الدرس السابع: سورة القدر

أهداف الدرس:

-أن يحفظ الطالب سورة القدر المباركة.

-أن يستذكر بعضاً من معاني مفرداتها.

-أن يتبيّن بعضاً من مفاهيمها.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر﴾ِ

شرح المفردات

1-ليلة القدر: هي ليلة يقدِّر الله فيها مصير البشر وتعيَّن فيها مقدَّراتهم.

2-الروح: مخلوق عظيم يفوق الملائكة(1).

محتوى السورة وفضيلتها

محتوى السورة كما هو واضح من اسمها بيان نزول القرآن الكريم في ليلة القدر، وبيان أهمّيّة هذه الليلة وبركاتها.

وحول مكان نزولها في مكّة أو المدينة، المشهور بين المفسرين أنّها مكّيّة واحتمل بعضهم أنّها مدنيّة، لما روي أنّ النبيّ (ص) رأى في منامه "بني أميّة" يتسلّقون منبره، فصعب ذلك عليه وآلمه، فنزلت سورة القدر تسلية له (لذلك قيل إنّ ألف شهر في السورة هي مدّة حكم بني أميَّة). ونعلم أنّ منبر النبيّ أقيم في مسجد المدينة لا في مكّة(2).

لكنّ المشهور كما قلنا أنّها مكّيّة. وقد تكون الرواية من قبيل التطبيق لا سبباً في النزول. ويكفي في فضيلة تلاوتها ما روي عن النبيّ (ص) قال: "من قرأها أعطي من الأجر كمن صام رمضان وأحيا ليلة القدر"(3).

وعن الإمام محمّد بن عليّ الباقرّ عليهما السلام قال: "من قرأ إنّا أنزلناه بجهر كان كشاهر سيفه في سبيل الله، ومن قرأها سرّاً كان كالمتشحّط بدمه في سبيل الله"(4).

وواضح أنّ كلّ هذه الفضائل في التلاوة تزداد وتتأكّد لمن يقرأها ويفهمها ويعمل بها؛ أي من يقدّر القرآن حقّ قدره ويطبّق آياته في حياته.

في كنف السورة

1-ليلة القدر والقدر:

في الإسلام العظيم اهتمام ببعض الأمكنة والأزمنة، فلقد جعل بعضها مباركاً لخصوصيّة فيها عن غيرها، فمثلاً بارك المسجد الحرام والكعبة المكرّمة والمسجد الأقصى، وبارك شهر رمضان وعظّم الأشهر الحرم (ذي القعدة، ذي الحجّة، رجب، محرّم) وبارك ليلة القدر الّتي أنزل فيها القرآن العظيم: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾.

2-وجه التسمية بليلة القدر:

أمّا بخصوص تسميتها بليلة القدر فقد قيل في ذلك الكثير ولكنّ أشهر الأقوال: إنّها الليلة الّتي تعيّن فيها مقدّرات العباد لسنة كاملة، كما يشهد لذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾(5).

وقد ورد في بعض الروايات: في هذه الليلة تعيّن مقدّرات الناس لسنة كاملة، وهكذا أرزاقهم، ونهاية أعمارهم، وأمور أخرى تُفرق وتبيّن في هذه الليلة المباركة.

3-﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾:

يقول تعالى في سورة الدخان:﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ الليلة المباركة كما ذكر المفسّرون (6) هي ليلة القدر، أنزل الله القرآن فيها إلى البيت المعمور (7) جملة واحدة، ثمّ نزل من البيت المعمور على رسول الله(ص) في طول عشرين سنة (8). وفي هذه الليلة يقدّر الله كلّ أمر من الحقّ والباطل وما يكون في تلك السنة، يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء، من الآجال والأرزاق، والبلايا والأعراض والأمراض. وعن حمران بن أعين أنّه سأل أبا جعفر الباقر(ع) عن قول الله عزّ وجلّ ﴿ ّإِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾ قال (ع): "نعم، ليلة القدر، وهي في كلّ سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلّا في ليلة القدر، قال الله عزّ وجلّ:﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ قال(ع): يقدّر في ليلة القدر كلّ شيء يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل، خير وشرّ وطاعة ومعصية ومولود وأجلٌ ورزق، فما قدّر في تلك السنة وقضي فهو المحتوم، ولله عزّ وجلّ المشيئة".

قال حمران: قلت: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ أيّ شيء عنى بذلك؟ قال(ع): "العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير، خيرٌ من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، ولولا ما يضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنين ما بلغوا، ولكنّ الله يُضاعف لهم الحسنات"(9).

4- الله لم يقطع الصلة بخلقه (المدد الغيبي):

في سورة القدر تأكيد على أنّ الله تعالى لم يخلق الخلق ثمّ تركهم، بل هو يقدّر شؤونهم ويتابع أمورهم، ويرسل الملائكة إلى الأرض لتدبير أحوالها ومن عليها، وهذا تسلية لقلوب المؤمنين، فليس الأمر كما قالت المفوِّضة، أو كما قالت اليهود: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء...﴾(10)، وهذا كناية عن كمال القدرة بحيث أنّ كلّ ما يحدث على وجه الأرض وفي العالم هو من إنفاقه سبحانه وكلّ وجود يحصل فإنّما هو من خزائنه.

والآيات في الكتاب الكريم كثيرة، وهي تؤكّد أنّ الله عليم بخلقه، ومتابعٌ لشؤونهم

يقول تعالى:

﴿اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾(11).

﴿أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾(12).

﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾(13).

إلى غير ذلك الكثير من الآيات الّتي تؤكّد أنّ الله مطّلع على شؤون خلقه، ولم يتركهم، وهذا ما يؤكّده الأمر بالدعاء: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾(14).

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي...﴾(15).

﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾(16).

وورد في الحديث: "إذا دعوت فظنَّ حاجتك بالباب"(17).

وورد في دعاء زين العابدين (ع): "اللّهمّ إنّي أجد سبل المطالب إليك مشرعة، ومناهل الرجاء لديك مترعة، والاستعانة بفضلك لمن أمّلك مباحة، وأبواب الدعاء إليك للصارخين مفتوحة، وأعلم أنّك للراجين بموضع إجابة، وللملهوفين بمرصد إغاثة"(18).

خلاصة الدّرس

-بيّنت سورة القدر أهميّة هذه الليلة المباركة، ونزول القرآن فيها.

-اهتمّ الإسلام ببعض الأمكنة والأزمنة وجعل لها مكانة خاصّة وفضلاً عظيماً، ومنها ليلة القدر.

-لاسم ليلة القدر احتمالات تفسيريّة متعدّدة، أشهرها: أنّها الليلة التي تعيّن فيها مقدّرات العباد ولمدّة سنة.

-كان في هذه السورة المباركة تأكيد على أنّ الله تعالى متابع لشؤون خلقه وفي ذلك تسلية للمؤمنين.

أسئلة

1-نعرف أنّ القرآن نزل تدريجيّاً مدّة 23 عاماً، فكيف توفِّق بين ذلك ونزوله في ليلة واحدة هي ليلة القدر؟

2-ما المراد بـ (الروح) في قوله تعالى: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا﴾؟

3-ما هو القول المشهور في وجه تسمية ليلة القدر؟

4-كيف تصوّر عدم قطع علاقة الله تعالى مع البشر؟


1- وقيل إنّه جبرائيل.

2- روح المعاني، ج‏30، ص‏188 و"الدر المنثور"، ج‏6، ص‏371.

3- مجمع البيان، ج‏10، ص‏516.

4- م.ن..

5- سورة الدخان، الآيتان: 3 ـ 4.

6- راجع: التفسير الأصفى، الفيض الكاشاني، ج 2، ص 1150.

7- يقول الشيخ المفيد: جاء في الحديث أنّ الله تعالى خلق بيتاً تحت العرش سمّاه البيت المعمور تحجّه الملائكة في كلّ عام، وخلق في السماء الرابعة بيتاً سمّاه الضراح وتعبّد الملائكة بحجّه والتعظيم له والطواف حوله وخلق البيت الحرام في الأرض وجعله تحت الضراح. تصحيح اعتقادات الأمامية، ص 78.

8- راجع: الأمالي للصدوق، ص 119، رواية عن الصادقعليه السلام.

9- الكافي، الكليني، ج 4، ص 157.

10- سورة المائدة، الآية:64.

11- سورة البقرة، الآية:235.

12- سورة البقرة، الآية:77.

13- سورة الحجرات، الآية:16.

14- سورة غافر، الآية:60.

15- سورة البقرة، الآية:186.

16- سورة النمل، الآية:62.

17- الكافي، باب اليقين في الدعاء، ج‏2، ح‏1، ص‏473.

18- دعاء أبي حمزة الثمالي (راجع: مفاتيح الجنان: أعمال أسحار شهر رمضان) وللدعاء شروطه وفلسفته، والحديث عن ذلك له مكانه.