للمطالعة (آفة الحسد)
عن رسول اللَّه (ص) قال:
"قال اللَّه عزَّ وجلَّ لموسى بن عمران (ع): يا بن عمران لا تحسدن الناس على ما أتيتهم من فضلي ولا تمدن عينيك إلى ذلك ولا تُتَبعِهُ نفسك فإن الحاسد ساخط لنعمي ضاد لقسمي الذي قسمت بين عبادي ومن يك ذلك فلست منه وليس مني"(1).
يقول الإمام الخميني قدس سره في معرض شرحه للحديث المتقدم:
إن "الحسد" حالة نفسية يتمنى صاحبها سلب الكمال والنعمة التي يتصورها عند الآخرين، سواء أكان يملكها أم لا، وسواء أرادها لنفسه أم لم يردها، وهذا يختلف عن "الغبطة" لأن صاحب الغبطة يريد النعمة التي توجد لدى الغير، أن تكون لنفسه، من دون أن يتمنى زوالها عن الغير.
وأما قولنا "النعمة التي يتصورها عند الآخرين" فنعني به أنَّ تلك النعمة قد لا تكون بذاتها نعمة حقيقية. فطالما تبين أن الأمور التي تكون بحد ذاتها من النقائض والرذائل، يتصورها الحسود من النعم والكمالات، فيتمنى زوالها عن الآخرين، أو أن خصلة تعدَّ من النقائص للإنسان ومن الكمال للحيوان ويكون الحاسد في مرتبة الحيوانية فيراها كمالاً، ويتمنى زوالها فهناك بين الناس، مثلاً أشخاص يحسبون الفتك بالغير وسفك الدماء موهبة عظيمة. فإذا شاهدوا من هو كذلك حسدوه، أو قد يحسبون سلاطة اللسان وبذاءته من الكمالات وتصور وجود النعمة، لا النعمة لنفسها، فالذي يرى في الآخرين نعمة حقيقية كانت أو موهومة ويتمنى زوالها، يعدُّ حسوداً.
اعلم أن للحسد أنواعاً ودرجات حسب حال المحسود وحسب حال الحاسد وحسب حال الحسد ذاته أما من حيث حال المحسود، فمثل أن يحسد شخصاً لما له من كمالات عقلية، أو خصال حميدة، أو لما يتمتع به من الأعمال الصالحة والعبادية، أو لأمور خارجية أخرى، مثل امتلاك المال والجاه والعظمة والاحتشام وما إلى ذلك، أو أن يحسد على ما يقابل هذه الحالات من حيث كونها من الكمال الموهوم الموجود في المحسود.
وأما من حيث حال الحاسد فقد ينشأ الحسد أحياناً من العداوة، أو التكبر، أو الخوف وغير ذلك من الأسباب والعوامل التي سيرد ذكرها فيما بعد.
وأما من حيث حال الحسد نفسه، الذي نستطيع أن نقوله أنها الدرجات، والتقسيمات الحقيقية للحسد دون ما سبق ذكره فلشدته وخفته مراتب كثيرة تختلف باختلاف الأسباب كما تختلف باختلاف الآثار.