الدرس السادس: سورة الانشراح

أهداف الدرس:

-أن يحفظ الطالب سورة الانشراح المباركة.

-أن يستذكر بعضاً من معاني مفرداتها.

-أن يتبيّن بعضاً من مفاهيم آياتها الكريمة.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾

شرح المفردات

1-نشرح: نبسط.

2-الوزر: الحمل الثقيل.

3- أنقض: أثقل أو كسر.

4-العسر: الشدّة والضيق.

5-اليسر: الراحة.

6-النصب: التعب.

محتوى السورة وفضيلتها

نزلت هذه السورة في مكّة، والمعروف أنّها نزلت بعد سورة "الضحى"، ومحتواها يؤيّد ذلك، لأنّها تسرد أيضاً قسماً من الهبات الإلهيّة للرسول الأكرم (ص).

في سورة الضحى عرض لثلاث هبات إلهيّة بعضها مادّيّ وبعضها معنويّ، وفي هذه السورة ذكر لثلاث هبات أيضاً غير أنّ جميعها معنويّ. وتدور السورة بشكل عامّ حول ثلاثة محاور:

الأوّل: بيان النعم الثلاث: شرح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر.

الثاني: تبشير النبيّ (ص) بزوال العقبات أمام دعوته.

والثالث: الترغيب في عبادة الله الواحد الأحد.

ولذلك ورد عن أهل البيت عليهم السلام ما يدّل أنّ هاتين السورتين سورة واحدة كما ذكرنا، وأوجب قراءتهما معاً في الصلاة لوجوب قراءة سورة كاملة بعد الحمد.

وبشأن مكان نزول السورة، يتبيّن أنّها نزلت في مكّة، ولكنّ آية: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾. حدت ببعض الباحثين إلى الاعتقاد أنّها نزلت في المدينة، حيث ارتفع ذكر النبيّ (ص) وشاع صيته في كلّ مكان. وليس هذا الدليل بتامّ، لأنّ النبيّ الأكرم (ص) ذاع صيته قبل الهجرة رغم كلّ العقبات والمشاكل وكان الحديث عن دعوته على الألسن في جميع المحافل، كما أنّ خبر الدعوة انتشر في الحجاز عامّة والمدينة خاصّة من خلال الوافدين على مكّة في موسم الحجّ، كما من المحتمل القول إنّ النبيّ (ص) رُفع من شأنه ومكانته بمجرّد حمله لهذه الرسالة الشريفة من الله تعالى، أو بجريان ذكره على ألسن الأنبياء قبله وأنّه النبيّ الخاتم الّذي تُختم به رسالات السماء لأهل الأرض.

في فضيلة هذه السورة ورد عن النبيّ الأكرم (ص) أنّه قال: "من قرأها أُعطيَ من الأجر كمن لقي محمّداً مغتمّاً ففرّج عنه"(1).

في كنف السورة

سورة الإنشراح المباركة فيها العديد من الاستفادات، منها:

1- شرح الصدر:

مسألة شرح الصدر وردت في العديد من الآيات القرآنيّة، ففي سورة الأنعام، الآية/125، قال تعالى: ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء﴾.

وفي سورة النحل، الآية/106، قال تعالى: ﴿وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا﴾.

وفي سورة طه، الآية/25، بخصوص دعاء النبيّ موسى (ع) قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾.

وفي سورة الزمر، الآية/22، قال تعالى: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ﴾.

وفي هذه السورة (الانشراح): ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾.

وهنا نقف على بعض الاستفادات من هذه الآيات:

أ- الهداية وشرح الصدر في الإسلام:

فآية الأنعام/125، وآية الزمر/22، تشيران بوضوح أنّ الله يهدي وينير طريق من شرح صدره للإسلام وآمن بعقيدته (بالله تعالى وبالأنبياء ومنهم رسول الله (ص) واليوم الآخر يوم الجزاء)، أمّا من شرح صدره للكفر(النحل/106)، وضلَّ عن الإسلام فهو ضيِّق الصدر.

وهذه حقيقة ترونها بوضوح إذا قارنتم بين المسلم الّذي شرح صدره للإسلام بكلّ تعاليمه، وبين الكافر أو المنافق أو الفاسق الّذين أقفلوا صدورهم عن الإسلام.

فالصنف الأوّل، منشرح الصدر والعقل، مطمئنّ الروح، مستقرّ النفس، والصنف الثاني، ضيّق الصدر والفكر، قلق الروح، خائف النفس، وهذه حقيقة لا شكّ فيها.

ولا نريد أن نأتي بتقارير عن المأزق والضيق الروحيّ والنفسيّ والعقليّ والحياتيّ الّذي يعيش فيه الصنف الثاني، فالتقارير كثيرة تملأ صفحات الجرائد والمجلّات، فهذا يَقتل، وذاك ينتحر، وآخر مريض نفسيّاً في المصحّات، إلى آخر الأوبئة الفرديّة والاجتماعيّة.

ب-المقصود من "الصدر":

هنا هو الروح والفكر. وهذه الكناية ترد كثيراً. والمقصود من "الشرح" هو اتّساع الروح وارتفاع الفكر وانفساح أفق العقل البشريّ، لأنّ تقبّل الحقّ يستدعي التنازل عن الكثير من المصالح الشخصيّة، ممّا لا يقدر عليه إلّا ذوو الأرواح العالية والأفكار السامية.

ج-معجزة قرآنيّة علميّة:

ثبت اليوم علميّاً أنّ الهواء المحيط بالأرض مضغوط وصالح لتنفّس الإنسان، ولكنّنا كلّما ارتفعنا قلّت كثافة الهواء ونسبة وجود الأوكسجين فيه، بحيث إنّنا إذا ارتفعنا بضعة كيلومترات أصبح من الصعب أن نتنفّس بسهولة (بغير قناة الأوكسجين)، وإذا ما واصلنا صعودنا ازداد ضيق تنفّسنا وأصبنا بالاغماء. إن ذكر هذا التشبيه في سورة (الأنعام/125)(2)، وفي زمن نزول القرآن، قبل أن تثبت هذه الحقيقة العلميّة، يُعتبر واحداً من معجزات القرآن العلميّة.

د-في خصوص الآية ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ في سورة الانشراح:

بعد أن عرفنا أهمّيّة شرح الصدر للإسلام، ومدى ضرورتها للإنسان المسلم لهدايته وارتقائه الفكريّ والمعنويّ، نعلم مدى أهميّة ذلك للأنبياء والرسل، حيث كلّما كان دور الإنسان أعظم كانت الحاجة إلى شرح الصدر أعظم.

لذلك نرى النبيّ موسى (ع) يدعو ربَّه، عندما أمره بالذهاب إلى فرعون ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾(3).

فلا يمكن لقائد كبير أن يجابه العقبات دون انشراح الصدر. ومن كانت رسالته أعظم (كرسالة النبيّ (ص)) كانت الضرورة لشرح صدره أكبر.

والمتمعّن في حياة الأنبياء وخاصّة رسول الله (ص) الّذي قال: "ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت"(4)، يرى مدى تحمّلهم لأقوامهم وصبرهم على أذاهم، وكلّ ذلك بعون الله وتوفيقه.

2- رفع الذكر:

يفهم كثير من الناس الإسلام فهماً خاطئاً، فمثلاً: بعض الناس يحسب أنّ الإسلام يحبس الإنسان في ذاته، ويكبت طموحاته حتّى ولو كانت شريفة، ولا يرضى للإنسان أن يكون مشهوراً بالمطلق. هذه النظرة ينفيها العديد من الآيات ومنها هذه الآية، حيث عدّ الله من النعم على رسول الله "رفع الذكر" الّذي يعني الاشتهار بالذكر المرتفع الحسن.

فلا ضير أن يكون المؤمن مشهوراً بالفكر الواسع، والأخلاق الحسنة، والفضائل الكريمة، طالما أنّها في رضا الله لا رضا الذّات.

فهذا محمّد (ص) الفقير اليتيم أصبح رسول الله، فاسمه مع الإسلام والقرآن قد ملأ الآفاق، وأكثر من ذلك اقترن اسمه باسم الله سبحانه في الأذان يرفع صباح مساء على المآذن، والشهادة برسالته لا تنفكّ عن الشهادة بتوحيد الله...

وفي الفضائل والمكارم والذكر الحسن فليتنافس المتنافسون.

3-إنّ مع العسر يسراً:

هذه الحقيقة ينبغي أن تظلّ في القلوب، خاصّة عند الضيق والمشاكل والمتاعب والفقر. لقد أكّد الله تعالى هذه الحقيقة مرّتين، فلن يبقى الفرد ولا الأمّة على حالة الضيق، فإنّ مع الضيق سعةً، ومع الفقر غنىً، ومع الشدّة فرجاً، وهذا ما نتعلّمه من حياة رسول الله (ص) والمسلمين الأوائل الّذين كانوا في أشدّ ضيق، من الحصار الاجتماعيّ والاقتصاديّ والنفسيّ، فأشرق الفرج من بعد العسر.

فالآية تؤكّد صفة التفاؤل في نفس المؤمن، وتبعد عنه هواجس التشاؤم والقلق.

4-العمل الدائم والاعتماد على الله تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾

ذكر المفسّرون لتفسير الآيتين معاني، منها:

إذا فرغت من فريضة الصلاة فادع الله واطلب منه ما تريد.

أو عند فراغك من أمور الدنيا ابدأ بأمور الآخرة والصلاة وعبادة الربّ.

أو عند فراغك من الواجبات توجّه إلى المستحبّات الّتي حثّ الله عليها.

أو عند فراغك من جهاد الأعداء انهض إلى العبادة.

أو عند فراغك من جهاد الأعداء ابدأ بجهاد نفسك.

أو عند انتهائك من أداء الرسالة انهض لطلب الشفاعة.

أو كما عن الحسكانيّ، حيث روى عن الإمام الصادق (ع) في "شواهد التنزيل" في تفسير الآية: "إذا فرغت فانصب عليّاً بالولاية"(5).

أو كما عن القرطبيّ في تفسيره حيث روى عن بعضهم أنّ معنى الآية: إذا فرغت فانصب إماماً يخلفك.

ولكن كلّ هذه المعاني يجمعها معنى عامّ، وهدفها أن تحثّ المسلمين على عدم الخلود إلى الراحة، وتدعوه إلى السعي والعمل الدائم، اعتماداً واتّكالاً على الله تعالى.

خلاصة الدرس

-لقد بيّنت سورة الانشراح ثلاث نِعَمٍ على النبيّ (ص)، وبشّرته بزوال العقبات أمام دعوته، ودعت إلى عبادة الله والرغبة إليه.

-يهدي الله تعالى إليه من شرح صدره متقبّلاً للإسلام ومعتقداً بما أمر به النبيّ (ص)، ومثل هذا يكون مطمئنّاً مستقرّاً راضياً، أمّا من ضاق صدره بالإسلام وشرح للكفر صدراً فإنّ حياته تكون في قلق واضطراب دائمين.

-لا ضير أن يكون المؤمن مشهوراً بأخلاقه الحسنة وصفاته الحميدة طالما أنّها في رضا الله لا رضا الذات.

-تؤكّد السورة على صفة المؤمن من المتفاءل لا المتشائم.

-ينبغي للمؤمن أن تكون حياته في سعي دائم.

- ينبغي فيه رضا الله سبحانه.

أسئلة

1-لماذا تكرّرت الآية ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ مرّتين؟

2-ما هو المقصود من شرح الصدر؟

3-اذكر المعجزة القرآنيّة الّتي نبّهت إليها سورة الإنشراح.

4-هل الشهرة مذمومة مطلقاً؟

5-ما الّذي تؤكّده آية ﴿مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾؟


1- مجمع البيان، ج‏10، ص‏507.

2- يقول تعالى: ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾.

3- سورة طه، الآيتان:25-26.

4- مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج3، ص42.

5- راجع: شواهد التنزيل، الحاكم الحسكانيّ، ج2، ص451، ح1116 إلى 1119.