الله بالنعيم الّذي أنعم عليه في دار الدنيا وأُعطيَ من الأجر كأنّما قرأ ألف آية"(1).

في كنف السورة

هذه السورة المباركة فيها مواعظ جليلة تستأهل منّا التوقّف عندها والتأمّل فيها:

1-الإنسان وغفلته عمّا بعد الدُّنيا (الإنسان اللاهي والمكاثر):

لقد ورد الكثير من الآيات في القرآن الكريم تشير إلى أنّ كثيراً من الناس يعيشون الغفلة عن الآخرة ويستغرقون في الدنيا وغرورها، بحيث يذوبون فيها، فلا ينظرون إلّا إليها، فتعمِهم عن الحقيقة الّتي تُفيد أنّ الدنيا ليست نهاية المطاف، إنّما هي قنطرة يعبرها الإنسان إلى عالم آخر.

ومن الآيات المعبِّرة التي تشير إلى هذه الحقيقة:

﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾(2).

هذه الآية الكريمة تؤكِّد حقيقة غفلة الإنسان عبر مراحل عمره الخمس.

حيث في البداية مرحلة الطفولة، والحياة في هذه المرحلة عادة مقترنة بحالة من الغفلة والجهل واللعب.

ثمّ مرحلة المراهقة حيث يأخذ اللهو مكان اللعب، وفي هذه المرحلة يكون الإنسان لاهثاً وراء الوسائل والأمور الّتي تلهيه وتبعده عن الأعمال الجدّية.

والمرحلة الثالثة هي مرحلة الشباب والحيويّة والحبّ والعشق والزينة.

وإذا ما تجاوز الإنسان هذه المرحلة فإنّه يصل إلى المرحلة الرابعة حيث تنبعث في نفسه إحساسات علوّ المقام والتفاخر.

وأخيراً يصل إلى المرحلة الخامسة حيث يفكّر فيها بزيادة المال والأولاد وما إلى ذلك.

فنرى أنّ الإنسان غالباً، إلّا من رحم الله، يعيش الغفلة في مراحل عمره كلّها، ولا يترك لله تعالى، ولمعرفة حقائق الوجود، وللتفكير بالمصير النهائيّ للوجود، أيّ مجالٍ وأيّ فسحة.

والآية الّتي نحن بصدد تفسيرها تتّجه لهذا المعنى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾

وهي تشير أكثر ما تشير إلى المرحلة الخامسة من عمر الإنسان حيث يُلهيه جمع الأموال والأولاد والتفاخر بالأنساب والأقوام. ولقد عُرف عن العرب أنّهم كانوا يتفاخرون بالأموال والأنساب، ويؤسّسون حياتهم على أسس قبليّة. وهذه الآية كأمثالها تريد أن تُخرج من النفوس هذه العصبيّة القبليّة، والتفاخر بها وبالحطام.

وهنا لفتة مهمّة من الآية الكريمة، تشير إلى أنّ الإنسان يستيقظ من غفلته إمّا حين موته: ﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾(3).

وإمّا حين زيارته للمقابر حيث يتذكّر أنّه سيموت يوماً ما، فيستيقظ من غفلته شيئاً ما، كما ورد عن رسول الله (ص):

"اذكروا هادم اللذّات" أي الموت.

وقد احتمل المفسّرون معنيين:

1-إنّكم ذهبتم إلى المقابر لتستكثروا أنفس قبيلتكم.

2-إنّكم انشغلتم بالتكاثر والتفاخر حتّى لحظة موتكم وورودكم إلى المقابر.

وللإمام عليّ (ع) كلام بعد أن تلا: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾.

قال: "يا له مراماً(4) ما أبعده، وزوراً ما أغفله، وخطراً ما أفظعه، لقد استخلوا منهم أيّ مدّكر وتناوشوهم من مكان بعيد، أفبمصارع آبائهم يفخرون؟ أم بعديد الهلكى يتكاثرون؟ يرتجعون منهم أجساداً خَوَت(5)، وحركات سَكنت، ولأن يكونوا عِبَراً أحقّ من أن يكونوا مفتخراً"(6).

فالموت خير واعظ لمن يتّعظ، ومن هنا ورد استحباب زيارة القبور، عسى أن يقوم الإنسان من سكرة الغفلة، غفلة الدنيا والاستكثار بالأموال والأولاد، والتفاخر بالأحساب والأنساب.

2-إشارة إلى عذاب القبر:

﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾.

ورد العديد من الآيات القرآنيّة الكريمة الّتي تشير إلى أنّ الإنسان لا يصبح عدماً بعد موته، بل له حياة أخرى بعد الموت، إنّها حياة البرزخ، ومن هذه الآيات:

﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾(7).

وذهب بعض المفسرين إلى أنّ:

﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾.

الأولى إشارة إلى عذاب القبر والبرزخ، والثانية إلى عذاب القيامة.

في التفسير الكبير للفخر الرازيّ عن ذرّ بن حبيش قال: كنّا في شكّ من عذاب القبر حتّى سألنا عليّاً فأخبرنا أنّ هذه الآية دليل على عذاب القبر(8).

3-مراتب اليقين:

من الواضح أنّ المؤمنين ليسوا على درجة واحدة من الإيمان بل بعضهم لا يُطلق عليهم إلّا الإسلام وما آمنت قلوبهم:

﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ...﴾(9).

ولذلك ورد العديد من الروايات الّتي تُشير إلى هذه الحقيقة، فقد جعل الإمام الكاظم (ع) الإيمان أعلى من الإسلام درجة، والتقوى أعلى من الإيمان درجة، واليقين أعلى من التقوى درجة، ثمّ قال: "وما قسم في الناس شي‏ء أقلّ من اليقين"(10).

ورغم ما يُستفاد من الروايات أنّ اليقين هو أعلى مراحل الإيمان، فإنّ له مراتب، وهي ثلاث:

أ-علم اليقين: وهو الّذي يحصل للإنسان عند مشاهدته الدلائل المختلفة، كأن يُشاهد دخاناً فيعلم علم اليقين أنّ هناك ناراً.

ب-عين اليقين: وهو يحصل حين يصل الإنسان إلى درجة المشاهدة كأن يرى بعينه مثلاً النار.

ج-حقّ اليقين ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾(11): وهو كأن يدخل الإنسان النار بنفسه ويحسّ بحرقتها، وهذه أعلى مراحل اليقين.

4-السؤال عن النعيم: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾(12).

قيل إنّ النعيم المسؤول عنه، هو نعمة السلامة، وفراغ البال، والأمن.

وروي أنّ أبا حنيفة سأل الإمام الصادق (ع) عن تفسير هذه الآية فقال (ع):"ما النعيم عندك يا نعمان؟".

قال: القوت من الطعام والماء البارد.

فقال (ع): "لئن أوقفك الله يوم القيامة بين يديه حتّى يسألك عن كلّ أكلة أكلتها وشربة شربتها ليطولنّ وقوفك بين يديه، قال: فما النعيم جعلت فداك؟

قال: نحن أهل البيت النعيم الّذي أنعم الله بنا على العباد وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين وبنا ألّف الله بين قلوبهم وجعلهم إخواناً بعد أن كانوا أعداءاً وبنا هداهم الله للإسلام وهي النعمة الّتي لا تنقطع، والله سائلهم عن حقّ النعيم الّذي أنعم الله به عليهم وهو النبيّ (ص) وعترتُه"(13).

من كلّ هذه الروايات الّتي يبدو أنّها مختلفة في ظاهرها نفهم أنّ النعيم له معنى واسع جدّاً يشمل كلّ المواهب الإلهيّة المعنويّة مثل: الدِّين والإيمان والإسلام والقرآن والولاية لأهل البيت عليهم السلام، وأنواع النعم الماديّة الفرديّة منها والجماعيّة، والتي سنُسأل عنها وكيف تعاملنا معها وهل أرضينا الله بها؟

يقول تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾(14).

خلاصة الدرس

-في هذه السورة المباركة مواعظُ جليلة، منها:

-أنّ الدنيا ليست سوى قنطرة تعبر بنا إلى عالم آخر، ومع ذلك فإنّ أغلب بني البشر يغفلون عن هذه الحقيقة إلا إن ماتوا أو زاروا المقابر.

-لليقين وهو أعلى مراحل الإيمان مراتب، وهي: علم اليقين، عين اليقين، حقّ اليقين.

-سيسألنا الله تعالى عن نعمه ومواهبه الّتي أنعمها علينا سواء على عيد الفرد أو الجماعة كيف تعاملنا معها، وهل أرضينا الله بها ولا شكّ أنّ من أعظم النعم علينا والّتي سنسأل عنها: أهل البيت عليهم السلام.

أسئلة

1-ما هو التهديد الإلهيّ الّذي تحتوي عليه السورة؟

2-ما هي المراحل الخمسة؟ وكيف يغفل الإنسان فيها؟

3-كيف يستيقظ الإنسان من غفلته؟

4-ما هي الآية التي تشير إلى عذاب القبر؟

5-اذكر مراتب اليقين.


1- مجمع البيان، ج‏10، ص‏532.

2- سورة الحديد، الآية:20.

3- سورة ق، الآيات: 19 ـ 22.

4- المرام: الطلب، والزَور: بالفتح الزائرون وهم يرومون نيل الشرف ممّن تقدّمهم وتلك غفلة.

5- أي خلت من أرواحها.

6- نهج البلاغة، الخطبة 221.

7- سورة المؤمنون، الآيتان: 99 ـ 100.

8- راجع: تفسير الفخر الرازي، ج32، ص78.

9- سورة الحجرات، الآية:14.

10- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص51.

11- سورة الواقعة، الآية:95.

12- سورة التكاثر، الآية:8.

13- مجمع البيان، ج‏10، ص‏535.

14- سورة الصافات، الآية:24.