سورة النساء

(1): ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ﴾: الخطاب للجميع كما هو مفهوم من كلمة الناس، وأيضًا الأمر بالتقوى لا يختص فئة دون فئة ﴿الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَة﴾: أي لا أحد منكم أيها الناس ابن السماء والإله والآخر ابن الأرض والسماء، بل كلكم من آدم وآدم من تراب ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾: حواء أي من جنسها هو أنسان وهي أيضًا إنسان لا حيوان تمام في الآية 20 من الروم: (أن خلق لكم من أنفسكم ازوجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة) وعليه فقصة خلق حواء من ضلع آدم خرافة ﴿وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء﴾: كثيرًا حذف الوصف من الثاني لدلالة الأول عليه، ويقال: أن سكان الأرض يبلغون أربعة آلاف مليون نحن في سنة 1987م ﴿واتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِه﴾: إشارة إلى ما يقوله بعضنا لعض: سألتك بالله أن تفعل ... أو تترك... ﴿وَالأَرْحَامَ﴾: عطف على كلمة الجلالة، وأيضًا نقول: سألتك بالرحم والقرابة.

(2): ﴿وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ﴾: الخطاب للقائمين على رعاية الأيتام، والمعنى انفقوا عليهم من أموالهم حال الصغر، وسلموهم إياها عن البلوغ والرشد ﴿وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾: أي لا تستبدلوا الخبيث من أموالكم بالطيب من أموال اليتامى، قيل: كان بعض الأوصياء يبدل شاته الهزيلة بشاة اليتيم السمينة ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾: في كتاب المغني أن (إلى) تأتي بمعنى مع، وعليه يكون المعنى لا تأكلوا أموال اليتامى كما تأكلون أموالكم، كيف؟ وهذا حلال وتلك حرام ﴿إِنَّهُ كَانَ حُوبًا﴾: ذنبًا ﴿كبِيرًا﴾: جناية لا جنحة.

(3): ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى﴾: أي في نكاح اليتيمات، فحذف لفظ نكاح هنا لدلالة (فانكحوا) عليه، وخلاصة المعنى أنه تعالى في الآية السابقة خاطب الأوصياء بشأن أموال اليتامى، أما في هذه الآية فقد خاطبهم بشأن الزواج من اليتيمات حيث كان الأوصياء وغيرهم يتقون الزواج منهم خوفًا من التقصير في حقوقهن، فقال سبحانه لهم: إن خفتم عدم العدل لو تزوجتم بهن فاتركوهن وشأنهن، وتزوجوا من غيرهن أربعًا إن شئتم، وأيضًا على أساس العدل، وإلى هذا أشار سبحانه إلى: ﴿فَانكِحُواْ﴾: أي دعوا اليتيمات يخترن الأزواج لأنفسهن بعد البلوغ والرشد، وتزوجوا أنتم من غيرهن ﴿مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء﴾: دون اليتيمات

﴿مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ﴾: وهذه الكلمات حال من (ما طاب) أو من النساء، ويجوز على بدل البعض بالنساء، وهي غير منصفة للوصف والعدل من ثنتين ثنتين، وثلاث وثلاث، وأربع وأربع ﴿ذَلِكَ أَدْنَى﴾: أقرب ﴿أَلاَّ تَعُولُواْ﴾: لا تجوروا وتميلوا عن العدل.

(4): ﴿وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ﴾: مهورهن ﴿نِحْلَةً﴾: عطية فرضها الله على الأزواج ﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ﴾: أبدًا لا يحل مال امرئ إلا عن طيب نفس مهرًا كان أو غير مهر، قال الرسول الأعظم (ص): دماؤكم عليكم حرام وأموالكم عليكم حرام.

(5): ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ﴾: يا أيها الأولياء لا تسلطوا السفهاء الذين تحت ولايتكم على أموالهم، والسفيه هو الذي ينفق ماله فيما لا ينبغي، وبكلمة هو المبذرفي نظر العرف ﴿الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً﴾: ليس لكم من أموالكم القاصرين إلا أن تقوموا برعياتها وتنميتها ﴿وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ﴾: أنفقوا عليهم كل ما يحتاجون إليه من مأكل وملبس ومسكن وتعليم وزواج وتطيب وما أشيه ذلك.

(6): ﴿وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى﴾: اختبروا عقولهم من تصرفاتهم ﴿حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ﴾: ويعرف بالعلامات المذكورة في كتب الفقه ﴿فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا﴾: والمراد بالرشد هنا قبل كل شئ حفظ وإتقان تدبيره ﴿فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾: اتفق الفقهاء على أن المال لا يعطى لمالكه حتى يحصل له وصفان: الرشد والبلوغ، واستدلوا بهذع الآية ﴿وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا﴾: يسوغ للولي الفقير أن يأكل من مال القاصر. بمقدار ما يستحق من أجر الحفظ والرعاية، ويحرم عليه أن يتجاوز ذلك، ولذا قيد سبحانه النهي بالإسراف ولم يطلق ﴿وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ﴾: أي مخافة أن يكبر الأيتام، والمعنى لا تستعجلوا أيها الأولياء وتسرعوا إلى التصرف في أموال اليتامى قبل أن يكبروا حيث لا يبقى لكم عليهم حق الوصاية والولاية ﴿وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ﴾: عن الأكل من مال اليتيم، وأجر خدمته ورعايته على الله ﴿وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأ ْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾: عرفًا لخدمته من أجر ولا يزيد ﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ﴾: والأمر بالإشهاد هنا فرض عند الشافعية والمالكية، وندب عند الإمامية والحنفية.

(7): ﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ﴾: كان بعض العرب يورثون الرجال دون النساء، فنزلت هذه الآية تبين للناس أن الإرث حق لجميع الأقارب، لأن السبب الموجب له القرابة، وهي في النساء كما هي في الرجال ﴿مِمَّا قَلَّ مِنْهُ﴾: المال المورث ﴿أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾: بحكم الله.

(8): ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ﴾: الخطاب للوارثين، ومن في (منه) للتبعيض، والهاء للمقسوم، والمراد بأولي القربى قرابة الميت ممن لا يرث، والأمر هنا للندب لا للوجوب.

(9): ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ﴾: الأوصياء على الأيتام، وليفعلوا بهم وبأموالهم ما يحبون أن يفعل بأموالهم وأولادهم تمامًا كعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به.

(10): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى﴾: وفي حكمهم الأرامل والمساكين ﴿ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾: وكل من لعق الحرام مآله إلى السعير والتدمير.

(11): ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ﴾: يوجب ويفرض في شأن ميراث أولادكم ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾: لا لفضله عليها كما صرح أكثر المفسرين، بل لأن مسؤولية المالية عليه أشق﴾ وأوسع كما هو معروف ﴿فَإِن كُنّ﴾: نون النسوة اسم كان أي كانت المولودات ﴿نِسَاءً﴾: بالكامل لا ذكر معهن ﴿فَوْقَ اثْنَتَيْنِ﴾: الظاهر يدل على ما زاد على اثنتين، ولكن إجماع الأمة صرف هذا الظاهر إلى اثنتين فما فوقهما ﴿فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾: بالفرض ﴿وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾: أيضًا بالفرض ﴿وَلأَبَوَيْهِ﴾: الأب والأم ﴿لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَا نَ لَهُ وَلَد﴾: ذكرًا أو أنثى، واحدًا أو أكثر ﴿فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ﴾: ولا ولد ولد، وانحصر ميراثه بأمه وأبيه ﴿فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾: إن لم يكن للميت أخوة يحجبونها عما زاد من السدس ﴿فَإِن كَانَ لَهُ﴾: أي للميت ﴿إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ﴾: والباقي بعد سهم الأم في الحالين للأب ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾: وقدمت الوصية على الدين لفظًا لا حكمًا، لأنه مقدم عليها في الشريعة حيث أوجبت الابتداء بتجهيز الميت أولاً من تركته وثانيًا وفاء الديون المالية، وثالثًا تنفيد الوصية من الثلث، وأخيرًا الميراث، والتفصيل في كتب الفقـه ﴿آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ﴾: هذه جملة معترضة تشير إلى أن أسرار المواريث وسهامها لا تدركها عقولنا، ولكن لا تأباها وترفضها من حيث الإمكان والجواز، ولاشئ يدل على ذلك من اختلاف الآراء في أصل الإرث وفي السهام كمًا وكيفًا بين جميع الأديان والمذاهب والأحزاب والمشارب حتى بين المسلمين في العديد من مسائل الإرث.

(12): ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾: اتفق المسلمون على أن الزوج والزوجة يشاركان جميع الورثة، ولا يحجبهما أحد، وللزوج النصف من تركة الزوجة إن لم يكن لها ولد منه أو من غيره، والربع إن كان لها ولد ﴿وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإ ِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾: للزوجة الربع من تركة زوجها إن لم يكن له ولد منها أو من غيرها، والثمن إن كان له ولد كذلك، وولد الولد كالولد عند الإمامية ذكرًا كان أم أنثى، فبنت البنت تمامًا كالابن تحجب أحد الزوجين من نصيبه الأعلى إلى الأدنى، وإذا تعددت الزوجات فهن شريكات في الربع أو الثمن ﴿وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ﴾: أي موروث منه ﴿كَلاَلَةً﴾: حال من ضمن يورث، والمروي عن أهل البيت (ع) أن المراد بالكلالة هنا الإخوة والأخوات من الأم فقط ﴿أَو امْرَأَةٌ﴾: عطف على الرجل الموروث منه ﴿وَلَهُ﴾: أي للموروث منه رجلاً كان أو أمرأة، وأعاد الضمير على الرجل فقط، لأنها في حكمه ﴿أَخٌ أَوْ أُخْتٌ﴾: من الأم فقط بالإجماع ﴿فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا﴾: منفردًا ﴿السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ﴾: وبالجملة اتفقت المذاهب الإسلامية على أن للأخ الواحد أو الأخت الواحدة من الأم فقط- السدس بالفرض، وأن للأكثر ذكورًا وإناثًا أو هما معًا، ويقسمون فيما بينهم بالسوية للذكر مثل الأنثى.

(13): ﴿تِلْكَ﴾: إشارة إلى الأحكام المذكورة في اليتامى والمواريث ﴿حُدُودُ اللّهِ﴾: فلا تعتدوها ﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ...﴾: فهو في ملك دائم ونعيم قائم.

(14): ﴿وَمَن يَعْصِ اللّهَ﴾: فهو في كرب عظيم وعذاب مهين.

(15): ﴿وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ﴾: المراد بالفاحشة هنا الزنا، ولا يثبت إلا بإقرار فاعله على نفسه أربع مرات سواء كان رجلاً أم امرأة، أو بشهادة عدول من رجال المسلين ﴿فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ﴾: إذا ثبت الزنا على المرأة حبست في بيتها حتى الموت عقوبة على جرميتها، وكان ذلك في أول الإسلام، ثم نسخ في قوله تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا...) ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً﴾: هو النكاح الشرعي الذي يستغنين به عن السفاح.

(16): ﴿وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا﴾: قال المفسرون بما فيهم الشيخ الطبرسي: المراد بالمثنى الزاني والزانية، ولاحظ أن الزاني والزانية تقدم حكمهما، ولا موجب للتكرار، وغير بعيد أن يكون المراد الذكرين: الفاعل والمفعول ﴿فَإِن تَابَا﴾: من الفاحشة ﴿وَأَصْلَحَا﴾: سارا على طريق الصالحين ﴿فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا﴾: لأن من تاب من الذنب كمن لا ذنب له.

(17): ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ﴾: أي أنه تعالى أوجب قبولهما على نفسه بمقتضى وعده تمامًا كقوله: كتب على نفسه الرحمة ﴿لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ﴾: السوء: العمل القبيح، والجهالة: السفاهة، والتوبة من قريب: المبادرة إليها قبل ذهاب الفرصة بحلول الأجل كما أشار سبحانه بقوله:

(18): ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ﴾: التوبة تنفع، والعمل يُرفع، ولكن طوعًا لا كرهًا حيث يساق المجرم إلى الموت، وجاء في الأشعار (وجادت بوصل حيث لا ينفع الوصل) ﴿وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾: ويتوبون يوم القيامة حيث يرون النار(قال ربي ارجعون لعلي أعمل صالحًا).

(19): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا﴾: لا تعاملوا النساء معاملة المتاع والحيوان بأخذها على سبيل الميراث كما كان عليه الجاهلية، فقد كان يحسبون زوجة الميت من جملة ما ترك تمامًا كالبقرة والشجرة ﴿وَلاَ تَعْضُلُوهُنّ﴾: لا تضيقوا عليهن وتسيئوا معاملتهن ﴿لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾: لا يحل للزوج أن يسئ إلى زوجته لتفتدي نفسها بصداقها كلاَ أو بعضًا ﴿إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾: والمتبادر من الفاحشة هنا: الزنا، والمراد بالمبينة الثابتة عند الزوج بينه وبين الله لا عند القاضي ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾: عرفًا، لا بالمعروف عند الزوج وأمه، بل عند العقلاء المنصفين بحيث لا يرونه مسيئًا إليها في شئ ﴿فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾: إذا كره القلب عمي عن الصواب، بخاصة الموازنة بين الضرر والأكثر، فقد يطلق الرجل زوجته لبعض صفاتها، ويتزوج بأخرى، فإذا هي أسوأ حالاً وأقبح عملاً، فيندم حيث لا ينفع الندم.

(20): ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ﴾: إن كان ولا بد من الطلاق والفراق ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا﴾: مجرد مثل للكثرة ﴿فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا﴾: إلا عن طيب نفس حتى ولو عزمتم على ترك الزواج إطلاقًا، وإنما ذكر سبحانه (الإستبدال) تنزيلا على الأغلب ﴿أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً﴾: تنسبون إليها ما هي بريئة منه لتفتدي نفسها منكم ﴿وَإِثْماً مُّبِيناً﴾: ظلمًا واضحًا.

(21): ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾: قال الشيخ محمد عبده في هذا الإفضاء: (هو إشارة إلى أن وجود كل من الزوجين جزء متمم لوجود الآخر) ﴿وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾: هو الاتصال الوثيق بين الزوجين ووجوب العمل بمقتضاه من الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان.

(22): ﴿وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ﴾: كان بعض العرب يتزوجون امرأة أبيه بعد موته إذا لم تكن أمًا له، فنهى سبحانه عن ذللك وعفى عن ما مضى ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾: ذنبًا كبيرًا ﴿وَمَقْتًا﴾: مكروهًا عند العقلاء ﴿وَسَاء سَبِيلاً﴾: وأيضًا هو طريق الأرذال والأنذال، واتفقت المذاهب الإسلامية على تحريم الزواج مؤبدًا بزوجات الآباء والأجداد للأب والأم بمجرد العقد حتى مع عدم الدخول، بالأولى الأمهات المنصوص عليها بقوله تعالى:

(23): ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾: ثم أشار جل وعز إلى باقي المحرمات من النساء، وهي: ﴿وَبَنَاتُكُمْ﴾: وإن نزلن ﴿وَأَخَوَاتُكُم﴾: سواء أكنَ للأبوين أو لأحدهما ﴿وَعَمَّاتُكُمْ﴾: وتشمل عمات الآباء والأمهات وإن علون ﴿وَخَالاَتُكُمْ﴾: تمامًا كالعمات ﴿وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ﴾: وكل من تناسل منهما ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ﴾: اتفق المسلمون قولًا واحدًا على العمل بحديث (يحرم من الرضاع ما يحرم على النسب) وعليه فكل امرأة حرمت من النسب تحرم مثلها بسبب الرضاع أمًا كانت أو أختًا أو بنتًا أو عمة أو خالة أو بنت أخ أو بنت أخت ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ﴾: تحرم أم الزوجة وإن علت بمجد العقد على البنت، وإن لم يحصل الدخول ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّ تِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾: لا تحرم بنت الزوجة بمجرد عقد الزاوج على أمها، بل للعاقد أن يطلق الأم قبل أن يدخل بها، ثم يعقد على ابنتها، وقوله تعالى في حجوركم ليس قيدًا للحكم، بل تنزيلاً على الغالب لأن بنت الزوجة تحرم وإن لم تكن في حجر زوج الأم ﴿وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ﴾: زوجاتهم ﴿الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ﴾: تحرم زوجة الابن وان نزل، على أبيه وإن علا بمجرد العقد، وقـولـه تعالـى (مـن أصلابكم) ليخرج ولد التبني لأنه أجنبي، أما ولد الرضاعة فحكمه وحكم الولد من النسب ﴿وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ﴾: في الجاهلية، ونسخ في الإسلام، فإن بانت الأخت من الزوج بطلاق أو فارقها بموت، ساغ الزواج بأختها.

(24): ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء﴾: المتزوجات تحرم على غير أزواجهن بضرورة طبيعية البشرية فضلاً عن الضرورة الدينية ﴿إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾: يحرم نكاح المرأة المشركة، المتزوجة كالمرأة المتزوجة المسلمة، أجل إذا وقعت الحرب بشروطها المذكورة في كتب الفقه بين المشركين والمسلمين، وأسر المسلم أو غنم أمرأة مشركة متزوجة من مشرك، أسرها دون زوجها تقع الفرقة بينها وبين زوجها باجماع المذاهب تمامًا كالمطلقة، فإذا أراد الذي حازها أن ينكحها ساغ له ذلك بعد أن تضع حملها إن تك حاملاً أو بعد أن تحيض مرة واحدة أو بعد 45 يومًا إن تك حائلاً وكان هذا يوم كان للمسلمين قوة تردع عنهم أخطار القتل والسبي والتشريد ﴿كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ﴾: أي هذه المحرمات كتبها الله وفرضها عليكم ﴿وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ﴾: هذي هي المحرمات من النساء عند الله، وسواها حلال طيب ﴿أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم﴾: أي تطلبوا بأموالكم من تختارون من النساء بشرط أن ﴿تكونوا مُّحْصِنِينَ﴾: في حصن من الدين والعفة عن الحرام ﴿غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾: غير زناة وبغاة ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾: وندع الكلام هنا للفخر الرازي، فقد كتب حول هذه الآية صفحات طوالاً، نقتطف منها ما يتناسب مع هذا الموجز، قال ما نصه بالحرف الواحد: (المراد بهذه الآية حكم المتعة) واتفقوا على أنها نزلت مباحة في ابتداء الإسلام. وعن ابن عباس ثلاث راويات في ذلك، أما عمران بن حصين فإنه قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى، ولم ينزل بعدها آية تنسخها، وروى محمد بن جرير الطبري أن علي بن أبي طالي قال: لولا عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى إلا شقي ﴿وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾: إذا تم الزواج المؤقت بين الرجل والمرأة وانقضى الوقت أو أوشك، ثم بدا لهما أن يزيدا في الوقت والأجرة - فلا بأس في ذللك.

(25): ﴿وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً﴾: السعة في المال ﴿أََنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ﴾: الحرائر المؤمنات ﴿الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾: ومعنى الآية بالكامل: من لم يجد من المال ما يمكنه من الزواج بحرة مؤمنة فله أن يتزوج أمّة مؤمنة ﴿وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾: لا ينبغي من أحد أن يستنكف عن زواج امرأة للونها وعنصرها فالجميع من آدم، وآدم من تراب، أما الأكرم والأفخم فهو بعلم الله لا عند الناس ﴿فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ﴾: لا يسوغ نكاح الإماء إلاّ بإذن المالكين لهن، ولا موضوع لهذه الآية في عصرنا حيث لا إماء ولا عبيد ﴿وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ﴾: عفيفات غير زانيات بصورة علنية كالمومس ﴿وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾: جمع خدن، وهو الخليل، تتخذه الفاجرة للزنا سرّا لا علنّا كالمومس التي لا ترد لامسّا ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾: أي تزوجت الإماء ﴿فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ﴾: الزنا ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ﴾: أي الحرائر غير المملوكات ﴿مِنَ الْعَذَابِ﴾: وهو حد الزنا ﴿ذَلِكَ﴾: إشارة إلى الزواج بالأمة ﴿لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾: أي لمكن يخاف الزنا على نفسه لا لمن يملك نفسه ﴿وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾: وفي شتى الأحوال الأفضل للإنسان والأكمل أن يكبح جماح شهوته الشيطانية سواء طمحت إلى الجنس أو غيره.

(26): ﴿يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾: شرع سبحانه هذه الأحكام وغيرها لكي نستغني بالحلال عن الحرام وبالخير عن الآثام ﴿وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم﴾: وهم أهل البصائر والفضائل ﴿وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾: أي بين سبحانه الأحكام لعباده كي يطيعوا ويتوبوا.

(27): ﴿وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾: أي توبوا وأطيعوا، وعليه يكون هذا التكرار أشبه بقولك لولدك: اشتريت لك هذا الكناب لتقرأه، فاقرأه ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا﴾: وتنطبق هذه الآية بوضوح على الإباحيين الدعاة إلى الفسق والفجور، والكشف عن السيقان والصدور، وإلى التحرر من الدين والأخلاق والإنسانية.

(28): ﴿يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ﴾: أبدّا، ما شرع الله حكمّا واحدّا فيه إرهاق وضرر، كيف؟ ودينه يسر، وحكمه عدل، وشريعته تتسع للإنسانية كلها ﴿وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾: ومن اجل هذا تتفق شريعة الله في سهولتها وسماحتها موافقة تامة مع فطرة الإنسان وطبيعته.

(29): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾: كالربا والقمار والغش والسرقة، وتقدم في الآية 188 من سورة البقرة ﴿إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ﴾: أموال التجارة وأرباحها حلال شرعًا وعقلاً وعرفًا وتمامًا كالصناعة والزراعة، ولا تستقيم الحياة إلا بها، على أن تنزه عن الربا والغش والاحتكار والأضرار ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ﴾: لا يقتل بعضكم بعضًا، وأيضًا لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة.

(30): ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا﴾: وقد يفرق بينهما في أن الظلم يكون للنفس وللغير، والعدوان لا يكون إلاّ على الآخرين، وقد يكون القتل حقّا كقتل الحد والقصاص أما القتل الخطأ فلا يوجب إلا الدية.

(31): ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾: وأكبر الكبائر الشرك والكفر بالله، والظلم لعباده وعياله، وخيانة الدين والوطن، والزنا والربا، والكذب والرياء... ﴿نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾: إن أقلعتم عن الكبائر لا يعاقبكم على صغائر الذنوب كالنظرة المجردة والجلوس في مجلس الغيبة- مثلا ً- دون أن تغتابوا، بل ﴿وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا﴾: اسم مكان وهو الجنة.

(32): ﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾: كل إنسان إذا رأى نعمة على غيره من دونه كالصحة والعلم والذكاء والجاه والمال- يتمنى أن يكون له مثلها، ولا بأس في ذلك، لأنه في الإنسان فطرة وطبيعة... اللهم إلاّ أن يكون لقضاء الله ساخطًا، ولصاحب النعمة حاسدًا، وعلى هذا يحمل النهي عن التمني في الآية، قال الرسول الأعظم: وإذا حسدت فلا تبغ... المؤمن يغبط، والمنافق يحسد ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ﴾: إن الله لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى ﴿وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ﴾: فإن خزائنه لا تنفد، ونعمه لا تحصى.

(33): ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾: أي أن الله سبحانه وتعالى جعل لكل ميت وراثًا يرثون ﴿مِمَّا تَرَكَ﴾: وهم ﴿الْوَالِدَانِ﴾: والأجداد والجدات ﴿وَالأَقْرَبُونَ﴾: وهم الأولاد والإخوة والاخوات والأعمام والعمات والاخوال الخالات ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾: كان الرجل يعاقد الرجل، فيقول له: دمي دمك وحربي حربك وسلمي سلمك، وترثني وأرثك، وتعقل عني وأعقل عنك، فيكون للحليف السدس من تركة حليفه، فنسخ بقوله تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولي بعض- 75 الأنفال).

(34): ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾: المراد بالرجال هنا خصوص الأزواج لا كل الرجال، وبالنساء خصوص الزوجات لا جميع النساء، أما قوامون فالمراد قائمون بشؤونهن وعليهن أيضًا، ولكن لا قيام الراعي على الرعية والرئيس على المرؤوس كلا، فقد حدد الفقهاء هذه السلطة بثلاثة أشياء: أن يطلقها متى شاء، وأن تطيعه في الفراش، وأن لا تخرج من بيته إلا بإذنه، ولهن في عدا ذلك، مثل الذي عليهن ﴿بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾: ومهما قيل في المساواة بين المرأة والرجل فإنه أقوى منها على تحمل التبعات والمسؤوليات وإنكار ذلك إنكار للبديهات ﴿وَبِمَا أَنفَقُواْ﴾: فيه إيماء إلى أن الزوج إذا لم ينفق لم يكن قوامًا عليها، ولها والأمر كذلك، أن تطلب الطلاق منه والإنفصال عنه ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ﴾: مطيعات لله قائمات بما عليهن للأزواج ﴿حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ﴾: أن يحفظن في غياب الرجل ما يجب حفظه من الفروج وعفتها والأموال وصيانتها ﴿بِمَا حَفِظَ اللّهُ﴾: من حقوقهن على الأزواج ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾: نشزت المرأة: امتنعت واستعصت على ﴿زوجها فَعِظُوهُنَّ﴾: أولاً بالحسنى ﴿وَاهْجُرُوهُنّ﴾: ثانيًا ﴿فِي الْمَضَاجِعِ﴾: وفي هذا الهجر نوع من الإذلال وعدم الاكتراث بها ﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾: ثالثًا ضربًا خفيفًا لمجرد الردع، إن تك المرأة شريرة مستشرية لا يكبح جماحها وحمقها إلا الضرب، وفي شتى الأحوال فإن الأمر هنا رخصة لا عزيمة، واتفق الفقهاء أن ترك الضرب أولى ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ﴾: في القيام بما عليهن من حقوق الأزواج ﴿فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً﴾: أبدًا فلا عدوان إلاّ على الظالمين، أبعد هذا يتشدق ويتحذلق من في نفسه مرض، ويقول: انظروا يا ناس كيف أباح الإسلام ضرب الزوجة مطلقًا بلا قيد أو شرط؟ ﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾: وعيد وتهديد لمن يقصر في حقوق المرأة.

(35) ? (36): ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا﴾: إن خفتم أيها القضاة أو المؤمنون المصلحون أن يستعمر الخلاف بين الزوجين ﴿فَابْعَثُواْ﴾: الأمر هنا للندب لا للوجوب ﴿حَكَمًا﴾: رجلاً معتدلاً يصلح لهذه المهمة ﴿مِّنْ أَهْلِهِ﴾: يرتضيه الزوج ﴿وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا﴾: ترتضيه الزوجة ﴿إِن يُرِيدَا﴾: الزوجان ﴿إِصْلاَحًا﴾: ظاهرًا وباطنًا لا ظاهرًا فقط وحياء من الناس ﴿يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا﴾: ما داما على نية الخير والوفاق ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ﴾: وما عبد الله بشئ أفضل من كف الأذى عن الناس ﴿وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا﴾: لا تفعلوا شيئّا إلاّ لوجه الله والخير ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾: وعلى الأقل أن لا تسيئوا إليهما ﴿وَبِذِي الْقُرْبَى﴾: الأرحام ﴿وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى﴾: قريب في جواره ﴿وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾: بعيد الجوار ﴿وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ﴾: كرفيق السفر وما أشبه ﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾: المنقطع في غربته ﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾: فيه إيماء إلى الرفق بالحيوان ﴿إِنَّ ا للّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً﴾: متكبراً ﴿فَخُورًا﴾: وهل في الكون من يحب معجبًا بنفسه محتقرًا لغيره؟.

(37): ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾: مبتدأ والخبر محذوف أي مذمومون ﴿وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾: تمامًا كالشيطان يأمر بالمنكر، وينهى عن المعروف ﴿وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ﴾: يتظاهرون بالفقر كيلا يسألهم السائلون.

(38): ﴿وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاس...﴾: الذي ينفق رياء أسواء حالا من البخيل، لأن الرياء شرك خفي، وتقدم في الآية 264 من سورة البقرةِ ﴿وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا﴾: وأقرب المقربين إلى الشيطان من يقول ويفعل بوحي من الشيطان، وهو يعتقد أنه يتصرف بوحي من الرحمن.

(39): ﴿وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾: أرأيت إلى هذه الملاطفة والحكمة في الدعوة إلى الخير؟ وأيضا ماذا علينا نحن أهل العمائم لو اهتدينا بهذا الأسلوب القرآني؟ ﴿وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ﴾: قال سبحانه (آمنوا.. وأنفقوا) ومعنى هذا الرابط والجمع بين الإيمان والإنفاق، أن كلاً منهما جزء متمم للآخر.

(40): ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾: البخس والنقص من أجر من المحسن تمامًا كالزيادة في عقاب المسئ، كلاهما ظلم وهو محال في حقه تعالى ﴿وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾: يزيد الثواب لمن أحسن، ولا يعاقب المسئ بأكثر مما يستحق، وقد يعفو.

(41): ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ﴾: يجمع سبحانه وتعالى الناس غدًا لنقاش الحساب، وكل نبي يشهد على أمته أنه بلغها رسالة ربه ﴿وَجِئْنَا بِكَ﴾: يا محمد ﴿عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا﴾: وهؤلاء إشارة للمسلمين، ويروى أن رسول الله فاضت عيناه بالدموع حين نزلت هذه الآية، إذا كانت هذه حال الشاهد فكيف المشهود عليه؟.

(42): ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ﴾: بعد الموت وقبل النشر والبعث كانوا جزءًا من الأرض كما جاء في الإشعار وغيرها (ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد) ولما رأوا العذاب تمنوا لو بقوا كما كانوا هم والأرض سواء أي لم ينشروا ولم يبعثوا ﴿وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا﴾: كيف وألبستهم تشهد عليهم؟ أما ما جاء في سورة الأنعام على لسانهم (والله ربنا ما كنا مشركين) فالمراد أنهم لم يكونوا مشركين في اعتقادهم، ويأتي بالتفصيل.

(43): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصّلوةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾: السكر حرام محرم بالذات وفي شتى الحالات بالضرور الدينية، ولكن هذه الآية بعيدة كل البعد عن بيان حكمه تحريمًا او تحليًا حيث يسوغ النهي عن مبطلات الصلاة حتى ولو كان مباحة بالذات ﴿وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ﴾: قال الفقهاء: لا تصح من الجنب ولا يسوغ له المكث في المسجد، وله أن يمر به مستطرقًا إلا المسجد الحرام ومسجد الرسول الأعظم (ص) ﴿حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ﴾: من الجنابة، وعند إذن تصح الصلاة مع سائر الشروط، ويسوغ المكث في كل المساجد ﴿وَإِن كُنتُم مَّرْضَى﴾: وخفتم الضرر من استعمال الماء ﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾: اتفقت المذاهب الإسلامية على أن المسافر إذا لم يجد ماء يتيمم ويصلي، وكذلك الحاضر غير المريض تمامًا كالمسافر ما عدا المذهب الحنفي فإنه أسقط الصلاة عن الحاظر إذا لم يجد الماء لأن الآية وردت في المسافر دون الحاضر، وجوابه أن جواز التيمم في السفر لايمنع من جوزاه في الحضر إضافة إلى الإطلاقات الواردة في السنة ﴿أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ﴾: كناية عن ما يخرج من السبيلين حتى الريح ﴿أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء﴾: كناية عن الجماع ﴿فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا﴾: الصعيد الأرض والطيب الطاهر ﴿فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ﴾: الباء للتبعيض أي بعض وجوهكم، عند الإمامية من قصاص الشعر إلى طرف الأنف ﴿وَأَيْدِيكُمْ﴾: من الزندين إلى رؤوس الأصابع.

(44): ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ﴾: حظًا من علم التوراة، وهم أحبار اليهود ﴿يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ﴾: يستبدلونها بالهداية أي بالبقاء على اليهودية بعد وضوح المعجزات الدالة على صدق محمد (ص) ﴿وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ﴾: المؤدية إلى ما فيه لله رضا، ولكم خير وصلاح.

(45): ﴿وَاللّهُ أَعْلَمُ﴾: بكم منكم ﴿بِأَعْدَائِكُمْ﴾: وقد حذركم منهم وامركم أن تعدوا العدة لهم ﴿وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا﴾: فثقوا بولايته ونصرته إن أطعتم له وسمعتم، ثم بين سبحانه من هم أعداء الإسلام والمسلمين بقوله:

(46): ﴿مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ﴾: اليهود و(من) بيان الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ﴾: تبعًا لميولهم وأهوائهم ﴿وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾: لا نقبل منك شيئًا وإن كان حقًا ﴿وَاسْمَعْ﴾: منا ذلك وكن على يقين منه ﴿غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾: دعاء بالصمم وعدم السماع ﴿وَرَاعِنَا﴾: كلمة سب في لغة اليهود، وتقدمت في تفسير الآية 104 من سورة البقرة ﴿لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ﴾: صرفًا للكلام عن الحق إلى الباطل ﴿وَطَعْنًا فِي الدِّينِ﴾: لقد كان اليهود وما زالوا مفترين ورواغين ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ﴾: أي اليهود ﴿قَالُواْ سَمِعْنَا... ﴾: مكان قولهم عصينا ﴿لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ﴾: وما امتنعوا عن هذا القول الكريم إلا لأنه من صادق أمين، ولو كان من شيطان رجيم لتسابقوا إليه ﴿وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ﴾: والملائكة والناس أجمعين.

(47): َ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم﴾: دعا محمد أتباع موسى وعيسى إلى الإيمان برسالته لأنها رسالة جميع الأنبياء، فرفضوا. ولماذا؟ لأن رسالة الله لا تجذبهم إليها، والشئ الوحيد الذي يجذبهم إليه هو ما يحبون وما يشتهون.... وينطبق هذا الوصف على العديد من قادة المسلمين! ﴿مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾: المراد بالطمس التغيير، وبالوجوه الوجهاء والرؤساء، وبالرد على الأدبار جعل هؤلاء الرؤوس إذنابًا، والمعنى أن دائرة السوء لا بد أن تدور على الرؤوساء الأدعياء لأنههم أصل البلاء ﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ﴾: وفي تفسير الرازي ومجمع البيان والبحر المحيط: (لا بد من طمس أو مسخ اليهود قبل قيام الساعة) ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً﴾: واقعًا لا محالة، إما بالمسخ وإما بغيره من أنواع العذاب.

(48): ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِه﴾ِ: إلا لمن تاب ومات على التوحيد ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ﴾: ما دون الشرك ﴿لِمَن يَشَاء﴾: من الموحدين الذين لم يظلموا أحدًا لقوله تعالى: (إن الظالمين في عذاب مقيم - 45 الشورى.. يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سواء الدار-52 غافر) وللحديث القدسي المروي في أصول الكافي: (لا أدع ظلامة المظلومين وإن كانوا كفارًا).

(49): ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ﴾: بلى، إنهم موجودون في كل عصر، وكلما ازدادوا خزيًا وضعة ازدادو تزكية لأنفسهم وإعجابًا بها ﴿بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء﴾: لأنه أعلم بالأتقى والأنقى ﴿وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾: أي أنه تعالى يعاقب بالعدل من يدعي ما ليش فيه.

(50): ﴿انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ﴾: وفي طليعتهم الذين قالوا: نحن شعب الله المختار وأحباؤه واولياؤه.

(51): ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ﴾: وهو الذي لا خير فيه ﴿وَالطَّاغُوتِ﴾: وهو كل معتد أثيم أو أقل: كل من يطاع من دون الله فهو جبت وطاغوت ﴿وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً﴾: قال اليهود: المشركون في عبادتهم للأصنام أفضل من المسلمين في إيمانهم بالله الواحد الأحد، وهذا طعن صريح في التوراة التي أوصتهم بالنفور من الأصنام.

(52): ﴿أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ﴾: لأنهم أشد سوءًا وقبحًا من السوء والقبح ﴿وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾: إلا من كان على شاكلته.

(53): ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ﴾: أي بل إن كان لليهود دولة ﴿فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾: نقرة في ظهر النواة. وكيف يعطون ودينهم السلب وديدنهم الكذب؟.

(54): ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ﴾: بل اليهود يحسدون محمدًا والصحابة ﴿عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ﴾: أي من النبوة والنصر والعز ﴿فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾: العلم والنبوة ﴿وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا﴾: حيث أطاع بعضهم خلق كثير.

(55): ﴿فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ﴾: أي من اليهود من آمن بهذا الإيتاء والإنعام على بعض آل ابراهيم ﴿وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ﴾: أعرض عن هذا الإنعام وكفر به وهو لهم وفيهم، فكيف بك يا محمد ولست من بني إسرائيل، بل من بني إسمعيل.

(56): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا﴾: وهي كل ما دل على الحق، ومنه صدق محمد (ص) وأمانته ﴿سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾: كناية عن عظيم العذاب وشدته، وخلوده أو طول مدته.

(57): ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ...﴾: واضح وتقدم في الآية 15 من آل عمران.

(58): ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾: الأمانة كل حق وجب الوفاء به، ومن عصى فقد رتع في الخيانة ﴿وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ﴾: ولا تستقيم الحياة من غير عدل، لأنه حمى للحق، ومظهر للتوازن والمساواة، وكل من وقف إلى جانب الحق فهو عادل، وكل من عانده فهو باغ ومبطل ﴿إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ﴾: فاتعظوا بمواعظه، وانتفعوا ببيانه.

(59): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾: المراد بأولي الأمر هنا أئمة الهدى المعصومون عن الخطأ والخطيئة، حيث لا يعطف على طاعته تعالى الا من يتقون الله في كل شئ، وهم بأمره يعملون، وأيضًا لا يعطف على طاعة الرسول شرعًا وعقلا إلاّ من كان امتدادًا له قولاً وفعلاً، وما ثبتت العصمة لأحد المسلمين بعد رسول الله (ص) إلاّ لعترته وأهل بيته الذين ساوى النبي بينهم وبين القرآن المعصوم وجعلهم عدلا له في حديث الثقلين ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ﴾: من امور الدين، وبالخصوص في معرفة المعصومين الذين تجب طاعة الله والرسول ﴿فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ﴾: إلى كتابه تعالى ﴿وَالرَّسُولِ﴾: إي سنة الرسول بعد وفاته ﴿إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ﴾: حقًا وصدقاً ﴿بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر﴾: وفيه إيماء إلى أن من لا يحتكم إلى كتاب الله وسنة نبيه في امور الدين ? فهو كافر، ولا يختلف في هذا المبدأ من ﴿المسلمينِ ذَلِكَ﴾: الرد إلى كتاب الله وسنة نبيه ﴿خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾: مآلا وعاقبة.

(60): ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ﴾: الخطاب للنبي (ص) والزاعمون: المنافقون ﴿أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾: أي بكل ما أرسل سبحانه من رسل وكل ما أنزل من كتب ﴿يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ اِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ﴾: كان بين رجل من المنافقين وآخر من اليهود خصومة، فقال اليهودي له: أحاكمك إلى محمد علمًا منه بأنه يحكم بالحق ولا يرتشي، فأبى المنافق إلا عند رئيس من رؤساء اليهود الذين يبدون العداوة والبغضاء لنبي الرحمة، فسجلت الآية هذا الموقف المخزي لمن يتظاهر بالصلاح وهو أفسد من الفساد.

(61): ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾: المنافقين ﴿تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا﴾: ولا عجب أن يصد المبطل عن الحق، والمحق عن الباطل وإلا فأين الخط الفاصل بين الطيب والخبيث.

(62): ﴿فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾: المنافقون يحاربون الرسول الأعظم (ص) في الخفاء بكل وسيلة، فإذا نزلت بهم نازلة بسبب أفعالهم وسوء تصرفاتهم لجأوا إلى الرسول خاضعين متباكين ﴿ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا﴾: وهكذا كل انتهازي منافق يحاول الإيقاع بك ما استطاع حتى إذا درات عليه الدائرة واحتاج إلى نصرتك، أسرع إليك لائذًا، وابدى لك الولاء والإخلاص.

(63): ﴿أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾: وأيضًا كثير من الناس يعلمون المنافقين وأنهم بخادعون ويمكرون ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾: لا تعف عنهم ولا تعاقبهم ﴿وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا﴾: تفهمهم فيه حقيقتهم وما هم عليه من الشر والخيانة، وأنهم إن أمضوا في هذا السبيل، فعاقبتهم الوبال والإذلال.

(64): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ﴾: وإلا فأية جدوى من إرسال الرسالة؟ ﴿بِإِذْنِ اللّهِ﴾: أي بأمره تعالى، وفي معناه (من يطع الرسول فقد أطاع الله) ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ﴾: حيث عرضوها للعذاب والهلكة ﴿جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ﴾: الأجدر بهم والأنفع لهم أن يندموا على ما كان منهم، ويطلبوا العفو من الله والرسول، ولو أنهم فعلوا ذلك ﴿لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾: ابدًا لا يرد سائلًا، ولا يخيب آملًا، فالمهم أن يسأل العبد ويأمل.

(65): ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ﴾: الأصل وربك ﴿لاَ﴾: لمجرد التوكيد ﴿يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾: يرتضونك حكمًا، ويعتقدون أن حكمك هو حكم الله بالذات ﴿ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾: وهل يشعر المؤمن حقًا وصدقًا بالضيق من حكم الله والحق.

(66) ? (68): ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ﴾: كناية عن الأمر بالجهاد ﴿أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم﴾: كما هاجر الصحابة من مكة إلى الحبشة والمدينة طائعين قانعين مجاهدين ﴿مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾: قليل بدل من واو الجماعة، وهكذا المخلصون في كل عصر قليلون اللهم إلا بالإعلام والكلام ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ﴾: ولو كان لمجرد الوعظ من أثر فعّال لكان الناس بالكامل اولياء مقدسين. أجل الأثر الأول للوعظ والواعظين إلقاء الحجة وبالإرشاد والهداية.

(69): ﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ...﴾: طاعة الله والرسول تعود بالنفع والخير على المطيع وحده، لأنه تعالى لا يأمر إلا بخير ولا ينهي إلا عن شر، وفوق ذلك يرفع الله المطيع إلى عليين، ويجعله رفيقًا للنبيين والشهداء والصالحين.

(70): ﴿ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ﴾: ولا شئ يقاس بفضله.

(71): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ﴾: من قوى البغي والشر، فإنهم لكم بالمرصاد، واجتمعوا لهم صفًا واحدًا وإلا سامكم العدو خسفًا، وساقكم عنفًا كالبهائم ﴿فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ﴾: فرقًا وفصائل من الجنود ﴿أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا﴾: إشارة إلى النفير العام، وتعبئة الشعب بشتى أفراده تبعًا لما تستدعيه المصلحة.

(72): ﴿وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ﴾: يتثاقل ويضع العراقيل والعقبات في طريق الجهاد و ( منكم) من المواطنين ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ﴾: في ميدان القتال وجهاد الأعداء ﴿قَالَ﴾: الأفاك الأثيم بلؤم وشماتة ﴿قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا﴾: يفرح ويغتبط بالسلامة، وما درى أن الشهادة كرامة يخص سبحانه بها من يشاء من أوليائه وأصفيائه.

(73): ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله﴾: انتصرتم وغنمتم في الجهاد والقتال ﴿لَيَقُولَنَّ﴾: الأناني الإنتهازي في الجهاد والقتال ﴿كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾: جملة معترضة بين العامل وهو (ليقولن) والمعمول وهو ﴿يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾: وهكذا الحقود والحسود يطير فرحًا إذا نزلت بالآخرين نازلة ويموت حسرة إذا رأى عليهم نعمة من الله فضلا.

(74): ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيوةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ﴾: وأثبتت التجارب أن الجهاد ضد البغي والقهر، عزة وكرامة في الدنيا كما هو في الآخرة، وإن الخضوع والاستسلام مذلة وهوان: (ولو دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض- 251 البقرة) ﴿وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾: في سبيل العقيدة والحرية ﴿فَيُقْتَلْ﴾: وأشرف الموت القتل في هذا السبيل ﴿أَو يَغْلِبْ﴾: الطغاة المعتدين على عباد الله وعياله ﴿فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾: لأنه دفع الثمن عظيمًا.

(75): ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾: وسبيله تعالى عام في كل خير ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ﴾: وأيضًا وبالخصوص مالكم لا تجاهدون لخلاص المظلومين ونسائهم وأطفالهم، وتشير الآيةإلى أن النبي (ص) حين هاجر هو ومن معه من المسلمين من مكة إلى المدينة وبقي من عجز عن الهجرة، فأذاقهم المشركون ألوانًا من الأذى والتنكيل، وكانوا يستغيثون و ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا...﴾: وهي مكة، فأمرسبحانه المسلمين بفتح مكة لإنقاذ المؤمنين المستضعفين من ظلم الطغاة المشركين، وتقرر هذه الآية أن الهدف من الأساس للجهاد والقتال هو إنساني تضامني ينقذ الضعفاء من الظلم، ويقيم العدل على وجع معموم حيث لا عدالة بلا قوة، كما أن القوة بلا عدالة استبداد.

(76): ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ﴾: هذه موزانة ومقارنة بين أهداف المخلصين وأهداف الخائنين من القتال، فالأولون يجاهدون لإحقاق الحق وإقامة العدل، وأما الخائنون فيقاتلون لإحياء الباطل ورساخة الظلم وإشاعة الفساد في الأرض ﴿فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ﴾: الذين يعيشون في الأرض مفسدين، فإن قتالهم وقتلهم صلاح وخير للإنسانية جمعاء، ومهادنتهم شر وفساد ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾: إن قوة الخائن المبطل بالغة ما بلغت فما هي بشئ، في جنب الإخلاص والحق والعدل.

(77): ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ﴾: تألب المشركون في مكة على النبي والصحابة والمستضعفين، ولما اشتد البلاء عليهم سألو النبي أن يأذن لهم بالقتال دفاعًا عن أنفسهم، فنهاهم عن ذلك، لأن القتال آنذاك عملية انتحارية، وقال الرسول فيما قال: اصمدوا على دينكم مهما قاسيتم في سبيله ﴿وَأَقِيمُواْ الصّلوةَ وَآتُواْ الزَّكَوةَ﴾: وهذا هو المطلوب منكم الآن وكفى ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ﴾: أمروا بالجهاد بعد الهجرة إلى المدينة جيث أصبح للإسلام والمسلمين قوة رداعة ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ﴾: أي قتال الأعداء ﴿كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً﴾: تحمسوا للقتال حين نهوا عنه، وتقاعسوا عنه حين أمرو به، ولكن خوفًا من الموت لا شكًا في دينهم وعقيدنهم ﴿وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾: ليس هذا اعتراضًا بل رجاء وإن كان الجبن هو الباعث والدافع ﴿قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ﴾: وعيشها قصير ﴿وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى﴾: معاصي الله سبحانه وتعالى ﴿وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلا﴾: على مشاق الجهاد والقتال.

(78): ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾: فما ينجو من الموت من خافه، ولا يعطي البقاء من أحبه كما في نهج البلاغة ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ﴾: كالرزق ﴿يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ﴾: وليست من بركتك ويمنك يا محمد ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾: كالنقص من الثمرات ﴿يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ﴾: بسببك، ولو بقينا على ديننا ما أصابنا شئ ﴿قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ﴾: أي من سنن الطبيعة التي خلقها الله تعالى، وهي تشمل وتعم الطيب والخبيث والقوي والضعيف على السواء تمامًا كالصحة والمرض إلا أن يكافحها القوي بعمله، ويسيطر عليها بقوته ﴿فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾: وهو أن الدين والصلاح والدعاء شئ، وأسباب الطبيعة شئ آخر، وأن النتيجة تتبع المقدمات والمسببات تجري على الأسباب.

(79): ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ﴾: المراد بهذه الحسنة، الحسنة الخاصة كالنجاح والتوفيق، وبالحسنة الأولى الحسنة العامة كالخصب وما أشبه من الأمور التي تشمل الجميع، وترجع إلى سنن الطبيعة التي خلقها الله كما أشرنا ﴿وَمَا أَصَابَكَ﴾: أيها الإنسان ﴿مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾: من تقصيرك أنت لا من الله سبحانه الذي زودك بالقدرة والعقل والإرادة، وحثك على الكفاخ والنضال ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ﴾: يا محمد ﴿لِلنَّاسِ رَسُولاً﴾: وما عليك إلا البلاغ ﴿وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا﴾: على من عصى وأطاع..

(80): ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾: لأنه بيانه ولسانه ﴿وَمَن تَوَلَّى﴾: وأعرض عن طاعتك يا محمد ﴿فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾: أي تحفظ أعمالهم وتحاسبهم عليها كلا، لأنك قوة إرشادية بيانية لا سلطة تنفيذية جبرية.

(81): ﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ﴾: يقول المنافقون لرسول الله (ص): شأننا طاعة لك ﴿فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ﴾: يظهرون الطاعة ويضمرون المكر والكيد، وبعبارة نهج البلاغة قولهم شفاء، وفعلهم الداء العياء ﴿وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾: يا محمد ولا تعاقبهم.

(82): ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾: تدبرًا يدركون معه أنه من الله لا من سواه ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾: بحكم البديهة، لأن للإنسان ظروفًا وحالات متفاوتات، وهو يتغير ويتكيف تبعًا لها، والله سبحانه لا يتبدل في الأحوال، فكلامه كذلك.

(83): ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ﴾: كان بعض المواطنين إذا سمع خبرًا يتصل بالأمن كالغزو والدفاع تكلموا به، وشهروه قبل أن يعلموا صحته، وكان في ذلك ضرر على المسلمين ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ﴾: الخبر الذي سمعوه ﴿إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ﴾: وهم الذين يثق النبي بكفائتهم ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾: يستخرجون الأشياء من مصادرها، ويردونها إلى أصولها، وبالإجمال البصير إذا سمع تثبت وتريث، وسأل من هو أدري وأعلم ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾: بمحمد والقرآن ﴿لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ﴾: بالبقاء على الجاهلية الجهلاء ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾: صفة لمصدر محذوف أي إلا اتباعًا قليلاً، وعليه يكون المعنى كانت عاداتكم من قبل وعقائدكم جهالة وضلالة إلا ما ندر كحلف الفضول وما اشبه.

(84): ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾: يا محمد ﴿لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ﴾: من حيث المسؤولية الشخصية عن طاعة التكليف وامتثاله من حيث بيانه وتبليغه، لأن الإنسان مخير طاعة وامتثالاً ومسير تكليفًا، ولذا أمر سبحانه النبي أن يبلغ، وأمرنا أن نطيع دون أن يلجئنا إلى الطاعة ﴿وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ﴾: وما عليك شئ من شأنهم ﴿عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾: وقد فعل ونصر الضعفاء المحقين على الطغاة الظالمين ﴿وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا﴾: وبأس الحق من بأسه تعالى ﴿وَأَشَدُّ تَنكِيلاً﴾: بقوة البغي من تنكيلهم بالمستضعفين.

(85): ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً﴾: وهي ما تجلب خيرًا أو تدرأ شرًا ﴿يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا﴾: وفي الحديث (من سن سنة حسنة كان له مثل أجر ما عمل بها) ﴿وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً﴾: وهي ما تجلب شرًا أو تدرأ خيرًا ﴿يَكُن لَّهُ كِفْلٌ﴾: أي نصيب، وتمام الحديث: (ومن سنة سيئة له مثل وزر من عمل بها) ﴿مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا﴾: مطلعًا ومقتدرًا ومعطيًا الأقوات والأرزاق.

(86): ﴿وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾: قالوا: المراد بها تحية الإسلام بالخصوص، وهي السلام عليكم، ولكن ظاهر الآية يعم كل تحية عرفية سواء أكانت بالفعل أم بالقول، أما جواب المصلي لمن خياه فله دليله الخاص.

(87): ﴿اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ...﴾: لا ريب في أن الله سبحانه يجمع الاولين والآخرين لنقاش الحساب وجزاء الأعمال.

(88): ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾: حال، والمراد بالمنافقين هنا من بقي منهم في دارك الكفر، ولم يهاجر من مكة إلى المدينة بدليل قوله تعالى: (حتى يهاجروا) وقد أختلف الصحابة في شأن هؤلاء، فئة ترى أن يعملوا باللين، وفئة بالشدة والقسوة، فقال سبحانه: لا ينبغي الإختلاف والشك في أمرهم، لأن الله سبحانه قد تخلى عنهم ﴿وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا﴾ْ: والركس والنكس: التحول من سيء إلى أسوأ، والمعنى أن الله تعالى رد حكمهم من السكوت عنهم إلى أعلان الحرب عليهم ﴿أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ﴾: أي أن تجعلوا الضال عند الله وبحكمه مهتديًا عندكم وبحكمكم ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ﴾: من يحكم عليه بالضلال ﴿فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾: للنجاة حتى ولو قال كل أهل الأرض أنه من المهتدين.

(89): ﴿وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء﴾: كل ناقص وضال يكره من يتصف بالفضل والكمال، ويود أن يكون جميع الناس على شاكلته ﴿فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء﴾: أصدقاء، وتقيموا معهم صلات وعلاقات ﴿حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾: أي هجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام خالصة لوجه الله مهما كانت التضيحات ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ﴾: وامتنعوا عن الهجرة ﴿فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ...﴾: لأنهم يعلنون الإسلام والمودة للمسلمين، ويكتمون البغضاء، ويتآمرون مع الأعداء.

(90): ﴿إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ﴾: هذا استثناء من قتلهم لمن يلتجئ من أولئك المنافقين إلى قوم بينهم وبين المسلين عهد موادعة ومهادنة ﴿أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾: ضاقت صدروهم وقلوبهم عن القتال وكرهوا ﴿أََن يُقَاتِلُونَكُمْ﴾: منفردين أو منضمين إلى أعدائكم ﴿أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ﴾: من أجلكم، فدعوهم ولا تقتلوهم، وبكلمة لا سبيل لكم أيها المسلمين على من وقف منكم موقف المحايد، لا لكم ولا عليكم ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ﴾: إنه تعالى هو الذي القى الرعب منكم في قلوب هؤلاء المحايدين وإلا ﴿فَلَقَاتَلُوكُمْ﴾: منفردين أو منضمين إلى أعدائكم ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ﴾: أي ما داموا مسالمين غير مقاتلين ﴿فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً﴾: إنما السبيل على الذين يظلمون الناس.

(91): ﴿سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ﴾: أيها المسلمون ﴿وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ﴾: المشركين، كان بعض العرب إذا جاؤا إلى المدينة لبعض حاجاتهم أظهروا الإسلام حتى إذا رجعوا إلى أهلهم أعلنوا الشرك ﴿كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ﴾: أي الشرك ﴿أُرْكِسُواْ فِيِهَا﴾: والركس: رد الشئ مقلوبًا، والمعنى كانوا على الشرك فأظهروا الإسلام، فدعاهم قومهم المشركون إلى العودة فعادوا ﴿فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ﴾: تمامًا كما يقاتلونكم، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين.

(92): ﴿َمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا﴾: أو يبيح دمه لا لشئ إلا لأنه على خلاف رأيه ومذهبه، لأن الحدود تدرأ بالشبهات، وهذا أصل من أصول الإسلام ﴿إِلاَّ خَطَئًا﴾: من غير قصد كمن رمى حيوانًا فأصاب إنسانًا ﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾: فعليه أن يكفر بعتق نسمة، ويوحي هذا التكفير بأن القتل، وإن كان خطأ، فإنه ليس كسائر الأخطاء التي تمر بلا تغليظ وتشديد ﴿وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ﴾: مقبوضة لأولياء المقتول، فإن شاؤوا طالبوا بها، وإن شاءوا أسقطوها عن القاتل، وإلى هذا أشار سبحانه بقوله ﴿إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ﴾: بالدية ﴿فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ﴾: محاربين للمسلمين ﴿وَهُوَ﴾: المقتول ﴿مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ ر َقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾: ولا دية لأهله، ومحصل المعنى أن المسلم إذا قتل شخصًا باعتقاده أنه كافر، ثم تبين أنه مسلم- فلا شئ عليه عتق نسمة، وتسقط عنه الدية ﴿وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ﴾: أما إذا كان المسلم المقتول الخطأ من قوم غير المسلين، ولكنهم غير محاربين لأن بينهم وبين المسلمين عهد المسألة، فإن الدية تعطى لأهل المقتول ﴿وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً﴾: وأيضًا على هذا القاتل أن يعتق نسمة إضافية إلى الدية ﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ﴾: عجز عن العتق ﴿فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾: عوضًا عن العتق ﴿تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ﴾: مفعول من أجله أي شرعت الكفاءة لتوبة الجاني عما صدر منه.

(93): ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾: لا جرم عند الله تعالى يوازي قتل النفس البريئة عن عمد إلا الشرك، وبخاصة إذا كانت مؤمنة مخلصة، والآية نص في ذلك حيث ذكرت الخلود في جهنم واللعنة والغضب واعداد العذاب العظيم لما في هذه الجريمة من هدم لبينان بناه الله، ومن هنا ذهب أكثر من واحد إلى أن الله يقبل التوبة من المشرك ولا يقبلها من القاتل المتعمد. وليس هذا ببعيد لأن الشر كحق لله، وقتل العمد حق للناس.

(94): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ﴾: سافرتم فِي ﴿سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُوا﴾: تبينوا ولا تعجلوا في القتلْ ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ﴾: حياكم بتحية الإسلام: ﴿لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾: لا ترفضوا من أعلن السلام أو الإسلام ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيوةِ الدُّنْيَا﴾: على حساب تكفير المؤمنين واستباحة دمائهم ﴿فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾: تغنيكم بحلاله عن حرامه ﴿كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ﴾: مشركين ﴿فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ﴾: حيث حقن دماءكم وأموالكم بكلمة الإسلام، فعاملوا الناس بما عوملتم.

(95): ﴿لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ﴾: عن الجهاد ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ﴾: وهم الأصحاء، قعدوا عن الجهاد، لأن عليهم فرض كفاية لا عين إذا قام به البعض سقط عن الكل ﴿وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ﴾: وهنا ينتهي الكلام، ومفاده بإيجاز أن الأصحاء القاعدين لمبرر شرعي ليسوا كالمجاهدين في الفضل، ثم يبين سبحانه الدرجات بقوله: ﴿فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ﴾: من أولي الضرر كالعمى وما أشبه ﴿دَرَجَةً﴾: واحدة ﴿وَكُـلاًّ﴾: من اولي الضرر والمجاهدين ﴿وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى﴾: الجنة، هؤلاء على نياتهم وجهادهم، وأولئك على النيات فقط ﴿وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ﴾: بأموالهم وأنفسهم ﴿عَلَى الْقَاعِدِينَ﴾: من غير اولي الضرر الذين وجب عليهم الجهاد كفاية لا عينا.

(96): ﴿دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً﴾: والمحصل أن المجاهد أفضل بدرجة واحدة ممن أعجزه وأقعده الضرر والمرض عن الجهاد، وأفضل بدرجات كثيرة من القادر لا لشئ إلا أن الآخرون قد كفوه وأراحوه.

(97): ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ﴾: جاء أجلهم ﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾: بترك الهجرة من دار الكفر والظلم إلى دار الإيمان والعدل، وهذه الآية والآيتان بعدها تقرر مبدأ الهجرة من دار الكفر، بشرطين: الأول القدرة عليها: الثاني أن ينحصر بها التخلص من الظلم والاستضعاف ﴿قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ﴾: قال ملائكة الموت للذين تركوا الهجرة: هل كنتم أحرارًا في اموالكم وأفعالكم وإقامة الواجبات الدينية ﴿قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ﴾: كلا لم نكن أحرارًا في شئ من ذلك ﴿قَالْوَاْ﴾: الملائكة: ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا﴾: هذا توبيخ على ما اعتذروا به، ويقال له: عذر أقبح من ذنب، والمعنى كيف تحملتم الظلم والعبودية، ولم تهاجروا إلى إخوان لكم في الدين، يهتمون بشأنكم ويدافعون عنكم لأنهم أعزاء أقوياء ﴿فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾: لأن التبعة تقع عليهم وحدهم بشهادتهم على أنفسهم.

(98): ﴿إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ...﴾: الذين لا يستطيعون الهجرة.

(99): ﴿فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ﴾: وعسى هنا للتحقق لأن العجز عذر عقلي وشرعي وعرفي.

(100): ﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا﴾: أماكن وبلادًا كثيرة يرغم أعداءه بالهجرة إليها ﴿وَسَعَةً﴾: في الرزق ﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ﴾: ولا أجد تفسيرًا لهذه الآية أفضل وأوضح مما ذكره المفسرون في سبب نزولها، وهو أن جندب بن ضمرة كان قد أسلم في مكة، وعجز عن الهجرة إلى المدينة لمرض شديد، ولما سمع بآية الهجرة قال لأولاده: احملوني إلى رسول الله ، فحملوه حتى إذا بلغ مكانًا في الطريق يقال له التنعيم، أشرف على الموت، فصفق بيمينه على شماله وقال من أعماق قلبه: اللهم هذه لك، وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسول الله، ولفظ النفس الأخير... اللهم ميتة كهذه بالنبي وآله.

(101): ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ﴾: سافرتم ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلوةِ﴾: من عدد الرباعيات، فتصلوا الظهر والظهر والعشاء ركعتين ركعتين، وظاهر الآية أن القصر رخصة، ولكن المراد عزيمة تمامًا كآية الطواف (فلا جناح عليهم أن يطوف بهما- 158 البقرة) وأيضًا كما ثبت القصر في السفر بشروطه ثبت حال الخوف بقوله تعالى ﴿إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾: والمراد بالفتنة هنا كل ما يتعرض له المصلي من مكروه لا يحتمل.

(102): ﴿وَإِذَا كُنتَ﴾: يا محمد ﴿فِيهِمْ﴾: في الخائفين ﴿فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصّلوةَ﴾: جماعة ﴿فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ﴾: اجعلهم طائفتين: واحدة تصلي معك حاملة السلاح، والثانية تقف بإزاء العدو للحراسة ﴿فَإِذَا سَجَدُواْ﴾: المصلون ﴿فَلْيَكُونُواْ﴾: الذين يحرسون المصلين ﴿مِن وَرَآئِكُمْ﴾: أي من وراء المصلين ﴿وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ﴾: بعد أن تنتهي الاولى من الصلاة مع النبي تأخذ الثانية الحارسة مكان الأولى للصلاة، وتأخد الاولى مكان الثانية في الحراسة ﴿وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً﴾: بمجرد أن تذهلوا عن الأعداء أوز تنشغلوا بأي شي دونهم ينقضون عليكم كرجل واحد قتلاً ونهبًا ﴿وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ﴾: إن ثقل عليكم أيها المصلون مع النبي، حمل السلاح لسبب معقول ومشروع - فدعوه، وصلوا بغير سلاح.

(103): ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصّلوةَ...﴾: أديتموها كما امر الله تعالى أفيضوا في ذكره ساكنين ومتحركين، فإن ذكره، جل وعز، أحسن الذكر ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ﴾: حيث وضعت الحرب أوزارها ﴿فَأَقِيمُواْ الصّلوةَ﴾: الآمنة لا الخائفة ﴿إِنَّ الصّلوةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا﴾: فرض لازمًا ﴿مَّوْقُوتًا﴾: محدودًا بالأوقات المبينة.

(104): ﴿وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ﴾: لا تضعفوا في حرب الطغاة المعتدين ﴿إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ﴾: علام أيها المسلمون هذا الإنكسار والإنهيار خوفًا من قوى الشر؟ ولماذا لا تثقون بالله وأنفسكم؟ إن الله معكم على عدوكم المبطل، فاتحدوا وأخلصوا لله ولأنفسكم، أتخافون قوة العدو؟ فهو أيضًا يخاف من وحدتكم وصدق عزيمتكم، ولا يرجو من الله ما ترجونه انتم، ولذا لا يتحمل هو مرارة الحرب كما تحتملوها.

(105): ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ﴾: بما أوحى الله به إليك لا برأيك واجتهادك ﴿وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا﴾: أي لا تخاصك من أجل براءة الخائنين والدفاع عنهم، ولهذه الآية وما بعدها قصة، وخلاصتها أن رجلًا سرق درعًا لآخر، وخبأها عند يهودي، و لما أخذت الدرع من منزل هذا اليهودي قال: أودعها عندي أبو طعمه، وهذا هو اسم السارق بالذات، فجاء قومه إلى النبي (ص) وشهدوا ببراءة صاحبهم، فرجح صدقهم أخذًا بظاهر الحال، ولما همّ أن يعاقب اليهودي عصمه الله، واطلعه على الواقع، وقال له:

(106): ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ﴾: مما هممت.

(107): ﴿وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ﴾: خانوا أنفسهم وظلموها حيث كانوا السبب الأول في عقابها، وكثيرًا ما يقال للمجرم: يا عدو نفسه ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾: وأيضًا يوصف الخائن بالكفر كما في الآية 38 من الحج.

(108): ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ﴾: يستترون منهم حياء أو خوفًا ﴿وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ﴾: لا يخافون منه ولا يستحون، ولكن أين المفر؟ ﴿وَهُوَ مَعَهُمْ﴾: وأقرب إليهم من حبل الوريد ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾: كما فعل قوم السارق ﴿وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا﴾: ولذا فضحهم في الدنيا قبل الآخرة.

(109): ﴿هَا أَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيوةِ الدُّنْيَا﴾: قد يجد الآن الخائن المحتال من ينخدع به ويدافع عنه، اما غدًا ﴿فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾: إذا أدخلهم جهنم مذمومين من عذاب الله وغضبه ﴿أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾:حافظًا من عذاب الله وغضبه.

(110): ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾: أبدًا لا فرار من الله إلا إليه، وكل من قرع بابه استجاب له.

(111): ﴿وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ﴾: قال رجل لأبي ذر: عظني يا صاحب رسول الله، قال له: لا تسيء إلى نفسك. قال الرجل: وأي عاقل يسيء إلى نفسه؟ قال: كل من يعصي الله فقد أساء إلى نفسه.

(112): ﴿وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾: من يكسب الإثم فهو آثم، ومن يرمي البرئ بالإثم فهو باهت، فجمع بين الرذيلتين في آن واحد.

(113): ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ﴾: بما أخبرناك يا محمد عن سارق الدرع ﴿لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ﴾: عن القضاء بالحق ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ﴾: لأن وبال الضلال عليهم وحدهم ﴿وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ﴾: لأن الله حافظك وناصرك ﴿وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾: والمراد بالكتاب القرآن، وبالحكمة هنا السنة ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾: من خفيات الأمور.

(114): ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ﴾: الكلام من فعل الإنسان أو كفعله يكون خيرًا أو شرًا تبعًا لآثاره وثماره ﴿إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ﴾: وهي خبر لأنها تعود بالنفع على من أعطى وأخذ ﴿أَوْ مَعْرُوفٍ﴾: اسم جامع لكل ما هو حسن عقلاً وشرعًا وعرفًا، ولا يتنازع فيه اثنان ﴿أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾: وفي الحديث: (إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام) ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ﴾: لا حياءً وأو رياءً ولا لمنصب أو جاه ﴿فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾: وكل عامل أجره على من عمل له.

(115): ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ﴾: يخالفه ويعانده ﴿مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى﴾: الحق ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾: المطيعين لله والرسول ﴿نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى﴾: نخذله ونخلي بينه وبين من اعتمد عليه.

(116): ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ...﴾: تقدم في الآية 48 من هذه السورة.

(117): ﴿إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ: من دون الله إِلاَّ إِنَاثًا﴾: لم يكن في الجاهلية حي من العرب إلا ولهم صنم يعبدونه، ويسمونه أنثى بني فلان ﴿وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا﴾: حيث أغراهم بعبادة الأحجار فأطاعوه.

(118): ﴿لَّعَنَهُ اللّهُ﴾: ولعن من أطاعه ﴿وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾: فرض الشيطان أن يأخذ نفسه من عباد الله، الضالين المضلين، ويترك الله الهادين المهديين.

(119) ? (121): ﴿وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ﴾: بالأباطيل والأكاذيب، والشيطان في صراحته هذه أفضل ألف مرة من العميل المحتال والخائن المنافق ﴿فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ﴾: البتك: القطع، الأنعام: الإبل والبقر والغنم، وكان العرب في الجاهلية يقطعون أو يشقون آذان بعض الأنعام ويوقفونها للأصنام ﴿وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ﴾: كخصاء العبيد والسحق واللواط ﴿وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا...﴾: قائدًا له فهو من القوم الخاسرين دنيا وآخرة.

(122): ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ...﴾: تقد أكثر من مرة ﴿أَبَدًا﴾: نصب على الظرفية ﴿وَعْدَ اللّهِ﴾: مفعول مطلق لسندخلهم ﴿حَقًّا﴾: حال ويجوز أن يكون النصب على المصدر أي حق ذلك حقًا.

(123): ﴿لَّيْسَ﴾: اسمها محذوف أي ليس الأمر أو ليس ما وعد الله تنالونه ﴿بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾: ليست الخيرات بمعنى الشهوات، بل بالجد والعمل ﴿مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾: وإلا كان المحسن والمسيء عند الله بمنزلة سواء.

(124): ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى...﴾: لا فرق عند الله والناس الطيبين، بل ولا في الشرائع والقوانين، أن فاعل الخير يكرم ويثاب وفاعل الشر يستحق الذم والعقاب ذكرًا كان أم أنثى.

(125): ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله﴾: أول شرط من شروط الإيمان، وهو الإخلاص في القول والعمل ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾: الشرط الثاني أن تحسن لعباد وعياله، وعلى الأقل أن تكف أذاك عنهم ﴿واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾: مائلاً عن طريق المجرمين إلى طريق ابراهيم طريقة الله والحق والعدل ﴿وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً﴾: أي جامعًا لخلال الحمد، وقال الإمام جعفر الصادق(ع): إن الله اتخذ ابراهيم عبدًا قبل أن يتخذه نبيًا، واتخذه نبيًا قبل أن يتخذه رسولاً، واتخذه رسولاً قبل أن يأخذه خليلاً.

(127): ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء﴾: يسألونك يا محمد عما يجب عليهم في أمر النساء ﴿قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾: يبين لكم الأحكام بلسان نبيه الكريم ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾: وأيضًا القرآن فيه تبيان الأحكام وكل ما تحتاجون إليه من امور الدين، ومن جملة ذلك ما جاء ﴿فِي يَتَامَى النِّسَاء﴾: المحجر عليهن لسبب أو لآخر بدليل قوله تعالى: ﴿الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ﴾: من إرث أو مهر ﴿وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ﴾: كان الرجل في الجاهلية يضم اليتيمة إلى نفسه، فإن كانت جميلة نكحها وأكل مالها، وإن تك دميمة منعها من الزواج حتى تموت وورثها من دون أرحامها ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ﴾: وأيضًا يكفيكم الله في الصبيان بأن تعطوهم حقوقهم من الميراث ﴿وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ﴾: بالعدل في موريثهم والإنفاق عليهم منها بالمعروف، وتربيتهم تربية صالحة ذكورًا كانوا أم إناثًا ﴿وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ﴾: مع الأيتام والنساء وأي مخلوق ﴿فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾: أي لا يضيع أجر من أحسن عملا.

(128): ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾: قد تشعر الزوجة من زوجها ترفعًا عليها أو إعراضًا عنها ﴿فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا﴾: فلا بأس عليه ولا عليها أن يتصالحا مباشرة أو بواسطة أحد الطيبين، فيجاهد هو نفسه، وتصبر هي، ويرضى كل بما قسم له ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾: من الطلاق وشتات العيال والأطفال ﴿وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ﴾: مطبوعة عليه، فلا تسمح بشيء من حقها، بل وتطمع في حقوق الآخرين، ومن هنا جاءت المشكلات والمشاحنات.

(129): ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء﴾: في الحب والمودة ﴿وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾: أولاً لأن الله لايكلف نفسًا إلا وسعها. وثانيًا أن أن التكافؤ في ميل القلب بين زوجتين لا يتحقق إلا أن تكون الزوجتان متكافئتين متساويتين خلقًا وخُلقًا وذوقًا وذكاًء وفي كل المؤهلات! وهذا تعليق على المحال عادة، ولذا أوجب سبحانه العدل بين الزوجات في النفقة وحسن المعاشرة دون الميل والمودة، وقال في هذا الميل (ولن تستطيعوا... ولو حرصتم) وقال في النفقة (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) ﴿فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ﴾: لا تجوروا على المرغوب عنها ﴿فَتَذَرُوهَا﴾: تجعلوها ﴿كَالْمُعَلَّقَةِ﴾: لا هي بزوجة تتمتع بحقوق الزوجية، ولا بمطلقة تلتمس زوجًا أخرًا ﴿وَإِن تُصْلِحُواْ﴾: حاولوا الصلح ما استطعتم ﴿وَتَتَّقُواْ﴾: الله في النساء وحقوقهن ﴿فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾: يغفر ما سلف بين الزوجين بعد المصالحة وحسن النية.

(130): ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا﴾: حيث يتعذر الصلح ﴿يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ﴾: بحياة أرغد وزوجة أو زوج أسعد.

(131): ﴿وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾: يهب من خيراتها ما يشاء لمن يشاء ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ...﴾: قلنا لكم وللخلق أجمعبن من الأولين والآخرين: آمنوا بالله ولا تكفروا، وأطيعوه ولا تعصوه، فهو خالقكم ورازقكم، وإن تكفروا فإن لله في أرضه وسمائه من يعبده ويوحده، على أنه غني عن خلقه وعبادتهم، وكرر سبحانه.

(132): ﴿وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾: ليكون على علم اليقين أنه رب كريم وغني عن العالمين.

(133): ﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ﴾: يؤمنون به، ولا يعملون إلا له، ولكن أمره قضاء وحكمة، يقضي بعلم، ويحكم بعدل، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.

(134): ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾: واشتغل بها عن آخرته، فقد فوت الحظ الأوفر ﴿فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾: والعاقل يعمل لهما معًا فيحرز الثوابين، ويملك الدارين.

(135): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾: قوّامين في صيغة المبالغة تأكيد للصلابة والقوة في العدل والحرص عليه والوفاء به ﴿شُهَدَاء لِلّهِ﴾: والشهادة لّله سبحانه هي عين الشعادة العدل وبالعدل، وفيه تنويه على أن الإعتداء على العدل والإستهانة به عين الإستهانة بالله الذي ليس كمثله شيء ﴿وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾: وهل للعدل من معنى إلا عدم التعصب للنفس والتحيز للقرابة ﴿إِن يَكُنْ﴾: المشهود له او عليه ﴿غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾: فلا يكن الغنى أو الفقر مبررًا للتحريف والتزييف، كيف الشهادة دين وإيمان! ﴿فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ﴾: لن تكونوا عادلين منصفين في الشهادة إلا إذا تجردتم عن الميول والأهواء ﴿وَإِن تَلْوُواْ﴾: ألسنتكم عن شهادة الحق ﴿أَوْ تُعْرِضُواْ﴾: عنها وتمنعوها عن صاحب الحق ﴿فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾: تهديد لمن يكتم الشهادة أو يحرفها.

(136): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ﴾: يا أيها المسلمون أثبتوا على الإيمان ﴿بِاللّهِ وَرَسُولِهِ﴾: محمد وبالقرآن والكتب المنزلة والأنبياء المرسله من قبله، ولا تؤمنوا ببعض، وتكفروا ببعض ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِر﴾: لا يؤمن بشيء من ذلك على الإطلاق كالكثير الكثير من أبناء هذا الجيل أو يؤمن ببعض دون بعض ﴿فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾: أي بلغ الغاية والنهاية في ضلالة وسوء فعاله.

(137): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾: بموسى والتوراة، وعليه يكون المراد بهؤلاء خصوص اليهود ﴿ثُمَّ كَفَرُواْ﴾: بمحمد الذي يؤمن بموسى وتوراته، وعليه أن يكون كفرهم بمحمد كفرًا بموسى والتوراة ﴿ثُمَّ آمَنُواْ﴾: بعيسى والانجيل ﴿ثُمَّ كَفَرُواْ﴾: بمحمد الذي يؤمن بعيسى وانجيله، وعليه يكون كفرهم بمحمد كفرًا بعيسى والانجيل ﴿ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا﴾: بالنصب والتعصب ضد محمد (ص) والقرآن ﴿لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ﴾: ذلك بما كسبت أيديهم، وأيضًا تنطبق هذه الآية وتصدق على كل منافق لا يؤمن إلابمنفعته فيلهث وراءها أينما كانت وتكون.

(138): ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ﴾: الذين لا يتاجرون ولا يتعاملون مع اي مخلوق وكائن إلا بالكذب والرياء والغش والضراء ﴿بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾: اشتد حره والتهب جمره.

(139): ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء﴾: يوالون أعداء الله والدين والإنسانية ﴿مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾: بالله ورسوله وبالولاية له ولأهل بيته الأطهار! ولماذا هذا النفاق وهو أشد ذنبًا من الكفر بنص القرآن؟ ﴿أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ﴾: عند الكافرين ﴿الْعِزَّةَ﴾: والجاه؟ ما هذا الالتواء الفادح والمنطق الفاضح؟ ﴿فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا﴾: ومن أعتز بغيره ذل في الدنيا قبل الآخرة.

(140): ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ...﴾: الخطاب عام لكل مكلف أو مسلم، والدلالة واضحة على وجوب الإعراض عن كل من يخوض بالباطل أو يبعث ويسخر من قضايا الدين والاخلاق والخير والصلاح ﴿فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ﴾: احتقروا واستضعفوا شأن كل إباحي يعبث بالقيم الروحية، وأشعروه بالفعل قبل القول المنبوذ ومرذول ﴿حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾: فيه تنويه بأن مجالسة الكافر أو الفاسق مباحة ذاتًا محرمة عرضًا أي إذا اشتملت على الحرام ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ﴾: في الجرم والجريمة إذا شاركتموهم في الخوض بالباطل والإستهزاء في الحق والعدل.

(141): ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ﴾: المنافقون الانتهازيون ينتظرون بكم أيها المسلمون دوائر الزمان عليكم ﴿فَإِن كَانَ لَكُمْ﴾: أيها المسلمون ﴿فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ﴾: ونصر على الكافرين ﴿قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ﴾: ونشارككم الضراء والغرم، فإذن اشركونا في السراء والغنم ﴿وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ﴾: وكانت له القوة والغلبة على المسلمين ﴿قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ﴾: ألم نتمكن من قبلكم حين كنّا في جيش المسلمين ظاهرًا ومعكم باطنًا؟ ﴿وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾: أي حميناكم من المسلمين بالتثبيط والمكر والخداع؟ فأين الأجر؟ وهكذا كل منافق انتهازي يتعامل مع كل فريق بالمكر والخداع على أساس المنفعة الشخصية ﴿فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾: بالحق، فيجزي الصادقين بصدقهم والمنافقين بما كانوا يكسبون ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾: في عالم التشريع وجعل الأحكام.

(142): ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ﴾: بإظهار الإسلام كذبًا ونفاقًا ﴿وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾: غالبهم ويجازيهم على نفاقهم وخداعهم ﴿وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلوةِ قَامُواْ كُسَالَى﴾: لأنهم بها كافرون، ويتكلفونها لمجرد أنهم ﴿يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾: والمراد بذكره تعالى هنا الصلاة، والمعنى لا يصلون إلا حين يراهم الناس، ولهم أشباه ونظائر في كل عصر.

(143): ﴿مُّذَبْذَبِينَ﴾: مضطربين ﴿بَيْنَ ذَلِكَ﴾: أي بين المسلمين والكفار تارة هنا وتارة هناك ﴿لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء﴾: بل إلى أهوائهم ومنافعهم ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾: تقدم بالحرف في الآية 88 من هذه السورة.

(144): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾: وتكرر هذا التحذير في كتاب الله، والسر أن الكفر الوان، ومن آثر مولاة الكافر على موالاة المؤمن فقد ارتكب لونًا من ألوان الكفر ﴿أتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا﴾: حجة واضحة وتستحقون بها العقاب، وهي موالاتكم للكافر من دون المؤمن.

(145): ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّار﴾ِ: ولا شيء وراء الأسفل، ومعنى هذا أنه ليس بعد النفاق ذنب، إلا الكفر كما يقال.

(146): ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ﴾: ندموا واعترفوا بالذنب ﴿وَأَصْلَحُواْ﴾: في جميع أعمالهم ﴿وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ﴾: أي بطاعته والتقاء معاصيه ﴿وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ﴾: والإخلاص في الدين هو وحده الجامع لخلال الحمد والكمال ﴿فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾: شركاء معهم في المنزلة والكرامة عند الله.

(147): ﴿مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ﴾: أيتشفى به من الغيظ أم يستجلب به نفعًا أم يستدفع ضرًا؟ كلا، أنه غني عن كل شيء، وإليه يفقتر كل شيء ﴿ِإِن شَكَرْتُمْ﴾: نعمته ﴿وَآمَنتُمْ﴾: به ﴿وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾: يجازي الشاكرين بأضعاف ما يستحقون.

(148): ﴿لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ﴾: أي الأعلان والتشهير بالعيوب والسيئات ﴿إِلاَّ مَن ظُلِمَ﴾: إلا المظلوم، يسوغ له أن يذكر ظلامته امام الناس ومن ظلمه واعتدى عليه، ونعطف على ذلك: إن كل من يفسد في الأرض، ويسفك الدماء، ويسلب الأموال، فلا حرمة له ولا لدمه.

(149): ﴿إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾: أجل، للمظلوم أن يقتص ويتظلم، ولكن العفو وستر القبيح أفضل عند الله وأعظم أجرًا.

(150): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ...﴾: تقدم معناه في الآية 136 و285 من البقرة، والخلاصة أن الإيمان في دين القرآن والإسلام لا يتجزأ، فمن آمن بالله يجب أن يؤمن بجميع أنبيائه دون استثناء، ومن أنكر نبوة أحد منهم، بل من أنكر حكمًا واحدًا من احكام الله عالمًا بأنه لله ومن قهر الله فهو كافر به بحكم العقل وبديهته، وبقوله تعالى:

(151): ﴿أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا﴾: على الرغم من شعائر الإيمان ومظاهره وتشييد الصوامع والمعابد.

(152): ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾: كل الفرق والمذاهب الإسلامية تؤمن بجميع الأنبياء، ولا تكفر ببعض، ولكن بعض الطوائف أو المذاهب الإسلامية تكفر وتكفر بعض الطوائف أو المذاهب الإسلامية، فهل هذا الكفر والتكفير، أيضًا كف بالله تمامًا كالكفر ببعض الأنبياء؟ الجواب: كلنا يحفظ هذا الحديث: من كفّر مسلمًا فهو كافر.

(153): ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾: المراد بهم يهود المدينة آنذاك ﴿أََن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء﴾: طلبوا ذلك من محمد (ص) تعنتًا لا طلبًا للحجة لأنهم منها على علم اليقين ﴿فَقَدْ سَأَلُواْ﴾: أي آباء السائلين محمدًا سألوا ﴿مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ﴾: وصحت بالنسبة إلى الأبناء لأنهم على دين الآباء وطبيعتهم وأخلاقهم ﴿فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً...﴾: تقدم في الآية 55 من سورة البقرة.

(154): ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ﴾: اسم الجبل الذي ناجى عليه موسى ربه ﴿بِمِيثَاقِهِمْ﴾: رفعنا الجبل فوق يهود موسى، لأنهم نقضوا العهد والميثاق الذي قطعوه على أنفسهم من وجوب الإلتزام والعمل بالتوارة ﴿وَقُلْنَا لَهُمُ﴾: بلسان نبيهم ﴿ادْخُلُواْ الْبَابَ﴾: قيل هو احد أبواب بيت المقدس ﴿سُجَّدًا﴾: ناكسي الرؤوس خاضعين خاشعين، وتقدم في الآية 58 من البقرة ﴿وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ﴾: لا تصطادوا السمك في هذا اليوم، وتقدم في الآية 65 من البقرة.

(155): ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم﴾: (ما) زائدة، ونقضهم متعلق بمحذوف أي لعناهم بسبب نقضهم ﴿ مِّيثَاقَهُمْ﴾: على أن يطيعوا الله ﴿وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ﴾: ومنها الحجج الدالة على نبوة عيسى ومحمد ﴿وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ﴾: كزكريا وحيى ﴿وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾: لا يصل إليها شيء من العظات والدعوات ﴿بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾: ليست قلوبهم غلفًا بالخلقة، بلى طغى عليها الكفر والعناد حتى أصبحت كالحجارة أو أشد قسوة ﴿فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾: منهم عبدالله بن سلام وثعلبة بن شعبة واسد بن عبيد الله.

(156): ﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ﴾: عطف على نقضهم ﴿عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾: رماها اليهود بما يهتز له العرش، ومع ذلك الكثير من نصارى العصر الراهن حلفاء أحمّاء لليهود.

(157): ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ﴾: كذّب سبحانه زعم اليهود بأنهم قتلوا السيد المسيح تمامًا كما كذّب الذين خاطبوا محمدّا بقولهم (إنك لمجنون) حيث ردّ عليهم سبحانه بهذه الآية: (وما صاحبكم بمجنون- 22 التكوير) ﴿وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ﴾: حيث ألقى سبحانه على المصلوب شبه عيسى ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾: في عيسى وأنه قُتل أو لم يقتل، أوهو إنسان أو إله أو ابن إله ﴿لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ﴾: وجهل وعمى عنه ﴿مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾: الذي لا يغني عن الحق شيئًا ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾: نصبًا على المصدرية أي تيقنوا أيها الناس يقينًا.

(158): ﴿بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ﴾: وجعله في منجى من قتلة الأنبياء.

(159): ﴿وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾: جاء في بعض الأحاديث أن كل إنسان ينكشف له ساعة النزع والاحتضار عما كان يعتقده في الحياة الدنيا حقًا كان أم باطلاً، وهذه الآية الكريمة تشهد بالصدق والصحة لتلك الأحاديث حيث دلت بظاهرها على أن كل كتابي يهوديًا كان أم نصرانيًا لا بد أن يؤمن بعيسى آنذاك مع العلم بأن هذا الإيمان لا يجديه شيئًا لأنه تمامًا كالإيمان في يوم القيامة حيث بلا تكليف ولا عمل.

(160): ﴿فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾: ما حرمنا على اليهود بعض الطيبات التي هي حلال بذاتها على غيرهم - إلا لذنب عظيم ارتكبوه ﴿وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا﴾: وأيضًا من سيئات اليهود أنهم صدوا أناسًا عن اتباع الحق بكل وسيلة.

(161): ﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ﴾: والمعروف عن أهل الإختصاص ان اليهود هم اول من سّن الربا وشرع تحليله ﴿وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ﴾: كالرشوة التي يأخذها أقوياؤهم من ضعفائهم.

(162): ﴿لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ﴾: كعبدالله ابن سلام ومن آمن معه بمحمد (ص) ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾: من المهاجرين والأنصار، كل أولاء ﴿يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ﴾: يا محمد ﴿وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾: على إبراهيم وموسى وعيسى ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصّلوةَ﴾: أي وأخص بالمدح المقيمين الصلاة لبيان منزلها وفضلها ﴿وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾: والرفع هنا خبر لمبتدأ محذوف أي هم المؤتون الزكاة والمؤمنون بالله.

(163): ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾: يا محمد ﴿كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ...﴾: الأسباط واحدها سبط، وهو ولد الولد،والمراد هنا الاثنا عشر سبطًا من اثني عشر ابنا ليعقوب ابن اسحق بن ابراهيم، والزبور، الكتاب بمعنى المكتوب، والآية جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله أن ينزل عليهم كتابًا من السماء، وخلاصة المعنى أن الله سبحانه أرسل محمدًا كما أرسل من قبله من النبيين المذكورين وغيرهم، وغيرهم، وإن المعجزات قد ظهرت على يد محمد (ص) تمامًا كما ظهرت على أيديهم، وقد اعترفتم بنبوة من سبق محمدًا فعليكم أن تعترفوا بنبوته، لأن الأشياء المتماثلة تؤدي إلى نتائج وأحكام متماثلة.

(164): ﴿وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ﴾: وأنت في مكة، وجاءت أسماؤهم في سورة الأنعام الآية 84 و85 و 86 ﴿وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾: وإذا كان الله سبحانه لم يقصصهم على نبيه ونجيه (ص)، فمن أين جاء العلم لمن قال: إنهم مئة وأربعة وعشرون الفًا؟.

(165): ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾: أبدًا لا عقاب بلا بيان كما يقول علماء الإسلام، أو لا عقوبة بلا نص كما تقول القوانين الوضعية، والدليل على ذلك العدالة الإلهية والبديهية العقلية وأيضًا لا عذر إطلاقًا لمن بجهل النص والبيان وهو قادر على الوصول إليه بالبحث والدرس.

(166): ﴿لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ﴾: والمراد بشهادة الله والملائكة الخلق العظيم وأنه (ص) بالمؤمنين رؤوف رحيم كما في الآية 4 من القلم والآية 128 من التوبة، والشريعة الإلهية الإنسانية التي نزلت على قلب (ص) وغير ذلك من المعجزات والآثار، وهكذا كل من ينفع الناس بجهة من الجهات، يشهد له الله والملائكة والناس أجمعين، وهل من عاقل على وجه الأرض يسأل: أيحمل المتنبي شهادة خطية بأنه شاعر أو أديسون مخترع الكهرباء بأنه مخترع؟ وجاء في الأشعار (لها منها عليها شواهد).

(167): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾: جمعوا بين رذيلة الكفر ورذيلة الصد عن الحق، وتنطبق هذه الآية على وسائل الإعلام الكاذبة المضللة في العصر الراهن.

(168) - (169): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ﴾: سلكوا طريق الفساد والضلال، فقادهم إلى جهنم وساءت مصيرًا، وهكذا (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا - 72 الإسراء).

(170): ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ﴾: وهو محمد (ص) ﴿بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ﴾: ومن كان في ريب من ذلك فليقارن بين عقيدة الإسلام وشريعته وسائر العقائد والشرائع ثم يستفتي قلبه، ويعمل بفتوا، إن الإسلام يقاضي المنكر إلى العقل، ويقول في كتابه: أفلا تعقلون؟ أفلا تتفكرون؟ وأيضًا قال نبيه الكريم: أصل ديني العقل، وأي شيء تقول لمن قاضاك إلى العقل والعقلاء؟ ﴿فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ﴾: من الكفر والحق والعدل والإيمان بالجبت والطاغوت و(خيرًا) منصوب خبرًا لكان المحذوفة أي يمكن الإيمان بالحق خيرًا لكم.

(171): ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ﴾: والغلو ضد الاعتدال في التجاوز عن الحد بزيادة أو نقصان. ومثال العدل والاعتدال قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ﴾: كابراهيم وموسى ومحمد ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ﴾: وهي (كن فيكون) ﴿وَرُوحٌ مِّنْهُ﴾: والمراد بالروح هنا الحياة التي لا مصدر لها إلا الله ﴿وحده فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ﴾: أب وابن وروح قدس، وفي قاموس الكتاب المقدس للنصارى ص107 طبعة عام 1964 ما نصه بالحرف الواحد: (فالأب هو الذي خلق العالمين بواسطة الابن، والابن هو الذي أتم الفداء وقام به، والروح القدس هو الذي يطهر القلب والحياة... وهذي هي الأقانيم الثلاثة) ﴿انتَهُواْ﴾: أيها النصارى عن القول بالتثليث يكن الانتهاء عن هذات القول ﴿خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ﴾: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا- 22 الأنبياء ﴿سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ﴾: فيكون مولودًا، ولم يولد فيصير محدودًا. كما في نهج البلاغة، ومعنى المحدود هنا أن لوجوده بداية وهي يوم ولادته.

(172): ﴿لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ﴾: لن يأنف ﴿أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾: لأن التعبد لله وحده هو السبيل الوحيد إلى الفوز بثوابه والنجاة من عذابه ﴿وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ﴾: فلا مفر له من سلطانه ونيرانه.

(173): ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ﴾: ملأ سبحانه كتابه الكريم في التشويق والترغيب في عمل الخير والصالحات، ووعد العامل بكل ما يهواه ويتطلع إليه وزيادة، ذلك بأن الإنسان أناني بطبعه لا ينجذب إلا إلى الشيء الذي يشتهيه. سبحانك ربنا إنك العليم الحكيم ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا﴾: بالعدل ولا يظلم مثقال ذرة، وقد يعفو.

(174): ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾: وأشار إليه بقوله سبحانه ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا﴾: وهو كتاب الله وسنة نبيه وسيرته، ونحن لا نطلب من المنكرين إلا ات بتجردوا عن التقليد والتعصب، ويدرسوا ذلك بإمعان وتدبر، ويعملوا بوحي من أحساسهم وأعماقهم.

(175): ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ...﴾: فهم في رحمة الله وفضله دنيا التوفيق والهداية إلى الحق والصواب، وفي الآخرة ملك دائم ونعيم قائم.

(176): ﴿يَسْتَفْتُونَكَ﴾: يا محمد في الكلالة ﴿قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ﴾: والمراد بها في الميراث قرابة الإنسان ما عدا الوالدين والأولاد ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ﴾ : ولا واحد من الأبوين ﴿وَلَهُ أُخْتٌ﴾: والمراد بها هنا الاخت للأبوين أو للأب فقط حيث تقدم حكم الأخت للأم فقط في الآية 12 من هذه السورة ﴿فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ﴾: بالفرض، والنصف الثاني بالرد عند الشيعة الإمامية ﴿وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ﴾: ذكر ولا أنثى ولا أحد الوالدين ﴿فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ﴾: أو أكثر، شريطة أن يكون الإنتساب بالأبوين أو الأب فقط لا بالأم فقط ﴿فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ﴾: الموروث ذكرًا كان أم أنثى ﴿وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾: إذا اجتمع الأخوة والأخوات، وكانوا بالكامل للأبوين أو للأب فقط فللذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كانوا للأم فقط فالذكر والانثى بمنزلة سواء، ولا ميراث إطلاقًا أو أخت من الأم فقط مع الإخوة والأخوات من الأبوين، ويرث مع المتقرب بالأم فقط، والتفصيل في كتب الفقه ﴿وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾: ومن ذلك علمه بأي الأرحام أقرب إلينا نفعًا.