للمطالعة (كلام الإمام الخميني قدس سره حول تزكية النفس)
إعلم أنّ الإنسان أعجوبة، وله نشأتان وعالمان: نشأة ظاهريّة ملكيّة دنيويّة وهي بدنه، ونشأة باطنيّة غيبيّة ملكوتيَّة وهي من عالم آخر. ولنفس الإنسان وهي من عالم الغيب والملكوت مقامات ودرجات قسَّموها بصورة عامّة إلى سبعة أقسام حيناً، وإلى أربعة أقسام حيناً آخر وحيناً إلى ثلاثة أقسام وحيناً إلى قسمين. ولكلّ من المقامات والدرجات جنود رحمانيّة وعقلانيّة تجذب النفس نحو الملكوت الأعلى وتدعوها إلى السعادة، وجنود شيطانيّة وجهلانيّة تجذب النفس نحو الملكوت السفليّ وتدعوها للشقاء. ودائماً هناك جدال ونزاع بين هذين المعسكرين. والإنسان هو ساحة حربهما، فإذا تغلّبت جنود الرحمن كان الإنسان من أهل السعادة والرحمة وانخرط في سلك الملائكة وحشر في زمرة الأنبياء والأولياء والصالحين.
وأمّا إذا تغلّب جند الشيطان ومعسكر الجهل، كان الإنسان من أهل الشقاء والغضب، وحشر في زمرة الشياطين والكفّار والمحرومين.
إعلم أنَّ مقام النفس الأوّل ومنزلها الأسفل، هو منزل الملك والظاهر وعالمهما. وفي هذا المقام تتألّق الأشعّة والأنوار الغيبيّة في هذا الجسد المادّيّ والهيكل الظاهريّ، وتمنحه الحياة العرضيّة، وتجهّز فيه الجيوش، فكأنّ ميدان المعركة هو نفس هذا الجسد، وجنوده هي قواه الظاهريّة الّتي وجدت في الأقاليم الملكيّة السبعة، يعني: "الأذن والعين واللسان والبطن والفرج واليد والرجل". وجميع هذه القوى المتوزّعة في تلك الأقاليم السبعة هي تحت تصرف النفس في مقام الوهم. فالوهم سلطان جميع القوى الظاهريّة والباطنيّة للنفس، فإذا تحكّم الوهم على تلك القوى سواء بذاته مستقلّاً أو بتدخّل الشيطان، جعلها أي تلك القوى جنوداً للشيطان، وبذلك يجعل هذه المملكة تحت سلطان الشيطان، وتضمحلّ عندها جنود الرحمن والعقل، وتنهزم وتخرج من نشأة الملك وعالم الإنسان وتهاجر عنه، وتصبح هذه المملكة خاصّة بالشيطان. وأمّا إذا خضع الوهم لحكم العقل وكلاهما خضعا لحكم الشرع وكانت حركاتهما وسكناتهما مقيّدة بالنظام والعقل والشرع، فقد أصبحت هذه المملكة مملكةً روحانيّة وعقلانيّة، ولم يجد الشيطان وجنوده محطّ قدم لهم فيها.
إذاً، فجهاد النفس وهو الجهاد الأكبر الّذي يعلو على القتل في سبيل الحقّ تعالى) هو في هذا المقام عبارة عن انتصار الإنسان على قواه الظاهريّة، وجعلها تأتمر بأمر الخالق، وتطهير المملكة من دنس وجود قوى الشيطان وجنوده(1)...
1- الأربعون حديثاً، ص29.