وسواس صيغة مبالغة أم مصدر

قد يقول بعضهم : إن كلمة ﴿الْوَسْوَاسِ﴾ ليست من قبيل الوصف وإنما هي صيغة مبالغة مثل: "فعال". قال تعالى: ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ (هود/107)، وغير ذلك، وهذا هو الملائم لصيغة خنّاس حيث إنها صيغة مبالغة، غير أن ثمة من يقول: إن كلمة: ﴿الْوَسْوَاسِ﴾ مصدر؛ فيكون ما نحن فيه من قبيل قولك: زيد عدلٌ، حيث لا يصح وصف الذات بالمصدر إلا بنوع من الإدعاء، لأن كلمة عدل مصدر؛ فهي إسم معنى. وكلمة زيد إسم عين. ولا ارتباط بين هذين الأمرين إلا بادعاء أن زيداً هو عين العدل، لشدة تلبسه به، وممارسته له، حتى اقترنا في الذهن؛ فإذا قلت: عدل تبادر زيد إلى الذهن، كما أنك حين تقول: إمام يتبادر إلى ذهنك الإمام علي (ع). وحين تقول: كرم يتبادر إلى الذهن حاتم، حتى كأنه مرادف له.

فيصح أن تقول: زيد عدل كما تقول: الأسد قوة - أي محض القوة - فكأنما تحولت القوة وتجسدت بالأسد، والأمر فيما نحن فيه كذلك، حيث تصح دعوى أن هذا المخلوق الشيطاني قد تجسدت فيه الوسوسة إلى حد أنها صارت هي الشيطان، والشيطان هو الوسوسة، مثل: العدل هو فلان، وفلان هو العدل، والكرم هو حاتم، وحاتم هو الكرم.. الخ.. حيث يدعى : أن هذا الموصوف قد خرج عن طبيعته وصار هو نفس تلك الصفة.

وهذا بالطبع يستدعي المزيد من الحذر من هذا المخلوق، والمزيد من الإستعاذة منه؛ لأن المبالغة في موضوع الوسوسة تستدعي المبالغة في الحذر منها. ولعله لأجل ذلك استعاذ منه ثلاث مرات على النحو الذي قدمناه، وكلمة "الخناس" تصلح قرينة على ذلك، لأن معناها: الكثير الخُنوس، أي كثير التردد ذهابا وإيابا، حيث جاءت هذه الكلمة بصيغة المبالغة، مثل: قتّال، وفعال.

ولعل هذا ما يفسر لنا نسبة الشر إليه على سبيل الإطلاق، على أساس أن الشر يأتي من قبله بسبب تمحضه في الوسوسة وصيرورته عينها، فظهر مما تقدم أمران:

الأمر الأول: أن يراد به تعليل ثبوت الحكم لموضوعه؛ فهو مثل: أقتل القاتل، يعني: بعلة قتله أقتله. اقطع يد السارق، أي بسبب سرقته. اجلد الزاني، أي لزناه. أدِّب المذنب، أي بسبب ذنبه. أكرم العالم، أي لأجل علمه. صلوا خلف العادل، أي لإتصافه بالعدالة..

الأمر الثاني: فهو إرادة المبالغة وذلك بطريقين: الأول : أن يقال: إن كلمة وسواس هي ? في نفسها - صيغة مبالغة، الثاني: أن يقال : إنها مصدر محمول على الذات؛ بادعاء أن هذا صار من افراد ذاك، على غرار زيد عدل، حيث يراد من هذه المبالغة بيان خطورة الأمر فيما يرتبط بوصول الشر إلينا من قبل هذه الذات الشيطانية، من خلال هذه الوسوسة.