مقارنة بين سورة الفلق وسورة الناس

ثم إننا إذا قارنا بين سورتي الفلق والناس فسنجد أنهما وإن كانتا تشتركان في الاستعاذة لكن في سورة الفلق استعاذة واحدة ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ ولكن من شرور أربعة: ﴿مِن شَرِّ مَا خَلَقَ* وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ* وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ* وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ (الفلق/2)، وهذه الأمور الأربعة هي من الأمور التي تستهدف حياة الإنسان العادية، ويتعرض فيها الإنسان للعدوان الذي ينشأ عند فساد كبير في سعادته واستقراره.

أما في سورة الناس فالكلام هو في موضوع الضلال والهدى. وقد استعاذ ثلاث مرات اعطى فيها لكل حالة مضموناً يختلف عن مضمون الحالة الأخرى فقال: ﴿بِرَبِّ النَّاسِ* مَلِكِ النَّاسِ* إِلَهِ النَّاسِ* مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ﴾، فهذا يشير إلى أهمية الأمر الذي يرتبط بحالة الضلال والهدى، والإيمان وعدم الإيمان، فإن ما ينشأ عنه الإخلال بحالة التوازن الإيماني، والإنساني، والعقلي، والفكري، والنفسي، والروحي، يبقى هو الأمر الأهم والأخطر في حياة هذا الإنسان، وفي كل وجوده.

فكان لا بد من الاستنفار الشامل لمواجهة هذا الخطر؛ فكان أن تكررت الاستعاذة وتعددت، واختلفت أوصاف المستعاذ به: بالرب، بالملك، بالإله، لأن الأمر بالغ الأهمية والحساسية، مادام أنه قد يؤدي إلى خسران الدنيا والآخرة، أما الأخطار الدنيوية من قبيل خطر ما خلق، والغاسق إذا وقب. والنفاثات في العقد. والحاسد إذا حسد، فيكفي لدفعها أن تستعبد مـرة واحدة بالذي يحميه ويرعاه من موقع ربوبيته لـه.