الدرس التاسع: حصانة المسلمين

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ * مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾(1).

قصة هاتين الآيتين

عن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام: وكانت هذه اللفظة: (راعنا) من ألفاظ المسلمين الذين يخاطبون بها رسول الله (ص) يقولون: راعنا، أي إرع أحوالنا، واسمع منا كما نسمع منك. وكان في لغة اليهود معناها: اسمع. لا سمعت. فلما سمع اليهود، المسلمين يخاطبون بها رسول الله (ص) يقولون: راعنا ويخاطبون بها، قالوا: إنا كنا نشتم محمداً إلى الآن سراً، فتعالوا الآن نشتمه جهراً. وكانوا يخاطبون رسول الله (ص) ويقولون: راعنا، ويريدون شتمه. ففطن لهم سعد بن معاذ الأنصاري، فقال: يا أعداء الله عليكم لعنة الله، أراكم تريدون سب رسول الله (ص) وتوهمونا أنكم تجرون في مخاطبته مجرانا، والله لا سمعتها من أحد منكم إلا ضربت عنقه،

ولولا أني أكره أن أقدم عليكم قبل التقدم والاستيذان له ولأخيه ووصيه علي بن أبي طالب (ع) القيم بأمور الأمة نائباً عنه فيها، لضربت عنق من قد سمعته منكم يقول هذا. فأنزل الله: يا محمد ﴿مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ... فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾(2). وأنزل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا﴾(3) يعني فإنها لفظة يتوصل بها أعداؤكم من اليهود إلى شتم رسول الله (ص) وشتمكم. وقولوا: (انظرنا)، أي قولوا بهذه اللفظة، لا بلفظة راعنا، فإنه ليس فيها ما في قولكم: راعنا، ولا يمكنهم أن يتوصلوا بها إلى الشتم كما يمكنهم بقولهم راعنا (واسمعوا) إذا قال لكم رسول الله (ص) قولاً وأطيعوا(4).

حصانة المسلمين

تتحدث الآيات الكريمة أنّ على المسلمين أن لا يوفروا للأعداء فرصة الطعن بهم، وأن لا يتيحوا لهم بفعل أو قول ذريعة يسيئون بها إلى الجماعة المسلمة. عليهم أن يتجنبوا حتى ترديد عبارة يستغلها العدو لصالحه. الآية تصرح بالنهي عن قول عبارة تمكن الأعداء أن يستثمروا أحد معانيها لتضعيف معنويات المسلمين، وتأمرهم باستعمال كلمة أخرى غير تلك الكلمة القابلة للتحريف ولطعن الأعداء. حين يشدد الإسلام إلى هذا الحد في هذه المسألة البسيطة، فإن تكليف المسلمين في المسائل الكبرى واضح، عليهم في مواقفهم من المسائل العالمية أن يسدوا الطريق أمام طعن الأعداء، وأن لا يفتحوا ثغرة ينفذ منها المفسدون في الداخل او الأعداء من الخارج للإساءة إلى سمعة الإسلام والمسلمين(5).

-الحذر من الغفلة عن الأعداء

ورد في العديد من الروايات الحث على اليقظة التامة من العدو، وعدم الغفلة عنه، في كل صغيرة وكبيرة، ففي الرواية عن الإمام علي (ع): من نام لم يُنم عنه(6). فالعدو دائم الترصد لك، فإن غفلت عنه باغتك ولذا ورد وصف من يقع في ذلك بأنه من عظيم العجز فقد ورد عن أمير المؤمنين (ع): والله إن امرأ يمكن عدوه من نفسه يعرق لحمه، ويهشم عظمه، ويفري جلده، لعظيم عجزه(7).

-الصلح لا يمنع الحذر

ولو صالحت عدواً لك، نتيجة ما تفرضه بعض الظروف فإنّ هذا لا يعني إطلاقاً أن تغفل عن هذا العدو أو تأمن جانبه ففي عهد الإمام علي (ع) لمالك الأشتر يقول: لا تدفعن صلحاً دعاك إليه عدوك ولله فيه رضى، فإن في الصلح دعةً لجنودك، وراحةً من همومك، وأمناً لبلادك، ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه، فإن العدو ربما قارب ليتغفل، فخذ بالحزم، واتهم في ذلك حسن الظن(8).

-الصحيح سوء الظن بالأعداء لا حسن الظن بهم

ورد الحث في الروايات على حسن الظن بالناس، بل ورد النهي عن سوء الظن بهم، إلا في مواطن خاصة، فإن سوء الظن يصبح مطلوباً، وذلك كما في مواطن الاحتراس من العدو فعن الإمام الحسن (ع): الاحتراس من الناس بسوء الظن، هو الحزم(9).

وهذا هو القرآن الكريم وعندما يتعرّض بالتعليم لطريقة القتال، ينبّه المؤمنين المجاهدين على ضرورة الحذر من الاعداء مبيناً كيف يتحينون الفرص لمباغتة

المسلمين، قال تعالى: ﴿وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً﴾(10).

تربية أهل البيت (عليهم السلام) لشيعتهم

لقد كانت العيون تترصد بشيعة أهل البيت (عليهم السلام) تريد النيل منهم والنقيصة فيهم، وذلك لانتسابهم للأئمة، حيث لم يجد أعداء أهل البيت (عليهم السلام) مجالاً للطعن على الأئمة بشيء، فأرادوا الطعن بهم من خلال الطعن بشيعتهم واتباعهم وأنصارهم، ولذا ورد تحذير الأئمة (عليهم السلام) لشيعتهم من ذلك وتربيتهم على الحذر من ارتكاب بعض ما يكون باباً للتشنيع عليهم وعلى الإئمة ففي رواية عن الإمام الصادق (ع): يا معشر الشيعة إنكم قد نسبتم إلينا، كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً(11).

وفي رواية أخرى عنه (ع): معاشر الشيعة كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيئاً، قولوا للناس حسناً، احفظوا ألسنتكم، وكفوها عن الفضول وقبيح القول(12).

كما بيّنت روايات أخرى إن فائدة هذا هي الاقتراب بالناس من الأئمة (عليهم السلام)، وجعل قلوب الناس تهوى الأئمة لما ترى من الشيعة من حسن الخلق، والآداب، ففي الرواية عن الإمام الصادق (ع) قال: يا عبد الأعلى... فاقرأهم السلام ورحمة الله يعني الشيعة وقل: قال لكم: رحم الله عبداً استجرَّ مودة الناس إلى نفسه وإلينا، بأن يظهر لهم ما يعرفون ويكف عنهم ما ينكرون(13).

وفي رواية أخرى عنه (ع): رحم الله عبداً حببنا إلى الناس ولم يبغضنا إليهم، أما والله لو يروون محاسن كلامنا لكانوا به أعز، وما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشيء، ولكن أحدهم يسمع الكلمة فيحط إليها عشراً(14).

وفي هذه الرواية نجد بوضوح كيف يبيّن الإمام (ع) أن ما يجب على الشيعة الحذر منه أن يتعلق أحد عليهم بشيء، أي أن يبدأ بتوجيه أصابع الذم إليهم بفعل من أفعالهم، فالفعل الصغير قد يضخمه الأعداء فيصبح فعلاً عظيماً، وباباً من أبواب الذم، والطعن من قبل الأعداء، ولذا لا بد وأن تكون درجة الحذر أعلى في الموارد التي يكون الإنسان في مرمى نظر الأعداء.

خلاصة الدرس

- من مصاديق تمكين الأعداء من المسلمين فتح الباب أمامهم للطعن في المسلمين.

- من أعظم العجز الغفلة عن أعداء الدين بما يتيح لهم الفرصة للانقضاض على المسلمين.

- القاعدة والأصل هي سوء الظن بأعداء الدين والمسلمين.

- سعى أهل البيت (عليهم السلام) لتربية أصحابهم على الحذر من فتح الباب لأعداء أهل البيت للطعن في الشيعة، وهذا ما وردت به الروايات العديدة.

أسئلة حول الدرس

1- ما هي عاقبة الغلفة عن الأعداء طبقا لما ورد في الروايات؟

2- فسّر قول الإمام علي (ع): فخذ بالحزم واتهم بذلك حسن الظن.

3- كيف يمكن للأعداء استغلال صغائر الأمور للطعن على المسلمين؟

4- فسر قول الإمام الصادق (ع): كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً.


1- البقرة:104-105.

2- النساء:46.

3- البقرة:104.

4- تفسير الإمام العسكري المنسوب إلى الإمام العسكري ص 478 ? 479.

5- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ج 1 ص 325.

6- نهج البلاغة، الكتاب رقم 62، كتابه إلى أهل مصر.

7- نهج البلاغة، الخطبة 34.

8- نهج البلاغة، عهد الإمام لمالك الأشتر.

9- بحار الأنوار العلامة المجلسي ج 75 ص 115.

10- النساء:102.

11- بحار الأنوار العلامة المجلسي ج 85 ص 119.

12- وسائل الشيعة (آل البيت) الحر العاملي ج 12 ص 194.

13- بحار الأنوار العلامة المجلسي ج 2 ص 77.

14- الكافي الشيخ الكليني ج 8 ص 229.