سورة الأنبياء

(1): ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾: في يوم القيامة، والمراد بالقرب إن كل آت قريب، وفي نهج البلاغة: من كانت مطيته الليل والنهار فإنه يسار به وإن كان واقفًا، ويقطع المسافة وإن كان مقيمًا وادعًا ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ﴾: عما يراد بهم ﴿مَّعْرِضُونَ﴾: عن سبيل الهدى والنجاة.

(2): ﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ﴾: المراد بالذكر القرآن، وبمحدث التجديد في الحياة والتقاليد ﴿إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾: لأنهم أعداء التطور والتجديد وإن كانوا الأفضل والأكمل، وأنصار الجمود والجدود وإن كانوا لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون.

(3): ﴿لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾: عن الحق والخير ﴿وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾: الذين بدل من واو أسروا، والنجوى: حديث السر ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ﴾: أسر بعض المشركين لبعض وقالوا: من هو محمد حتى يُسمع له ويُطاع؟ إنه تمامًا كأحدكم، فكيف اختص بالوحي من دونكم؟.

(4): ﴿قَالَ﴾: محمد: ﴿رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ﴾: ومن أحاط علمًا بكل قول وفعل يعلم أن قول محمد (ص) حق وصدق، وقول أعدائه زور وبهتان.

(5): ﴿بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ﴾: أخلاط منامات لا أصل لها ولا أساس من الواقع ﴿بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ﴾: وإن دلَّ هذا الإضطراب والتخبط في الأقوال والآراء عن محمد (ص) والقرآن على شيء ? فإنه يدل على أنهم هم الحالمون الواهمون وأن محمدًا (ص) هو الصادق المحق.

(6): ﴿مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ﴾: قال أعداء محمد (ص): نرفض كل معجزة يأتينا بها إلا معجزة نقترحها نحن. فأجابهم سبحانه بأن بعض الأمم اقترحوا على أنبيائهم نوعًا معينًا من المعجزات كناقة صالح، ولما استجابوا لهم رفضوا الإيمان، وأصروا على الكفر، فأهلكهم الله سبحانه، وعين الشيء يحدث لأعداء محمد (ص) لو استجاب لاقتراحهم.

(7): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ... ﴾: تقدم بنصه في الحرفي في الآية 43 من النحل.

(8): ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾: ليس الأنبياء أرواحًا بلا أجسام، ولا خالدين لا يموتون... إنهم تمامًا كغيرهم من الناس لا يمتازون عنهم في شيء إلا في التبليغ عن الله سبحانه.

(9): ﴿ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ﴾: وهو أن الله يهلك أعداء الأنبياء ﴿فََأََنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاء﴾: أنجى المرسلين من الهلاك ومن تبعهم من المؤمنين ﴿وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ﴾: في الضلال والفساد.

(10): ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾: أيه العرب، وكنتم من قبله الضالين المتخلفين. قال المفكر الفرنسي (برزدويه): إن محمدًا أزكى ثمرة لأطيب شجرة نبتت في جزيرة العرب، بيده كتاب لا يزال غضًا نضرًا، لم يطرأ عليه الذبول، ولم تغيره الأيام رغمًا مرور أربعة عشر قرنًا.

(11): ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾: كان في القرون الخالية أُمم غرتهم الحياة الدنيا، فأهلكهم سبحانه بذنوبهم، وأتى بغيرهم من عباده، وفيه تهديد للذين كذبوا محمدًا (ص) وتقدم في الآية 6 من الأنعام.

(12): ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ﴾: حين أيقنوا بوقوع العذاب حاولوا الهروب والنجاة، ولكن أين المفر والإله الطالب؟.

(13): ﴿لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ﴾: حين ينزل العذاب بالطغاة يفرون هاربين لا يلوون على مال وبنين، فيقال لهم تهكمًا وتوبيخًا: إلى أين؟ ارجعوا إلى ترف الحياة وبهجتها التي ركنتم إليها واغتررتم بها ﴿لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾: كيف تركتم ما كنتم به تباهون وتفخرون.

(14): ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾: ولكن الحسرات لا ترجع ما قد فات.

(15): ﴿فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ﴾: يكررون الدعاء بالويل على أنفسهم، وتكرر تعذيبهم حتى تجمد حركاتهم، وتخمد أصواتهم.

(16): ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾: بل لحكَم بالغة، منها الدلالة على ذاته تعالى وصفاته كما في الآية 44 من العنكبوت، ومنها أن تُجزى كل نفس بما كسبت كما في الآية 22 من الجاثية.

(17): ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا﴾: اللهو والعبث محال في حق من يقول للشيء كن فيكون، ولو أراد اللهو لخلقه بقدرته، ولكنه لا يريده ولا يفعله.

(18): ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾: أن الله سبحانه لا يلهو ولا يهزأ أو يعبث، بل ينزل القرآن، وفيه الدليل القاطع الذي يحق به الحق، ويبطل الباطل ﴿وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾: وتفترون من نسبة الصاحبة إليه تعالى والولد والبنات واللهو وما إلى ذلك من صفات المصنوعين.

(19): ﴿وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: لماذا اللهو والولد؟ وفي قبضته كل شيء، وإليه مصير العباد ﴿وَمَنْ عِندَه﴾ُ: أي ومن له وجاهة ومكانة عند الله ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾: لا يعيون ولا يملُّون.

(20): ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾: لا يسأمون بل هم دائبون على الطاعة في القول والعمل.

(21): ﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ﴾: من أخص خصائص الإله وصفاته أن يوجد الأحياء وينشر الموتى، وآلهة المشركين أضعف وأحقر.

(22): ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾: ضمير فيهما للسموات والأرض وإلا بمعنى غير صفة للإلهة، ووجه الاستدلال في هذه الآية على التوحيد ما أشار إليه سبحانه في الآية (91) من المؤمنون: (وما كان معه من إله إذًا لذهب كل إله بما خلق ? أي لتميز ملك كل إله عن ملك الآخر وهو خلاف الواقع ? ولعلا بعضهم على بعض) أي لحدث بين الآلهة تحارب وتغالب تمامًا كما هو الشأن في الملوك والرؤساء، وبيَّنَّا فيما بق أن كل واحد من الإلهين لا يخلو من أحد فرضين، إما قادر على الاستقلال في الخلق فوجود الثاني لزوم ما لا يلزم، وإما عاجز عنه فالعجز نقص، وتعالى الله عن هذا وذاك.

(23): ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾: فعله وقوله سبحانه هما الحق والعدل والصدق، والحق دليل لا مدلول والعدل حاكم لا محكوم، والصدق سائل لا مسئول وإلا فلا صدق ولا عدل ولا حق أول ولا مبدأ على الإطلاق.

(24): ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً﴾: تقولون: لله شريك ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾: وأنا أول العابدين إن كنتم صادقين ﴿هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ﴾: أي هذا القرآن الذي معي ﴿وَذِكْرُ مَن قَبْلِي﴾: والكتب التي قبلي ليس فيها للشرك عين ولا أثر ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ﴾: ويقولون بالجهل والعمى.

(25): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ... ﴾: كل الأنبياء جاءوا بالتوحيد ولو كان لله شريك لبعث للناس رسله.

(26): ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا... ﴾: تقدم مرارًا منها في الآية 116 من البقرة.

(27): ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ﴾: لا يتقدمون بين يديه تعالى بشيء ﴿وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾: ولا يخالفونه في شيء.

(28): ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾: ما هم فيه الآن ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾: وما كانوا عليه بالأمس ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾: أعماله ومقاصده، ولكن بدر منه بعض الفلتات.

(29): ﴿وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ﴾: فجزاؤه جهنم.

(30): ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾: كان الكون بمجموعه كتلة واحدة، ثم تفتت إلى ذرات تسبح في الفضاء الرحب، وكل من الأرض والشمس والقمر والزهرة والمريخ وغير ذلك من الكواكب ذرة من هذه الذرات. وهذه الحقيقة إلي أعلنها القرآن الكريم منذ 14 قرنًا، اهتدى إليها العلم الحديث منذ أمد قريب. والحقيقة الثانية التي أثبتها العلم هي لا حياة بلا ماء، وإليها أشار سبحانه بقوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾: بالله وعظمته ومعجزات كتابه وقرآنه تزداد قوة ووضوحًا مع الزمن وتقدم العلم إلى الأمام.

(31): ﴿وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ﴾: جبالاً أرسى بها الأرض وثقلها ﴿أَن تَمِيدَ بِهِمْ﴾: لئلا تضطرب بأهلها ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا﴾: فجوة وثغرة هنا وهناك ليسلك الناس فيها من بلد إلى بلد لأن الجبل الحائل يصعب التسلق على قمته، ثم الهبوط إلى أسفله ﴿سُبُلًا﴾: طرقًا ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾: في أسفارهم إلى ما يقصدون.

(32): ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا﴾: أي مثل السقف في رؤية البصر ﴿مَّحْفُوظًا﴾: فكل كوكب يدور في فلكه، ولا يتعداه بفعل الجاذبية.

(33): ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾: تقدم في الآية 12 من النحل ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ: كل كوكب يدور في فلكه الخاص به وحده. وفي تفسير ابن كثير أن ابن عباس تلميذ الإمام عليّ (ع) قال: يدور الكوكب كما يدور المغزل في الفلكه، وفلكة المغزل: قطعة صغيرة مستديرة في أعلاه.

(34): ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾: تمنى خصوم محمد (ص) أن يموت، فقال سبحانه: ﴿أَفَإِن مِّتَّ﴾: يا محمد ﴿فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾: الموت سبيل كل حي.

(35): ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾: كل إنسان يُبتلى ويُمتحن بالشدة والرخاء والصحة والأدواء، وأيضًا بالحلال والحرام والطاعة والمعصية، وهنا يعرف الأصيل من الدخيل والتقي من الدعيّ ﴿وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾: لتُجزى كل نفس بما كسبت.

(36): ﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا﴾: ولماذا الهزء والسخرية بمحمد؟ لأنه يقول: الناس سواسية كأسنان المشط، وأيضًا يقول الدين المعاملة! وفوق ذلك أنكر عبادة الأحجار والأصنام! ولهذا المنطق الآن وفي كل زمان أتباع وأنصار! والإختلاف في المظهر لا في الجوهر، أو ما سمعت أولئك الذين يسمون من يناصر العدالة والمساواة مخربًا وهدامًا، والمؤمن المخلص جامدًا ورجعيًا ﴿أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾: بأنها أحجار لا تضر ولا تنفع! لقد تجاوز كل حد! وكل مصلح ومجدد له خصوم من هذا النوع.

(37): ﴿خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾: لما استهزأ المشركون برسول الله (ص) ظن بعض المؤمنين أن الله سبحانه سيعاجلهم بالانتقام، فقال، عظمت كلمته: إن الله يمهل ولا يهمل. وفهم بعض المفسرين من الآية الدلالة على أن الإنسان عجول بالطبع والفطرة! وهذا ينافي النهي عن العجلة، لأن ما بالذات لا يكون موضوعًا لأمر أو نهي وعليه فَنَعتَ الإنسان بالعجول أو الكفور أو اليؤوس وما أشبه ? وهو تفسير لسلوكه بالنظر إلى بعض مواقفه، وليس تحديدًا لطبيعته وهويته.

(38): ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾: واضح، وتقدم مرات، منها الآية 70 من الأعراف.

(39): ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ﴾: يستعجلون عذاب النار، وهم أضعف من أن يستطيعوا عليها صبرًا، ولها ردًا أو يجدون منها مهربًا، وكم من مستعجل أمرًا لو أتاه لضاق به، وتمنى أنَّه لم يأت.

(40): ﴿بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً﴾: تأتيهم الساعة فجأة بال سابق إنذار ﴿فَتَبْهَتُهُمْ﴾: فتذعرهم ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ﴾: أبدًا لا حيلة ولا وسيلة، ولا إمهال وقيل وقال:

(41): ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ... ﴾: واضح، وتقدم في الآية 10 من الأنعام.

(42): ﴿قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم﴾: يحرسكم ويحفظكم ﴿بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾: مهما احتاط الإنسان، وبالغ في التحفظ من المخبآت والمفاجآت فلا ينجو منها إلا بعناية من الله وتوفيقه فكيف يحترس ويسلم من قضائه وقدره.

(43): ﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا﴾: إذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ﴾: هؤلاء الذين تستجيرون بهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، وتقدم في الآية 76 من المائدة وغيرها ﴿وَلَا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ﴾: يجارون فكيف يجيرون.

(44): ﴿بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ﴾: أمهلهم سبحانه، وأمدَّ في حياتهم، ونعموا في العديد من متاع الحياة، فظنوا أنهم على شيء ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾: بموت من بنى وشيَّد، وغرس وجاهد، وتقدم في الآية 41 من الرعد ﴿أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾: بل مغلوبون وخاسئون.

(45): ﴿قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ﴾: قل يا محمد لهؤلاء الجاحدين الساخرين: أتهزئون بي وبالقرآن؟ وما أتيتكم بشيء من عندي. إنه لقول الفصل وما هو بالهزل من العليّ القدير، أُنذركم به وكفى، وهو أعلم بي وبكم ﴿وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ﴾: وكيف تسمعون التحذير والإنذار، وفي آذانكم وقر وصمم.

(46): ﴿وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ﴾: لذعة خفيفة من نار جهنم ﴿لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا... ﴾: تقدم في الآية 14 من هذه السورة.

(47): ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾: وليس المراد بالموازين هنا ما لكل واحد منها كفتان وعمود ولسان، بل المراد أحكام الله وشريعته ﴿فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾: بل إن تكُ حسنة يُضاعفها، وإن تكُ سيئة فواحدة بواحدة، ويعفو عن كثير﴿وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾: حتى عدد أنفاس الخلائق بلا عقل الكتروني، وفي نهج البلاغة: أن عليكم حفاظ صدق يحفظون أعمالكم، وعدد أنفاسكم، لا تستركم منهم ظلمة ليل داج، ولا يكنكم منهم باب ذو رتاج.

(48) ? (49): ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ﴾: التوراة السماوية التي تفرِّق بين الحق والباطل لا الأرضية التي تصف الله سبحانه بصفات يهتز لها العرش.

(50): ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ﴾: القرآن الكريم الذي أنقذ الإنسانية من دياجير الجهل والضياع، وهداها الطريق السوي السليم ﴿أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾:؟ فأتوا بسورة من مثله إن كنتم صادقين.

(51): ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ﴾: الهداية صغيرًا، والنبوة كبيرًا ﴿مِن قَبْلُ﴾: الذين جاؤوا بعده كموسى وعيسى ﴿وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ﴾: إنه أهل للنبوة (الله أعلم حيث يجعل رسالته ? 124 الأنعام).

(52): ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ... ﴾: هذه هو الرشد الذي آتاه الله لإبراهيم: الثورة على الجهل والخرافة.

(53) - (54): ﴿قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ﴾: ولا تبديل وتغيير لما كانوا يفعلون.

(55): ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ﴾: ؟ استبعدوا أن يكون جادًا لأنهم لم يسمعوا بهذا من قبل.

(56): ﴿قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: وليست هذه التماثيل إلا أسماء من غير مسميات.

(57): ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾: لأتركنها محطمة مهشمة من حيث لا تشعرون.

(58): ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾: حطم إبراهيم الأصنام، وجعلها قطعًا متلاشية، وترك أكبرها عن قصد كي يسألوه عن الجاني، ولا يجيب كما تأتي الإشارة.

(59): ﴿قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾: وكان الأجدر أن يتساءلوا: لماذا لم تدافع الآلهة عن نفسها، وتفعل بالجاني قبل أن يفعل بها، أو يسخروا منها ? على الأقل ? كما سخر الإعرابي من صنمه حيث قال: (أربُّ يبول الثعلبان بوجهه لقد ذلَّ من بالت عليه الثعالب).

(60): ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾: يذم الأصنام ومن يعبدها، ويقول: لأكيدنَّها وأُحطِّمنَّها.

(61): ﴿قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾: أرادوا أن يستجوبوه ويحاكموه محاكمة علنية، ويعاقبوه على جريمته ليتعظ من يحاول النيل من مقام الآلهة.

(62): ﴿قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا﴾: ؟ أتوا بإبراهيم على ملأ من الناس، وكانت هذه أُمنيته ليقيم عليهم الحجة بأنهم في ضلال مبين، وحين وجَّهوا هذا السؤال.

(63): ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾: ومن الواضح أن إبراهيم ما أراد الخبر والحكاية عن الواقع كي يقال: كذب في ذات الله كما روي أبو هريرة عن النبي، وإنما أراد توبيخهم وإقامة الحجة عليهم بدليل قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ﴾: ما هذا التناقض؟ آلهة ولا تشعر! ولا غرابة فإن العقل الخرافي يقبل التناقضات والأساطير، وينأى عن التعليل والتحليل حتى ولو رجع إلى الصواب في لحظة طارئة، فإنه يرتد عنه إلى الخرافة والجهالة كما قال سبحانه:

(64): ﴿فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ﴾: تساءلوا: كيف نعبد أحجارًا لا تدفع السوء عن نفسها ﴿فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ﴾: وليس إبراهيم، ولكن سرعان ما عادوا إلى الخرافة التي غمرت عقولهم ونفوسهم.

(65): ﴿ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ﴾: والنكسة: الوقف على الرأس، والمراد بها هنا الرجوع عن الاعتراف بالحق إلى الباطل وإصرارهم عليه في قولهم: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ﴾: انتزع إبراهيم (ع) الإعتراف بأن أربابهم لا تحس ولا تشعر ليقول:

(66) ? (68): ﴿قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ﴾: وهذه حجة مفحمة، وبيّنة لازمة ولكن ثم ماذا؟ ما داموا لا يدركون ويتدبرون كما خاطبهم إبراهيم (ع): ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾: بأن هذه أحجار صماء؟ ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ﴾: وهنا العكس والنكس حيث ينتصر المربوب لربه والمخلوق لخالقه! ولكن العقل الخرافي يجوز عليه أكثر من ذلك كما سبقت الإشارة.

(69): ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾: وإن قال قائل: كيف بردت النار وهي محرقة بالطبع؟ قلنا في جوابه: إن القوانين العقلية الرياضية هي التي يجب إطرادها ويستحيل نقضها وخرقها مثل المدور غير المربع والمثلث له ثلاث أضلاع، أما القوانين الطبيعية فنقضها وتخلفها ممكن عقلاً ممتنع عادة مثل الحديد يتمدد بالحرارة، فإن العقل لا يرى أي تناقض في أن توجد الحرارة ولا يتمدد الحديد، وأن لا تؤدي النار إلى الإحراق، وشرب السم إلى القتل، ولا شيء أدل على ذلك من أن العلم بالقضايا الطبيعية مصدره الحس والتجربة أما القضايا الرياضية فمصدره العلم بها الفطرة وبديهة العقل.

(70): ﴿وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ﴾: أوقدوا النار ليحرقوه بها. فكانت من معجزاته والدليل القاطع على صدقه ونبوته وعلى كذبهم وضلالهم.

(71): ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ﴾: ارتحل إبراهيم (ع) هو وابن أخيه لوط من العراق إلى فلسطين ﴿الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾: لكثرة أنبيائها.

(72): ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ﴾: لإبراهيم ﴿إِسْحَقَ﴾: ووهب سبحانه لإسحق ﴿وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً﴾: عطية من غير سؤال.

(73) ? (74): ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾: الإمام الحق هو الذي يبدأ بنفسه، ويكون القدوة الحسنة والمثل الأعلى في العمل بما يدعو إليه، وتنحصر مهمته بالهداية إلى طاعة الله سبحانه التي تشير إليها كلمة (بأمرنا) وحدد، جل وعز، هذه الطاعة بقوله: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ﴾: والمراد بالخيرات كل ما ينتفع به الناس من قول أو رأي أوعمل، وبالصلاة والزكاة والفروض المالية والجسدية المذكورة في كتب الفقه.

(75): ﴿وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا﴾: فاصلاً في النزاع والخلاف بين الناس ﴿وَعِلْمًا﴾: بدين الله وشريعته ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ ... ﴾: تقدم مفصلاً في الآية 80 وما بعدها من الأعراف والآية 77 وما بعدها من هود.

(76) ? (77): ﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ... ﴾: يشير سبحانه إلى قول نوح: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا ? 26 نوح... اني مغلوب فانتصر ? 10 القمر) ﴿فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾: تقدم في الآية 26 ? 49 من هود.

(78): ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ﴾: في الزرع ﴿إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ﴾: رعت الزرع ليلاً ﴿غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ﴾: لحكم داوود وسليمان على أن يكون أقل الجمع اثنان.

(79): ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾: قال المفسرون ويتلخص بأن رجلين تخاصما إلى داوود: أحدهما صاحب زرع ، والآخر صاحب غنم، فقال الأول: إن غنم هذا أفسدت زرعي، واعترف الثاني، فقضى داوود أن يأخذ صاحب الزرع الغنم عوضًا عن زرعه، لأن قيمة الزرع كانت تعادل قيمة الغنم، ولما علم بذلك سليمان قال لأبيه: الأرفق بالرجلين أن يأخذ صاحب الزرع الغنم فينتفع بها، ويأخذ صاحب الغنم الأرض يصلحها حتى يعود الزرع كما كان، وعندئذ يترادان، فاستحسن داوود حكم ولده. وقد تكون الحكمة في ذلك التنبيه إلى مكانة سليمان، أو أن الحكم كان على ما قال داوود ثم نسخ بما قال سليمان، ويؤيد قوله تعالى: ﴿وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾: حيث شهد سبحانه لكل منهما أنه محق ومصيب. ولا وجه لذلك إلا النسخ كما نظن ونفهم ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ﴾: ما من سيء إلا ويسبح بحمد الله تعالى بلسان ناطق أو بالدلالة على وجود الخالقَّ أو بهما معًا كما في الآية 44 من الإسراء: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).

(80): ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ﴾: المراد بصنعة اللبوس الدروع وفيه إيماء إلى أن أول من صنع الدروع هو داوود وفي مجمع البيان أن لقمان الحكيم رآه يصنعها ولم يعرف الهدف منها، ومع ذلك تريث ولم يسرع إلى سؤاله حتى فرغ داوود، فلبسها فقال: نعم لبوس الحرب، ففهم لقمان وقال: الصمت حكمة وقليل فاعله.

(81): ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ﴾: أي وسخر له الريح ﴿عَاصِفَةً﴾: شديدة الهبوب تارة وخفيفة تارة تبعًا لإرادته كما قال سبحانه: ﴿تَجْرِي بِأَمْرِه﴾ِ: وطوع إرادته ﴿إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾: وهي فلسطين.

(82): ﴿وَمِنَ الشَّيَاطِينِ﴾: الجن ﴿مَن يَغُوصُونَ لَهُ﴾: في البحار، يستخرجون اللؤلؤ والمرجان وغيرهما ﴿وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ﴾: كبناء المحاريب والتماثيل والجفان والقدور الراسيات كما في الآية 13 من سبأ.

(83): ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ﴾: في قاموس الكتاب المقدس: (أيوب اسم عبري، ولا يعرف معناه على وجه التحقيق، ويقول بعضهم، إنه قريب من اللفظ العربي آيب، فربما يعني الراجع إلى الله والتائب إليه) ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾: قالوا: كان لأيوب مال وأولاد، فهلكوا بالكامل، ثم تسلطت على جسمه الأسقام والآلام، فصبر صبر الأحرار، ولما تناهت الشدة، وطالت المدة قال: ربِّ مسَّني الضر. ولم يقل تفاقم وتراكم كيلا تشعر شكواه بالضرر.

(84): ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ﴾: استجاب سبحانه دعوته، ورد عليه عافيته، لأنه صبر على بلاء الله صبر الأحرار، وثبت على الإيمان ثبوت النبي المختار ﴿وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ﴾: حيث ولدت امرأته عدد أولاده الموتى ﴿وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ﴾: وزاده الله من فضله أمثالهم عددًا، وأخلف عليه أكثر مما ذهب من ماله ﴿رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا﴾: لأنه المثل الأعلى للصبر والإيمان ﴿وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾: المخلصين إذا أصابتهم مصيبة تأسوا بأيوب.

(85) ? (86): ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ﴾: انقاد إسماعيل واستسلم للذبح طاعة لله ولأبيه، وإدريس مر ذكره في الآية 56 من مريم، أما ذو الكفل فلا نعرف عنه شيئًا إلا أنه من الصابرين الصالحين.

(87) ? (88): ﴿وَذَا النُّونِ﴾: يونس ﴿إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا﴾: قومه ﴿فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ﴾: لن نضيق عليه ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾: في بطن الحوت ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾: أخرجناه من بطن الحوت، وتقدم الكلام عنه في سورة يونس.

(89) ? (90): ﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى... ﴾: تقدم في الآية 38 من آل عمران وما بعدها والآية 6 وما بعدها من مريم ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾: هذي هي هوية الأنبياء: ليسوا سحرة أو منجمين ولا ملائكة أو سلاطين، إنهم أُناس يطيعون الله في كل شيء رغبة في ثوابه، وخوفًا من عقابه، ومن أجل هذا جعلهم الله خزنة علمه، وحفظة دينه، وخلفاء في أرضه، وحجة على عباده، ولا يسوغ لأحد أن يتكلم باسم نبي أو وصي نبي ولا أن يوصف بالحجة والقدوة في دين الله إلا أن يكون عالمًا به، مخالفًا لهواه، مطيعًا لأمر مولاه.

(91): ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾: هي مريم بنت عمران تنزهت عن كل ما يشين ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾: أجرينا فيها روح عيسى، وتقدم في الآية 45 من آل عمران و16 من مريم.

(92): ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾: أُمتكم: ملتكم ودينكم، والخطاب: للناس كافة دون استثناء، والمعنى أيها الناس هذي هي ملتكم وهذا هو دينكم الذي شرعه الله لكم وبلَّغه بلسان الأنبياء جميعًا، وهو التوحيد عقيدة، والصلاة الخالصة المخلصة لوجه الله عبادة، وفعل الخيرات والحسنات وترك الشر والسيئات شريعة، ولا شيء إطلاقًا خرج عن هذا الإطار أو دخل فيه عندما شرع الله دينه الحق لعباده، وفي الحديث الشريف: (نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد) وأولاد العلات أُخوة، أبوهم واحد، وأُمهاتهم شتى. وإذن لا سبب لتعدد الأديان والطوائف إلا الجهل أو المنفعة الشخصية ﴿وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾: ولا تعبدوا الأهواء والأدعياء.

(93): ﴿وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ﴾: ولكن الناس تمزقوا قطعًا، وتفرقوا شيعًا، لكل أُمة قائد وإمام ﴿كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾:هذا تهديد ووعيد على الشتات والتفريق.

(94): ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾: لا إيمان بلا عمل صالح نافع، والعمل بلا إيمان كالبنيان بلا أساس، ومن جمع بينهما ﴿فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾: بل يُشكر ويُذكر بالخير والأجر ﴿وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾: فلا يضيع شيء منه عليه.

(95): ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾: كأن قائلاً يقول: هل يبعث الله ثانية الذين أهلكهم في الدنيا بكفرهم؟ الجواب: أجل، لا استثناء من البعث، وممتنع على الذين هلكوا أن لا يرجعوا إلى الله، بل يرجعوا إليه لا محالة، ويحاسبهم على ذنوبهم وكفرهم، أجل لا يعاقبهم على تكذيب الأنبياء من حيث هو، لأن الإهلاك في الدنيا هو العقاب على هذا التكذيب، وما عداه يشمله الحساب والعذاب، هذا ما ندركه بعقلنا من حيث الاستحقاق في ظاهر الأمر. والواقع لله وحده.

(96): ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ﴾: لا نعرف شيئًا عنهما إلا ما نقلناه عن المفسرين عند تفسير الآية 94 من الكهف، وربما يكون يأجوج ومأجوج مشتقين من الأجيج بمعنى نار الفتنة والفساد في الأرض، وعليه يكون يأجوج ومأجوج إشارة إلى دولة تسيطر بسلاحها المدمر على أهل الأرض بكاملها، فتهلك الحرث والنسل، وعندئذ تقوم القيامة كما أشار سبحانه بقوله:

(97): ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾: وهو قيام الساعة ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾: من هول المطلع وشدة الجزع، وتقدم في الآية 42 من إبراهيم ﴿يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾: أي يقولون: يا ويلنا... وتقدم في هذه السورة مرتين في الآية 14 والآية 46 وهذي هي الثالثة، وأيضًا تقدم في الآية 5 من الأعراف وأيضًا يأتي، والقصد من هذا التوكيد والتكرار أن نتقي الله ونحذر هذه النهاية الخاسئة المخزية.

(98): ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾: وإن قال قائل: وأية جدوى من حرق الأصنام، وهي لا تحس وتشعر؟ - قلنا في جوابه، إنها وقود لعَبَدتَها كما في الآية 24 من البقرة.

(99): ﴿لَوْ كَانَ هَؤُلَاء﴾: الأصنام ﴿آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا﴾: إله يحرق في النار!.

(100): ﴿لَهُمْ﴾: لعَبَدة الأصنام والأهواء ﴿فِيهَا زَفِيرٌ﴾: التنفس بشدة ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾: لأنهم في شغل شاغل بآلامهم وأوجاعهم.

(101): ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى﴾: لما ذكر سبحانه أهل النار عطف عليهم أهل الجنة، وأنه عن النار ﴿مُبْعَدُونَ﴾.

(102): ﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا﴾: مجرد توكيد لبعدهم عنها ونجاتهم منها ﴿وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾: حياة دائمة وسعادة قائمة.

(103): ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾: لا عند الموت ولا في القبر ولا عند البعث والنشر ﴿وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾: تستقبلهم ملائكة التشريفات بالحفاوة والتكريم، أما نشيدهم فهو ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾: بالرضوان والجنان. وتقدم العديد من الآيات المنذرة والمبشرة.

(104): ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾: السجل: الصحيفة، والمراد بالكتب هنا الكلمات المسجلة فيها، والمعنى أن الله سبحانه يطوي جميع الكواكب يوم القيامة كما تطوي الصحيفة الحروف والكلمات، ومثله تمامًا الآية 67 من الزمر: (والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه) ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ﴾: يحيي سبحانه، ويميت ثم يعيد الخلق إلى الحياة وهو على كل شيء قدير.

(105): ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ﴾: كتاب داوود ﴿مِن بَعْدِ الذِّكْرِ﴾: من بعد صحائف إبراهيم وتوراة موسى ﴿أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا﴾: في آخر الزمان ﴿عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾: جاء في الكتب الصحاح، منها سنن أبي داوود: (قال رسول الله (ص): (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت ظلمًا وجورًا).

(106): ﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾: هذا إشارة إلى أن الأرض يرثها العباد الصالحون ولو بعد حين، والعابدون هم الذين يتَّعظون بالعِبَر، وينتفعون بالنذر.

(107): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ﴾: يا محمد ﴿إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾: بأخلاقك وسيرتك وشريعتك وتعاليمها وأهدافها، قال (ص) : إنما أنا رحمة مهداة. وقيل له: ادع على المشركين. فقال: إني لم أُبعث لعانًا، وإنما بُعثت رحمة وأيضًا قال: إن أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا.

(108): ﴿قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾: وموقنون بدين التوحيد؟.

(109): ﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ﴾: أعلمتكم بأن الدين عند الله هو التوحيد ﴿عَلَى سَوَاء﴾: في التبليغ والإعلام، لم يختص به واحد دون آخر أو فئة دون فئة ﴿وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾: إن هنا نافية، والمعنى أنا على يقين من عذابكم أيها الجاحدون والمشركون، ولكن لا أدري متى يكون.

(110): ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ﴾: واضح، وتقدم في الآية 7 من طه.

(111): ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾: إن نافية، والفتنة: الإمتحان والإختبار والمتاع: ما ينتفع به من قليلاً، والضمير في لعله للإمهال والتأخير والمعنى لا أدري: هل أمهلكم سبحانه ليظهر كلاٌّ منكم على حقيقته فيتوب الطيب، ويتمرد الخبيث، أو أراد، عظمت حكمته، أن تستمتعوا أيامًا بقيت من أعماركم؟ وهذا الإبهام من أساليب الدعوة بالحكمة، لأنه في صورة الإنصاف المسكت للخصم المشاغب.

(112): ﴿قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ﴾: انصر الحق أهله واخذل الباطل وأعوانه ﴿وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾: من الإفتراء على الله وكتبه ورسله.