تفسير قوله تعالى ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾

لا تكرار في الآيات:

ويرد سؤال، وهو: أن الله عز وجل قال في أول الأمر: ﴿الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ﴾، ثم عاد مرة أخرى ليقول: ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾ فهل هذا تكرار؟ وما الفائدة من هذه الإعادة يا ترى؟ الجواب: قد تقدم: أن كلمة "الوسواس" لا يراد بها مجرد الإشارة إلى الذات التي هي موضوع الحكم على غرار قولك: أكرم هذا الجالس. بل هي وصف يراد به الإشارة إلى سبب الأمر بالإستعاذة، فهي من قبيل العدالة، والأبوة والعلم في قولك: صل خلف العادل، وأكرم أباك، وقِّبل يد العالم. فإن لهذه الأوصاف مدخليه في الحكم بصحة الصلاة، و بوجوب الإكرام، وتقبيل اليد..

وقد قلنا أيضاً: إن الاتصاف بالوسواسية إنما جاء نتيجة تكررّ صدور الوسوسة من ذلك المخلوق مرة بعد أخرى، حتى صح إطلاق هذا الوصف عليه، أو حتى مع هذا الإدعاء المرتكز على المبالغة بأن هذا الوصف عين ذلك الموصوف، ولكن الآيات الكريمة لم تكتف بذلك، بل أرادت التأكيد على أن هذا الوصف المتكرر هو فعل اختياري، يمارسه ذلك المخلوق عـن قصد وتصميم وتخطيط. وليس هو مجرد إسم، أو صفة، أو أمر قائم فيه، أو صادقٍ عليه، دون أن يكون له دور في حركته وممارسته، وإنما جـاء التعبير به لمجرد إحضاره في الذهن، ويلاحظ: أن التعبير قد جاء بصيغة الفعل المضارع "يوسوس"، لإفادة استمرار صدور ذلك منه في الحال، وفي الاستقبال.