للمطالعة (معايير التقييم)

من القضايا المهمة في حياة الأفراد والمجتمعات هي قضية "معايير التقييم" و"نظام القيم" الذي يتحكم بثقافة ذلك المجتمع. لأن كل الحركات الصادرة عن الأفراد والجماعات في حياتهم إنما تنبع من هذا النظام وتهدف إلى خلق تلك القيم. واشتباه قوم من الأقوام وأمة من الأمم في هذه القضية والتعامل بقيم خيالية لا أساس لها قد يؤدي إلى طبع تأريخهم بطابع الغرور. عبيد الدنيا المغرورون يتصورون بأن القيم تنحصر فقط في المال والقدرة المادية والتعداد البشري، وهناك نماذج كثيرة من هذا القبيل تلاحظ في القرآن الكريم، منها:

1- فرعون، الطاغية المتجبر، الذي كان يقول لمن حوله بأنه لا يصدق أن موسى (ع) رسول من الله، فإن كان حقاً ما يقول فلم لم يعطه الله سواراً من الذهب فلولا القي عليه أسورة من ذهب. وحتى انه يرى عدمها دليل على المهانة والدونية، فيقول: أم أنا خير من هذا الذي هو مهين.

2- مشركو عصر الرسالة المحمدية، تعجبوا من نزول القرآن على رجل فقير كرسول الله (ص) وقالوا: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم.

3- بنو إسراًئيل اعترضوا على نبي زمانهم " أشموئيل " في قضية انتخاب" طالوت " كقائد للجيش وقالوا: نحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال.

4- مشركو زمان نوح (ع) الأثرياء اعترضوا عليه بأن اتبعه أراذلهم، وهم الفقراء في نظرهم قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون.

5- أثرياء مكة أوردوا نفس هذا الاعتراض على الرسول الأكرم (ص) بقولهم: لقد أحاط بك الحفاة، ونحن نشمأز حتى من رائحتهم، فلا نتبعك إلا بابتعادهم عنك. لهذه الأسباب، كان أول عمل إصلاحي يقوم به الأنبياء هو تحطيم أطر التقييم الكاذبة تلك، واستبدالها بالقيم الإلهية الأصيلة والقيام ب? "ثورة ثقافية"أبدلوا أساس الشخصية ومحورها من الأموال والأولاد والثروة والجاه والشهرة القبلية والعائلة إلى التقوى والإيمان والعمل الصالح. فليس هناك شيء غير التقوى، والإيمان المقترن بالشعور بالمسؤولية، وصلاح العمل، ليس سوى ذلك معياراً لتقييم شخصية الإنسان وقربه من الله تعالى. وكل من كان له نصيب أكبر من ذلك كان الى الله أقرب وعنده أكرم(1).


1- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ج 13 ص 464-466.