سورة غافر
(1): ﴿حم﴾: تقدم في أول البقرة.
(2): ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ﴾: القرآن ﴿مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾: الذي لا يخفى عليه شيء، وليس كمثله شيء ذاتًا وصفاتًا وسلطانًا.
(3): ﴿غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾: قدَّم الذنب وأخَّر التوبة، لأنها العفو عما سلف ﴿شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾: لمن طغى وعمل بما يهوى ﴿ذِي الطَّوْلِ﴾: ذي النعم التي لا يحصيها العادون، ويعجز عن شكرها المجتهدون.
(4): ﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾: لا يعاكس الحق إلا الجحود والعنود ﴿فَلَا يَغْرُرْكَ﴾: ما يملكون من أموال يتاجرون بها في البلاد، فإنها إلى زوال ونفاد.
(5): ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ﴾: وهم كل قوم تحزبوا ضد الحق وأهله ﴿وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ﴾: بالقتل والتنكيل ﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ﴾: يحاولون توهين الحق بالشبهات الباطلة والأقوال الكاذبة ﴿فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾: حقًا كان الهلاك شديدًا مدمرًا.
(6): ﴿وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ﴾: العذاب على كل طاغ وباغ.
(7): ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ﴾: إله العالم لا يحمل جالسًا على العرش أولاً لأنه منزه عن المادة ثانيًا لأن الحامل أقوى من المحمول، وإذن لا بد من تأويل الظاهر بما يتفق مع العقل والقوانين اللغوية وجلال الذات القدسية، والذي نتصوره الآن أن العرش وحمَلَته ومن حوله كل ذلك وما إليه كناية عن العظمة والجلال والسلطان المطلق والدائم ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾: أمر سبحانه الملائكة أن يستغفروا ويدعوا للذين آمنوا وعملوا الصالحات، فاستجابوا ودعوا ومن جملة ما قالوا:
(8): ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾: اجمع غدًا شمل الأسرة المؤمنة تمامًا كما كانوا في الدنيا، ليزدادوا سرورًا على سرور.
(9): ﴿وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ﴾: من الوقاية بمعنى الصيانة، تقول: وقاك الله من كل سوء أي صانك من كل مكروه وعليه يكون المراد بالسيئات المكروهات.
(10): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ...﴾: بالبناء للمجهول والمعنى يقال غدًا للكافرين وهم في قعر جهنم: أنتم الآن تكرهون أنفسكم حيث أدت بكم إلى هذا المصير، وكنتم تحبونها وأنتم في الدنيا، ولكن الله كان آنذاك يمقتها ويمقتكم مقتًا أشد من مقتكم لها اليوم حيث كان يدعوكم إلى النجاة والحياة الطيبة، فتعرضون وتنفرون، فذوقوا اليوم ما قدمتم لأنفسكم.
(11): ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ﴾: الموتة الأولى قبل خروجهم من بطون الأمهات، والثانية الموت المعهود ﴿وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾: الأولى في الدنيا، والثانية في الآخرة ﴿فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ﴾: بيدك الموت والحياة والنعيم والجحيم، وقد أدخلتنا النار بالحق والعدل، ونحن لها أهل، فأخرجنا منها بجودك وكرمك! ولو كان هذا التضرع في الدنيا وقبل أن يذوقوا العذاب ? لأثَّر وأثمر، أما أن يعترفوا وهم يتلظون في النيران فلا ينفعهم شيئًا تمامًا كالإقرار، ينتزع بالضغط والإجبار.
(12): ﴿ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ...﴾: دعوناكم في الدنيا فلم تستجيبوا لنا، وتدعوننا في الآخرة فلا نستجيب لكم، وكما تكونون يولى عليكم.
(13): ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾: أرانا سبحانه الكثير من عجائب خلقه، وقال لنا فيما ذكَّر وأرشد: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون ? 21 الذاريات) ولكن لا يبصر ويعتبر ﴿إِلَّا مَن يُنِيبُ﴾: أي يتحرر من التقليد، ويرجع إلى الحق لوجه الحق.
(14): ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾: كونوا من أهل الدين واقعًا لا شكلاً، وفعلاً لا قولاً ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾: أي حتى ولو عانيتم من أعداء الله والإنسانية الأذى والتنكيل.
(15): ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ﴾: كناية عن الجلال والكمال ﴿يُلْقِي الرُّوحَ﴾: الوحي ﴿عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ﴾: وهم الرسل والأنبياء ﴿لِيُنذِرَ﴾: الله أو الوحي بالعذاب ﴿يَوْمَ التَّلَاقِ﴾: يوم القيامة حيث يلتقي الإنسان بجزاء عمله.
(16): ﴿يَوْمَ هُم بَارِزُونَ﴾: لا سر ولا حجاب يوم القيامة، فكل شيء على المكشوف ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ﴾: من يمضي حكمه وينفذ يوم القيامة؟ الله الذي يبطش البطشة الكبرى بكل معتد وجبار أثيم، وكل حسود وحقود لئيم.
(17): ﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ... ﴾: هذه قضية رياضية عقلية ومن المسلمات الأولية، وليس للدين والشريعة إلا إمضاؤها والعمل بموجبها.
(18): ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ﴾: اسم ليوم القيامة مثل عبد الكريم أو عبد الكرامة، والآزفة: القريبة الدانية لأن هذا اليوم آت، وكل آت قريب ﴿إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ﴾: هلعًا وجزعًا ﴿كَاظِمِينَ﴾: محزونين ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ﴾: صديق ينفع ولا شفيع يشفع.
(19): ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ﴾: كغمزات السخرية والاحتقار، ونظرات الخبث والريبة.
(20): ﴿وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾: يجزي السيئة بمثلها والحسنة بالأحسن ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ﴾: الأصنام ونحوها ﴿لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾: لأنهم لا يملكون أي شيء حتى السمع والبصر.
(21): ﴿أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ... ﴾: تقدم في الآية 109 من سورة يوسف وغيرها.
(22): ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم... ﴾: أهلك سبحانه الأمم الماضية لأنها كذبت المرسلين، وتقدم مرات.
(23): ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾: أي بالمعجزات، ومنها العصا واليد.
(24): ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ﴾: الأول تعالى وتربب، والثاني شيطانه المقرَّب، والثالث أطغاه المال وأرداه.
(25): ﴿فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ... ﴾: أمر فرعون بقتل الذكور من بني إسرائيل، وإبقاء الإناث منهم قبل موسى، ولما جاء وثار على فرعون أكد أمره السابق، وأصر على استمراره والتشدد فيه.
(26) ? (27): ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾: أي لا يبالي بموسى ولا بمن أرسله، وقريب من هذا قول بني إسرائيل لموسى: إذهب أنت وربك، وعبدوا العجل، وليس العجل كمعبود بأفضل من فرعون كمربوب ﴿إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾: ! أرأيت هذا المنطق! رسول الله يحرف الدين ويفسد الأرض ومدَّعي الربوبية يقيم الدين ويصلح الأرض تمامًا كقوى الشر في عهدنا تعمل للقضاء على الدين بكل سبيل وتدعي أنها من حُماته، وتمتص دماء المستضعفين خوفًا من إراقتها!.
(28): ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾: أهذه جريمة لا تغتفر؟ كيف وقد جاءكم بالبرهان القاطع على ما جاء به من الحق؟ ﴿وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ﴾: لا بد أن يفتضح به، ويعاقبه الله عليه ﴿وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾: سواء أقتلتموه أم تركتموه لشأنه ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾: بل يخزيه ويفضحه في الدنيا قبل الآخرة بل هو يفضح نفسه بنفسه، لأنه يقف دائمًا على شفير الهاوية.
(29): ﴿يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ... ﴾: أنتم الآن في قوة ومناعة، ولكم الحكم والطاعة، ولكن هل تأمنون على أنفسكم من غضب الله وضرباته، ومن تقلب الدهر ونكباته ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾: هذا رد من فرعون على قول المؤمن الناصح ومعناه ما أُشير عليكم إلا بما أراه خيرًا وصلاحًا لي ولكم ولا أدعوكم إلا إلى السداد والرشاد.
(30): ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ﴾: وهي الأُمم الماضية حيث اتفقت كل أُمة وتحزبت ضد نبيها، وذكر منها المؤمن الناصح.
(31): ﴿مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ﴾: قوم هود ﴿وَثَمُودَ﴾: قوم صالح وغيرهم ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ﴾: ولكن الناس أنفسهم يظلمون.
(32): ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ﴾: وهو يوم القيامة حيث يدعو سبحانه كل أناس بإمامهم.
(33): ﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾: من مانع يمنع عذابه منكم ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾: المراد ? بقرينة السياق ? من الضلال هنا الهلاك، ومن هاد: من منقذ ومخلص.
(34): ﴿وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ﴾: على حذف مضاف أي جاء آبائكم أيها المصريون، لأن الكلام ما زال لمؤمن آل فرعون ﴿فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ﴾: أي في شك من نبوة يوسف، وكذلك أنتم تشكون في نبوة موسى.
(35): ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ﴾: كل برهان قاطع على وجود الحق فهو آية من آيات الله وحجة على عباده سواء أجاء بالحق مؤمن أم غير مؤمن بشرط واحد وهو أن لا يراد به باطل كما فعل الخوارج الذين نطقوا بكلمة الحق كذريعة للخروج عن طاعة الحق. قال سبحانه: (ويمح الله الباطل ويحق الحق ? 24 الشورى... وقل جاء الحق وزهق الباطل ? 81 الإسراء) ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾: الله ورسله وملائكته والمؤمنون يكرهون أشد الكره من يعاند الحق، ويجادل بالباطل ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾: العتو والتكبر من حيث هو يمرض القلب ويعمي العقل.
(36) ? (37): ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا... ﴾: تقدم في الآية 38 من القصص، وبالمناسبة قرأت لكاتب مصري يعظ قومه بقوله: (استخف فرعون قومه بالذهب وواسع الملك، وخدعهم فتبعوه، وانتهى بهم إلى ضياع ودمار... لا جعل الله مصر بعد السلف تستخف بالظواهر والخوادع).
(38) ? (39): ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ﴾: من قوم فرعون: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ... ﴾: حذر قومه أولاً وثانيًا، وهذي هي المرة الثالثة، وقال لهم من جملة ما قال: الدنيا ممر لا مقر، والآخرة هي الغاية والنهاية، فاعملوا لها تنجو وتفلحوا... وما من شك أنه لولا فرعون وعتاته المترفون لوجد من الناس من يسمع ويطيع، وقصة هذا الرجل المؤمن ? كما نعته القرآن الكريم ? هي حجة كافية على كل من يدَّعي الإيمان بالله، ثم يسكت عن كلمة الحق فقد جابه المؤمن الصالح الطاغية فرعون بكلمة الحق غير مرتاع ولا هياب وهو لا يملك إلا نفسه وعقيدته، وكل نبي من أنبياء الله ناضل أُمته وحيدًا فريدًا وقال سبحانه لنبيه الكريم: (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ? 84 النساء) وفي الحديث الشريف: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) إعلان الحرب لا بد أن يسبقه إعداد العدة، ولكن الحرب شيء، والأمر بالمعروف في كلمة حق شيء آخر.
(40): ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾: بلا زيادة لأن الله عادل، وقد يعفو لأنه كريم ﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾: بالله واليوم الآخر ﴿فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾: وفي هذا إيماء على أن الجنة محرمة إلا على من آمن بها وبخالقه وخالقها.
(41) ? (44): ﴿وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ... ﴾: أيضًا هذا الكلام لمؤمن آل فرعون مع قومه ويستمر إلى قوله: (إن الله بصير بالعباد) ويرتكز على أن الجزاء حتم لا مفر منه، وإن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وإنه يدعوهم إلى الهدى وهم يصرون على الضلال، بل ويدعونه إليه، ولكنهم قادرون الآن ? كما أفهمهم ? أن يستدركوا وينجو من الهلاك بخطوة واحدة وهي التوبة، وعليهم أن ينتهزوا الفرصة وإلا فمصيرهم إلى الضياع والدمار.
(45) ? (46): ﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا﴾: أضمر فرعون السوء لهذا الناصح الأمين، فكف الله بأسه عنه ﴿وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾: وهو الغرق في الدنيا، والجحيم في الآخرة، وهكذا كل مؤمن استكمل شمائل الإيمان، وجاهد الطغيان بكلمة الحق، فإنه يرمي بيد الله لا بيده.
(47): ﴿وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ﴾: أهل النار ﴿فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء﴾: الذين غرر بهم الأقوياء ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾: وهم الأقوياء المتبعون: ﴿إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا﴾: أي لولا أنتم لكنا مؤمنين ﴿فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ﴾: هل تحملون عنا ولو شيئًا قليلاً من العذاب؟ وتقدم في الآية 21 من إبراهيم.
(48): ﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا﴾: بنا ما بكم ? زيادة، ولا حول لنا ولا طول ﴿إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ﴾: ولا راد لحكمه، وهكذا تعلن العدالة الإلهية بلسان أعداء الله الذين اتخذوا آلهة من دونه، ومعنى هذا أن الحق لا بد أن ينجلي وينتصر ولو بعد حين.
(49): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ... ﴾: بالأمس أنكروا البعث والنار، ولما جاءوها ودخلوها استغاثوا حتى بخزنة النار، عسى أن يسمح لهم بالتنفس، ولكن هؤلاء وبخوهم.
(50): ﴿قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم﴾: تقدم في الآية 71 من الزمر.
(51): ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾: وهو يوم القيامة حيث تشهد على المجرمين أعضاؤهم والكرام الكاتبون، والنصر في هذا اليوم للمحقين بلا ريب، أما نصرهم في الدنيا فقد يكون بالغلبة على الأعداء وقد يكون بانتشار دينهم وعقيدتهم، وعلو الشأن وجميل الذكر مدى الحياة، وفي شتى الأحوال ما ظفر من ظفر الإثم به، والغالب بالشر مغلوب كم قال الإمام أمير المؤمنين (ع) وتقدم في الآية 38 من الحج.
(52): ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ﴾: ويستحيل أن تكون للظالم معذرة مقبولة بعد الفرض بأنه ظالم، لأن الشيء لا يمكن أن يكون غير ذاته ونفسه.
(53) ? (54): ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى﴾: المعجزات الدالة على نبوته ﴿وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ﴾: التوراة الصحيحة الصادقة، فحرفوها تبعًا لأهوائهم.
(55): ﴿فَاصْبِرْ﴾: يا محمد على الأذى من قومك ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾: إشارة إلى قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ? 33 التوبة) ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ﴾: الاستغفار من حيث هو عبادة مستحبة مع عدم الذنب، ومعه واجبة، بل قوله تعالى: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه - 61 هود) يدل بظاهره على أن الاستغفار يجب على العباد مطلقًا وفي كل حال، لأته تعالى هو الذي خلق ورزق، والاستغفار شكر على نعمة الخلق والرزق.
(56): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ﴾: وهي الأدلة على الإيمان بالله واليوم الآخر وكتبه ورسله ﴿بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ﴾: بل يردون البرهان القاطع بالكلام الفارغ ﴿إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ﴾: أي إلا تكبر على أتباع الحق، وإلا عناد له ولما جاء به ﴿مَّا هُم بِبَالِغِيهِ﴾: لا يبلغون مرادهم بحال من الانتصار على الحق والنيل منه ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾: من التكبر وأهله، ومن شرهم وشر كل ذي شر.
(57): ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾: حقيقة الكون وأنه أكبر وأعظم من خلق الإنسان، والدليل الحسي على أن أمثر الناس يجهلون الكون أن العلماء القدامى كانوا يعتقدون بأن الإنسان أعجب الكائنات العلوية والأرضية، وأن الكون بكامله مسخَّر له، وأن الأرض هي مركز الكون، ثم بددَّ العلم الحديث هذا الاعتقاد، وأثبت أن الإنسان ليس أعظم الكائنات، ولا الأرض مركزًا للكون، ولا الكون مسخرًا للإنسان بكل ما فيه ومن فيه، لأنه لا حدَّ له ولا نهاية، ولأن فيه بلايين البلايين من الكائنات التي يستحيل على الإنسان الوصول إليها بالكامل فضلاً عن تسخيرها لخدمته ومصلحته.. وها ما نطق به القرآن الكريم منذ 14 قرنًا، وهكذا كلما تقدمت العلوم ازدادت معاني القرآن وضوحًا في الأذهان.
(58) - (59): ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ... ﴾: هذا طبيعي وبديهي، لا يحتاج إلى بيان، وإنما بيَّن سبحانه لمجرد التذكير بأن الكفاءة هي بالعلم والخلق الكريم والعمل الصالح النافع لا بجاه أو حسب أو مال، وتقدم في الآية 50 من الأنعام وغيرها.
(60): ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾: المراد بإدعوني هنا اعبدوني، وبإستجيب لكم أُثبكم، والدليل على ذلك قوله تعالى بلا فاصل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾: أي صاغرين، ومهما يكن، فقد تكلمنا حول الدعاء فيما سبق، وأنه تعالى يستجيب لمن دعا واتقى شريطة أن يكون عاجز عن الحركة والسعي، لأن الله قد خلق أسبابًا للرزق ولا عذر لمن قدر عليها.
(61): ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾: للاستراحة من الأعمال ﴿وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا﴾: مضيئًا للعمل من أجل الحياة، وتقدم في الآية 67 من يونس.
(62): ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾:الذي يقول للشيء كن فيكون ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾: تصرفون عن الإيمان به وعن طاعته.
(63): ﴿كَذَلِكَ يُؤْفَكُ﴾: ينصرف ويبتعد عن الإيمان بالله الذين يذهلون عن الدلائل على وجوده وعظمته.
(64): ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا﴾: مستقرًا ومعاشًا ﴿وَالسَّمَاء بِنَاء﴾: أي كالبناء المحكم بكواكبها، وأيضًا يستعمل البناء بمعنى الخلق كقوله تعالى: (أأنتم أشد خلقًا أم السماء بناها ? 27 النازعات) ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾: شكلاً وقوامًا، إضافة إلى الإدراك وسائر الغرائز ﴿وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ﴾: طعامًا وشرابًا ومسكنًا ومركبًا، وكل ما يسد حاجة من حاجات الإنسان الضرورية والكمالية فهو من الحلال الطيب.
(65): ﴿هُوَ الْحَيُّ﴾: لأنه واهب الحياة ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾: لأن الألوهية تستدعي التفرد والوحدانية ﴿فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾: في كل ما تقول وتفعل، وتقدم في الآية 29 من الأعراف وغيرها.
(66): ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ... ﴾: أن أبد إلا الله، وقد ألهمني الأدلة الكافية الوافية على أنه الواحد الأحد.
(67) ? (68): ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ... ﴾: تقدم في العديد من الآيات، منها الآية5 من الحج ﴿هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ... ﴾: الله وحده القادر على خلق الموت والحياة والبعث من القبور، والخالق بلا مواد أولية ولا جوارح وأعضاء وأدوات وآلات ولا حركة أو أي شيء سوى مجرد الإرادة، فيها وحدها يوجد بالمراد، وتقدم في الآية 82 من يس.
(69): ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ﴾: العجب ممن جادل وشك في الله وهو يرى هذا الكون في نظامه وانسجامه واستمراره وفي جميع أشيائه ومحتوياته، كيف غفل وذهل عن كل ذلك؟.
(70): ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ﴾: بالقرآن ﴿وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا﴾: من الوحي والأحكام ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾: ما يحل بهم من العذاب، ومنه:
(71) ? (72): ﴿إِذِ الْأَغْلَالُ﴾: القيود التي لا يُرجى خلاصهم منها ﴿فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ﴾: بها إلى نار الجحيم.
(73) ? (74) ﴿ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾:؟ هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون؟ ﴿قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا﴾: غابوا عن أعيننا ﴿بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا﴾: أي تبيَّن لنا الآن أن الذين عبدنا ليسوا بشيء ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾: أي يهلكهم بضلالهم.
(75): ﴿ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ﴾: الفرح: السرور، والمرح: شدة الفرح، والآية تخاطب المشركين، ولكن الحكم والتوبيخ، يعم ويشمل الكثير ممن يدعون الإيمان، ثم يفرحون باليسير ينالونه من الدنيا، ولا يحزنهم مما يفوتهم من خير الآخرة، بل هذا الذم والتقريع، بهم ألصق وأليق، لأن المشركين والكافرين أقبلوا على الدنيا وهم كافرون بالدين ظاهرًا وباطنًا ونحن امتطينا الدين إلى الدنيا!.
(76): ﴿ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾: اتفق المسلمون قولاً واحدًا على أن الكفر بالله يوجب الخلود في النار، واختلفوا في المسلم الذي لا ينتهي عن كبار الذنوب والآثام، وأكثر المذاهب الإسلامية على أن لا يخلد، بل يدخل النار إلى أمد. ولكن الله سبحانه قال في الآية 93 من النساء: (ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها) وفي الآية 32 من المائدة: فكأنما قتل الناس جميعًا، ومهما شككت فإني لا أشك إطلاقًا أن من يتجر بالدين، ويمتطيه إلى الدنيا وحطامها فهو في حكم الكافر من حيث الخلود في النار لقوله تعالى: (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يُدخله نارًا خالدًا فيها ? 14 النساء) وأي عصيان وتعد أعظم من هذا التعدي والعصيان؟.
(77): ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾: تقدم في الآية 55 من هذه السورة ﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ﴾: يا محمد ﴿بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾: من العذاب في الدنيا لأنهم كذبوك وآذوك، أو نختارك إلينا قبل ذلك، وتشهد عذابهم في الآخرة.
(78): ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ... ﴾: تقدم في الآية 164 من النساء ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾: المعجزة بيد الله لا بيد رسوله فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ﴾: وهو يوم القيامة، رأيت المكذبين في عذاب الجحيم.
(79) ? (81): ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ... ﴾: لا حكم شرعي هنا ولا غرض سوى أن نذكر ونشكر إفضاله وإنعامه تعالى، ولا يلهينا عنه الأموال والأولاد والأشغال، وتقدم في الآية 142 من الأنعام وغيرها.
(82): ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ... ﴾: قرأت من جملة ما قرأت ما نشرته جريدة أخبار اليوم المصرية 28/10/1972 مقالاً بعنوان انتظروا معجزة من السماء، جاء فيه: (فقد أُتيح للأجيال أن تدرك أن كل ما جاء به القرآن هو الحق، ومن ذلك أن الحفريات والعلوم والآثار استطاعت تحقيق موقع انفلاق البحر عندما خرج موسى باليهود من مصر، وسفينة نوح، وآثار مدينة سبأ، وحفريات سيدنا يوسف... إلى جانب العلوم الحديثة) وهنا يكمن السر لتوكيد القرآن وحثه على النظر في حياة الأُمم الماضية وما تركته من آثار ? في هذه الآية والآية 109 من يوسف و 46 من الحج و9 من الروم و44 من فاطر، وأيضًا يأتي.
(83): ﴿فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ﴾: بالحجج والدلائل القاطعة ﴿فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾: المراد بفرحوا هنا اغتروا، والمعنى أعرضوا عن الرسل ومعجزاتهم وأدلتهم، واستغنوا جهلاً وغرورًا بما يملكون من أسباب العيش.
(84) ? (85): ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾: حين كانوا في أمان كفروا بالله، ولما رأوا العذاب قالوا: آمنا! كيف وهل يجتمع الإيمان ويستقيم مع الضغط والقوة القاهرة؟ وفي الحديث: (لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه) ﴿سُنَّتَ اللَّهِ﴾: والعقل والناس والطبيعة أن الإيمان لا يكون ولن يكون إلا بإرادة مختار للإيمان، أما إرادته حين العذاب فهي إرادة الخلاص من العقوبة، ولا صلة لها بالإيمان من قريب أو بعيد.