الخناس

الخناس: يحتمل فيها معنيان: الأول: أنه الذي يظهر بعد الخفاء. والخفاء مقدم على الظهور، أما الثاني: ما دلت عليه الروايات، من أن الخنوس هو الرجوع، فإن العبد إذا ذكر الله تعالى خنس الشيطان، فالخنوس على هذا هو الخفاء بعد الظهور، على عكس المعنى الأول.

ومهما يكن من أمر، فإن هذا الخفاء تارة يكون في الذات الشيطانية، كأن يكون من الجن، فلا يراه الناس. وتارة يكون الخفاء في الفعل الشيطاني؛ فلا يلتفت الإنسان إلى أن ما يحدث به نفسه هو وسواس شيطاني، بل يظن أنه هو الذي يفعله باختياره. مع أن الشيطان هو الذي يحدثه به، ويلقي الخواطر في نفسه، وقد جاء في بعض الروايات ما يشير إلى أن الخفاء هو في الذات الشيطانية، فإن العبد إذا ذكر الله خنس الشيطان ورجع وتراجع، فإذا غفل عن ذكر الله ظهر. فسمي خناساً لأجل ذلك.

ومن الواضح: أن ظهور الشيطان إنما هو بظهور وسوسته، لأنها هي التي تعبر عن وجوده وتفصح عنه؛ فله إذن نوع ظهور بها، ونوع خفاء؛ لأن الإنسان لا يلتفت إلى الذات الشيطانية مباشرة، فروايات أهل البيت عليهم السلام إذن تشير إلى أن فعل الشيطان يظهره أو فقل يشير إلى وجوده ويتلمسه الإنسان إلى درجة يشعر معها بخصوص الذات الشيطانية امامه وهذا نظير حالة العدالة والورع والتقوى فإنها وإن لم يكن لها تجسد مادي خارجي أو حسب المصطلح " ليس لها ما بازاء في الخارج إلا أنها من المفاهيم التي تظهر بآثارها الى درجة جعلت وجودها كأنه ظاهر للعيان وذلك ما أشير اليه في رواية عن الإمام الرضا عن آبائه (ع): من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروته، وظهرت عدالته ووجبت أخوته، وحرمت غيبته.

والخلاصة : أن الشيطان كان خافياً فإذا وسوس للإنسان، كان ذلك دليلاً وإشارة إلى وجوده وحضوره وظهوره قبل أن يذكر العبد الله، فلما ذكره خنس وتراجع؛ فإذا غفل ظهر من جديد بعد خفاء وهكذا، وبسبب تكرار محاولاته، وتعدد ظهوره وخفائه، سمي "خناساً"، بصيغة المبالغة المفيدة للكثرة والتكرار.. أو هو خناس من جهة أن كيفية عمله هي كيفية الخنوس والظهور بعد خفاء، أو الخفاء بعد الظهور، على طريقة أن العبد إذا ذكر الله خنس، وإذا نسيه أظهر نفسه، وعاد إليه. أو بمعنى أن عمله يكون خافياً غير ظاهر، وهو مختف عنه بسبب عدم التفاته إليه.