للمطالعة

هاروت وماروت ملكان إلهيان جاءا إلى الناس في وقت راج السحر بينهم وابتلوا بالسحرة والمشعوذين، وكان هدفهما تعليم الناس سبل إبطال السحر، وكما إن إحباط مفعول القنبلة يحتاج إلى فهم لطريقة فعل القنبلة، كذلك كانت عملية إحباط السحر تتطلب تعليم الناس أصول السحر، ولكنهما كانا يقرنان هذا التعليم بالتحذير من السقوط في الفتنة بعد تعلم السحر وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر. وسقط أولئك اليهود في الفتنة، وتوغلوا في انحرافهم، فزعموا أن قدرة سليمان لم تكن من النبوة، بل من السحر والسحرة. وهذا هو دأب المنحرفين دائماً، يحاولون تبرير انحرافاتهم باتهام العظماء بالإنحراف. هؤلاء القوم لم ينجحوا في هذا الاختبار الإلهي، فأخذوا العلم من الملكين واستغلوه على طريق الإفساد لا الإصلاح، لكن قدرة الله فوق قدرتهم وفوق قدرة ما تعلموه: فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم. لقد تهافتوا على اقتناء هذا المتاع الدنيوي وهم عالمون بأنه يصادر آخرتهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق. لقد باعوا شخصيتهم الإنسانية بهذا المتاع الرخيص ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون. لقد أضاعوا سعادتهم وسعادة مجتمعهم عن علم ووعي، وغرقوا في مستنقع الكفر والانحراف ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون(1).


1- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ج 1 ص 316.