الدرس الثامن: سورة القارعة
أهداف الدرس:
-أن يحفظ الطالب سورة القارعة المباركة.
-أن يستذكر بعضاً من معاني مفرداتها.
-أن يتبيّن بعضاً من مفاهيمها.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ * فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ﴾
شرح المفردات
1-القارعة: من القرع وهو الطرق الشديد مع إحداثصوت شديد.
2-الفراش: جمع فراشة وهي الحشرة المعروفة.
3-المبثوث: المتفرّق المنتشر.
4-العهن: الصوف المصبوغ.
5-المنفوش: المنثور.
6-موازين: جمع ميزان وهي وسيلة لوزن الأجسام.
7-أمّه: مأواه وملجأه.
8-هاوية: جهنّم.
محتوى السورة وفضيلتها
نزلت هذه السورة في مكّة المكرّمة، وتتناول بشكل عامّ: المعاد، ومقدّماته، بتعابير حادّة، وبيان مؤثّر. وإنذار صريح وواضح، حيث تصنّف الناس يوم القيامة، إلى صنفين أو جماعتين: جماعه تكون أعمالها ثقيلة في ميزان العدل الإلهيّ فتحظى جزاءً بذلك، حياةً راضية سعيدة في جوار الرحمة الإلهيّة، وجماعة أعمالها خفيفة الوزن، فتعيش في نار جهنّم الحارّة المحرقة.
وقد اشتقّ اسم هذه السورة، أي "القارعة"، من الآية الأولى فيها. وفي فضيلتها يكفي أن نقرأ الحديث الشريف المرويّ عن الإمام الباقر (ع): "من قرأ القارعة آمنه الله من فتنة الدجّال أن يؤمن به، ومن قيح جهنّم يوم القيامة إن شاء الله"(1).
في كنف السورة
1-القرآن واليوم الآخر:
هذه السورة المباركة ككثير من سور القرآن تتحدّث عن مشاهد من يوم القيامة. ولو أجلت بصرك في القرآن العظيم لرأيت مدى اهتمامه بقضيّة اليوم الآخر.
فلقد كُرِّرت الأمور الّتي تتعلّق باليوم الآخر كثيراً، فمثلاً يوم القيامة كُرِّر تقريباً 70 مرّة، اليوم الآخر 26 مرّة، الآخرة والدار الآخرة 117 مرّة، جنّة وجنّات 141 مرّة، جهنّم 77 مرّة، إلى غير ذلك.
ولقد اعتنى القرآن العظيم بمشاهد القيامة: البعث والحساب، النعيم والعذاب، حتّى عاد اليوم الآخر من خلال بلاغة القرآن مصوّراً حسيّاً، وحيّاً متحرّكاً، وبارزاً شاخصاً. وعاش المسلمون في هذا العالم عيشة كاملة: رأوا مشاهده، وتأثّروا بها، وخفقت قلوبهم واقشعرّت جلودهم وسرى في نفوسهم الفزع مرّة، وعاودهم الاطمئنان أخرى، ولفحهم من النار شواظ، ورفّ إليهم من النار نسيم، فأصبحوا والنار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون، وباتوا والجنّة كمن قد عاينها فهم فيها منعمّون.
وما اهتمام القرآن باليوم الآخر إلّا لما يحمله الإيمان باليوم الآخر من أهميّة لحياة الأمم والأفراد، حتّى أنّ القرآن الكريم قرن كثيراً بين الإيمان بالله واليوم الآخر، ممّا يشير إلى أنّ الإيمان بالله لا يكفي الإنسان (الفرد والأمّة) في كماله الروحيّ وسكينته النفسيّة وصلاحه الأخلاقيّ والسلوكيّ، ما لم يكن يقترن بالإيمان باليوم الآخر.
قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾(2).
﴿يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾(3).
إلى كثير من الآيات التي تقرن الإيمان بالله مع الإيمان باليوم الآخر.
2- صور من الآخرة:
﴿الْقَارِعَةُ﴾: من أسماء القيامة لأنّها تقرع القلوب بأهوالها، ومثلها الحاقّة والصاخّة والطامّة وما إليها. ﴿مَا الْقَارِعَةُ﴾: استفهام أريد به تعظيم شأنها.
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ﴾: ما الّذي جعلك بها دارياً؟ فإنّها فوق التصوّر.
﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ﴾: هذا بيان لبعض ما يحدث فيها لا لبيان حقيقتها، والفراش معلوم وهو الطير الصغير الّذي يترامى ليلاً على السراج، والمبثوث المتفرّق المنتشر... وقد شبّه سبحانه حال الخلق يوم القيامة بحال الفراش في الجهل والحيرة وتساقط أكثرها في النار.
﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ﴾: العهن الصوف، ونفشه أن تفرّق شعراته بعضها عن بعض.
﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾: والمراد به من طابت سريرته وصلح عمله
﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾: أي يرضاها ويهنأ بها.
﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ﴾: والمراد به من خبثت سريرته وساء عمله. ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾: المراد بأمّه هنا ما يأويه ويحضنه، وبالهاوية جهنّم لأنّ المجرم يهوي بها، وقد بيّنها سبحانه بقوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ﴾: هذا كلّ ما يمكن أن تعرفه عن جهنّم، أمّا إدراك حقيقتها فتعجز عنه الأفهام لأنّ قعرها بعيد، وعذابها شديد.
3- الهاوية:
عن أبي عبد الله (ع)، قال: "بينا عيسى بن مريم عليهما السلام في سياحته إذ مرّ بقرية، فوجد أهلها موتى في الطريق والدور، فقال: إنّ هؤلاء ماتوا بسخطة، ولو ماتوا بغيرها تدافنوا، قال: فقال أصحابه: وددنا أنّا عرفنا قصّتهم، فقيل له: نادهم يا روح الله، قال، فقال:
يا أهل القرية. فأجابهم مجيب منهم: لبيك يا روح الله، قال: ما حالكم وما قصّتكم؟ قال: أصبحنا في عافية، وبتنا في الهاوية، قال: فقال: وما الهاوية؟ قال: بحار من نار فيها جبال من نار، قال: وما بلغ بكم ما أرى؟ قال: حبّ الدنيا وعبادة الطواغيت. قال: وما بلغ من حبّكم الدنيا؟ قال: كحبّ الصبيّ لأمّه، إذا أقبلت فرح، وإذا أدبرت حزن.
قال: وما بلغ من عبادتكم الطواغيت؟ قال: كانوا إذا أمرونا أطعناهم. قال: فكيف أجبتني أنت من بينهم؟ قال: لأنّهم ملجمون بلجم من نار، عليهم ملائكة غلاظ شداد، وإنّي كنت فيهم ولم أكن منهم، فلمّا أصابهم العذاب أصابني معهم، فأنا معلّق بشجرة أخاف أن أكبكب في النار، قال: فقال عيسى (ع) لأصحابه: النوم على المزابل، وأكل خبز الشعير، خير مع سلامة الدين"(4).
4-الثواب والعقاب:
ورد الكثير من الآيات في القرآن الكريم الّتي تتحدّث حول الثواب والعقاب في اليوم الآخر، ومنها:
﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ﴾.
ولكن هنا ملاحظة:
صحيح أنّ الإيمان بالآخرة وبالتالي الثواب والعقاب فيها مهمٌّ وأساس ولكن إذا لم تتبعه أمور تعطِّل فعّاليّة هذا الإيمان.
فمثلاً المسيحيّة تؤمن بالثواب والعقاب، إلّا أنّه دخلت أمور عطّلت هذا القانون الإلهيّ العادل.
من هذه الأمور مسألة "صلب المسيح" وأنّه صُلب ليفدي النّاس من الخطيئة، أو مسألة "الاعتراف عند الكاهن" بحيث إذا اعترف المذنب تُغفر ذنوبه، أو مسألة "المسح الأخير" حيث يستمع القسّ إلى اعترافات المسيحيّ وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويمنحه المغفرة الّتي تُنجيه من النار، ويمسحه حتّى يطهر من الخطيئة ويصبح مستعدّاً للبعث أمام الحَكَم العدل، إلى غير ذلك من المسائل.
هذه المسائل تعطِّل قانون الثواب والعقاب، وتشجِّع الناس على الخطيئة، وهذا ما نراه في المجتمع المسيحيّ. أمّا الإسلام فليس عنده هذه الأمور ولا يؤمن بها. نعم، عنده التوبة والغفران من الله والشفاعة، ولكنّ هذه لا تشبه تلك وإن كان هناك أناس يفهمونها خطأً، حيث يدخل الشيطان بتزييناته مع هوى النفس فيسوّف للإنسان بالتوبة إلى آخر العمر، مع أنّ التوبة في آخر العمر وعند تراكم الذنوب أمر صعب.
وحيث يمنِّي الإنسان نفسه بشفاعة الشافعين في حين أنّه لم يعرف حقيقة الشفاعة.
ألا تعرف أنّه قد لا تشملك شفاعتهم عليهم السلام لأنّ الانغمار في المعاصي يجعل القلب بالتدريج مظلماً ومنكوساً وربّما يصل الإنسان إلى الكفر، والكافر لا يُشفع له؟
ثمّ ألا تعلم أنّه إذا كانت أثقال الذنوب كثيرة يمكن ألّا يشفع الشافعون لك في البرزخ والقبر، ويمكن أن لا تصل شفاعتهم في يوم القيامة إلّا بعد مدّة طويلة، كما ورد في بعض الأحاديث؟
فلا تستمع للشيطان ونفسِك الأمّارة حيث يعدانك بالرحمة الواسعة والمغفرة الكريمة لأرحم الراحمين، فتتهاون وتنزلق في المعاصي، في حين أنّ الله رحيم في موضع الرحمة وشديد العقاب في موضع الشدّة، فليس صحيحاً أن ترجو رحمة الله فحسب دون أن تخافه وتخشى عقابه، ونحن نقرأ في دعاء الافتتاح:
"وأيقنت أنّك أنت أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة وأشدّ المعاقبين في موضع النكال والنقِمة".
فإذاً ينبغي فهم مسألة التوبة وغفران الله ورحمته والشفاعة والاستغفار فهماً صحيحاً، وإلّا كانت الآخرة والثواب والعقاب لا أثر لها.
خلاصة الدرس
-تتناول هذه السورة موضوع المعاد وتصنّف الناس جماعتين واحدة في جوار الرحمة الإلهيّة وأخرى في نار حامية.
-اهتمّ القرآن ببيان أحوال يوم القيامة حتّى أمسى قالباً حسيّاً، يتمثّل للمؤمنين في جميع تقلّباتهم ومعائشهم.
-إنّ إدراك حقيقة جهنّم تعجز عنه الأفهام لأنّ قعرها بعيد وعذابها شديد..
-إنّ الثواب والعقاب قانون إلهيّ يجزى به العامل في هذه الدنيا إلّا أنّ بعض الأفكار الخاطئة حول هذا القانون عطّلت مفاعيله لدى بعض الناس ما حدا بهم إلى ارتكاب الذنوب.
أسئلة
1-ماذا تتناول هذه السورة بشكل عامّ؟
2-تصنّف هذه السورة الناس يوم القيامة إلى صنفين تحدث عنهما.
3-هل القارعة اسم للقيامة أو لمقدّماتها؟
4-هل هناك ما يعطّل فعّاليّة الإيمان بالآخرة في الإسلام؟
1- مجمع البيان، ج10، ص530.
2- سورة البقرة، الآية:232.
3- سورة آل عمران، الآية:114.
4- بحار الأنوار، المجلسي، ج70،ص102.