سورة البقرة

(1): ﴿الم﴾: هذا اللفظ المركب من حروف الهجاء ونظائره مثل (الر، وحم) وغير ذلك ? يسمى فواتح السور، واختلف فيه المفسرون فقيل: هو اسم للسورة. - ولكن ورد عن أئمتنا(ع) انه من المتشابهات والمبهمات التي استأثر الله بعلمها ولا يعلم تأويلها غيره.

(2): ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾: إشارة إلى القرآن الكريم ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾: حيث بلغ الغاية والنهاية في وضوح الدلالة على صدقه، لأنه المعجزة الإلهية التي تحدى بها سبحانه كل جاحد ومعاند ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾: والهدى هو الدليل المرشد إلى التي هي أقوم، و(المتقين جمع المتقي، والمراد بهم هنا الذين يرغبون في طاعة الله ورسوله، ويعدونها ذخرًا ونصرًا).

(3): ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾: المراد بهذا الغيب كل ما خفي وغاب عن علم العباد مما نزل على قلب محمد ( ص) كالبعث والنشر والجنة والنار وما إلى ذلك مما لا ينكره العقل، أما ما يرفض العقل السليم فلا يسمى غيبًا، بل أُسطورة وخرافة ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾: يحافظون عليها، ويؤدونها على أصولها ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾: يتصدقون ببعض ما يملكون من المال الحلال الطيب.

(4):﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾: الخطاب لرسول الله(ص) والمعنى: لا بد أن يكون مع الإيمان بالغيب وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، الإيمان بنبوتك يا محمد ﴿وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾: وأيضاً لا بد من الإيمان بكل نبي آمنت أنت بنبوته وما أُنزل إليه من الوحي ﴿وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾: هذا هو الأصل الثالث من أصول الإسلام، فمن آمن بالله ونبوة محمد، ولم يؤمن بالآخرة فليس بمسلم، وكذلك من آمن بالله واليوم الآخر، ولم يؤمن بنبوة محمد(ص).

(5): ﴿أُولَئِكَ﴾: إشارة إلى الذين اتصفوا بالخصال السابقة النبيلة الفاضلة ﴿عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾: أبداً لا هدى إلا هدى الله وحده، وأهل تلك الخصال الحميدة متمكنون منه ومستقرون عليه ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾: كرر سبحانه كلمة أولئك للتنبيه إلى أنهم قد تميزوا عن غيرهم بفضيلتين: الهدى إلى دين الحق والفلاح والظفر بمرضاة الله وثوابه.

(6): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾: سواء بمعنى الإستواء وهو هنا خبر إن الذين، والإنذار: التحذير من العذاب، لما قدم سبحانه ذكر الأتقياء عقّبه بذكر الأشقياء، وأنهم لا يستجيبون لداعي الله، وإن بالغ في الوعيد والتهديد.

(7): ﴿خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾: الختم والغشاوة هنا كناية عن أنهم قد بلغوا الغاية القصوى في العناد والمكابرة حتى كأن قلوبهم مقفلة لا ينفذ إليها شيء، وعلى أبصارهم غطاء لا يرون معه شيئاً.

(8): ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾: ذكر سبحانه أولاً الذين آمنوا سراً وعلانية، ثم ثنى بالذين كفروا كذلك قلباً ولساناً، ثم ثلّث بالذين أسروا الكفر وأعلنوا الإيمان، وهم المنافقون، وذنبهم عند الله أعظم من ذنب الكفرة الفجرة.

(9) :﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾: إن الله لا يُخدع، ولكن المنافقين صنعوا صنع الخادعين حيث تظاهروا بالإيمان وهم كافرون، فأمر الله نبيه والصحابة أن يعاملوهم معاملة المسلمين، وغداً يجري سبحانه معهم حساب المشركين ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ﴾: لأن عاقبة النفاق والخداع تعود عليهم بالضرر لا على غيرهمْ ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾: بسوء المصير.

(10): ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾: ومرض القلب هو النفاق والإعتقاد الفاسد والحقد والحسد ونحو ذلك من الرذائل ﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾: وذلك بأن المنافقين حسدوا النبي على عظيم مقامه، فزاده الله عظمة وعلّواً. فازدادوا حسداً على حسد أي مرضاً على مرض ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾: فيه إشارة إلى إن الإنسان لا يُعذب على مجرد الحسد مادام في القلب فقط، وإنما يعذب إذا ظهر للحسد أثر محسوس كالكذب والافتراء على المحسود ونحو ذلك.

(11):﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ﴾: كان المنافقون يتجَّسسون على المسلمين، ويفشون أسرارهم للأعداء، وإذا نهوا عن هذا الفساد ﴿قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾: خالصون من كل عيب، فإذا بهذا الزعم فساد إلى فساد.

(12): ﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ﴾: لا يرون ما هم فيه من عيوب وعورات.

(13):﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ﴾: أي صدقوا رسول الله (ص) كما صدَّقه إخوانكم وأصحابكم كعبد الله بن سلام وغيره ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ﴾: السفه: خفة الحلم وسخافة العقل، أما النفاق فهو: فساد العقيدة ﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ﴾: أي يجهلون أنهم جاهلون وهذا أبلغ الذم.

(14): ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا﴾: كذباً ونفاقاً ﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ﴾: وهم رؤساؤهم من أعداء الإسلام والمسلمين ﴿قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ﴾: على الكفر والكره لمحمد(ص) ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾: بالإسلام والمسلمين.

(15): ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾: ومعنى استهزائه تعالى الإذلال في الدنيا والعذاب في الآخرة ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ﴾: يدعهم وشأنهم يتمادون في الغيّ والضلال ﴿يَعْمَهُونَ﴾: العمه في البصيرة، والعمى في القلب.

(16): ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى﴾: أحبوا الباطل وآثروه على دين الحق ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وما كانوا مهتدين﴾: لأن المطلوب في التجارة الربح مع سلامة رأس المال، والمنافقون أضاعوهما معاً، لأن الهدى عند الله سبحانه هو رأس المال، وقد ذهب أو بعد عن المنافقين، وتبعه الربح حيث لا بقاء لفرع بلا أصل.

(17):﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي﴾: المراد بذلك هنا الجنس الشامل للجماعة تماماً كقوله تعالى: (وخضتم كالذي خاضوا - 69 التوبة) أي الذي خاضوا ﴿اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾: أشعلها ﴿فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ﴾: امتد ضوؤها إلى الأشياء التي حول من أوقدها ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾: خمدت النار ولا نور يستضيئون به ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ﴾: بقوا متحيرين متحسرين حيث لا يدرون أين يذهبون؟ وماذا يفعلون؟.

(18): ﴿صُمٌّ﴾: لا يسمعون ﴿بُكْمٌ﴾: لا ينطقون ﴿عُمْيٌ﴾: لا يبصرون على سلامة الآذان والألسن والأبصار، ولكنهم لما رفضوا الاستماع للحق والنطق به والنظر اليه، أصبحوا كمن فَقَد هذه الحواس من الأساس ﴿فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ﴾: إلى الرشد، ولا ينتهون عن البغي بعد أن أصبحوا كالصم البكم العمي.

(19):﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾: هذا تمثيل آخر لحال المنافقين، والصيّب مطر ينزل من السماء ﴿فِيهِ ظُلُمَاتٌ﴾: دامسة ﴿وَرَعْدٌ﴾: قاصف ﴿وَبَرْقٌ﴾: خاطف ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾: يقال: صعقته الصاعقة فصعق أي فمات، والمنافقون دائماً في قلق وخوف من كشف حقيقتهم ولا ملجأ لهم تماماً كمن أتته الصاعقة فاتقاها بسد أذنيه ﴿وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ﴾: كلنا نتقلب في قبضته جلّت عظمته، ولا مفر منه إلا إليه.

(20): ﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾: كناية عن شدة الهول ﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ﴾: خطوة أو خطوتين ﴿وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾: إذا خفي البرق وقفوا حائرين ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾: لو أراد سبحانه لزاد في قصف الرعد فأصمهم وفي برق البرق فأعماهم ﴿إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾: واضح بلا تفسير.

(21): ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾: حقاً وصدقاً لا رياءً ونفاقاً ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾: لما عدَّد سبحانه فرق المكلّفين من المؤمنين والكفار والمنافقين- أفهمهم جميعاً أنه هو وحده خالق الأولين والآخرين ورازقهم، فعليهم أن يعبدوه ويطيعوه ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾: ما من شك أن من يصلّي لله مخلصاً له الدين فإنََّ يتَّقي معاصيه أيضاً في غير الصلاة.

(22): ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا﴾: مستقراً لا غنى عنه ﴿وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾: كالقبة المضروبة على هذا المستقر بحسب الرؤية البصرية ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ﴾: لتشكروا الله على فضله، وتفكروا في خلقه ولتعلموا أنه هو الخالق الذي ليس كمثله شيء ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾: شركاء ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾: أي تعقلون وتميّزون وتدركون أنه لا خلق بلا خالق.

(23): ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾: بعد ما ذكر سبحانه وجوب الإيمان به وأشار إلى وجوب الإيمان بمحمد(ص)، ومن الأدلة عليه هذا التحدي: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾: الضمير يعود إلى القرآن ، وسُميّت الآية المعَّينة المحدودة سورة تشبيهاً بسور المدينة الذي يحيط بمساكن معيَّنة محدودة ﴿وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾: أرسل سبحانه محمداً للناس بحجَّة كافية. وهي إعجاز القرآن بما فيه من معان وبيان. وتحدى من جحد بأن يأتي بسورة مثله مبنى ومعنى. ثم يقارن في حضور العقلاء بين القرآن وبين ما يأتي به الجاحد، فإن شهدوا أنهما بمنزلة سواء فليبق على كفره بل وليدع إلى الكفر بمحمد ورسالته، وإن شهد العقلاء بعجزه فهو الكاذب والمفتري، أما محمد فهو الصادق الأمين.

(24): ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾: القطع بالعجز قبل أن يحاولوا تحدًّ ثان، وكفى بعجزهم رغم المحاولة شاهداً ودليلاً ﴿فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾: الوقود ما يوقد به، والفرق بين نار جهنم ونار الدنيا أن وقود الأولى ناس وحجارة كانت من قبل أصناماً، ووقود الثانية بترول وفحم وحطب.

(25): ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾: بعد أن هدَّد وتوعد الكافرين بالجحيم وعد وبشر المؤمنين بالنعيم ﴿كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾: في اللون دون الطعم ﴿وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ﴾: من كل عيب ودنس روحاً وجسماً ﴿وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾: ملك قائم ونعيم دائم.

(26): ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾: (ما) زائدة للتوكيد، وبعوضة مفعول أول، ومثلاً مفعول ثان. قال المشركون: الله لا يضرب الأمثال بالبعوضة الحقيرة، فردَّ سبحانه بأنه لا يترك التمثيل بالبعوضة ترك المستحي ما دام القصد من التمثيل مجرد التفهيم والتقريب إلى العقول والأذهان ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾: أي أن أهل العلم والعقل لا يرون التمثيل بالبعوضة منافياً لجلال الله وعظمته ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا﴾: يقولون ذلك جهلاً أو تضليلاً ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا﴾: السبب المباشر للإضلال هو التمثيل بالبعوضة، وأُسند إلى الله تعالى في الظاهر لأنه هو الذي ضرب المثل. أشبه بما لو عملت عملاً جليلاً فمات عدوّك حسداً، فأي ذنب فعلتَ؟ ﴿وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾: من العقلاء الراغبين في الهداية ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ﴾: أبداً لا سلطان للشيطان إلا على أوليائه.

(27): ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ﴾: يفسخون ﴿عَهْدَ اللَّهِ﴾: وهو إعمال العقل والعمل بوحيه الكما قال سبحانه: أفلا تعقلون أفلا تتفكرون؟ ﴿مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾: الميثاق الثبوت والإحكام ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾: كالبر بالرحم ونصرة الحق ﴿وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ﴾: بالجرائم والآثام والتناحر على الحطام ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾: وكل مبطل خاسر.

(28): ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾: وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحِد ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾: نطفاً في أصلاب الآباء ﴿فَأَحْيَاكُمْ﴾: فأخرجكم منها ذكوراً وإناثاً ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾: بعد الحياة ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾: بعد الموت ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾: للحساب والجزاء.

(29): ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾: فيه دلالة على أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يثبت العكس ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾: قصد إليها بإرادته ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾: هذا الضمير يفسره قوله سبحانه ﴿سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾: ومعنى سواهن عدَّل خلقهنّ على ما تقتضيه الحكمة ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾: وأيضاً غفور رحيم.

(30): ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾: وهو آدم وذريته ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾: وعرف الملائكة ذلك منه تعالى بطريق أو بآخر ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾: التسبيح تنزيه الله تعالى.، وبحمدك في موضع الحال أي نسبّح حامدين ﴿وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾: نطهّر أنفسنا بطاعتك ﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾: أبداً لا يفعل سبحانه شيئاً إلا لحكمة بالغة، وكثيراً ما تختفى عن إدراك الناس والملائكة أيضاً.

(31): ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾: أي أسماء الكائنات كالنبات والحيوان والجبال والوديان... ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ﴾: أي عرض الكائنات وأعاد عليها ضمير (هم) لأن في الكائنات عقلاء فجاء الضمير تغليباً للعاقل على غيره ﴿فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ﴾: الكائنات ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾: أي عارفين بالحكمة من جعل آدم خليفة في الأرض.

(32): ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا﴾: وليس هذا مما علَّمتنا إيّاه حتى نعرفه ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ﴾: بكل شيء ﴿ الْحَكِيمُ﴾: فيما تفعل أو تترك.

(33): ﴿قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ﴾: ليعلموا أنك أهل ومحل لخلافة الله ﴿فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ﴾: أي بأسماء الأشياء وجنسها ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾: وما فيهنّ وما بينهنّ ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾: قبل أن تبدوه ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾: من كل شيء.

(34): ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ﴾: أمرهم بالسجود لآدم تعظيماً لشأنه ﴿فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ﴾: لأنه رأى نفسه أجلّ وأعظم من آدم ﴿وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾: حيث رأى أمر الله له بالسجود لآدم ظلماً وجوراً.

(35): ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾: ضمير أنت توكيد للضمير المستتر في اسكن، وزوجك مرفوع عطفاً عليه ﴿وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا﴾: واسعاً رافهاً ﴿حَيْثُ شِئْتُمَا﴾: من بقاع الجنَّة ﴿وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾: لا تأكلا منها ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾: بفعل ما أمر الله بتركه.

(36): ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ﴾: بحبائله ﴿فأخرجهما مما كانا فيه﴾: من نعمة وكرامة ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا﴾: انزلوا، وجمع سبحانه الضمير، لأن آدم وحواء أبوا البشر﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾: إشارة إلى ما سوف يحدث بين الناس من تشاجر وتناحر ﴿وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ﴾: موضع الاستقرار ﴿وَمَتَاعٌ إِلَى حِين﴾: يتمتعون بالعيش إلى الموت.

(37): ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾: ندم آدم على ما كان، فألهمه الله كلمات توسَّل بها إليه أن يغفر ويصفح. وفي رواية أهل البيت(ع) أن هذه الكلمات أسماء أصحاب الكساء(ع) ﴿فتاب عليه إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾: التواب: كثير القبول للتوبة حيث يقبلها من كل تائب.

(38): ﴿قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً﴾: كرَّر سبحانه كلمة (اهبطوا) للتوكيد ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى﴾: من نبي مرسل أو كتاب منزل ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ﴾: أي اتبع رسولي وعمل بكتابي ﴿فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾: من العقاب ﴿وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾: على فوات الثواب.

(39): ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾: واضح بلا تفسير.

(40): ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾: إسرائيل لقب يعقوب، وأراد سبحانه بالنعمة هنا، ما أنعمه على آبائهم من كثرة الأنبياء ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي﴾: من الإيمان والطاعة ﴿أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾: من حسن الثواب ﴿إِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾: تهديد ووعيد إذا نقضوا العهد.

(41): ﴿وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ﴾: على محمد(ص) ﴿مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ﴾: من توراة موسى ﴿وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾: أي بمحمد(ص) وأنتم تعلمون أنه الصادق الأمين ﴿وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا﴾: يشير بهذا إلى رؤساء اليهود الذين أنكروا الحق حرصاً على السيادة والرياسة ﴿وَإَّيايَ فَاْتَّقُونِ﴾.

(42): ﴿وَلا تَلْبِسُوا﴾: لا تخلطوا ﴿الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ﴾: وهو نص التوراة على نبوة محمد (ص) ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾: بأنكم تكتمون ما أنزل الله.

(43): ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلوةَ وَآتُواْ الزَّكَوةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾: أي مع المسلمين، لأن صلاة اليهود لا ركوع فيها.

(44): ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾: كانوا يأمرون أقاربهم في السرّ باتباع محمد(ص) ولا يتَّبعونه ﴿وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾: التوراة ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾: قبح ما تفعلون.

(45): ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾: استعينوا على البلايا بالصبر عليها والإلتجاء إلى الصلاة ﴿وَإِنَّهَا﴾: الصلاة ﴿لَكَبِيرَةٌ﴾: لثقيلة ﴿إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾: لأنهم يتوقعون الأجر عليها من الله سبحانه.

(46): ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ﴾: يقطعون ﴿أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ﴾: وثوابه ﴿وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾: لا محالة.

(47): ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾: بالتحرر من العبودية لفرعون وغير ذلك ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾: بكثرة الأنبياء.

(48): ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾: ومثله تماماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً ﴿وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ﴾: هذا مختصّ باليهود لأنهم قالوا: آباؤنا شفعاؤنا ﴿وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾: فدية ﴿وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾: المراد ب(هم) النفس التي تقدَّم ذكرها ولكن باعتبارها جنساً يدل على الكثرة.

(49): ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾: فرعون اسم لمن مَلَك تماماً كقيصر وكسرى ﴿يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾: يبغونكم خسفاً وإذلالاً ﴿يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ﴾: يبقوهنَّ أحياء للخدمة ﴿وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾: أنجاكم الله منه ولكن باعتبارها جنساً يدل على الكثرة.

(50): ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْر﴾َ: صار مسالك لكم ﴿فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾: أي ينظر بعضكم بعضاً وأنتم سائرون في قلب البحر آمنين مطمئنين.

(51): ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾: وعدناه بالتوراة وضربنا له هذا الميقات ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ﴾: مضى موسى ليأتي بالتوراة، فعبد اليهود العجل ﴿وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾: بهذا الشرك والارتداد.

(52): ﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾: إشارة إلى ارتدادهم وشركهم ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾: النعمة في العفو عنكم.

(53): ﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾: التوراة والفرقان: يفرّق بين الحق والباطل والحلال والحرام ﴿لعلكم تهتدون﴾: بنوره.

(54): ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾: معبوداً وليس لله ندّ وشبيه ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾: خالقكم ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾: أي ليقتل من بقي على الإيمان منكم من ارتد عن دينه إلى عبادة العجل ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ﴾: من الإصرار على الشرك ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾: أي فعلتم ذلك فصفح وغفر سبحانه وتعالى ﴿إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ: ﴾ لمن تاب بإخلاص.

(55): ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾: عياناً ﴿فَأَخَذَتْكُمُ﴾: أماتتكم ﴿الصَّاعِقَةُ﴾: نار من السماء ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾: إلى الصاعقة.

(56): ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُم﴾: في الدنيا ﴿مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾: لاستكمال آجالكم ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾: نعمة الله.

(57): ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ﴾: كان ذلك في التيه حيث سخَّر لهم الله السحاب يظللهم من الشمس ﴿وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ﴾: مادة لزجة تشبه العسل ﴿وَالسَّلْوَى﴾: طائر يعرف بالسُّمَّن ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾: أي قال لهم سبحانه: كلوا... ﴿وَمَا ظَلَمُونَا﴾: بكفرهم وعنادهم ﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾: كل من غلبه الهوى ظالم لنفسه.

(58): ﴿وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ﴾: قيل هي أريحا، ولم يدخلوا بيت المقدس في حياة موسى ﴿فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا﴾: واسعاً ﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا﴾: شكراً لله ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾: حطَّ عنَّا ذنوبنا ﴿نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ﴾: ان فعلتم ما تؤمرون ﴿وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾: كل من اتقى وأحسن يزيده الله من فضله.

(59): ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾: أنفسهم ﴿قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ: ﴾ قيل: إنهم قالوا مكان حطة حنطة استهزاء منهم ﴿فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا﴾: عذاباً ﴿مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾: يحرّفون.

(60): ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾: عطش بنو إسرائيل في التيه، فطلب لهم موسى الماء من الله تعالى ﴿فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ﴾: فضربه بعصاه ﴿فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾: وهذه معجزة أخرى لموسى خصَّه الله بها إضافة إلى سائر المعجزات ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾: كانوا 12 قبيلة لكل منها عين ﴿كُلُوا﴾: المن والسلوى ﴿وَاشْرَبُوا﴾: من هذه العيون، وهي ﴿مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾: العثي أشد الفساد، ومنه الشرك والإلحاد.

(61): ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾: نسب قول السلف إلى الخلف لأنهم على نهج واحد، ويطلق الطعام الواحد على الذي لا يتغيَّر، وإن كان من لونين أو أكثر، والمراد به هنا المن والسلوى ﴿فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا﴾: وهو ما تنبته الأرض من الخضر ﴿وَقِثَّائِهَا﴾: نوع من الخيار ﴿وَفُومِهَا﴾: الحنطة ﴿وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ﴾: لهم موسى: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى﴾: دون ﴿بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾: وأفضل ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾: انحدروا إليها ﴿فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾: من العدس والبصل ونحو ذلك ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾: والذلة أنواع منها أن تجتمع كلمة أهل الأرض شرقها وغربها، على مقتهم وكراهيتهم، ومنها أن تكون مهمتهم مهمة الكلب العقور يحرس مصالح صاحبه، ومنها أن لا يستطيعوا العيش إلا باللصوصية والنهب والنفاق والمراوغة... ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾: أصبحوا جديرين بعذابه ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾: بيان للسبب الموجب لغضب الله والناس عليهم. ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ﴾: كزكريا ويحيا وشيعا ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾: بلا جرم ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾: كرر سبحانه ذلك بأنهم كانوا يكفرون وذلك بأنهم عصوا لمجرد التوكيد.

(62): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾: بألسنتهم فقط ﴿وَالَّذِينَ هَادُوا﴾: أي اليهود ﴿وَالنَّصَارَى﴾: جمع نصران للمذكر ونصرانة للمؤنث، والياء في النصراني للمبالغة لا للنسبة ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾: وهم قوم عدلوا عن اليهودية والنصرانية إلى عبادة الملائكة والنجوم ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾: من كان من هؤلاء الفئات الأربع فعدل وآمن بالله ورسوله واليوم الآخر إيماناً خالصاً وعمل عملاً صالحاً ﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾: لإيمانهم الخالص وعملهم الصالح ﴿وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾: من العقاب ﴿وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾: على فوات الثواب.

(63): ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾: بالعمل على ما في التوراة، لأن الخطاب مع بني إسرائيل ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾: جبل، لما جاء موسى(ع) بالتوراة رفضها بنو إسرائيل فرار اًمن التكاليف الشاقة فارتفع الجبل فوقهم تخويفاً فأذعنوا ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ﴾: من كتاب التوراة ﴿بِقُوَّةٍ﴾: بعزيمة ويقين ﴿وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ﴾: لا تهملوا منه شيئاً ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾: لتكونوا من أهل التقوى.

(64): ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ﴾: أعرضتم عن التوراة ﴿فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾: بإمهاله لكم ﴿لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾: الهالكين بتعجيل العذاب.

(65): ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ﴾: حيث تجاوزوا الحد واصطادوا الحيتان المنهي عنها ﴿فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾: ممسوخين مطرودين.

(66): ﴿فَجَعَلْنَاهَا﴾: المسخة ﴿نَكَالا﴾: عقاباً وعبرة ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا﴾: أي عبرة لمن حضرها وشاهدها في ذلك العهد ﴿وَمَا خَلْفَهَا﴾: أي عبرة لمن بعدها أيضاً ﴿وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾: أي لكل من يتعظ ويعتبر ويبتغي أن يكون من الصالحين.

(67): ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾: كان في بني إسرائيل شيخ غنيّ، فقتله قرابته ليرثوه، واتهموا بعض بني إسرائيل ، وطالبوهم بدمه، فثار الخلاف بينهم، فأمر الله أن يذبحوا بقرة، ويضربوه ببعضها فيحيا، ويخبرهم بالقاتل ﴿قَالُوا﴾: لموسى: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾: أي من المستهزئين.

(68): ﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾: ظنوا أن البقرة عجيبة الشأن، فسألوا عن أوصافها ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ﴾: ليست مسنَّة ﴿وَلا بِكْر﴾ٌ: لا صغيرة، بل هي ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾: لا صغيرة ولا كبيرة بل وسط ﴿فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ﴾: من ذبح هذه البقرة.

(69): ﴿قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا﴾: يزدادون بياناً للوصف ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا﴾: حسنة الصفار ﴿تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾: النظرة إلى الجميل تبعث السرور ولو كان ثوراً أو بقرة.

(70): ﴿قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ﴾: الموصوف بالصفرة كثير ﴿تَشَابَهَ عَلَيْنَا﴾: أيها نذبح؟ ﴿وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ﴾: إلى البقرة المراد ذبحها.

(71): ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ﴾: تمرنت على العمل لا ﴿تُثِيرُ الأَرْضَ﴾: لا تحرث ﴿وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ﴾: أي لا تدير النواعير ﴿مُسَلَّمَةٌ﴾: سلَّمها الله من كل عيب ﴿لا شِيَةَ فِيهَا﴾: لونها أصفر بالكامل حتى قرنها وظلفها ﴿قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ﴾: أي بالوصف الشامل ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾: لخوف الفضيحة أو لغلاء الثمن أو لهما معاً.

(72): ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا﴾: المراد بالنفس المقتول الذي سبق ذكره ﴿فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا﴾: تخاصمتم في أمرها ﴿وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾: أظهر الحقيقة.

(73): ﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ﴾: هذا الضمير يرجع للقتيل ﴿بِبَعْضِهَا﴾: أي بعض البقرة المذبوحة ﴿كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى﴾: لما ضربوا الميت بجزء من البقرة قام بإذن الله وقال قتلني فلان فقتلوه قصاصاً ﴿وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾: على أنه تعالى قادر على كل شيء ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾: أن من قدر على إحياء نفس واحدة قادر على إحياء كل النفوس.

(74): ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ﴾: الخطاب لكل اليهود بالنظر إلى الخلف مثل السلف ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾: إشارة إلى كل المراحل التي مروا بها ﴿فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾: أي من عرفها شبّهها بالحجارة أو أقسى ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ﴾: في بعض الصخور خروق واسعة يتدفق منها ماء غزير ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ﴾: ينشق طولاً أو عرضاً ﴿فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ﴾: دون الأنهار كالعيون ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ﴾: يتردى من أعلى الجبال ﴿مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾: كناية عن أن الحجارة تسكن أو تتحرك تبعاً للسبب الموجب، أما اليهود فيعاكسون ويشاكسون ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾: وتجزون بما أسلفتم.

(75): ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ﴾: ضمير الغائب لليهود والخطاب للنبي(ص) والمسلمين ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾: من أسلافهم ﴿يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ﴾: في التوراة ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾: كما فعلوا في صفة محمد(ص) ﴿مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ﴾: دون أية شبهة ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾: أي عن قصد وعمد.

(76): ﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا﴾: بأن محمداً رسول الله حقاً وصدقاً بنص التوراة ﴿وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ﴾: ولا رقيب ﴿قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾: من نص التوراة على صفة محمد(ص) ﴿لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾: أي ليكون لهم الحجّة عليكم ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾: أنكم أسأتم لأنفسكم.

(77): ﴿أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ﴾: من الكفر ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ﴾: من الإيمان المزيَّف.

(78): ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ﴾: من اليهود من يحفظ التوراة تلاوة لا دراية ﴿إِلا أَمَانِيَّ﴾: وكل ما يرجوه من هذا الحفظ أن يثيبه الله عليه تماماً كبعض الجهلة من المسلمين ﴿وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ﴾: يجهلون.

(79): ﴿فَوَيْلٌ﴾: العذاب ﴿لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ﴾: التوراة المحرّفة ﴿بِأَيْدِيهِمْ﴾: للتوكيد كما تقول: رأيت بعيني ﴿ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾: كذباً وافتراء ﴿لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا﴾: من العوام ﴿فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مّمَِّا يَكْسِبُونَ﴾: عذاب على أصل التحريف، وثان على كتابته ليخلد، وثالث على ثمنه.

(80): ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾: أربعين يوماً بعدد الأيام التي عبدوا فيها العجل ﴿قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا﴾: فأين هو؟ فإن أعطاكم الله إيّاه ﴿فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ﴾: ومن أوفى به منه؟ ﴿أَمْ (بل) تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾: تماماً كقولكم: نحن شعب الله المختار.

(81): ﴿بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً﴾: بل تمسّكم النار لكثرة مخازيكم ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾: من كل جانب ﴿فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾: المراد بالسيئة، والخطيئة هنا الشرك، لأن ما عداه لا يستدعي الخلود.

(82): ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾: تقدم التفسير في الآية 25.

(83): ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾: كل من آمن بالله فقد أعطاه عهدًا وميثاقًا بالسمع والطاعة ﴿لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ﴾: إخبار في معنى النهي ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ﴾: وتحسنون بهما ﴿إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى﴾: بالصلة والحنان ﴿وَالْيَتَامَى﴾: بالعناية والاهتمام ﴿وَالْمَسَاكِينِ﴾: بأداء ما لهم من حق الله ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ﴾: كل الناس ﴿حُسْناً﴾: تمامًا كما تحبون أن يقال لكم ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلوةََ﴾: بأجزائها وشروطها ﴿وَآتُواْ الزَّكَوةَ﴾: بكاملها ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾: عن أمر الله وطاعته ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ﴾: تمردًا وعنادًا.

(84): ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾: ما زال الخطاب مع بني إسرائيل ﴿لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ﴾: أي لا يفعل ذلك بعضكم ببعض ﴿ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ﴾: بوجوب ذلك عليكم ﴿وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ﴾: على أنفسكم بأنفسكم.

(85): ﴿ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ﴾: القوي منكم يقتل الضعيف، ويطرده من بيته علمًا بأن دين الاثنين واحد، وهذا نقض لما أبرمتموه من قبل ﴿تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾: تتعاونون على التنكيل بهم ﴿وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ﴾: كان اليهودي القوي لا يرى بأسًا بقتل اليهودي الضعيف، ولكن إذا أسر غير اليهودي يهوديًا ضحّ اليهودي القوي بالمال لفدائه وإطلاقه، فقال لهم سبحانه: كيف تستجيزون قتل بعضكم، ولا تستجيزون ترك فدائهم! ﴿وَهُوَ﴾: أي القتل والإخراج ﴿مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ﴾: أي بالفداء ﴿وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾: أي بالقتل والإخراج ﴿فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ﴾: هوان وخسران ﴿فِي الْحَيوةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ﴾: الذي أعدّه الله لأعدائه ﴿وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾: بل نحن الغافلون عمَّن لا يغفل عنَّا.

(86): ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيوةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ﴾: رضوا بالعاجلة عوضًا عن الآجلة ﴿فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾: وهذه عاقبة كل أفّاك أثيم.

(87): ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾: التوراة نزلت جملة واحدة ﴿وَقَفَّيْنَا﴾: أتبعنا ﴿مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ﴾: كثيرًا ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ﴾: المعجزات الواضحات ﴿وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾: جبريل أو أن عيسى (ع) هو بالذات يحمل روحًا قدسية ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ﴾: الخطاب لليهود ﴿رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ﴾: لا لشيء إلا لأنه حق ﴿اسْتَكْبَرْتُمْ﴾: ونفرتم من الإيمان بالعدل والصدق ﴿فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ﴾: كعيسى ومحمد ﴿وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾: كزكريا ويحيى.

(88): ﴿وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾: في غلاف لا ترى ولا تسمع بطبعها ﴿بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ﴾: أي ليست قلوب اليهود صمّاء عمياء بالطبع. بل بالإصرار على الفساد والعناد ﴿فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ﴾: ما زائدة للتوكيد، وقليلاً صفة لمفعول مطلق محذوف أي فإيمانًا قليلاً.

(89): ﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ﴾: وهو القرآن ﴿مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ﴾: من التوراة والإنجيل كذبوا القرآن ﴿وَكَانُواْ مِن قَبْلُ﴾: كان اليهود من قبل محمد (ص) ﴿يَسْتَفْتِحُونَ﴾: يستنصرون بمحمد ﴿عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾: من المشركين ويقولون لهم: غدًا يأتي محمد وترون ﴿فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ﴾: من الحق ﴿كَفَرُواْ بِهِ﴾: بغيًا وحسدًا ﴿فَلَعْنَةُ اللَّه﴾: غضبه وعذابه ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾: بالحق أيًّا كانوا ويكونون.

(90): ﴿بِئْسَمَا﴾: للذم ﴿اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ﴾: باعوها ﴿أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ﴾: هذا بيان بسبب الذمّ، وهو كفرهم بما جاء في التوراة من البشارة بمحمد (ص) ﴿بَغْياً﴾: ظلمًا وحسدًا ﴿أَن يُنَزِّلَ اللّهُ مِن فَضْلِهِ﴾: وهو الوحي والنبّوة ﴿عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ﴾: لأنه أعلم حيث يجعل رسالته ﴿فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ﴾: صاروا جديرين بغضب متوال بكفرهم بنبيّ الحق وبغيهم عليه ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾: عظيم.

(91): ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ﴾: سواء أنُزل على رجل منكم أو من غيركم ﴿قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا﴾: على رجل منا ﴿وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ﴾: بما ينزل على رجل من غير اليهود ﴿وَهُوَ الْحَقُّ﴾: القرآن ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ﴾: من توراة موسى (ع) وإذا كفروا بما يوافق التوراة فقد كفروا بنفس التوراة ﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾: لقد جمعتم أيّها اليهود بين قتل الأنبياء والدعاء الإيمان بالتوراة التي تحرم قتل الأنبياء، وهذا عين التناقض!.

(92): ﴿وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ﴾: المعجزات الدالة على صدقه ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾: إلهًا معبودًا ﴿مِن بَعْدِهِ﴾: من بعد مجيئه بالمعجزات ﴿وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ﴾: ومأواكم جهنم وبئس المصير.

(93): ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ﴾: تقدم بالحرف في الآية 63 ﴿وَاسْمَعُواْ﴾ : لما أمرتم به في التوراة ﴿قَالُواْ سَمِعْنَا﴾: قولك ﴿وَعَصَيْنَا﴾: أمرك ﴿وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ﴾: تغلغل حبه في أعماقهم ﴿بِكُفْرِهِمْ﴾: بسبب الكفر ﴿قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ﴾: قبحًا لكم وللإيمانكم بالعجل وعبادته، هذا ﴿إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾: كما تزعمون كذبًا وإفتراء بأنكم على دين موسى وتوراته.

(94): ﴿قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ﴾: الجنّة ﴿خَالِصَةً﴾: خاصة بكم ﴿مِّن دُونِ النَّاسِ﴾: كما تزعمون ﴿فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾: من أيقن أنه من أهل الجنَّة اشتاق إليها، قال أمير المؤمنين لولده الإمام الحسن (ع): لا يبالي أبوك على الموت سقط أم عليه سقط الموت.

(95): ﴿وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا﴾: وكان كما أخبر القرآن ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾: من التحريف والكذب على الله ﴿وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ﴾: هذا تهديد ووعيد.

(96): ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾: أي منفعتهم الخاصة ﴿وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾: أيضًا اليهود أحرص على المنفعة الخاصة من المشركين ﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ﴾: اليهود ﴿لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ﴾: هذا الضمير يعود على (أحدهم) ﴿بِمُزَحْزِحِهِ﴾: لا يبتعد ﴿مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ﴾: أبدًا لا نجاة لهم من النار سواء أعاشوا ألفًا أم أُلوفًا ﴿وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾: ويعاملهم بما يستحقون.

(97): ﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ﴾: تومىء هذه الآية إلى أن اليهود كانوا يكرهون جبريل ﴿فَإِنَّهُ﴾: جبريل ﴿نَزَّلَهُ﴾: القرآن ﴿عَلَى قَلْبِكَ﴾: يا محمد ﴿بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾: من التوراة والإنجيل ﴿وَهُدًى﴾: إلى نهج السبيل ﴿وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾: بالثواب الجزيل.

(98): ﴿مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾: أعاد ذكر جبريل وميكال بعد ذكر الملائكة لفضلهما ﴿فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾: فيه دلالة على أن عداوة الملائكة كفر.

(99): ﴿وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ﴾: الخطاب لمحمد (ص) ﴿آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾: معجزات واضحات ﴿وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ﴾: المتمردون على الحق.

(100): ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم﴾: اليهود موصوفون بنقض العهد، وقال سبحانه: فريق منهم لأن بعضهم لم ينقض ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾: بأن نقض العهد ذنب.

(101): ﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ﴾: لخيرهم ولسعادتهم ﴿نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ﴾: التوراة ﴿كِتَابَ اللّهِ﴾: القرآن ﴿وَرَاء ظُهُورِهِمْ﴾: كناية عن الإعراب ﴿كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾: بأن القرآن حق وصدق.

(102): ﴿وَاتَّبَعُواْ﴾: الضمير للفريق المذكور من اليهود ﴿مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ﴾: المراد بهم المشعوذون ﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾: كان هؤلاء الشياطين أو المشعوذون في زمن سليمان يكتبون ما يزعمونه سحرًا، ويقولون للناس هذا علم سليمان، وبه سخّر الإنس والجنّ والريح ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾: هو منّزه عن هذه النسبة الكاذبة ﴿وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ﴾: باستعمال هذا السحر والكذب في نسبته إلى سليمان ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾: أي الكذب والغواية ﴿وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾: منا كان الناس آنذاك يسمّونها بذلك ﴿بِبَابِلَ﴾: بلد في العراق ﴿هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾: بدل من الملكين ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ﴾: ابتلاء ﴿فَلاَ تَكْفُرْ﴾: أي لا تتعلّم معتقدًا أنه حقّ فتكفر ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا﴾: أي يتعلم الناس من الملكين ﴿مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾: تدليسًا وتمويهًا كالنفث في العقد ونحو ذلك ﴿وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ﴾: بحيث يترتَّب الضرر على سبب مألوف، قال الإمام الصادق (ع): أبى الله أن يجري الأمور إلا على أسبابها ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ﴾: لأنه مجّرد شعوذة ﴿وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ﴾: اختار الشعوذة على الحق ﴿مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ﴾: نصيب ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ﴾: أي باعوا أنفسهم بأبخس الأثمان ﴿لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾: هم يعلمون بدليل قوله تعالى: (ولقد علموا ...) ولكن من لا يعمل بعلمه فهو أسوأ حالاً من الجاهل.

(103): ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ﴾: اليهود ﴿آمَنُواْ﴾: بمحمد (ص) ﴿واتَّقَوْا﴾: تاركين العناد ﴿لَمَثُوبَةٌ﴾: جواب لو ﴿مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ﴾: مما هم فيه من الضلال حتى ولو كانت هذه المثوبة يسيرة ﴿لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾: هذا تجهيل للعالم الذي لا يعمل بعلمه.

(104): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾: النداء للصحابة ﴿لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا﴾: كان النبيّ(ص) إذا حدّث المسلمين يقولون له(راعنا) يريدون تمهل علينا كي نستوعب كلامك، وكانت هذه الكلمة سبة عند اليهود، فاستغلوها وخاطبوا النبيّ بها بنيّة السوء، فنهى النبي المسلمين وقال لهم: ﴿وَقُولُواْ انظُرْنَا﴾:أي راقبنا وانتظرنا حتى نفهم ﴿وَاسْمَعُوا﴾: احسنوا الاستماع للنبيّ حين يتكلَّم ْ﴿وَلِلكَافِرِينَ﴾: اليهود الذين قالوا للنبيّ (راعنا) بخبث ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

(105): ﴿مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾: اليهود والنصارى ﴿وَلاَ الْمُشْرِكِينَ﴾: الذين يعبدون الأصنام ﴿أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾: المراد بالخير هنا النبوّة، والمعنى يريد هؤلاء الكفرة أن تكون النبوة فيهم لا في غيرهم ﴿وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ﴾: ومنها النبوّة ﴿مَن يَشَاء﴾: من عباده الطيّبين ﴿وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾: والنبوة أعظم الفضائل على الإطلاق.

(106): ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ﴾: نزيلها ﴿أَوْ نُنسِهَا﴾: نمحو حفظها من القلوب ﴿نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا﴾: لمصلحة العباد ﴿أَوْ مِثْلِهَا﴾: أو ما يعادل ويماثل المصلحة المنسوخة ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾: ومنه إبدال خير بخير منه وبمثله وزنًا وأثرًا.

(107): ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾: يدبرهما تبعًا للحكمة والمصلحة ﴿وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ﴾: يقوم بأموركم ﴿وَلاَ نَصِيرٍ﴾: تعتمدون على عدله ورحمته.

(108): ﴿أَمْ تُرِيدُونَ﴾: أيها المسلمون ﴿أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ﴾: قال اليهود لموسى من جملة ما قالوا عنادًا: أرنا الله جهرة، أتريدون أيها المسلمون أن تفعلوا كما فعل اليهود؟ إن هذا إلا الكفر بعينه وأنتم مؤمنون ﴿وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ﴾: وهكذا كل من لا يقتنع بالدليل الواضح القاطع، ويطلب المزيد لمجرد التعجيز.

(109): ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم﴾: عن الإسلام ﴿مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً﴾: يرجعونكم إلى الجاهلية الجهلاء بغيًا و ﴿حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم﴾: للنبيّ الأعظم (ص) ﴿مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾: وهم أعدى أعدائه ﴿فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ﴾: اسلكوا معهم أيها المسلمون سبيل العفو والصفح ﴿حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ﴾: أي حتى يأمركم الله بحربهم وتأديبهم، فإن الأمور رهن بأوقاتها ﴿إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾: وسينتقم من كل باغ لا محالة.

(110): ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلوةَ وَآتُواْ الزَّكَوةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ﴾: لأنه تعالى لا يضيع أجر المحسنين ﴿إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾: واضح بلا تفسير.

(111): ﴿وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى﴾: ولماذا هذا الاحتكار؟ ألأنهم شعب الله المختار؟ ﴿تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ﴾: الواهية الخاوية ﴿قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾: هذا هو الجواب العلمي المفحم.

(112): ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ﴾: أخلص له، لا يشرك به أحدًا ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾: في عمله ﴿فَلَهُ أَجْرُهُ﴾: الذي يستوجبه ﴿عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾: تقدم في الآية 32 و 68.

(113): ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ﴾: يصحّ ويعتد به ﴿وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ﴾: عداوات ومصادرات ﴿وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾: أي يفعلون هذا ونحوه وهم من أهل العلم وتلاوة الكتب السماوية كما يزعمون ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾: هم عبدة الأوثان والدهرية ونحوهم ﴿مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾: أي قالوا لأهل الأديان بالكامل: لستم على شيء ونحن وحدنا على الصراط القويم ﴿فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾: فيريهم من يدخل الجنَّة ومن يدخل النار عيانًا.

(114): ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا﴾: هذا التهديد يعمّ ويشمل بظاهره كل من لا يحترم المساجد أينما كانت وتكون، فيمنع من التعبد فيها أو يعمل على هدمها أو عدم بناءها ﴿أُوْلَئِكَ﴾: المانعون ﴿مَا كَانَ لَهُمْ﴾: في حكم الله ﴿أَن يَدْخُلُوهَا﴾: المساجد ﴿إِلاَّ خَآئِفِينَ﴾: لأن الله تعالى كتب على نفسه أن ينصر المسلمين على أعداء الإسلام إذا عملوا بموجبه ﴿لهُمْ﴾: لأعداء الإسلام ﴿فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾: ولو بعد حين ﴿وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾: ولا عذاب أعظم من نار الجحيم.

(115): ﴿وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾: الأرض كلها لله، وللمسلم أن يصلّي في أيّة بقعة منها سواء منع من الصلاة في المسجد أم لم يمنع لأن الله خلق الأرض مسجدًا وطهورًا ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ﴾: أينما صلّى المسلم فعليه أن يتَّجه إلى الشطر الذي أمر الله بالاتّجاه إليه، وهو شطر المسجد الحرام بنص الآية 144 من البقرة وغيرها كما يأتي ﴿إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ﴾: يريد التوسعة والتيسير على عباده ﴿عَلِيمٌ﴾: بمصالحهم.

(116): ﴿وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا﴾: وهم الذين قالوا: المسيح ابن الله وعزير ابن الله والملائكة بنات الله ﴿سُبْحَانَهُ﴾: تنزيل له عن ذلك ﴿بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾: هو خالقها بما فيها ومن فيها، ومن جملتها المسيح وعزير والملائكة ﴿كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾: عابدون منقادون.

(117): ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾: خلقها ولا مثيل لها من قبل ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾: من تك هذه قدرته وعظمته فهو غنيّ عن كل شيء، وليس كمثله شيء ومباين للأجسام المتوالدة المتناسلة.

(118): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾: من المشركين وغيرهم: ﴿لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ﴾: مشافهة ويخبرنا بأن محمدًا نبيه ورسوله ﴿أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ﴾: نحن نقترحها ونفرضها ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ﴾: إشارة إلى قول اليهود لموسى: أرنا الله جهرة ونحو ذلك ﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾: في العمى والضلال ﴿قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ﴾: والدلائل الكافية والوافية في الدلالة على نبوة محمد (ص) ﴿لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾: منصفون، ومن لا يقتنع بما بيَّنَّا لا يقنعه شيء.

(119): ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾: معلمًا لا مسيطرًا، وفي الآية تسلية للنبيّ (ص) لئلا يضيق صدره بكفر من كفر ﴿وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾: ما دمت قد أدَّيت الرسالة.

(120): ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾: قال اليهود للنبيّ (ص): لن نرضى عنك حتى تكون على ديننا فحكى الله كلامهم، ولذلك قال سبحانه لنبيّه: ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى﴾: وهو الإسلام ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾: المراد كل من يخالف علمه بالحق، وينطلق من منافعه الشخصية ﴿مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾: يحميك من غضبه تعالى.

(121): ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾: يريد الذين أسلموا من اليهود والنصارى ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ﴾:أي لا يحرّفونه ﴿أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾: كما أُنزل من عند الله ﴿وَمن يَكْفُرْ بِهِ﴾: أي يحرفه ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾: حيث باعوا دينهم للشيطان.

(122): ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾: مرّ في الآية 47.

(123): ﴿وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾: مرّ في الآية 48.

(124): ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ﴾: إبراهيم(ع) هو أبو الأنبياء، والله سبحانه لا يختبر عباده حقيقة، لأنه أعلم بهم من أنفسهم، ولكنه يكلّفهم ليظهر ويتميز المطيع المستحق للثواب من العاصي المستحق للعقاب ﴿بِكَلِمَاتٍ﴾: بأوامر ونواه ﴿فَأَتَمَّهُنَّ﴾: فامتثل وأطاع على أكمل وجه ﴿قَالَ﴾: الله سبحانه لإبراهيم: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾: قدوة يأتمون بك في دينهم ﴿قَالَ﴾: إبراهيم لربّه: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾: رجاه أن يمنّ على بعض ذرّيته بالإمامة أيضًا ﴿قَالَ﴾: سبحانه: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي﴾: أي الإمامة ﴿الظَّالِمِينَ﴾: العاصين، ويدل هذا على أن الإمام يجب أن يكون معصومًا.

(125): ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ﴾: الكعبة ﴿مَثَابَةً لِّلنَّاسِ﴾: مرجعًا، والتاء للمبالغة من ثاب بمعنى رجع ﴿وَأَمْناً﴾: من عذاب الله غدًا لمن أدّى مناسك الحج على وجهها ﴿وَاتَّخِذُواْ﴾: أمر ﴿مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ﴾: معروف للناس في الكعبة المكرمة ﴿مُصَلًّى﴾: صلّوا فيه مع الإمكان ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ﴾: أمرناهما ﴿أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ﴾: من الأوثان والخبائث ﴿لِلطَّائِفِينَ﴾: الذين يدورون حوله ﴿وَالْعَاكِفِينَ﴾: المنعكفين فيه والمجاورين له ﴿وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾: المصلين عنده.

(126): ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا﴾: إشارة إلى مكة ﴿بَلَدًا آمِنًا﴾: من الجبابرة والغزاة والعواصف والزلازل ونحو ذلك ﴿وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾: حتى ولو أتتهم من الخارج لا من أرضهم ﴿مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾: من آمن بدل بعض من أهله، ارزق يا الله المؤمنين من أهل مكة ﴿قَالَ﴾: سبحانه لخليله ﴿وَمَن كَفَرَ﴾: أي ارزق المؤمن والكافر، لأن الرزق شيء والإمامة أو الإيمان شيء آخر ﴿فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً﴾: في الدنيا ﴿ثُمَّ أَضْطَرُّهُ﴾: في الآخرة ﴿إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾: العقاب غدًا لمن عصى، والثواب لمن أطاع أما الآن فالرزق لمن سعى له سعيه برًا كان أو فاجرًا.

(127): ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ﴾: جمع قاعدة وهي الأساس ﴿مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ﴾: أي رفعا البناء على أسس البيت ﴿رَبَّنَا﴾: يقولان: ياربنا ﴿تَقَبَّلْ مِنَّا﴾: فيه دلالة على أنهما بنيا الكعبة مسجدًا لا مسكنًا ﴿إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ﴾: لدعائنا ﴿الْعَلِيمُ﴾: بمقاصدنا.

(128): ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾: مستسلمين مخلصين ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ﴾: وقد استجاب سبحانه دعاءهما حيث جعل من ذرّيتهما المسلمين، ويبلغون الآن ألف مليون كما جاء في مجلة العربي الكويتية عدد جمادى الثانية سنة 1397ص 50 ﴿وَأَرِنَا مناسكنا﴾: عرفنا بمناسك الحج وغيرها من العبادات لنقوم بها على وجهها ﴿وَتُبْ عَلَيْنَآ﴾: هذا الطلب أو الرجاء هو ضرب من العبادة، وإن لم يكن هناك ذنب ﴿إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ﴾: القابل للتوبة ﴿الرَّحِيمُ﴾: بعبادك.

(129): ﴿رَبَّنَا﴾: قال إبراهيم وإسماعيل: يا ربّنا ﴿وَابْعَثْ فِيهِمْ﴾: في الأمة المسلمة ﴿رَسُولاً مِّنْهُمْ﴾: وهو نبيّنا محمد(ص) الذي قال: أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ﴾: القرآن الكريم ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾: الشريعة ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾: يطهرهم من الإلحاد والفساد ﴿إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ﴾: القوي ﴿الحَكِيمُ﴾: في كل ما تفعله.

(130): ﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ﴾: لا يبتعد عن شريعة إبراهيم وطريقته التي هي الحق والحقيقة ﴿إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ﴾: أهانها واستخف بها ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا﴾: اخترناه للنبوة والرسالة ﴿وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾: الفائزين بالعزّة والكرامة.

(131): ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ﴾: كناية عمّا يملك إبراهيم من عقل خالص اهتدى به إلى التوحيد ﴿قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: نظرت وعلمت أنك خالق كل شيء.

(132): ﴿وَوَصَّى بِهَا﴾: الهاء تعود إلى كلمة إبراهيم وهي (أسلمت لرب العالمين) ﴿إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ﴾: إسماعيل من هاجر وإسحاق من سارة. وفي التوراة أن له أسمًا ثالثًا اسمه مديان من قنطورة ﴿وَيَعْقُوبُ﴾: بن إسحق أوصى بنيه بذلك وقال: ﴿يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ﴾: أعطاكم صفوة الأديان وهو دين الإسلام ﴿فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾: اثبتوا على الإسلام حتى الموت.

(133): ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء﴾: حاضرين ﴿إِذْ حَضَر﴾: أي احتضر ورأى علامات الموتَ ﴿يَعْقُوبَ الْمَوْتُ﴾: وهو ابن إسحاق بن إبراهيم ﴿إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي﴾: يومىء هذا السؤال إلى الخوف أن يرتدوا بعد وفاته كفارًا ﴿قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ﴾: جدّ أبيهم ﴿وَإِسْمَاعِيلَ﴾: عمّ أبيهم ﴿وَإِسْحَقَ﴾: جدّهم الأقرب ﴿إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾: مطيعون.

(134): ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾: مضت إلى ربها ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾: لا لغيرها ﴿وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ﴾: لا تنفعكم حسنات الآباء والأجداد ﴿وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾: ولا هم يسألون عن أعمالكم.

(135): ﴿وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾: أي قال اليهود للمسلمين أو للناس: كونوا يهودًا، وقال النصارى: كونوا نصارى ﴿تَهْتَدُواْ﴾: تصيبوا طريق الهدى والحق ﴿قُلْ﴾: يا محمد لليهود والنصارى: ﴿بَلْ﴾: نتبع ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾: والحنيف المائل عن كل دين إلى الحقّ ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾: ولا من اليهود والنصارى.

(136): ﴿قُولُواْ﴾: أيها المسلمون: ﴿آمَنَّا بِاللّهِ﴾: هذا هو الأول والأصل الأصيل في الدين القويم ﴿وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا﴾: وهو القرآن، والإيمان به إيمان بمحمد(ص) ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ﴾: والكتب السماوية لم تنزل اليه جميعًا، وإنما نزلت إلى إبراهيم ولكن صحة النسبة إلى الجميع بالنظر إلى أنهم متعبدون بها ﴿وَالأسْبَاطِ﴾: وهم حفدة يعقوب من أبنائه الإثني عشر، ومن الأسباط داوود وسليمان ويحيى وزكريا ﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَى﴾: التوراة ﴿وَعِيسَى﴾: الإنجيل ﴿وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ﴾: كالزبور المنزلة على داوود ﴿لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ﴾: نؤمن بكل نبيّ يؤمن به محمد(ص) دون استثناء ﴿وَنَحْنُ لَهُ﴾: لله تعالى ﴿مُسْلِمُونَ﴾: معترفون بوحدانيته.

(137): ﴿فَإِنْ آمَنُواْ﴾: اليهود والنصارى والمشركون ﴿بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ﴾: إيمانًا خالصًا ﴿فَقَدِ اهْتَدَواْ﴾: إلى الحق ﴿وَّإِن تَوَلَّوْاْ﴾: عن الدخول فيما دخلتم ﴿فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾: في عناد للحق ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ﴾: هذا وعد من الله لنصرة الإسلام على أعدائه ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾: يسمع أقوالهم ﴿الْعَلِيمُ﴾: يعلم أفعالهم.

(138): ﴿صِبْغَةَ اللّهِ﴾: دين الله أو فطرته التي فطر الناس عليها ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَة﴾: أبدًا لا دين إلا ما أنزله الله ﴿وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ﴾: وحده لا شريك له.

(139): ﴿قُلْ﴾: يا محمد لليهود وغيرهم ﴿أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ﴾: لماذا اصطفى نبيًّا من العرب دون غيرهم أو محمدًا بالخصوص دون سواء من العرب ﴿وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ﴾: خلقنا جميعًا وعلينا أن نسمع ونطيع بلا سؤال وجدال ﴿وَلَنَا أَعْمَالُنَا﴾: نحن مسؤلون عنها من دونكم ﴿وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾: أنتم مسؤلون عنها دون غيركم ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾: إيمانًا وعملاً.

(140): ﴿أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾: إن هذا القول جهالة وضلالة ﴿قُلْ﴾: يا محمد لهؤلاء: ﴿أَأَنتُمْ أَعْلَمُ﴾: من الله بعباده وأنبيائه ﴿أَمِ اللّهُ﴾: ليس هذا سؤاًلا، بل توبيخًا حيث لا محل للسؤال إطلاقًا ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ﴾: كتم اليهود ما جاء في توراة موسى، وكتم النصارى ما جاء في إنجيل عيسى كل ما يتصل بمحمد(ص) وصفاته ﴿وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾: من كتمان الحق وغيره.

(141): ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾: تقدم بالحرف في الآية 134.

(142): ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ﴾: وهم اليهود ﴿مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا﴾: كان النبيّ والمسلمون يتوجّهون في صلاتهم إلى بيت المقدس بأمر الله تعالى، ثم نسخ هذه القبلة، وحولها إلى الكعبة، فقال اليهود ساخرين: ولماذا هذا التحول؟ ﴿قُل﴾: يا محمد: ﴿لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾: الأرض كلها لله، ولكن الحكمة تارة تستدعي الصلاة إلى بيت المقدس، وتارة إلى الكعبة.

(143): ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾: على الصراط الوسط العدل ﴿لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾: يجب على علماء المسلمين أن يبلغوا الناس رسالة محمد (ص) وبذلك يصبحون حجة على من بلَّغوه إذا أهمل ولم يعمل ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾: ومن أهمل من العلماء هذا التبليغ يكون محمد حجّة عليه غدًا أمام الله ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا﴾: بعد أن أمر الله نبيّه بالتحول من بيت المقدس إلى الكعبة ارتاب بعض من أسلم وقال: مرة هنا ومرة هناك ﴿إِلاَّ لِنَعْلَمَ﴾: لنظهر لك ولغيرك ﴿مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾: ظاهرًا وباطنًا ﴿مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾: وهو الذي يظهر الإسلام ويبطن العداء له ولرسوله، أما الطريق إلى إظهار حقيقتة هذه فهو التشكيك في تحويل القبلة ﴿وَإِن كَانَتْ﴾: القبلة الجديدة ﴿لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ﴾: وهم أهل الإيمان المستقر الأصيل ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾: أي ثباتكم على الإيمان ﴿إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾: لا يأمرهم بشيء أو ينهاهم عنه إلا لمصلحة تعود عليهم دنيا وآخرة.

(144): ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء﴾: إشارة إلى النبيّ (ص) كان يود من أعماقه أن تتحول القبلة إلى الكعبة لأنها قبلة أبيه إبراهيم (ع) ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾: يعطيك ربك فترضى ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾: صلّ أنت ومن اتَّبعك إلى جهته وسمته ﴿وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ﴾: أين ما كنتم من بقاع الأرض فاتجهوا في صلاتكم إلى المسجد الحرام ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ﴾: لعلمهم بصدق محمد (ص) ورسالته ﴿وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾: من كتمان الحق وإنكاره.

(145): ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ﴾: اليهود والنصارى ﴿بِكُلِّ آيَةٍ﴾: برهان على أن الكعبة هي القبلة ﴿مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ﴾: فضلاً عن ملَّتك ﴿وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ﴾: بحكم نبّوتك ورسالتك ﴿وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ﴾: اليهود يستقبلون بيت المقدس والنصارى مطلع الشمس، ولا تترك طائفة ما هي عليه أبدًا ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ﴾: لقد عصم الله نبيّه عن صغار الذنوب فضلاً عن كبارها، ولكن الغرض أن يسمع اليهود، وأن يتصلّب النبيّ في موقفه منهم حيث لا أمل فيهم إطلاقًا.

(146): ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ﴾: الكثير من علماء اليهود والنصارى يعرفون أن محمدًا رسول الله معرفة واضحة تمامًا ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ﴾: بلا شبهة والتباس ﴿وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ﴾: خصَّ الفريق منهم ليستثني من آمن منهم كعبد الله بن سلام ﴿لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾: بأنهم كاذبون.

(147): ﴿اَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾: كل ما أنزل إليك يا محمد هو حقّ لا ريب فيه ﴿فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾: الشاكين في أن فريق من أهل الكتاب يعلمون علم اليقين في أنَّك على حقّ، ولكن يكابرون الحقّ ويعاندونه.

(148): ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾: لكل من اليهود والنصارى والمسلمين قبلة يتجهون إليها ﴿فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ﴾: بادروا إلى العمل لحياة أفضل، ودعوا غيركم وشأنه ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا﴾: يوم القيامة فيثيب المحقّ ويعاقب المبطل ﴿إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾: تعليل لإمكان البعث بعد الموت.

(149): ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ﴾: في أي بلد كنت ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ﴾: وأنت تصلي ﴿شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾: الثابت الذي لا يزول بنسخ ﴿وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾: هذا التكرار لمجرد التوكيد.

(150): ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾: قد يكون لهذا التكرار مبرر خاص اقتضاه المقام آنذاك، أو قد يأتي في آخر الزمان من يدعوا إلى قبلة غير المسجد الحرام. فقطع سبحانه عليه الطريق أو غير ذلك مما هو في علم الله ﴿لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾: إذا أنتم تركتم قبلتكم ﴿إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ﴾: وهم المعاندون في كل حال، ولا وزن لكلامهم ﴿فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾: لا تأخذنَّكم في الحقّ لومة لائم ﴿وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ﴾: بمعرفة الحق والتوفيق للعمل به ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾: وتتعاونون على ما فيه رضىً ولكم خير وصلاح.

(151): ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ﴾: أنعم سبحانه على العرب بواحد منهم، وهو محمد الذي جعلهم خلقًا جديدًا ومفيدًا ﴿يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا﴾: التي تهدي إلى حياة أفضل ﴿وَيُزَكِّيكُمْ﴾: يطهَّركم من الشرك ومساوىء الأخلاق ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ﴾: القرآن ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾: وهي وضع الشيء في مكانه اللائق به ﴿وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾: يعلمكم الإسلام أشياء تجهلونها، وفي ذات الوقت يحثّكم على طلب العلم، فتكتشفون آفاقًا جديدة مفيدة.

(152): ﴿فَاذْكُرُونِي﴾: بالطاعة ﴿أَذْكُرْكُمْ﴾: بالثواب ﴿وَاشْكُرُواْ لِي﴾: ما أنعمت به عليكم ﴿وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾: لا تجحدوا فضلي ونوالي.

(153): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلوةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾: أمر سبحانه بالصبر مرات ومرات لعظيم فوائده، وبخاصة الصبر في الجهاد، وكذلك كرر الأمر بالصلاة، لأنها عمود الدين.

(154): ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ﴾: ينتقل الشهيد من حياة أدنى إلى حياة أعلى، من جوار الناس إلى جوار الله ورضوانه.

(155): ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾: نُصيبكم إصابة تشبه فعل المختبر ﴿بِشَيْءٍ﴾: أي بقليل نسبة إلى ما هو أكثر وأعظم ﴿مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾: أبدًا لا نجاة لأحد من المخبآت والنكبات، والفرق أن الأرعن ينهار، والعاقل يتمالك صابرًا محتسبًا ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾: بأحسن العواقب، قال سبحانه: (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين- 126 النحل).

(156): ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾: قال أمير المؤمنين (ع): قولنا: إنّا لله إقرار على أنفسنا بالملك لله تعالى، وقولنا: إنّا إليه راجعون إقرار على أنفسنا بالهلك.

(157): ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾: أي عليهم رأفة بعد رأفة ورحمة بعد رحمة ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾: إلى طريق الحقّ والصواب.

(158): ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ﴾: ربوتان بمكة يسعى الحاجّ بينهما ﴿مِن شَعَآئِرِ اللّهِ﴾: جمع شعيرة وهي العلامة ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ﴾: للحجّ والعمرة أحكام مفصّلة في كتب الفقه والمناسك ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾: ضمير التثنية يعود إلى الصفا والمروة، والمراد بالطواف هنا السعي بينهما، وقوله تعالى: (لا جناح) إشارة إلى أن السعيّ جائز ومشروع بغضّ النظر عن وجوبه أو استحبابه ﴿وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾: أي من تبّرع بالسعي بين الصفا والمروة بعد تأدية الواجب ﴿فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ﴾: يثيبه على ذلك ﴿عَلِيمٌ﴾: بكل ما يأتي به العبد من خير أو شرّ.

(159): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ﴾: ذكر سبحانه أوصاف محمد (ص) في التوراة وأمر الناس باتّباعه، ولم يدع في البيان موضعًا للإشتباه، فكتم ذلك أحبار اليهود ﴿أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ﴾: يعذّبهم ﴿وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾: من الملائكة والمؤمنين.

(160): ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ﴾: ندموا على جريمة الكتمان ﴿وَأَصْلَحُواْ﴾: أخلصوا في مقاصدهم ﴿وَبَيَّنُواْ﴾: صراحة ماكانوا قد كتموه وأخفوه من قبل ﴿فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾: من تاب من الذنب كمن لا ذنب له ﴿وَأَنَا اْلتَّوَّابُ اْلرَّحِيمُ﴾ أقبل التوبة من كل تائب وأرحمه وأثيبه.

(161): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ﴾: أبدًا لا يعذب الله أحدًا إلا من مات مصرًّا على الكفر والمعصية ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ﴾: بإيجاب الغضب والعذاب ﴿وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾: أحياءً وأمواتًا.

(162): ﴿خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾: لأنهم هم الذين أساؤوا لأنفسهم بالإصرار على الكفر ﴿وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ﴾: لا يمهلون وإذا استغاثوا لا يغاثون.

(163): ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُو﴾: لا يسمّى غيره إلهًا كائنًا من كان ويكون بل ولا ربع إله ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾: وليّ كل نعمة ورحمة حتّى ولو كانت في العبد، لأنه تعالى هو الأصل والمصدر.

(164): ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ... ﴾: إلى آخر الآية. وخلاصة المعنى أن النظام الدقيق المحكم بين الجرام السماوية والعوالم الأرضية لا يفسّر تفسيرًا مقنعًا إلاّ بوجود قادر حكيم لأن (الفكرة المضادة حماقات) كما قال ويقول كل ذي عقل سليم.

(165): ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً﴾: أمثالاً ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ﴾: قال الإمام الباقر(ع): المراد بالأنداد هنا (أئمة الظلم وأشياعهم يحبّونهم، ويعظّمونهم وينقادون لهم) من دون الله ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ﴾: لأنهم لا يشركون أحدًا في طاعته، والثقة به، والتوكّل عليه ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ﴾: لو علم الذين أشركوا بالله بما سيحلّ بهم من العذاب و﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً﴾: لا سلطان لأحد سواه ﴿وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾: وبالخصوص على من جعل له أندادًا وشركاء ولو علموا بذلك لما أشركوا.

(166): ﴿إِذْ تَبَرَّأَ﴾: يوم القيامة ﴿الَّذِينَ اتُّبِعُواْ﴾: الرؤساء ﴿مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ﴾: الأتباع ﴿وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ﴾: هؤلاء وأولئك ﴿وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ﴾: العلاقات والصداقات.

(167): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ﴾: الأتباع ﴿لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾: عودة إلى دار الدنيا ﴿فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا﴾: كل فاسد يتمنّى حين تتكشف له الحقائق أن يصلح ما كان أفسد ﴿كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ﴾: ثمرة التفريط الكآبة والندامة ﴿وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾: بل هم فيها خالدون.

(168): ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾: كل الناس ﴿كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً﴾: وطاهرًا إلاّ إذا كان على حساب الآخرين ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾: الذي يأمركم بالكفر وأكل المال الحرام ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾: وأيّ عدوّ أشدّ وألدّ ممن يقودك إلى نار الجحيم.؟

(169): ﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ﴾: بكل قبيح ورذيلة ﴿وَالْفَحْشَاء﴾: وبكل فساد وجريمة ﴿وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾: فتحللّوا الحرام وتحرّموا الحلال تبعًا للأهواء.

(170): ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ﴾: من الحقّ والعدل ﴿قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا﴾: حتى ولو كانوا على ضلال مبين ﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾: لا بأس على الإنسان أن يقلّد الآباء وغير الآباء فيما فيه لله رضا وللناس خير وصلاح.

(171): ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾: بالحق وتعصبّوا للآباء الضالين المضلين كمثل البهائم، أما مثل الذي يدعو هؤلاء الكفار إلى الحقّ فهو ﴿كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ﴾: يصيح ﴿بِمَا لاَ يَسْمَعُ﴾: أي بالبهائم ﴿إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء﴾: لا تفهم البهائم من صياح الداعي إلى الحقّ وكلامه إلاّ مجرد الصوت من غير وعي وفهم ﴿صُمٌّ﴾: تمامًا كمن لا يسمع ﴿بُكْمٌ﴾: ولا ينطق ﴿عُمْيٌ﴾: ولا يبصر ﴿فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾: وإن ظهروا للعيان في مظهر العقلاء.

(172): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ ...﴾: إلى آخر الآية، وفي الحديث يقول سبحانه: أن أخلق ويُعبد غيري، وأنا أرزق ويُشكر غيري.

(173): ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾: وهي كل حيوان مات من غير تذكية شرعية ﴿وَالدَّمَ﴾: المتميّز عن اللحم، لأن ما يختلط باللحم معفوّ عنه ﴿وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ﴾: وشحمه أيضًا وجميع أجزائه، وخصّ اللحم بالذكر، لأنه أظهر الأجزاء الذي ينتفع بها ﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ﴾: وهو ما ذكر عليه حين الذبح غير اسم الله سواء أذبح للأصنام أم لغيرها ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ﴾: الباغي من يفعل الحرام من غير ضرورة ﴿وَلاَ عَادٍ﴾: والعادي من يتجاوز مقدار الضرورة وقد اشتهر بين الفقهاء: الضرورة تقدّر بقدرها ﴿فَلا إِثْمَ﴾: لا حرج ﴿عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾: لا يحاسب العبد على ما يضطّر إليه.

(174): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾: عاد الكلام عن اليهود ﴿وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً﴾: يكتمون الحقّ ويحرّفون لا لشيء إلا لمنفعتهم الشخصية ﴿أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ﴾: لأن من يأكل ما يؤدي إلى النار فكأنه أكل النار ﴿وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾: كناية عن إعراضه عنهم وغضبه عليهم ﴿وَلاَ يُزَكِّيهِمْ﴾: من الذنوب بالمغفرة التي تطهرهم منها ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾: جزاء وفاقًا.

(175): ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى﴾: آثروا الغواية على الهداية ﴿وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ﴾: وأيضًا آثروا غضب الله على مرضاته ﴿فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّار﴾: أي ما أجرأهم على عذاب النار بجرأتهم على معصية الله.

(176): ﴿ذَلِكَ﴾: إشارة إلى العذاب ﴿بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾: بيان لسبب العذاب ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾: الذين اختلفوا فيما بينهم في القرآن: هل هو سحر أو شعر أو أساطير هم أبعد الناس عن الحقّ.

(177): ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾: الخطاب لأهل الكتاب، لأن اليهود كانت تصلي إلى ناحية المغرب أي بيت المقدس، والنصارى إلى المشرق ﴿وَلَكِنَّ الْبِرّ﴾: أي البارَ ﴿مَنْ آمَنَ بِاللّهِ﴾: وحده لا شريك له ﴿وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ﴾: والإيمان بهم إيمان بالوحي والواقع. ﴿وَالْكِتَابِ﴾: كل كتاب من عند الله ﴿وَالنَّبِيِّينَ﴾: الذين يؤمن محمد بنبوتهم ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾: قال ابن مسعود: معناه أن تؤتي المال وأنت تأمل أن تعيش وتخشى الفقر ﴿ذَوِي الْقُرْبَى﴾: قرابة صاحب المال أحقّ بالصلة ﴿وَالْيَتَامَى﴾: الذين لا مال لهم ولا كفيل ﴿وَالْمَسَاكِينَ﴾: وهم أهل الحاجة، ولكن لا يمدّون يد المذلّة ﴿وَابْنَ السَّبِيلِ﴾: هو الذي انقطع في السفر ولا يستطيع العودة إلى وطنه من غير عون ﴿وَالسَّآئِلِينَ﴾: الطالبين للصدقة عن فقر وعجز ﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾: أي في تحرير العبيد من الرق ﴿وَأَقَامَ الصَّلوةَ﴾: تزكية للنفس ﴿وَآتَى الزَّكَوةَ﴾: تزكية للبدن ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ﴾: سواء أكان العهد بين الله والإنسان كاليمين والنذر أم كان بين إنسان وإنسان كالبيع والدين ﴿وَالصَّابِرِينَ﴾: أي أخصّ الصابرين بالمدح والثناء لفضلهم ﴿فِي الْبَأْسَاء﴾: الفقر ﴿والضَّرَّاء﴾: المرض وغيره من المصائب ﴿وَحِينَ الْبَأْسِ﴾: وقت القتال والجهاد ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾: إشارة إلى الذين استجمعوا هذه الخصال ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾: لغضب الله وعذابه بإيمانهم الخالص وأعمالهم الصالحة.

(178): ﴿َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ﴾: فرض عليكم ﴿الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾: المساواة بحيث يفعل في القاتل العامد ما فعل في المقتول ﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى﴾: المعنى واضح وهو اعتبار المساواة في القصاص حتى في الحرية والعبودية والأنوثة والذكورة . وتجدر الإشارة هنا إلى أن الآية دلت بمنطوقها على أن المساواة مشروعة في القصاص في هذه الأصناف الثلاثة بحيث يقتل كل واحد واحدًا مثله، وسكتت عن قتل الحر عبدًا وبالعكس، وقتل الذكر أنثى وبالعكس، وعليه فلا بد من الرجوع إلى دليل آخر في ذلك ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾: الضمير في(له وأخيه) يعودان إلى القاتل، والمعنى إذا رضي ولي الدم بأخذ الدية، ولم يصر على القصاص ﴿فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾: فينبغي أن يقابل القاتل هذا العفو عن قتله بعرفان الجميل ﴿وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾: ويؤدي الدية كاملة بلا مطل وتأخير ﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾: لأن أهل التوراة كتب عليهم القصاص أو العفو، وعلى أهل الإنجيل العفو أو الدية أما أنتم أيها المسلمون فمخيّرون بين القصاص والدية والعفو عنهما معًا ﴿فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ﴾: بأن قتل بعد أخذ الدية أو العفو ﴿فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾: أي نوع خاص من الشدة.

(179): ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ﴾: في القصاص ردع عن القتل وصيانة للأرواح لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ: القتل خوفًا من القتل.

(180): ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾: كتب هنا ليس بمعنى فرض، بل بمعنى يوصيكم الله على سبيل الرجحان إذا رأى أحدكم إمارات الموت ودلائله ﴿إِن تَرَكَ خَيْرًا﴾: ﴿مالاً الْوَصِيَّةُ﴾: نائب فاعل كتب ﴿لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ﴾: أي الشيء الذي يعرفه العقلاء أنه لا جور فيه ولا حيف ﴿حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾: أي أثر تقوى الله ومرضاته، وقال السنة: هذه الآية منسوخة بحديث(لا وصية لوارث) وقال الشيعة: هذا الحديث لم يثبت، وعلى فرض ثبوته فإن القرآن لا ينسخ بخبر الواحد.

(181): ﴿فَمَن بَدَّلَهُ﴾: أي الإيصاء ﴿بَعْدَمَا سَمِعَهُ﴾: أي حرفه بعد العلم به ﴿فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ﴾: تهديد ووعيد لمن حرّف وزيَّف الوصايا بشتى أنواعها ﴿إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ﴾: لأقوالكم ﴿عَلِيمٌ﴾: بأفعالكم.

(182): ﴿فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا﴾: انحرافًا عن طريق الحق والعدل في الوصية ﴿أَوْ إِثْمًا﴾: أي تعمد الموصي الباطل ﴿فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ﴾: أي بين الورثة والموصي لهم، والمعنى إذا تجاوز الموصي الحد الشرعي، وأوصى بأكثر من الثلث مثلاً فللصالح المصلح أن يبدل الوصية على أساس الدين والشرع ﴿فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ﴾: لأنه ناصر الحق والعدل ﴿إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾: فيه إيماء إلى أن إصلاح الوصية الفاسدة الباطلة هي خير للموصي والموصى له.

(183): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾: فرض عليكم كما فرض على الأنبياء وأُممهم من لدن عهد آدم إلى عهدكم فاتقوا الله في المحافظة على الصيام وتعظيمه.

(184): ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾: قلائل ومعلومات، وهي أيام شهر رمضان المبارك ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا﴾: بالفعل أو صحيحًا يضر به الصوم ﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾: بالشروط المذكورة في كتب الفقه ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَر﴾َ: أي فعليه أن يصوم عدد أيام المرض والسفر من شهر آخر غير رمضان، والإفطار في السفر والمرض عزيمة لا رخصة، لأن الله سبحانه أوجب القضاء بنفس السفر والمرض من حيث هما لا من حيث الإفطار ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾: أي يقدرون على الصيام، ولكن مع الشدة والمشقة كالشيخ والشيخة أو من عطش عطشًا شديدًا، فلهؤلاء أن يفطروا ويكفَّروا عن كل يوم ﴿فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾: ولا قضاء عليه ﴿فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾: أي أطعم أكثر من مسكين أو أطعم مسكينًا أكثر مما يجب ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ﴾: زيادة الخير خير ﴿وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾: الصوم مع تحمل المشقَّة أفضل عند الله من الإفطار مع الفدية ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾: تأكيد على أفضلية الصوم.

(185): ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾: هذا بيان لمكان الشهر المبارك وعظمته ﴿هُدًى لِّلنَّاسِ﴾: إلى الحق، وهدى حال من القرآن بمعنى(هاديًا) ﴿وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى﴾: آيات تهدي لحياة أفضل ﴿وَالْفُرْقَانِ﴾: تفرق آيات القرآن بين الخير والشرّ والحق والباطل ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ﴾: حضر وأقام ولم يسافر في شهر رمضان ﴿فَلْيَصُمْهُ﴾: أي يصوم فيه ولا يفطر ﴿وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾: أعاد ذكر السفر والمرض لمجرد التأكيد ﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾: شريعة الله سمحة وسهلة تليق بعظمته ورحمته، واتفق الفقهاء على أن نفي الحرج في الدين أصل عام لا خاص ﴿وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ﴾: أيام شهر رمضان وأيام قضائها أيضًا ﴿وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾: المراد بالتكبير عندنا عقيب أربع صلوات وهي صلاة المغرب، والعشاء ليلة الفطر وصلاة الصبح والعيد.

(186): ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فقل لهم: إنه يقول: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾: بعلمي ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾: بصدق وإخلاص ﴿فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي﴾: بالطاعة والإنقياد ﴿وَلْيُؤْمِنُواْ بِي﴾: لا بمنافعهم الشخصية ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾: يهتدون إلى الحق والعمل.

(187): ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ﴾: لا في نهاره الرَّفَثُ ﴿إِلَى نِسَآئِكُمْ﴾: كناية عن الجنس ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾: من لابسه بمعنى خالطه وعرف باطنه ﴿عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ﴾: كان النكاح في رمضان محرمًا ليلاً ونهارًا، وكان بعض الشباب ينكحون في الليل سرًا، فنزلت هذه الآية ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ﴾: رحمة بكم ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾: بلا خوف من الحساب والعقاب ﴿وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ﴾: من إباحة التمتع بعد الحظر﴿وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ﴾: كان الأكل والشرب حرامًا في ليل رمضان بعد النوم فأصبحا حلالاً كالنكاح ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ﴾: وهو أول ما يبدو من الفجر ﴿مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾: وهو ما تمتد معه ظلمة الليل ﴿ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ﴾: يبتدىء الصيام بنهاية الليل، وينتهي بدخوله ﴿وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾: من حبس نفسه ثلاثة أيام في المسجد الجامع منقطعًا للعبادة، فلا يسوغ له في خلال هذه المدة أن يخرج من المسجد لمباشرة زوجته حيث تحرّم عليه النساء إطلاقًا ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَ﴾: ابتعدوا عما حرَّم الله ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾: ليس الغرض من نزول القرآن مجرد الحفظ والتلاوة، بل التدبر والعمل.

(188): ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾: لا يحل لأحد أن يتصرَّف في مال غيره إلا بسبب مشروع ﴿وَتُدْلُواْ بِهَا﴾: تدفعوها ﴿إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا﴾: مبلغًا ﴿مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ﴾: كشهادة الزور والرشوة ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾: أنكم تأكلون الباطل.

(189): ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ﴾: لماذا تنقص وتزيد؟ ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾: إن الحكمة من ذلك تعود إلى مصالح الناس في أُمورهم الدنيوية كالديون والإيجارات وأُمورهم الدينية كالحج والصوم ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا﴾: كان الجاهلي إذا أحرم ناسكًا لا يدخل بيته من بابه، بل ينقب في ظهر البيت، ويدخل من النقب ويخرج، فنهى سبحانه عن ذلك وقال ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾: الله في التخلي عن المعاصي والرذائل ﴿وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾: حسب الأصل والعادة المألوفة ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾: ظافرين بفرحة الثواب.

(190): ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾: أي من أجل المبدأ والعقيدة الحقة والوطن والحرية ﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾: معتدين على دينكم وحريتكم ووطنكم ﴿وَلاَ تَعْتَدُواْ﴾: على من لا يعتدي عليكم ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ﴾: بل يكرههم ويلعنهم بعذاب أليم.

(191): ﴿وَاقْتُلُوهُمْ﴾: المعتدين ﴿حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾: أينما وجدتموهم ﴿وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾: أي أخرجوهم من مكة كما أخرجوكم منها، وفعل ذلك الرسول(ص) يوم فتح مكة بمن لم يسلم منهم ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾: المراد بالفتنة هنا: الإصرار على الشر والإلحاد والعدوان على العباد ﴿وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾: لا تبدأوهم إذا دخلوه ﴿حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾: والبادىء أظلم ﴿فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾: لأنهم انتهكوا حرمة المسجد الحرام ﴿كَذَلِكَ﴾: القتل ﴿جَزَاء الْكَافِرِينَ﴾: المعتدين.

(192): ﴿فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾: بمن تاب وآمن وعمل صالحًا.

(193): ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾: أي حتى تمحى عبادة الأصنام من الجزيرة العربية ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ﴾: لا للشرك والأصنام ﴿فَإِنِ انتَهَواْ﴾: عن الشرك وعبادة الأصنام ﴿فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾: الذين يعتدون يصرون على العدوان.

(194): ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾: أي لا قتال في الشهر الحرام ابتداء، أما من أعلن الحرب وقاتل فيه فإنه يحارب ويقاتل ردعًا ودفاعًا ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾: من ينتهك حرمات الله في الشهر الحرام يسوغ أن يؤدب ويقتصّ منه في الشهر المحرم والأشهر الحرم أربعة: ذو القعدة، وذو الحجة ومحرم ورجب ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾: بلا زيادة أو نقصان ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾: في حال كونكم منتصرين ولا تتجاوزوا إلى ما لا يحل.

(195): ﴿وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾: من أوالكم في الجهاد والبر والإحسان ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾: بترك الجهاد وإمساك المال عن المجاهدين والبر والإحسان﴿ وَأَحْسِنُوَاْ﴾: في الجهاد وبذل المال مقتصدين لا مبذرين ولا مقترين ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾: المعتدلين في كل الأمور.

(196): ﴿وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ﴾: بشروطهما وأركانهما لوجه الله تعالى ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾: فإن طرأ طارىء، وأنتم محرمون لحج أو عمرة، وتعذر عليكم المضي حتى النهاية ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾: أي اذبحوا بعيرًا أو بقرة أو شاة ﴿وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ﴾: الخطاب للمحصورين الذين منعوا من إتمام الحجّ أو العمرة، وعليهم أن لا يحلوا من إحرامهم ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾: أي حتى يعلموا أن الهدي الذي بعثوه قد بلغ المكان الذي يحب فيه الذبح ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ﴾: ثلاثة أيام ﴿أَوْ صَدَقَةٍ﴾: إطعام ستة مساكين ﴿أَوْ نُسُكٍ﴾: التضحية بشاة - على الأقل - ﴿فَإِذَا أَمِنتُمْ﴾: لم يمنعكم مانع من إكمال الحج ﴿فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ﴾: أي من أتى بالعمرة، ثم حجَّ بعدها في نفس السنة ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾: فعليه أن يضحّي بما تيسَّر، وهذا النوع من الحج هو المعروف بحج التمتع ﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ﴾: الهدي ﴿فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ﴾: ولا يشترط فيها الإقامة ﴿وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾: إلى وطنكم ﴿تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ﴾: توكيد على صيامها وإتمامها ﴿ذَلِكَ﴾: هذا الحكم ﴿لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾: يجري هذا الحكم على غير أهل مكة ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ﴾: في المحافظة على أمره ونهيه ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾: لمن خالف وتعدى حدوده.

(197): ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾: وهي شوال وذو القعدة والعشر الأول من ذي الحجة، فمن أحرم فيها صحّ منه الحجّ، وأتى ببقية الأعمال في وقتها ﴿فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾: أي ألزم نفسه بالحج في هذه الأيام ﴿فَلاَ رَفَثَ﴾: يحرم عليه الجماع ﴿وَلاَ فُسُوقَ﴾: لا كذب ﴿وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾: وهو قول لا والله وبلى والله ﴿وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ﴾: هذا حث على أفعال الخير والبرّ ﴿وَتَزَوَّدُواْ﴾: إلى يوم الحساب ﴿فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾: فيها تطهر النفس من دنس الخطايا ﴿وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾: خافوا من عقابي، ومن لم يقه عقله من العذاب فهو كمن لا عقل له.

(198): ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ﴾: لا بأس بالتجارة أيام الحج ما دامت لا تتنافى مع أعماله ﴿فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ﴾: مكان معروف، والمراد بالإفاضة هنا الخروج ﴿فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾: وهو المكان المعروف بالمزدلفة، والوقوف فيها واجب تمامًا كالوقوف في عرفات ﴿وَاذْكُرُوهُ﴾: بالتسبيح والتحميد ونحوه ﴿كَمَا هَدَاكُمْ﴾: لدين الحق ﴿وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ﴾: لا تعرفون كيف تذكرون الله وتعبدونه.

(199): ﴿ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾: قيل: إن قريشًا كانوا لا يقفون مع الناس بعرفات ترفعًا وتكبرًا، فأمر الله نبيَّه أن يساوي بينهم وبين سائر الناس ﴿وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾: لمن طلب منه المغفرة والرحمة بصدق وإخلاص.

(200): ﴿فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ﴾: وهي واجبات الحج ﴿فَاذْكُرُواْ اللّهَ﴾: دون سواء ﴿كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾: كانوا إذا فرغوا من الحجّ يذكرون مفاخر الآباء، فقال لهم سبحانه: دعوا هذا إلى ذكر الله ونعمه ﴿فَمِنَ النَّاسِ مَن﴾: يطلب خير الدنيا فقط و﴿يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ﴾: من نصيب.

(201): ﴿وِمِنْهُم مِّنْ﴾: يطلب خير الدنيا والآخرة و ﴿يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾: رزقًا كريمًا ﴿وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً﴾: الجنة ﴿وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾: بعفوك ورحمتك.

(202): ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ﴾: أي من جنس أعمالهم الصالحة ﴿وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾: أي لا يشغله حساب هذا عن حساب ذاك.

(203): ﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾: والمراد بها أيام التشريق وهي 11و12و13 من ذي الحجة ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ﴾: لا يجب على الحاج المبيت بمنى ليلة 13 بشرط أن يخرج من منى يوم 12 بعد الزوال وقبل المغيب ﴿فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ﴾: في التعجيل ﴿وَمَن تَأَخَّرَ﴾: حتى رمى في الثالث ﴿فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾: الصيد وقيل: لمن اتقى الكبائر ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ﴾: باجتناب المعاصي ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾: فيجازيكم على أعمالكم.

(204): ﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾: بعد أن ذكر سبحانه المؤمنين أشار إلى المنافقين ﴿مَن يُعْجِبُكَ﴾: يروقك ﴿قَوْلُهُ فِي الْحَيوةِ الدُّنْيَا﴾: لأنه يطلب بكلامه المزخرف نصيبًا من حطامها ﴿وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾: من حب وخير ﴿وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾: من أشد الناس عداوة للحق وأهله.

(205): ﴿وَإِذَا تَوَلَّى﴾: السلطة على الناس بقرينة الحرث والنسل ﴿سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا﴾: يعمل بهواه ﴿وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ﴾: الزرع وغيره من وسائل الإنتاج ﴿وَالنَّسْلَ﴾: ما تناسل من إنسان وحيوان ﴿وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾: وبخاصة العدوان على العباد.

(206): ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ﴾: ولا تفسد في الأرض ﴿أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ﴾: تعاظم، وأصرَّ على الظلم والفساد، وهكذا كل مبطل يصعب عليه قول الحق ﴿فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ﴾: فهي مصيره ﴿وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾: الفراش.

(207): ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ﴾: يبذلها ﴿ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ﴾: نزلت في مبيت عليّ على فراش رسول الله فاديًا نفسه بنفسه ﴿وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾: حيث كلَّفهم بالجهاد، وعرضهم لثواب الشهداء.

(208): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ﴾: بفتح السين وكسرها ﴿كَآفَّةً﴾: جميعًا، والمعنى كفوا بكاملكم عن الحرب والأذى بشتى أنواعه ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾: تقدم في الآية 168.

(209): ﴿فَإِن زَلَلْتُمْ﴾: عن أمري بدخول السلم ﴿مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾: أي من بعد علمكم بأن الدخول بالسلم واجب ﴿فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾: هذا تهديد ووعيد لمن يحيد عن الحق.

(210): ﴿هَلْ يَنظُرُونَ﴾: أي ينتظرون ﴿إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ﴾: أي أمره وبأسه ﴿فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ﴾: كناية عن شدة العذاب ﴿وَقُضِيَ الأَمْرُ﴾: تم الهلاك والتدمير ﴿وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ﴾: فيجري عليها بالحق والعدل.

(211): ﴿سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾: الخطاب لمحمد(ص) ﴿كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ﴾: في التوراة تشهد على نبوّة محمد (ص) ﴿وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ﴾: أي من يحرّف آيات التوراة المنزلة من عند الله ﴿مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ﴾: على علم بها ﴿فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾: لمن حرَّف وزيَّف.

(212): ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيوةُ الدُّنْيَا﴾: حسنها الشيطان في أعينهم ﴿وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾: لأنهم لم يبيعوا دينهم وضميرهم للشيطان ﴿وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾: غدًا تنعكس الآية حيث يسخر المؤمن من الكافر والطيب من الخبيث ﴿وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾: وتقدير.

(213): ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾: متفقين في الفطرة فاختلفوا ﴿فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ﴾: بثواب الله ﴿وَمُنذِرِينَ﴾: بعقابه ﴿وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾: كل نبيّ يبشّر وينذر ناطقًا بالوحي الذي أُنزل إليه بالذات أو إلى من سبقه من الأنبياء ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾: من الدين والحق بعد الإتفاق ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾: يعني أن الناس كانوا أمة واحدة، ثم اختلفوا قبل مجيء الأنبياء والذين أرسل الله إليهم الأنبياء ليزيلوا الخلاف ? هم بالذات اختلفوا في الأنبياء ﴿بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾: حرصًا على مصالحهم. ﴿فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾: بالأنبياء ﴿لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ﴾: تعالى أي أن الله سبحانه وفق أرباب النوايا الصافية الخالصة إلى الإيمان بالحق الذي جاء به الأنبياء ﴿وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾: ولا يشاء إلا لحكمة بالغة، وهي أن يكون الإنسان مؤهلاً للهداية.

(214): ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ﴾: أم هنا بمعنى بل، والخطاب للصحابة الأول الذين كانوا مستضعفين في مكة ﴿وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم﴾: حيث لاقوا ألوانًا من الأذى فصبروا ﴿مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء﴾: جوعًا وفقرًا ﴿وَالضَّرَّاء﴾: تقتيلاً وتشريدًا ﴿وَزُلْزِلُواْ﴾: أُزعجوا إزعاجًا شديدًا ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ﴾: من شدة البلاء ومدته: ﴿مَتَى نَصْرُ اللّهِ﴾: لقد نفذ الصبر أو كاد ﴿أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ﴾: عند تناهي الشدة تكون الفرحة، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء كما قال الإمام أمير المؤمنين(ع).

(215): ﴿يَسْأَلُونَكَ﴾: يا محمد أصحاب الأموال ﴿مَاذَا يُنفِقُونَ﴾: والسؤال عن الإنفاق يتضمَّن السؤال عن المنفق عليه، ولذا قال سبحانه لنبيه: ﴿قُلْ﴾: لهم ﴿مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ﴾: من مال ﴿فَلِلْوَالِدَيْنِ﴾: الآباء وإن علوا ﴿وَالأَقْرَبِينَ﴾: الأقرب فالأقرب ﴿وَالْيَتَامَى﴾: كل من لا أب له ولا مال ﴿وَالْمَسَاكِينِ﴾: الفقراء ﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾: المسافر المنقطع عن أهله وماله ﴿وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾: وليس شيء بخير من الخير إلا ثوابه.

(216): ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾: الجهاد لإحقاق الحق وإبطال الباطل ﴿وَهُوَ كُرْهٌ﴾: مكروه كالخبز بمعنى المخبوز ﴿لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا﴾: في الحال ﴿وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾: في العاقبة ﴿وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا﴾: الآن ﴿وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ﴾: غدًا ﴿وَاللّهُ يَعْلَمُ﴾: ما هو الصلاح والفساد والخير والشرّ ﴿وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾: ذلك.

(217): ﴿يَسْأَلُونَكَ﴾: يا محمد ﴿عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾: بعث النبيّ (ص) بسرية من الصحابة فقتلت وأسرت وغنمت من المشركين، وكان ذلك في أول يوم من رجب الحرام، فسئل النبي: هل في الشهر الحرام قتال؟ فقال سبحانه لنبيَّه الكريم: ﴿قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾: أي أن القتال في الشهر الحرام ذنب كبير إذا كان هجومًا وعدوانًا لا دفاعًا وتأديبًا ﴿وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ﴾: كفر المشركون بالله، ومنعوا الناس عن الإيمان به ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾: وأيضًا صدّ المشركون المسلمين عن المسجد الحرام ﴿وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ﴾: وأخرجوا المسلمين من مكة ﴿أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ﴾: مما فعلته السريّة من القتال في الشهر الحرام ﴿وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾: تقدم في الآية 191 ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾: الهدف الأول لأعداء الإسلام أن لا يبقى له عين ولا أثر، ومن أجل هذا يقاتلون المسلمين بكل سلاح ﴿وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ﴾: يترك الإسلام والعمل بشريعته ﴿فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ﴾: بلا توبة خالصة ﴿فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا﴾: لما يفوتهم من ثمرات الإسلام، ﴿وَ﴾: في ﴿الآخِرَةِ﴾: أيضًا لما يفوتهم من الثواب .

(218): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ﴾: مع الرسول من مكة إلى المدينة ﴿وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾: في نصرة الإسلام ومقاومة أعدائه ﴿أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ﴾: دنيا وآخرة، ومن رجا عرف رجاؤه في عمله ﴿وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾: نسألك اللهمّ المغفرة والرحمة.

(219): ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾: القمار ﴿قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾: في الخمر ذهاب المال والعقل، والقمار ذلّ وفقر ﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾: تذهب مع الريح كنشوة السكران ومواعيد الشيطان ﴿وَإِثْمُهُمَآ﴾: أي وعقاب الإثم في تعاطيهما ﴿أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾: والعبرة دائمًا بالأكبر والأكثر، فما كان الضرر فيه أكثر فهو متروك، وما كان النفع فيه أكبر فهو مطلوب. ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾: أي انفقوا ما زاد عن حاجة العيال كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ: التي فيها حكم الخمر والقمار وحكم الصدقة ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾.

(220): ﴿فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾: أي نعمل لهما معًا، ولا ننصرف بكلنا على إحداهما دون الأخرى ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى﴾: الأوصياء على الأيتام سألوا النبيّ (ص): ما هو حق الأيتام علينّا؟ فقال سبحانه لنبيه: ﴿قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ﴾: عليكم أن تراعوا مصلحتهم بكل دقة ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾: لا تحرّموا على أنفسكم مخالطة الأيتام ومقاربة أموالهم إذا قصدتم الإصلاح في تربيتهم وإدارة ما يملكون ﴿وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾: ويجزي من أساء بما عمل، ومن أحسنى بالحسنى ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ﴾: لضيق عليكم في التكليف وتشدد في أمر اليتامى ﴿إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ﴾: قادر ﴿حَكِيمٌ﴾: في أفعاله.

(221): ﴿وَلاَ تَنكِحُواْ﴾: لا تتزوجَّوا ﴿الْمُشْرِكَاتِ﴾: الكافرات من غير أهل الكتاب ﴿حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾: ينطقن بكلمة التوحيد ﴿وَلأَمَةٌ﴾: مملوكة ﴿مُّؤْمِنَةٌ﴾: تقول: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ﴿خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ﴾: عند الله سبحانه وتعالى ﴿وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾: بجمالها أو بفهمها وثقافتها ﴿وَلاَ تُنكِحُواْ﴾: الرجال ﴿الْمُشِرِكِينَ﴾: النساء المسلمات ﴿حَتَّى يُؤْمِنُواْ﴾: وكذلك الحكم في الكتابي بضرورة الدين وإجماع المسلمين ﴿وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾: مالاً وثقافة، وبكلمة لا تتزوّجوا أيُها المسلمون مشركة ما دامت على الشرك، ولا تزوجوّا مشركًا ما دام على شركه ﴿أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾: إشارة إلى المشركين والمشركات، والمراد بالنار الكفر ﴿وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ﴾: إلى الإيمان والعمل الصالح المؤدّيين إلى الجنّة ﴿وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ﴾: بعنايته وتوفيقه ﴿وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ﴾: أوامره ونواهيه لِلنَّاسِ ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾: يتّعظون.

(222): ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾: سألوا النبيّ (ص): هل يباشرون النساء وهن في الحيض؟ ﴿قُلْ هُوَ أَذًى﴾: أي ضرر ﴿فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ﴾: ونسب إلى اليهود أن الحيض والنقاء عندهم سواء ﴿حَتَّىَ يَطْهُرْنَ﴾: ينقطع الدم ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ﴾: وذلك إذا كنَّ غير معتكفات ولا صائمات ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾: الذين لا يصرّون على الذنب ﴿وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾: النظافة من الإيمان.

(223): ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ﴾: وفي اللغة: حرث الأرض: شقها بالسكة ﴿فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾: ذكر الرازي في تفسيره الكبير (نقل نافع عن ابن عمر أنه كان يقول المراد من الآية تجويز إتيان النساء في أدبارهنّ) ﴿وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ﴾: عملاً تنتفعون به غدًا ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ﴾: فإن التقوى هي الحصن الحصين ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ﴾: للحساب والجزاء ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾: المخلصين بالجنَّة.

(224): ﴿وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ﴾: نهى سبحانه عن الجرأة عليه بالحلف به من غير ضرورة ﴿أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ﴾: إن الله نهاكم عن هذا اليمين لتكونوا أتقياء بررة، ومصلحين لا مفسدين ﴿وَاللّهُ سَمِيعٌ﴾:لإيمانكم ﴿عَلِيمٌ﴾: بالكاذب والصادق في يمينه.

(225): ﴿لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ﴾: وهو ما يسبق إليه اللسان من غير قصد اليمين وإنشائه مثل بلى والله ولا والله ﴿وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾: وهو العزم والجزم ﴿وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾: حيث لم يؤاخذكم بلغو الإيمان.

(226) ﴿لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ﴾: الإيلاء: أن يحلف الزوج بالله على ترك وطأ زوجته مطلقًا أو مدة تزيد على أربعة أشهر ﴿تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُر﴾ٍ: إذا حدث ذلك من الزوج، ورفعت الزوجة الأمر إلى الحاكم الشرعي ? أمهله الحاكم بعد الرفع إليه 4 أشهر، وبعد مضيّ هذه الأشهر يخيّره الحاكم بين الرجوع مع الكفّارة وبين الطلاق ﴿فَإِنْ فَآؤُوا﴾: أي تم الرجوع والتكفير ﴿فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ﴾: عفا عمَّا سلف ﴿رَّحِيمٌ﴾: بعباده.

(227): ﴿وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ﴾: وحدث بالفعل ﴿فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ﴾: يسمع صيغة الطلاق ويقبلها ﴿عَلِيمٌ﴾: بالضمائر والسرائر.

(228): ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ﴾: على المطلّقة بعد الدخول وقبل اليأس أن تنتظر وتصبر عن التزويج بغير المطلق ﴿ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ﴾: واحدها قرء بضم القاف وفتحها، ويطلق تارة على حيض المرأة، وتارة على الطهر من حيضها، وهذا المعنى هو المراد هنا عند الإمامية والشافعية ﴿وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾: من الولد أو من دم الحيض، وذلك إذا أرادت المرأة فراق زوجها ﴿إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾: تهديد ووعيد لمن تكتم و تكذب فيما يعود إلى ما لا يعرف إلاّ من قبلها ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾: من طلّق زوجته طلاقًا رجعيًا، له كل الحق في الرجوع إليها شاءت أم أبت ما دامت في العدَّة ﴿فِي ذَلِكَ﴾: أي يرجع في الأجل المضروب للعدّة ﴿إِنْ أَرَادُواْ﴾: الأزواج ﴿إِصْلاَحًا﴾: لا إضرار بالزوجة من الرجوع إليها ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ﴾: قال الفقهاء: حقه عليها أن تطيعه، وحقَّها عليه أن ينفق عليها ولا يؤذيها ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾: المألوف بين الناس ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾: وهي أن الطلاق بيده من دونها.

(229): ﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ﴾: الطلاق ثلاث مرات لا مرّتان بضرورة الدين ونص القرآن الكريم، ولكن الطلاق الذي شرع الله فيه رجوع المطلّق إلى زوجته المطلقة هو الطلاق الأول والثاني فقط، أما الطلاق الثالث فلا يحلّ الرجوع بعده، وحكمه ما أشار إليه سبحانه بقوله ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾: تبقى حتى الموت بلا طلاق ثالث مع العشرة المعروفة المألوفة ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾: وإن طلَّقها للمّرة الثالثة دفع لها المهر كاملاً، ولا يسوغ له الرجوع إليها حتى تنكح زوجًا غيره، وتأتي الإشارة ﴿وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ﴾: أيها الأزواج ﴿أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾: من المهر ﴿شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا﴾: الزوجان ﴿أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾: هذا استثناء من عدم جواز الأخذ منهنّ عوضًا عن الطلاق. وحدود الله هنا هي الحقوق والواجبات الزوجية ﴿تِلْكَ﴾: الأحكام الشرعيّة والأحوال الزوجية الشخصية هي ﴿حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا﴾: تنتهكوها ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾: تفسيره واضح.

(230): ﴿فَإِن طَلَّقَهَا﴾: مرة ثالثة بعد المرَّتين ﴿فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ﴾: الطلاق الثالث ﴿حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾: نكاحًا صحيحًا ودائمًا لا منقطعًا مع الدخول ﴿فَإِن طَلَّقَهَا﴾: الثاني أو مات عنها ﴿ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا﴾: بعد العدة وبعقد جديد ﴿إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ﴾: من الحقوق الزوجية.

(231): ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء﴾: أيها المؤمنون ﴿فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾: أي أوشكت عدَّتهن أن تنقضي وتنتهي ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾: راجعوهنَّ بالحسنى قبل انتهاء العدَّة ﴿أوَ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾: أو دعوهنَّ وشأنهنَّ ﴿وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ﴾: لا تراجعوهنَّ بقصد الإيذاء والإعتداء كما يفعل السفهاء ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾: لا نفس المطلّقة وكفى ﴿وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا﴾: لا تستخفوا بأوامر الله ونواهيه ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ﴾: فيما أباحه لكم من الأزواج والأموال ﴿وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ﴾: القرآن ﴿وَالْحِكْمَةِ﴾: العلوم ﴿يَعِظُكُم بِهِ﴾: القرآن ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ﴾: بالطاعة والشكر وذكر النعم.

(232): ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾: انقضت عدَّتهنّ وانتهت ﴿فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ﴾: لا تمنعوهنّ ظلمًا أَن ﴿يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾: من يخترن من الأزواج ﴿إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ﴾: ونعم القرين الرضا ﴿ذَلِكَ﴾: الأمر والنهيّ ﴿يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر﴾: أن يتَّعظ ببيان الله أهل الإيمان حقًّا وصدقًا ﴿ذَلِكُمْ﴾: الإتّعاظ والعمل بأحكام الله ﴿أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ﴾: من التمرّد على حكم الله ﴿وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾: هذا حثّ على العمل بأحكام الله تعالى وإن جهلنا الحكمة والمصلحة.

(233): ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ﴾: فعل أمر بصيغة المضارع أي لترضع الأمّهات ﴿أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾: 24 شهرًا، والأمر هنا للندب لا للوجوب حيث يسوغ ترك الرضاع إلى غذاء آخر لا يقل نفعه عن حليب الأمّ. فأن حليبها وسيلة لا غاية ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾: أي أن مدّة الحولين ليست على سبيل الإلزام بل يسوغ أن تنقص إلى 21 شهرًا كما تومىء الآية 15 من الأحقاف (وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا) فإذا طرحنا من ال30 تسعة مدة الحمل يبقى21 ﴿وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ﴾: وهو والد الطفل ﴿رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾: هذا النص واضح الدلالة على وجوب نفقة الزوجة ﴿لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا﴾: لا يحقّ للزوجة أن تكلف الزوج ما لا يطيق، وهو لا يسوغ له ذلك ﴿لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ﴾: الضرر منفيّ في الإسلام بشتّى أشكاله وأنواعه، وعليه فلا يسوغ لأحد الأبوين أن يتخذَّ من الولد أو رضاعه أو حضانتة وسيلة لإضرار بالآخرين ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾: إذا مات والد الرضيع وترك مالاً، فأُجرة الرضاع تخرج من سهم هذا الطفل الرضيع سواء أكانت المرضعة أمّه أم غيرها ﴿فَإِنْ أَرَادَا﴾: الأبوان ﴿فِصَالاً﴾: فطام الطفل ﴿عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾: للوالدين أيفطما الطفل قبل استيفاء الحولين أو بعدهما إذا تمّ هذا الإتّفاق بينهما، وكان ذلك غير مضر بالطفل ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ﴾: الخطاب للآباء ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ﴾: لا بأس عليكم أيُها الآباء أن تسترضعوا لأولادكم المراضع الأجنبيات إذا أنتم سلّمتم بأن الأم أولى وأحقّ شريطة أن ترضى بما رضيت به غيرها من الأجر أو التبرّع المجانيّ.

(234): ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ﴾: على من مات زوجها أن تعتدّ ﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾: أي وعشرة أيام، وحذفت التاء من العشرة تغليبًا لليالي، وهذا الحكم يعمّ ويشمل كل زوجة دون استثناء إلاّ الحامل، فإنَّ عدّتها أبعد الأجلين من وضع الحمل و4 أشهر و10 أيّام جميعًا بين هذه الآية والآية 4 من الطلاق: (وأُلات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ) ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾: انتهت عدّة الوفاة ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾: أيها الأولياء أو المسلمون ﴿فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ﴾: من اختيار من يردن من الأزواج ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾: شرعًا ﴿وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾: تهديد لمن يصدّ المرأة عن حلال الله.

(235): ﴿وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء﴾: أباح سبحانه للرجل التلويح بالخطبة دون التصريح للمعتدة عدة الوفاة حتى تحبس نفسها عليه إن رغبي فيه ﴿أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ﴾: كل ما يخطر في البال، ويعزم عليه القلب، فلا بأس مادام طيّ الكتمان ﴿عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾: في أنفسكم، ولذا أباح لكم هذا التلويح ﴿وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾: لا يسوغ الكلام بما لا يليق بخاصة حين الإنفراد ﴿إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا﴾: من شأنه أن يقال علانية ﴿وَلاَ تَعْزِمُواْ﴾: عزمًا تنشئون معه ﴿عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾: حتى تنتهي العدّة ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ﴾: من العزم على ما لا يجوز ﴿فَاحْذَرُوهُ﴾: خافوا حسابه وعقابه.

(236): ﴿لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾: من عقد على امرأة دون أ يسميّ لها مهرًا في متن العقد، ثم طلَّقها قبل الدخول، فلا شيء لها عليه إلاّ المتعة التي أشار إليها سبحانه: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ﴾: الغني ﴿قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ﴾: الفقير ﴿قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ﴾: حدّد سبحانه مبلغ المتعة أي المنحة لهذه المطلَّقة، بحال المطلّق يسرًا وعسرًا بحيث لا يسوغ في نظر العقلاء، أن تطلب المطلّقة أكثر من المبلغ الذي طابت به نفس المطلّق ﴿حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾: الذين يحسنون إلى أنفسهم في تأدية الحقّ إلى أهله.

(237): ﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾: من طلّق زوجته، وقد سمّى لها مهرًا في متن العقد، فينظر إن كان الطلاق بعد الدخول فلها المهر المسمّى بالكامل وإلاّ فنصفه فقط ﴿إَلاَّ أَن يَعْفُونَ﴾: أي تسمح المطلَّقة عن طيب نفس ﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾: وهو الولي على القاصرة، والشرط الأساس لتصرّفه عدم الإضرار بها ﴿وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾: حثّ على التساهل والتسامح ﴿وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾: تخلّوا عن الشحناء والبغضاء والإساءة، فإنها من عمل الشيطان.

(238): ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾: الخمس ﴿والصَّلوةِ الْوُسْطَى﴾: ذكرها سبحانه بالخصوص بعد العموم لأهميّتها واختلفوا في تعيينها، والأشهر أنها صلاة العصر ﴿وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ﴾: قال الإمام الصادق(ع): تشير إلى القنوت في الصلاة حال القيام.

(239): ﴿فَإنْ خِفْتُمْ﴾: عدوًا أو غيره فصلّوا سيرًا على الأقدام ﴿فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا﴾: على ظهور الدواب أو في السيارة أو الطائرة ﴿فَإِذَا أَمِنتُمْ﴾: من الخوف ﴿فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم﴾: أي صلّوا صلاة الآمن المختار ﴿مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾: كيف تصلّون في الخوف والأمن والسفر والحضر.

(240): ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً ...﴾: إلى آخر الآية التي تدل بجملتها أن على الزوج أن يوصي لزوجته قبل موته بأن بنفق عليها من تركته حولاً كاملاً إذا اختارت البقاء في بيته، كما كانت العادة عند العرب قبل الإسلام. ثم نسخت هذه الآية بقوله تعالى: (يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشرًا).

(241): ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾: هذه تأكيد للآية السابقة وهي قوله تعالى: (ومتعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعًا بالمعروف حقًا على المحسنين).

(243): ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾: هؤلاء قوم وقع فيهم الطاعون، فخرجوا من ديارهم هاربين، فأماتهم الله، ثم أحياهم ليعتبروا ويعلموا أن لا مفرّ من حكم الله ﴿إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ﴾: حيث يظهر من الآيات ما يعتبرون به.

(244): ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾: وحيث لا مفرّ من الموت فالأفضل لكل إنسان أن يموت في ميدان الجهاد.

(245): ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ﴾: لم يستقرض سبحانه على الحقيقة، كيف وهو الغنيّ الحميد، بل أراد أن يبلو عباده أيّهم أحسن عملاً ﴿قَرْضًا حَسَنًا﴾: أي التضحية بالنفس والمال في سبيل الخير لوجه الله والخير. ﴿فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾: لا يبلغ إحصاءها إلاّ الله ﴿وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ﴾: يضيق ويوسع، فلا تبخلوا أيّها الأغنياء بمال الله على ما يرضي الله.

(246): ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾: الخطاب ظاهرًا للنبي (ص) وواقعًا لكل من سمع أو قرأ ﴿مِن بَعْدِ مُوسَى﴾: بعد وفاته ﴿إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ﴾: يوشع أو شموئيل وهو الأعرف ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا﴾: عيّن قائدًا للجيش نأتمر بأمره ﴿نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّه﴾ِ: أعداء الله والحقّ ﴿قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ﴾: أتوقع منكم الجبن والتخاذل إذا جدَّ الجدّ ﴿قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾: كلا، سنقاتل حتى النفس الأخير وكيف لا نضحّي بكل عزيز ﴿وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا﴾: يشيرون بهذا إلى ما كان من جالوت وقومه الذين غزوا بني إسرائيل، وسبوا ذراريهم ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ﴾: الذين طلبوه، وأصرّوا عليه ﴿تَوَلَّوْاْ﴾: جبنوا وتخاذلوا كما توقّع نبيّهم ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ﴾: صمّموا على الجهاد مخلصين.

(247): ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا﴾: قيل: إنه سمي طالوت لطوله، ولما أخبرهم النبيّ أن الله اختاره لزعامة الجيش ﴿قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا﴾: وهو غير عريق النسب وفارغ اليد من المال ﴿وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ﴾: لنسبنا ومالنا ﴿وَلَمْ يُؤْتَ﴾: طالوت ﴿سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ﴾: نبيّهم ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ﴾: لأن زعامة الجيش لا تحتاج إلى نسب ومال، بل إلى الشجاعة والإخلاص والكفاءة، وكل هذه المؤهلات متوافرة في طالوت ﴿وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾: قيل: كان أعلم بني إسرائيل وأشجعهم آنذاك ﴿وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ﴾: وإضافة الملك إلى الله يشعر بأن المراد بالملك هنا الملك الحق والمشروع دينًا وعقلاً وعرقًا في مقابل المأخوذ ظلمًا وغصبًا ﴿وَاللّهُ وَاسِعٌ﴾: الفضل والعطاء ﴿عَلِيمٌ﴾: بمن يصطفيه للملك والرياسة.

(248): ﴿وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ﴾: بعد أن طلبوا معجزة تدل على مكانة طالوت ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ﴾: صندوق ﴿فِيهِ سَكِينَةٌ﴾: التوراة ﴿مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾: قيل: المراد بالبقية عصا موسى وفتات الألواح ﴿تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ﴾: وأنتم تنظرون إلى التابوت ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾: فاسمعوا لطالوت وأطيعوا.

(249): ﴿فَلَمَّا فَصَلَ﴾: عن بلده ﴿طَالُوتُ﴾: وسار ﴿بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم﴾: مختبركم ﴿بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي﴾: أي ليس من أشياعي وأتباعي. لعله كان موبؤًا ﴿وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ﴾: لم يذقه ﴿فَإِنَّهُ مِنِّي﴾: لأنه سمع قولي وعمل بأمري ﴿إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾: لأن الضرورة تقدر بقدرها ﴿فَشَرِبُواْ مِنْهُ﴾: متجاوزين الحد ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ﴾: وهكذا المخلصون في كل عصر ومصر أقل من القليل ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ﴾: النهر ﴿هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ﴾: قيل: بقي معه313 رجلاً ﴿قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ﴾: لأنهم أكثر عددًا ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ﴾: يريدون يعلمون ﴿أَنَّهُم مُّلاَقُوا اللهِ﴾: وحسابه وجزاءه: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ﴾: فليست العبرة بالعدد بل بالثبات على الحقّ والإخلاص والإستماتة في سبيله ﴿وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾: على الشدائد في مرضاته.

(250): ﴿وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾: لمّا التقى الجمعان ﴿قَالُواْ﴾: المؤمنون المخلصون: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾: دعوا بإخلاص وهم في قلب المعركة وعلى نيّة الجهاد والثبات حتى النهاية، فاستجاب لهم ربّهم بعد أن علم منهم الصدق والوفاء.

(251): ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ﴾: تمّ لهم النصر على أعدائهم ﴿وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ﴾: وصار لداوود بقتل جالوت من الشهرة والسمعة ما ورث به ملك بني إسرائيل كما أشار سبحانه بقوله: ﴿وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ﴾: وهي النبوة ﴿وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء﴾: من صنع الدروع وكلام الطير والنمل ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾: لا تستقيم الحياة إلاّ بقويّ يقاتل به عدو الحق، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي كما قال أمير المؤمنين (ع).

(252): ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ﴾: يا محمد ﴿بِالْحَقِّ﴾: لتخبر بها أهل الكتاب كما في كتبهم، وهم يعلمون علم اليقين أنّك لم تقرأها أو تسمعها ﴿وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾: حتّى عند العلماء من أهل الكتاب.

(253): ﴿تِلْكَ﴾: جماعة ﴿الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾: أي يتفاوتون في الخصائص ﴿مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ﴾: وهو موسى بن عمران ﴿وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾: وهو محمد (ص) حيث خصّ بالمعجزة القائمة إلى يوم القيامة وهي القرآن ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ﴾: كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ﴿وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾: أي بالروح الطاهرة المقدّسة ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ﴾: مشيئة الجبر والقسر ﴿مَا اْقْتَتَلَ اْلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم﴾: وهم أتباع الأنبياء وأممهم وأقواهم لأنه تعالى يبين الحلال والحرام، ويدع الطاعة والمعصية لاختبار العبد وحريته حيث لا انسانية بلا حرية ﴿مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ اْلْبَيِنَّاتُ﴾: يتقاتلون وهم يعلمون أن القتال فساد وظلال. ﴿وَلَكِنِ اْخْتَلَفُواْ﴾: بغيًا بينهم ﴿فَمِنْهُم مَّنْ ءَامَنَ﴾: ملتزمًا بما جاء به الأنبياء ﴿وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ﴾: بعد قيام الحجة عليه ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ﴾: أن يلجئهم إلى الوفاق ﴿مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾: من مضي العبد على حريته وإرادته من حيث الطاعة والمعصية.

(254): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم﴾: والأمر بالإنفاق هنا يشمل الصدقة الواجبة والمستحبة ﴿مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ﴾: حيث لا سلعة ولا مال ﴿وَلاَ خُلَّةٌ﴾: مودة نافعة ﴿وَلاَ شَفَاعَةٌ﴾: إلا بإذن الله ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾: وأيضًا الظالمون هم الكافرون لقول الرسول الأعظم من أعان ظالمًا، وهو يعلم أنّه ظالم فقد برىء من الإسلام.

(255): ﴿اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾: الدائم بلا قبل شيء ولا بعده، ومن هنا تبدأ آية الكرسي، وفضلها عظيم. ﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ﴾: نعاس ﴿وَلاَ نَوْمٌ﴾: تنزيه عن صفات مخلوقاته ﴿لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾: لا أحد يملك مع الله شيئًا إلاّ ما ملكه جلّ وعزّ ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾: أبدًا حتى الكلام لا أحد ينطق به غدًا إلاّ من أذن له الرحمن ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾: يعود الضمير على من يعقل من أهل الأرض والسماء ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ﴾: من معلوماته ﴿إِلاَّ بِمَا شَاء﴾: هو أن يعلموه ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ﴾: ملكه وعلمه وقدرته ﴿السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ﴾: لا يشق عليه ﴿حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ﴾: شأنًا ﴿الْعَظِيمُ﴾: سلطانًا.

(256): ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾: لأن الدين من حيث هو مبنيّ على الحريّة والإختيار، ولا فرق بين قولك: يدين فلان بالإسلام، وقولك يقرأ القرآن، هذا إلى أنه ﴿قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ﴾: الإسلام ﴿مِنَ الْغَيِّ﴾: الكفر ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ﴾: الشيطان والأصنام ﴿وَيُؤْمِن بِاللّهِ﴾: وحده لا شريك له ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ﴾: موضع الإمساك القوي المحكم ﴿لاَ انفِصَامَ لَهَا﴾: لا تنكسر ولا تنقطع ﴿وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.

(257): ﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ﴾: من الحفر والجاهلية الجهلاء ﴿إِلَى النُّوُرِ﴾: نور العلم النافع والدين القويم ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ﴾: تتولى أُمورهم الشياطين ﴿يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ﴾: الخير ﴿إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾: الشرّ ﴿أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾: تهديد ووعيد.

(258): ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ﴾: وقال له: من ربك يا إبراهيم ﴿أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ﴾: أي كفر وتمرَّد نمرود لا لشيء إلاّ لأنه تملَّك وتحكَّم بالعباد والبلاد ظلمًا وعدوانًا ﴿إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾: ولا أحد يشاركه في ذلك ﴿ قَالَ﴾: نمرود ﴿أَنَا﴾: أشاركه في ذلك لأني ﴿أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾: أترك الإنسان فيبقى حيًا، وأقتله فيموت ﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾: أي أن الذي يحيي ويميت حقًا وواقعًا لا تدليسًا وتمويهًا هو الذي يأتي بالشمس من المشرق، فإن كنت يا نمرود تحيي وتميت كذلك فأْت بالشمس من المغرب ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾: سكت متحيّرًا كالذي تلقمه حجرًا.

(259): ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ﴾: تقديره أو رأيت مثل الذي...، ولم يفصح سبحانه عن اسم القرية ولا عن اسم المار، ولكن المفسرين ذكروا وأكثروا، ونحن نسكت عما سكت الله عنه. ﴿وَهِيَ خَاوِيَةٌ﴾: خالية من السكان ﴿عَلَى عُرُوشِهَا﴾: سقوف البيوت أي بيوت القرية دمار وآثار ﴿قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾: ليس هذا إنكارًا، بل سؤالاً على سبيل المعرفة بعملية الإحياء، ويومىء إلى هذا قوله سبحانه: ﴿فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾: ليعلم أن الله سبحانه يحيي ويميت بمجرّد الإرادة التي عبَّر عنها سبحانه بكلمة (كن فيكون) ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتَ﴾: ليس هذا سؤالاً على الحقيقة، بل سببًا لحمل الطرف الآخر على الإعتراف بالجهل ﴿قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾: يدل هذا على أنّه لم يشعر بالمدة أو أن أمد الآخرة غير أمد الدنيا ﴿قَالَ بَل لَّبِثْتَ ماِئَةَ عَامٍ﴾: في حساب أهل الدنيا ﴿فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾: لم تغيره السنون ﴿وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾: سالمًا بلا علف وماء، وهنا تكمن المعجزة الإلهية. ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ﴾: فعلنا بك ذلك لتكون دليلاً على البعث وإمكانه عند من يعلم بحالك ﴿وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا﴾: نحييها، والمعنى كما أحييناك بعد الموت كذلك نحيي العظام وهي رميم ﴿ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾: تمامًا كما بدأ أول خلق يعيده ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ﴾: أي فلمّا شاهد وجرب ﴿قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾: وأن إرادته تعالى هي عين قدرته على الفعل والإيجاد، أمّا إرادتنا نحن فلا بدَّ أن يكون معها قدرة وأدوات وعدم الموانع والعقبات.

(260): ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى﴾: آمن إبراهيم (ع) بأن الله يحيي الموتى إيمانًا لا يشوبه ريب، ولكنه أحبّ أن يشاهد ذلك بالعيان ﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن﴾: الله يعلم أن إبراهيم (ع) أقوى الناس إيمانًا، ولكن سأله ليجيب بهذا الجواب: ﴿قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾: فيزداد الإيمان رسوخًا بالعيان. ﴿قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ﴾: أُضممهنّ واجمعهنّ ﴿إِلَيْكَ﴾: وقطّع كل طير إلى أجزاء ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا﴾: فامتثل إبراهيم أمر الله تعالى ﴿ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾: ساعيات مسرعات ولما دعاهنّ إبراهيم رجعت إليهنّ الحياة وأقبلن نحوه .

(261): ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾: في خدمة الإنسان ورفع مستوى الحياة ﴿كَمَثَلِ﴾: باذر ﴿حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ﴾: بيان أنّ الحسنة بسبعمئة، بل تزيد عن ذلك أضعافًا بدليل قوله تعالى: ﴿ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء﴾: فيه إيماء إلى أن المال إذا صادف محلّه عاد نفعه وأجره على الباذل فوق ما يتصور ﴿وَاللّهُ وَاسِعٌ﴾: الرحمة والمقدرة ﴿عَلِيمٌ﴾: بمن يستحق الزيادة.

(262): ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا﴾: إظهار النعمة والصنيعة ﴿وَلاَ أَذًى﴾: السبّ والتوبيخ ﴿لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ﴾: مغفرة ورحمة وثواب ﴿وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾: من العذاب ﴿وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾: على فوات ما يبتغون.

(263): ﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ﴾: بالردّ الجميل ﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾: إن الحَّ السائل ﴿خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى﴾: سبّ أو ضرب .

(264): ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى﴾: إن اسم الصدقة لا يطلق على بذل المال إلاّ مع النيّة الخاصة لوجه الله، وما من شكّ أن المن والأذى لا يجتمعان مع الإخلاص في النيَّة ﴿كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ﴾: وهو المنافق الذي يبطن غير ما يظهر ﴿وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ﴾: كي يبذل لوجه الله ﴿وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾: كي يرجو الأجر والثواب ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ﴾: حجر أملس ﴿عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ﴾: مطر غزير ﴿فَتَرَكَهُ صَلْدًا﴾: أجرد لا ينبت شيء ﴿لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ﴾: لا ينتفعون شيئًا مما أنفقوا.

(265): ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾: يثبّتون أنفسهم على الإيمان ببذل المال ﴿كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ﴾: لأن الشجرة في مكان مرتفع أطيب ثمرًا وأزكى طعمًا ﴿أَصَابَهَا وَابِلٌ﴾: مطر ﴿فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ﴾: تضاعف الثمر بسبب المطر ﴿فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ﴾: ندى ومطر خفيف .

(266): ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ﴾: بستان وهذه الآية مثل لمن يعمل عملاً يظن أنه ينتفع به، فإذا كان وقت الحاجة إليه لم يجده شيئًا تمامًا كالسراب يظنّه الظمآن ماء ﴿مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ﴾: فأقعده عن الكسب والعمل ﴿وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء﴾: يطلبون الغذاء والكساء ﴿فَأَصَابَهَا﴾: أي الجنة ﴿إِعْصَارٌ﴾: ريح فيها سموم محرقة ﴿فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ﴾: حتى أصبحت غبارًا منتشرًا، وكل من يعمل صالحًا، ويتبعه بما يذهب أجره وثوابه، مثله كهذا العجوز العاجز المعيل الذي أتعب نفسه شابًّا لصغاره وشيخوخته، بغير جدوى.

(267): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾: سواء أكان مصدر الكسب صناعة أم زراعة أ تجارة أم هدية أم ميراثًا أم وظيفة أم أي شيء آخر ﴿وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ﴾: نباتًا كان أم معدنًا ﴿وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ﴾: لا تقصدوا المال الرديء من أموالكم فتنفقوا منه ﴿وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ﴾: أنتم لا تأخذون الرديء في حقوقكم وديونكم، فكيف تعطونه لغيركم؟ ﴿إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ﴾: أن تتسامحوا بأخذه ، من أغمض فلان عن حقّه إذا غضّ النظر عنه.

(268): ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾: يخوّفكم منه إن أنفقتم في سبيل الخير ﴿وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء﴾: المعاصي والآثام ومنها منع الزكوات والأخماس ﴿وَاللّهُ يَعِدُكُم﴾: إن أنفقتم وبذلتم ﴿مَّغْفِرَةً مِّنْهُ﴾: لذنوبكم ﴿ وَفَضْلاً﴾: رزقًا واسعًا .

(269): ﴿ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء﴾: وهي الإصابة في القول والعمل ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾: وفاز فوزًا عظيمًا دنيا وآخرة ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ﴾: يتَّعظ ويعمل بالحكمة ﴿إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾: أصحاب العقول الخالصة النيّرة.

(270): ﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ﴾: إخلاصًا أو رياء ﴿أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ﴾: في طاعة أو معصية ﴿فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ﴾: ويجازي عليه، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ﴾: وهم الأغنياء الذين يمسكون ويبخلون ﴿مِنْ أَنصَارٍ﴾: يدرأون عنهم سوء العذاب.

(271): ﴿إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ﴾: لا بأس في إظهار الصدقة مادام القصد وجه الله ﴿وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ﴾: من الإظهار، لبعدها عن الشبهة والرياء من جهة، وحرصًا على كرامة الفقير من جهة ثانية ﴿وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ﴾: أي بعض السيئات، لأن الصدقة لا تمحو جميع الذنوب، وتدفع الكثير من بلاء الدنيا بالحسّ والتجربة.

(272): ﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ﴾: يا محمد ﴿هُدَاهُمْ﴾: بل عليك أن تبلّغ وتأمر المسلمين بالإنفاق بلا من وأذى ورياء، وليس عليك أن تحملهم على العمل بالتقوى والهدى ﴿وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء﴾: من يقبل النصح والإرشاد وتقدم الكلام عن ذلك في تفسير الآية26 ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ﴾: أي منفعة لكم وإذن علام تمنّون على ما تنفقون؟ ﴿وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ﴾: إذا تصدقتم لوجه الله حقًا وصدقً فعليكم أن لا تتبعوا الصدقة بالمنّ والأذى ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾: ثوابه أضعافًا، فلا عذر لكم في الإمساك والبخل ولا في المنّ والتقريع.

(273): ﴿لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾: أي أعطوا زكاة أموالكم للذين تفرَّغوا للجهاد وطلب العلم ﴿لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ﴾: يعجزون عن العمل ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ﴾: عن الطلب ﴿تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ﴾: تعرف فاقتهم بعم ظهور النعمة عليهم وغير ذلك من الدلائل لا بالطلب والإلحاح ﴿لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾: إلحاحًا، والخلاصة يعطى مال الله سبحانه للمجاهد في ميدان القتال دفاعًا عن مبدأ الحق والدين القويم، ولطالب العلم النافع، ولكل عاجز عن العمل لا يتسول ولا يتحايل.

(274): ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ...﴾: نعم كل من فعل ذلك لوجه الله، ولكن تواردت الأخبار أنها نزلت في علي (ع).

(275): ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ﴾: يوم الحشر من قبورهم ﴿إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُه﴾: يضربه ﴿الشَّيْطَانُ﴾: ضربًا شديدًا﴿مِنَ الْمَسِّ﴾: الجنون. ومن المعلوم أن الشيطان لا سلطان له على الإنسان، وإنمّا القصد مجرد التشبيه و التقريب. لأن العرب كانوا يقولون عمّن يصاب بالصرع: مسه الشيطان. ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ﴾: الضمير للذين يأكلون الربا، وذلك إشارة إلى تحبّطهم ﴿قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾: قاسوا البيع على الربا من حيث الزيادة والتفاضل فيهما معًا، فكيف حرّم الربا دون البيع فردَّ عليهم سبحانه بقوله: ﴿وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ﴾: لأن الزيادة التي يأخذها البائع لها مقابل، وهو تفرغة للقيام بدور الوسيط بين المنتج والمستهلك ﴿وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾: لأنه استغلال محض وأخذ للزيادة من غير مقابل، وعليه فلا مبّرر للقياس ﴿فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ﴾: بلغه أن الله حرم الربا ﴿فَانتَهَىَ﴾: ترك الربا طاعة لله ﴿فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾: ما أخذ من الربا قبل التحريم، ولا يجب عليه ردَّه إلى من أخذ منه ﴿وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ﴾: يشمله برحمته لأنه ترك الحرام لوجهه الكريم ﴿وَمَنْ عَادَ﴾: إلى الربا أو فعله ابتداء مع علمه بالتحريم ﴿فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾

(276): ﴿يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا﴾: ينقصه ويذهب ببركته ﴿وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾: يزيدها وينميّها ﴿وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ﴾: بأمره ونهيه ﴿أَثِيمٍ﴾: يأكل الحرام.

(277): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ...﴾: تقدم مثله في الآية 82.

(278): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ﴾: خاطبهم سبحانه بالإيمان والتقوى توطئة لقوله: ﴿وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾: اكتفوا من الربا بما مضى، واتركوا ما بقي ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾: حقًا وواقعًا.

(279): ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ﴾: فاعلموا ﴿بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ﴾: قال الإمام الصادق (ع): (آكل الربا يؤدّب بعد البيّنة أي النهي فإن عاد أُدب ? ثانية ? فإن عاد قتل) في الثالثة، وقيل في الرابعة ﴿وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾: وما زاد حرام محرّم ﴿لاَ تَظْلِمُونَ﴾: المديون بطلب الزيادة ﴿وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾: أنتم بالنقصان.

(280): ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾: كان تامة وذو فاعل ﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾: كل مديون معسر لا تسوغ مضايقته، كما لا يسوغ للموسر أن يماطل بالوفاء ﴿وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾: ليس من شك أن إبراء المعسر من الدين فضيلة لأن الدائن يخّفف عن المديون أحد الثقلين وهما الفقر والدين.

(281): ﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا﴾: خافوا من حسابه وعذابه ﴿تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ﴾: فيرى أعمالكم ﴿ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ﴾: جزاءً ووفاقًا ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾: فتيلاً.

(282): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾: إلى يوم معين، ويجوز إلى الحصاد والموسم المعلوم بين الدائن والمديون ﴿وَلْيَكْتُب﴾: الأمر هنا للندب لا للوجوب باتفاق الفقهاء ﴿بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾: المجرور هنا يتعلّق بقوله سبحانه وليكتب ولا بكاتب، لأن الكتابة بين الناس لا يشترط فيها أن يكون الكاتب عادلاً، بل مأمونًا على ما يكتب وكفى ﴿وَلاَ يَأْبَ﴾: هذا النهي للكراهة لا للتحريم إلا إذا أيقن المدعو بأن امتناعه عن الكتابة سبب تام للفساد، والله لا يحب الفساد ﴿كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ﴾: كما أمره بكتابة عادلة مأْمونة لا يزيد فيها ولا ينقص ﴿فَلْيَكْتُبْ﴾: كرّر توطئة للإملاء في قوله: ﴿وَلْيُمْلِلِ﴾: أي يملي ﴿الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ﴾: وهو المديون لأن الشهادة على اعترافه ﴿وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ﴾: في الإعتراف بما عليه ﴿وَلاَ يَبْخَسْ﴾: لا ينقص ﴿مِنْهُ﴾: من الحقّ الذي عليه ﴿شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا﴾: محجرًا عليه لتبذيره وإسرافه ﴿أَوْ ضَعِيفًا﴾: قاصرًا ﴿أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ﴾: لعيٍّ أو خرس وما أشبه ﴿فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ﴾: الذي يلي أمره من أب أو وصي أو وكيل أو ترجمان أمين، كل ذلك يجب أن يكون ﴿بِالْعَدْلِ﴾. ﴿وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ﴾: على الدين ﴿من رِّجَالِكُمْ﴾: المؤمنين ﴿فَإِن لَّمْ يَكُونَا﴾: الشهيدان ﴿رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ﴾: أي فليشهد رجل ﴿وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء﴾: أي من تعرفونهم بالعدالة ﴿أَن تَضِلَّ﴾: تنسى ﴿إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى﴾: وعلينا أن نتعبَّد بالنصّ، لأنه معصوم عن الخطأ، ولا نعترض عليه بعقولنا، لأنها تخطئ وتصيب، فكيف نعلّل المعصوم بغير المعصوم والواجب العكس؟ ﴿وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ﴾: إذا دعاك داع لتشهد له على حقّ وجب عليك أن تستجيب لدعوته على الكفاية ﴿وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ﴾: السأم الملال، وضمير تكتبوه يعود إلى الدين أو الحق، والقصد هو التحفظ والوقاية من النزاع والشقاق ﴿ذَلِكُمْ﴾: إشارة إلى الكتابة والشهادة ﴿أَقْسَطُ﴾: أعدل ﴿عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ﴾: أثبت ﴿لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى﴾: أقرب ﴿أَلاَّ تَرْتَابُواْ﴾: تشكوا في مقدار الدين أو أجله ﴿إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا﴾: لا بأس بترك الكتابة في المعاملات والمعاطاة التجارية التي تقع بينكم بثمن معجّل حيث لا يتوهَّم فيها ما يتوهّم في التداين. ﴿وَأَشْهِدُوْاْ﴾: على الندب ﴿إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾: عام لكل بيع صغيرًا كان أو كبيرًا ﴿وَلاَ يُضَآرَّ﴾: بضم الياء ﴿كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ﴾: هذا نهي عن الإضرار بهما قولاً أو فعلاً، ومن قرأ أيضًا بفتح الياء يكون النهي موجهًّا للكاتب والشاهد أن لا يضرّا من له الحق بالنقصان ولا من عليه الحقّ بالزيادة ﴿وَإِن تَفْعَلُواْ﴾: ما يوجب الضرر ﴿فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾: أي هذا الفعل يخرج بكم عن طريق الحقّ والصلاح.

(283): ﴿وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا﴾: كان هذا في القديم حيث قال النبيّ (ص): نحن أمّة أُميَّة، أما اليوم فما أكثر الكاتبين، وعلى أيّة حال فقد أجمع الفقهاء على صحة الرهن، واعتبر أكثرهم أو الكثير منهم القبض كشرط لتمامه، واستدلوا بقوله تعالى: ﴿فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ﴾: وأُنثت مقبوضة لأن رهان جمع تمامًا كما تقول: الأمور مرهونة بأوقاتها ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا﴾: ووثق صاحب المال بالمديون، وأعطاه بلا صك ولا رهن ولا إشهاد ﴿فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ﴾: وهو المديون ﴿أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ﴾: بالصدق والوفاء. ﴿وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ﴾: من تحمل الشهادة يحرم عليه كتمانها إذا توقف ثبوت الحق على الإدلاء بها ﴿وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾: لأن الكتمان في القلب قبل اللسان تمامًا كالتقوى.

(284): ﴿لِلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾: وما لأحد مع الله شيء ﴿وَإِن تُبْدُواْ﴾: تظهروا مَا فِي أَنفُسِكُمْ: من سوء ﴿أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ﴾: إلاّ أن يكون مجّرد وسواس وحديث نفس يبقى طيّ الكتمان، لأن مثل هذا لا يخلو منه إنسان ﴿فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء﴾: وإذن فليس لأحد أ ييأس من عفو الله فلعلّه مغفور له ﴿وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء﴾: ولا يأمن من غضب الله، فلعلّه مغضوب عليه.

(285): ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ﴾: إيمان من يثق بما عند الله أكثر مما يثق بما هو في يده ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾: من صحابته كذلك ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾: يقولون بقلوبهم وأفواههم ﴿لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ﴾: لأنه من آمن ببعض ما أنزل الله وأرسل دون بعض فهو كمن كفر بالله ويحمل هذا الإيمان معنى عرفان الجميل لكل جهد كريم، ويؤكد التواصل بين الأجيال ﴿وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾: في كل شيء لا في شيء دون شيء حتى ولو خالف ما نهوى ﴿غُفْرَانَكَ﴾: نستغفرك ولا نكفرك.

(286): ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾: تقدّم في الآية 233 ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾: من خير ﴿وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾: من السيئات ﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾: تهاونًا منّا وتقصيرًا ﴿رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا﴾: تكليفًا ثقيلاً ﴿كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا﴾: أي نريده تكليفًا سمحًا خفيفًا لا ضيق فيه ولا حرج بحيث لا تستثقله نفوسنا كالصلوات الخمس لا أكثر وإلاّ فإن الله لا يكلّف نفسًا إلا وسعها بنص القرآن سواء أكانت هذه النفس قبلنا أم بعدنا ﴿رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾: أي لا تعذبنا يوم القيامة العذاب الأكبر ﴿وَاعْفُ عَنَّا﴾: اجعلنا طلقاء عفوك ﴿وَاغْفِرْ لَنَا﴾: أذقنا حلاوة مغفرتك ﴿وَارْحَمْنَآ﴾: وإن كنا لا نستحق الرحمة ﴿أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾: إنَّك على كل شيء قدير. والصلاة على النبيّ وآله الطاهرين.