الدرس العاشر: من المظالم، تحقير المؤمنين

﴿وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾(1).

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ (2) مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾(3).

قصة هاتين الآيتين

ورد في كتب التفسير في بيان سبب نزول الآيات أنه كان بالمدينة قوم فقراء مؤمنون يسمون أصحاب الصفة، وكان رسول الله (ص) أمرهم أن يكونوا في صفة يأوون إليها، وكان رسول الله (ص) يتعاهدهم بنفسه، وربما حمل إليهم ما يأكلون، وكانوا يختلفون إلى رسول الله (ص) فيقربهم ويقعد معهم ويؤنسهم، وكان إذا جاء الأغنياء والمترفون من أصحابه ينكروا عليه ذلك، و يقولوا له: اطردهم عنك، فجاء يوماً رجل من الأنصار إلى رسول الله (ص) وعنده رجل من أصحاب الصفة قد لزق برسول الله (ص)، ورسول الله يحدثه، فقعد الأنصاري بالبعد منهما، فقال له رسول الله (ص): تقدم فلم يفعل فقال له رسول الله (ص): لعلك خفت أن يلزق فقره بك؟ فقال الأنصاري: اطرد هؤلاء عنك، فأنزل الله: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم"(4).

وورد في في بيان سبب نزول الآية الثانية: أنه جاء الأقرع علي بن حابس التميمي، وعيينة بن حصين الفزاري، وذووهم من المؤلفة قلوبهم، فوجدوا النبي (ص) قاعدا مع بلال، وصهيب، وعمار، وخباب، في ناس من ضعفاء المؤمنين، فحقروهم، وقالوا: يا رسول الله ! لو نحيت هؤلاء عنك، حتى نخلو بك، فإن وفود العرب تأتيك، فنستحي أن يرونا مع هؤلاء الأعبد، ثم إذا انصرفنا، فإن شئت فأعدهم إلى مجلسك ! فأجابهم النبي (ص) إلى ذلك، فقالا له: أكتب لنا بهذا على نفسك كتابا، فدعا بصحيفة وأحضر عليا ليكتب، قال: ونحن قعود في ناحية، إذ نزل جبرائيل (ع) بقوله (ولا تطرد الذين يدعون) إلى قوله ( أليس الله بأعلم بالشاكرين) فنحى رسول الله (ص) الصحيفة، وأقبل علينا، ودنونا منه، وهو يقول: كتب ربكم على نفسه الرحمة، فكنا نقعد معه، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فأنزل الله عز وجل (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم) الآية. قال: فكان رسول الله (ص) يقعد معنا، ويدنو حتى كادت ركبتنا تمس ركبته، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها، قمنا وتركناه، حتى يقوم، وقال لنا: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي، معكم المحيا، ومعكم الممات(5).

أولا: تحقير المؤمن ظلم

من الأمراًض الأخلاقية التي قد يُبتلى بها الإنسان المؤمن أن يعيش حالة من التحقير للمؤمنين متفضلاً عليهم بما يراه في نفسه مما يفتقده غيره. وقد ورد في الرواية عن رسول الله (ص): حسب ابن آدم من الشر أن يحقر أخاه المسلم(6).

بل من عظم هذا الذنب أن جعل الله عز وجل تحقير المؤمن في حد محاربة الله عز وجل ففي الرواية عن الإمام الصادق (ع): قال الله عز وجل: ليأذن بحرب مني من أذل عبدي المؤمن(7).

ثانيا: عقوبة تحقير المؤمن

نظرا لعظم هذا الذنب عند الله عز وجل فإنّ ما ورد في الروايات من بيان لعقوبة هذا الذنب والآثار التكوينية المترتبة عليه عظيم جدا فلنلحظ هذه الروايات:

أ- الرد من الله:

إذا وقع الإنسان في ذنب تحقير المؤمن، فإن الرد على ذلك سوف يكون من الله عز وجل، وذلك لأن المؤمن قد لا يستطيع أن ينتصر لنفسه ممن حقّره، فيكون العقاب إلهياً، ففي الرواية عن الإمام الصادق (ع): من حقر مؤمناً مسكيناً لم يزل الله، له حاقراً ماقتاً حتى يرجع عن محقرته إياه(8).

ب-الفضيحة والتشهير:

من العقوبات التي ينالها من يُمارس التحقير بالناس أن ينقلب الأمر عليه، وذلك بفضيحة الله عز وجل له على فعله ففي رواية عن رسول الله (ص): من استذل مؤمنا أو مؤمنة، أو حقره لفقره أو قلة ذات يده، شهره الله تعالى يوم القيامة ثم يفضحه(9).

وهكذا نشهد كيف ان الروايات تجعل العقوبة من الله عز وجل، حيث يكون الانتقام والانتصار للمؤمن من الله عز وجل مباشرة، فقد ورد في رواية عن الإمام الصادق (ع): إن الله تبارك وتعالى يقول: من أهان لي ولياً فقد أرصد لمحاربتي، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي(10).

ثالثا: كيف نعالج هذا المرض الأخلاقي؟

كما بيّنت الرواية عظم هذا المرض الأخلاقي، وضرورة تجنّبه، بينّت الروايات طرق علاجه، وكيفية الخلاص منه، وهذه الطرق تتمثل بالتالي:

أ-العبودية المشتركة:

إذا تأمل الإنسان قليلاً في الشخص الذي يحتقره فسوف يجد أنه يشترك معه في العبودية لله عز وجل فما معنى أن يحتقره، لا بد وأن يكون احتقاره له لأمر غير صحيح، ففي الرواية عن لقمان (ع) لابنه: يا بني لا تحقرن أحداً بخلقان ثيابه، فإن ربك وربه واحد(11).

ب-الخطأ في معيار التفضيل:

من الأسباب التي تؤدّي إلى وقوع الإنسان في هذا المرض الأخلاقي، الخطأ في معيار التفضيل، فهو يرى لنفسه من الصفات ما يجعله يعتقد نفسه أفضل من الغير، فيبدأ بتحقير ذلك الغير، مع أن واقع الحال أن ذلك الغير أفضل منه، ولو وضع الإنسان في باله دائماً هذا الاحتمال لأمكنه أن يحذر من الوقوع في هذه المعصية، ففي الرواية عن رسول الله (ص): لا يزرأن أحدكم بأحد من خلق الله فإنه لا يدري أيهم ولي الله(12).

ج-القيمة الحقيقية هي عند الله:

إن القيمة الحقيقية للإنسان هي عند الله عز وجل، فإذا كان الإنسان عند الله كبيرا، فهذا هو الذي له حق أن يكون محلاً للاحترام، وتحقيره يكون خللاً وخطأً، فإذا كانت قيمة الإنسان عند الله عز وجل بإيمانه، فلا ينبغي أن يحقر مؤمناً، لأن هذا المؤمن يكون كبيراً عند الله، ففي الرواية: عنه (ص): لا تحقرن أحداً من المسلمين، فإن صغيرهم عند الله كبير(13).

كيف وقد جعل الله الإيمان من أعظم الكرامات، فكيف يقوم الإنسان بتحقير غيره وهو من أهل الإيمان ففي الرواية عن الإمام الباقر (ع): ما خلق الله عز وجل خلقا أكرم على الله عز وجل من المؤمن لأن الملائكة خدام المؤمنين(14).

بل كيف تحتقر المؤمن وأنت تدرك عظمة هذا المؤمن عند الله، وهي أعظم من عظمة الكعبة المشرفة بيت الله عز وجل ففي الرواية عن رسول الله (ص): أن رسول الله (ص) نظر إلى الكعبة فقال: مرحباً بالبيت، ما أعظمك وأعظم حرمتك على الله؟ ! والله للمؤمن أعظم حرمةً منك لأن الله حرم منك واحدة ومن المؤمن ثلاثة: ماله، ودمه، وأن يظن به ظن السوء(15).

خلاصة الدرس

- تحقير المؤمنين في حد المحاربة لله عز وجل على ما وردت به الروايات.

- عقوبة تحقير المؤمن: أ- الرد من الله، ب - الفضيحة من الله للمحقِّر.

- معالجة هذا المرض الأخلاقي تكون من خلال ملاحظة أمور هي: العبودية المشتركة، الخطأ في معيار التفضيل، القيمة الحقيقية عند الله عز وجل.

أسئلة حول الدرس

1- ما هو تعريف التحقير؟

2- لماذا ينتصر الله عز وجل لعبده المؤمن؟

3- كيف تشكل العبودية لله علاجا لحالة التحقير؟

4- كيف بيّن الرسول أن حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة؟


1- الانعام:52.

2- المعنى: احبس تفسك وكن معهم.

3- الكهف:28.

4- بحار الأنوار العلامة المجلسي ج 17 ص 81-82.

5- تفسير مجمع البيان الشيخ الطبرسي ج 4 ص 62.

6- ميزان الحكمة محمد الريشهري ج 1 ص 652.

7- ثواب الأعمال الشيخ الصدوق ص 238.

8- الكافي الشيخ الكليني ج 2 ص 351.

9- وسائل الشيعة (آل البيت) الحر العاملي ج 12 ص 267.

10- الكافي الشيخ الكليني ج 2 ص 351.

11- بحار الأنوار العلامة المجلسي ج 69 ص 47.

12- بحار الأنوار العلامة المجلسي ج 72 ص 147.

13- ميزان الحكمة محمد الريشهري ج 1 ص 652.

14- الكافي الشيخ الكليني ج 2 ص 33.

15- بحار الأنوار العلامة المجلسي ج 64 ص 71.