اللغة القرآنية

وقد جاء الحديث الإلهي هنا منسجماً مع حقيقة: أن الإنسان إنما يتعامل مع الأمور بعفويته، ومحدوديته، ونقصه، وبلغته البشرية، وأساليبه، ومن موقعه هو، وفي حدود مدركاته وآفاقه، ويخاطب الله سبحانه وتعالى بتعابيره هو. وفي حدود إدراكاته وآفاقه.. وإلا فإن الله سبحانه عليم بحالهم، رؤوف رحيم بهم، ولا يريد للإنسان أن يتعرض لأي أذى، بل هو يريد أن يرى نعمه سابغةً عليه، ولكنه يريد منه أيضاً أن يشعر بحاجته إليه، وأن يتوجه إلى رحابه، فيعبده، ويدعوه، ويخلص له في الدعاء والعبادة، وان يجهر بحاجاته له، ويعلن أمامه بالخطر الذي يتهدده؛ فإن ذلك من الأساليب التربوية له، ومن أسباب هدايته، ومن طرق التحضيض على الإستجابة، والإلحاح على الرحمة والعفو.

فاتضح: أن التصريح بكلمة "شر" أسلوب إنساني متداول في مقام التخاطب البشري. والله سبحانه وتعالى لا يمنع الإنسان من ممارسة أساليبه ولغته، لأنه يريد له أن يصل إليه بوسائله، وأن يجسد مشاعره، ليكون أكثر إخلاصاً وتوجهاً في دعائه له، وفي طلبه منه.

فكلمة ﴿مِن شَرِّ﴾ تستدرج هذه المحبة والرحمة الإلهية، لتكون إلى جانب هذا الإنسان في مواجهة الشر الذي يستهدف دعوته إلى حفظ نعم هذا الخالق الرحيم والكريم من السوء والشر، والعدوان، فيستعيذ هذا المخلوق الضعيف بالرب الملِك الإله، ليحفظ هذه النعم كلها، وخصوصاً نعمة الهداية، ونعمة الاستقامة، ونعمة الفطرة الصافية، ونعمة العقل السليم.. الخ.