للمطالعة (فتح مكة)
بعد صلح الحديبية عمد المشركون إلى نقض العهد، وإلى خرق بنود وثيقة الصلح، واعتدوا على المتحالفين مع رسول اللّه (ص). فشكى المتحالفون ذلك إلى الرسول، فقرر (ص) أن يهب لحمايتهم.
لذلك استعد النبي للحركة بأمر اللّه سبحانه صوب مكة.
في المرحلة التمهيدية تم تعبئة القوى اللازمة واختيار الظروف الزمانية المساعدة، وجمع المعلومات الكافية عن العدوّ.
هذه المرحلة اتصفت بالدقة المتناهية، ورسول اللّه (ص) سيطر على الطريق بين مكة والمدينة سيطرة تامة حتى لا يتسرب خبر هذا الاستعداد الإسلامي إلى مكة، ولكي يتم الفتح بشكل مباغت وهذا أدى إلى فتح مكة دون إراقة دماء تقريباً.
النبي (ص) توجه في العاشر من رمضان سنة ثمان للهجرة إلى مكة، ووصلها بعد عشرة أيام.
والمرحلة الثانية كانت فتح مكة بأسلوب ماهر خال من القتال وصل المسلمون إلى مشارف مكة وعسكروا عند "مر الظهران" على بعد عدة كيلومترات من المدينة، وفي الليل أشعلوا نيران كثيرة لإعداد الطعام (ولعلهم فعلوا ذلك لإثبات تواجدهم الواسع)، رأى جمع من أهل مكة هذا المنظر فتحيروا.
أخبار الزحف الإسلامي كانت لا تزال خافية على قريش في تلك الليلة خرج أبو سفيان ومعه عدد من سراة قريش للاستطلاع خارج مكة.
وفي نفس الليلة قال العباس عم النبي (ص): "يا سوء صباح قريش، واللّه لئن باغتها رسول اللّه في ديارها فدخل مكة عنوة إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر".
فاستأذن رسول اللّه (ص) وخرج على بغلته لعله يرى واحداً متجهاً إلى مكة فيخبرهم بمكان رسول اللّه فيأتونه فيستأمنونه.
وبينما العباس يطوف بأطراف مكة إذ سمع صوت أبي سفيان ومعه القرشيون الذين خرجوا يتجسسون فقال أبو سفيان: ما رأيت نيراناً أكثر من هذه!. فقال له أحد مرافقيه: هذه نيران خزاعة.
فقال أبو سفيان: خزاعة أذل من ذلك.
نادى العباس أبا سفيان، فسأله أبو سفيان على الفور: ما وراءك؟
قال العباس: هذا رسول اللّه (ص) في المسلمين أتاكم في عشرة آلاف.
قال أبو سفيان: ما تأمرني؟
أجابه العباس: تركب معي فأستأمن لك رسول اللّه (ص) فواللّه لئن ظفر بك ليضربنّ عنقك.
فخرجا يركضان نحو رسول اللّه (ص). فكلما مرّا بنار من نيران المسلمين يقولون: عم رسول اللّه على بغلة رسول اللّه (أي أن المارّ ليس بغريب)...
دخل العباس أبا سفيان على رسول اللّه فقال رسول اللّه (ص) للعباس: "اذهب فقد أمنّاه حتى تغدو عليّ به بالغداة".
فلما كان من الغد جاء العباس بأبي سفيان إلى رسول اللّه (ص) فلما رآه قال (ص):"ويحك يا أبا سفيان! ألم يأنِ لك أن تعلم أن لا إله إلا اللّه؟".
قال: بلى، بأبي أنت وأمي لو كان مع اللّه غيره لقد أغني عني شيئاً.
فقال (ص):"ويحك ألم يأنِ لك أن تعلم أني رسول اللّه؟".
فقال: بأبي أنت وأمي، أما هذه ففي النفس منها شيء.
فقال له العباس: ويحك تشهد شهادة الحق قبل أن تضرب عنقك! فتشهّد.
فقال رسول اللّه (ص) للعباس: "اذهب فاحبس أبا سفيان عند خطم الجبل بمضيق الوادي حتى تمرّ عليه".
قال العباس: يا رسول اللّه إن أبا سفيان يحب الفخر فاجعل له شيئاً يكون في قومه.
فقال (ص):"من دخل دار أبي سفيان فهو آمن... ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن..".
ثم قال العباس: إلحق بقومك سريعاً فحذّرهم.
فخرج حتى أتى مكة فصرخ في المسجد: يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به. ثم قال: من دخل داري فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، وقال: يا معشر قريش أسلموا تسلموا.
ما قبلت امرأته هند فأخذت بلحيته وقالت: يا آل غالب اقتلوا هذا الشيخ الأحمق فقال: أرسلي لحيتي وأقسم لئن أنت لم تُسلمي لتُضربنّ عنقك، ادخلي بيتك! فتركته.
ثم بلغ رسول اللّه (ص) مع جيش منطقة "ذي طوى" وهي مرتفع يشرف على بيوت مكة. فتذكر الرسول ذلك اليوم الذي خرج فيه مضطراً متخفياً من مكة. وها هو يعود إليها منتصراً، فوضع رأسه تواضعاً للَّه وسجد على رحل ناقته شكراً له سبحانه.
ثمّ ترجّل النبي الأكرم (ص) في "الحجون" إحدى محلات مكة، وفيها قبر خديجة عليها السلام واغتسل، ثم ركب ثانية بجهاز الحرب ودخل المسجد الحرام وهو يتلو سورة الفتح. ثم كبر وكبر جند الإسلام معه. فدوى صوت التكبير في أرجاء مكة.
ثم نزل من ناقته، واقترب من الكعبة، وجعل يُسقط الأصنام واحداً بعد آخر وهو يقول: "جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً".
وكان عدد من الأصنام قد نصب فوق الكعبة، ولم تصل إليها يد الرسول (ص) فأمر علياً أن يصعد على كتفه المباركة ويرمي الأصنام فامتثل علي (ع) أمر الرسول (ص).
ثم أخذ مفاتيح الكعبة(1).
1- بتلخيص عن الكامل لابن الأثير، ج2، وتفسير مجمع البيان، تفسير سورة النصر.