من شر الوسواس

إن المقصود بالوسواس هو الشيطان. والحديث عن الشيطان هنا لم يكن بذكر اسمه، بل تحدث عنه بما له من صفات، حيث قال: ﴿مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ﴾، مصرحاً بخصوصيته التي تمس واقع الإنسان بصورة مباشرة، وهي كونه وسواساً، وكونه خناساً، وقد كانت الإستعاذة من شر الوسواس، لا من نفس الوسواس، ليكون تنصيصاً على الأمر الذي يحرص الإنسان على إبعاده عن نفسه، وهو يستتبع المزيد من الحرص على الإستجابة في مقام الدعاء والطلب، لأنه يجسد له الخطر أمام عينيه، كما أن هذا يتطلب من الإنسان المزيد مـن الإندفاع في الطاعة التي تهيئ أجواء الإستجابة عند من يدعوه.

والخلاصة: إن الداعي، حين يدعوا فإنه يجري في تعابيره على نقل الصورة من عالم الشعور إلى عالم الحس فيتوخى من خلال قوله من شر الوسواس الإيحاء بعلة الإستعاذة، وتجسيد الخطر الذي يواجهه، كما أن فيه أيضاً تحضيضاً للمدعو على الإستجابة، ومد يد العون؛ لما فيه من التصريح الذي يجعل المدعو ? بزعمه ? يتحسس خطورة الأمر أكثر مما لو قال له الداعي: ساعدني على فلان؛ إذ ربما تكون المشكلة أمراً تافهاً لا يستحق هذا الإهتمام؛ فإذا جسد له الخطر، وجعله يتلمسه، فإن ذلك يثير عادة رحمته، وغيرته وحميته، أكثر مما لو ترك الأمر في حالة مبهمة وغائمة.

ونود أن ننبه القارئ الكريم إلى أننا نورد هذه التعابير لنشير بها بصورة تقريبية إلى الحالة المفترضة حين يكون المدعو هو غير الله سبحانه، أما بالنسبة له تعالى.. فهو منزه عن أمثال هذه التعابير. ونعتقد أن ذلك غني عن الإيضاح والشرح.