للمطالعة

إن نوع العمل هو المهم لا مقداره، وهذه الحقيقة في القرآن واضحة جلية، فالإسلام لم يستند في أي مورد إلى كثرة العمل ومقداره، بل هو يؤكد دائماً وفي كل الموارد على أن الأساس هو نوع العمل وكيفيته، وهو يولي الإخلاص في العمل أهميةً خاصةً، والآيات المذكورة نموذج واضح لهذا المنطق القرآني. وكما رأينا أن القرآن الكريم مجد عملاً مختصراً لعامل مسلم بقي يعمل إلى الصباح في استقاء الماء بقلب يغمره عشق الله ومحبته، وينبض بالمسؤولية تجاه مشاكل المجتمع الإسلامي ليحصل على صاع من تمر ويقدمه لمقاتلي الإسلام في لحظات حساسة وفي مقابل ذلك نرى القرآن قد ذم الذين حقروا هذا العمل الصغير ظاهراً، الكبير واقعاً، وهددهم وأوعدهم بالعذاب الأليم الذي ينتظرهم. ومن هذه الواقعة تتضح حقيقة أخرى، وهي أن المسلمين في المجتمع الإسلامي الواقعي السالم يجب أن يحسوا جميعاً بالمسؤولية تجاه المشاكل التي تعترض المجتمع وتظهر فيه، ولا يجب أن ينتظروا الأغنياء والمتمكنين يقوموا وحدهم بحل هذه المشاكل والمصاعب، بل على الضعفاء أيضاً أن يساهموا بما يستطيعون، مهما صغر وقل ما يقدمونه، لأن الإسلام يتعلق بالجميع لا بفئة منهم، وعلى هذا، فعلى الجميع أن يسعوا في حفظ الإسلام ولو ببذل النفوس والدماء، ويعملوا بكل وجودهم من أجل حياته وصيانته. المهم أن كل فرد يجب أن يبذل ما يستطيع، ولا يلتفت إلى مقدار عطائه، فليس المعيار كثرة العطاء وقلته، بل الإحساس بالمسؤولية والإخلاص في العمل. ومن المناسب في هذا المقام أن نطالع حديثاً نقل عن النبي (ص)، حيث سيئل: أي الصدقة أفضل؟ فقال (ص): "جهد المقل"(1).


1- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ج 6 ص 142.