للمطالعة (نقطة هامة)
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره:
على سالك طريق الهداية والنجاة الانتباه إلى نقطة هامّة، هي أنَّ التوفيق إلى التوبة الصحيحة الكاملة مع توفير شرائطها من الأمور الصعبة، وقليلاً ما يستطيع الإنسان أن يصل إلى هذا المقصد. بل إنّ اقتراف الذنوب وخاصّة المعاصي الكبيرة يجعل الإنسان غافلاً عن ذكر التوبة نهائيّاً. وإذا ما أثمرت وقويت شجرة المعاصي في مزرعة قلب الإنسان وتحكّمت جذورها، ستكون لها نتائج وخيمة: منها حثّ الإنسان على الانصراف كلّياً عن التفكير في التوبة، وإذا تذكّرها أحياناً تكاسل في إجرائها وأجّلها وقال: "اليوم أو غداً وهذا الشهر أو الشهر المقبل".
ويخاطب نفسه قائلاً: إنّني أتوب آخر العمر وأيّام الشيخوخة توبة صحيحة، وإنّه يغفل عن أنّ هذا مكر مع الله ﴿وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ لا يتوقّع الإنسان أنّه بعد أن تقوى جذور الذنوب في نفسه، يستطيع أن يتوب أو يقوم بتوفير شروط التوبة. إنّ أفضل أيّام التوبة وربيعها هي فترة أيّام الشباب. لأنّ الذنوب أقلّ وشوائب القلب وظلمات الباطل أخفّ، وشروط التوبة أسهل وأيسر. وقد يكثر في سنّ الشيخوخة حرص الإنسان وطمعه وحبّه للمال ويزداد طول أمله وقد أثبتت التجربة ذلك.
والحديث النبويّ الشريف(1) أفضل شاهد على هذه المقولة.
وإذا افترضنا أنّ الإنسان يستطيع القيام بهذا العمل (التوبة) في سنّ الشيخوخة. فما هو الضمان للوصول إلى سنّ الشيخوخة وعدم إدراكه الأجل المحتوم أيّام الشباب على حين غرّة، وهو مشغول بالذنوب والعصيان؟ إنّ انخفاض عدد المسنّين دليل على أنّ الموت أقرب إلى الشباب منه إلى الشيخ. إنّنا في المدينة الّتي تحتوي على خمسين ألف نسمة لم نجد خمسين شيخاً يناهز عمر كلّ منهم ثمانين عاماً.
فيا أيّها العزيز كن على حذر من مكائد الشيطان ولا تمكر على الله ولا تحتل عليه بأن تقول أعيش خمسين عاماً أو أكثر مع الأهواء، ثمّ أستغفر ربّي لدى الموت وأستدرك الماضي، لأنّ هذه أفكار واهية.
إذا سمعت أو علمت من الحديث الشريف أنّ الله سبحانه وتعالى قد تفضّل على هذه الأمة بتقبّل توبتهم قبل مشاهدة آثار الموت أو عند الموت وذلك صحيح(2). ولكن هيهات أن تتحقّق التوبة من الإنسان في ذلك الوقت.
هل تظنّ أنّ التوبة مجرّد كلام يقال؟ إنّ القيام بالتوبة لعمل شاقّ. إنّ الرجوع إلى الله والعزم على عدم العودة إلى الذنب يحتاج إلى رياضة علميّة وعمليّة، إذ نادراً ما يحدث للإنسان أن يفكّر وحده بالتوبة أو يوفّق إليها أو يوفّق إلى توفير شرائط صحّة التوبة وقبولها أو إلى توفير شرائط كمالها. إذ من الممكن أن يدركه الموت قبل التفكير في التوبة أو إنجازها وينقله من هذه النشأة مع المعاصي التي تنوء بالإنسان ومع ظلمات الذنوب اللامتناهية، وفي ذلك الوقت يعلم الله وحده المصائب والمحن الّتي سوف يواجهها.
ليس من السهل أن يَجبر الإنسان في العالم الآخر معاصيه، إذا كان من أهل النجاة وممّن عاقبة أمره سعيدة، إذ لا بدّ من متاعب وضغوطات ونيرانٍ حتى يصبح الإنسان أهلاً لرحمة أرحم الراحمين.
إذاً، أيّها العزيز! عجّل في شدِّ حيازيمك، وإحكام عزيمتك وقوّتك الحاسمة، وأنت في أيّام الشباب أو على قيد الحياة في هذه الدنيا وتب إلى الله، ولا تسمح لهذه الفرصة الّتي أنعم الله بها عليك أن تخرج من يدك ولا تعبأ بتسويف الشيطان ومكائد النفس الأمّارة.
1- عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "يهرم بني آدم ويبقى معه اثنتان الحرص والأمل"، الخصال، ج1، ص73.
2- روي عن الإمام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "من تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته ثمّ قال: إنّ السنة لكثير، من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته، ثمّ قال: إنّ الشهر لكثير. من تاب قبل موته بجمعة، قبل الله توبته. ثمّ قال: إنّ الجمعة لكثير. من تاب قبل موته بيوم، قبل الله توبته. ثمّ قال: إنّ اليوم لكثير، من تاب قبل أن يعاين قبل الله توبته" (أصول الكافي، ج2، ص44).